الكويت تتحرك لاستئناف العمل في ميناء مبارك المنافس لميناء الفاو الكبير.. تعرف على خفايا التحرك الكويتي والخطوات التي يمكن للعراق اتخاذها
بعد إقبال العراق نحو "طريق التنمية"
انفوبلس/..
بالوقت الذي لم تُفصح فيه الكويت عن استئناف الأعمال الإنشائية في ميناء مبارك، ذكرت بيانات رسمية كويتية، زيارة وفد فني من خبراء ومهندسين متخصصين في المشاريع العملاقة من الصين والكويت، موقع بناء مشروع ميناء "مبارك الكبير" بجزيرة بوبيان، في أحدث إشارة رسمية على أن الدولة الخليجية متمسكة بالمشروع الذي يرفضه العراق.
وذكرت وزارة الأشغال الكويتية، أن الوفد الفني بالإضافة إلى السفير الصيني لدى الكويت، برفقة وزيرة الأشغال العامة الكويتية، نورة المشعان، زاروا موقع إنشاء ميناء مبارك.
وتأتي الزيارة، وفقا للبيان، تفعيلا لمذكرة التفاهم المتعلقة بإنشاء مشروع ميناء مبارك، الموقَّعة بين الكويت والصين خلال زيارة أمير البلاد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، إلى بكين خلال شهر سبتمبر الماضي.
وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأنّ الكويت "أعادت إحياء خططها استكمال ميناء، من أجل أن يكون مركزاً تجارياً رئيسياً للطرف الشمالي من الخليج، الذي يضم عدداً من الموانئ الرئيسية، بما في ذلك تلك الموجودة في دبي وأبو ظبي".
وسافر وفد صيني إلى الكويت هذا الأسبوع، والتقى مسؤولين كويتيين من أجل إجراء "مناقشات فنية وميدانية متعمقة" بشأن بناء ميناء مبارك الكبير ومشاريع أخرى، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية".
وقال الديوان الأميري الكويتي، إنّ "الكويت تركز تخطيطها الاستراتيجي على مشروع الميناء والمدينة الشماليَّين، الأمر الذي سيشجع التنمية التي تقودها التجارة، وتأمل أن يعزز ريادتها في شمال الخليج".
منافسة مباشرة لميناء الفاو
ويشكل ميناء مبارك الكبير "منافسة مباشرة لميناء الفاو العراقي القريب، بعد أن ألغت بغداد اتفاقية بحرية كانت تمنح الكويت إمكان الوصول عبر ممر خور عبد الله المائي، الأمر الذي تسبب بنزاع بين البلدين"، وفق "بلومبرغ".
وعقّبت الوكالة قائلةً، إنّ إعادة إحياء المشروع، بعد نحو 10 أعوام من توقف البناء، "كان سببه، جزئياً، خطة العراق الطموحة لإنشاء شبكة طرق وسكك حديدية بقيمة 17 مليار دولار لتعزيز التجارة في المنطقة، بحيث تعمل كل من تركيا وقطر والإمارات على هذا الاقتراح".
في هذا السياق، قالت كريستين سميث ديوان، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إنّه "أصبح من الواضح أنّه ما لم تتقدم الكويت إلى الأمام، فسوف تتخلف عن الركب".
الكويت، بحسب "بلومبرغ"، حليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وواحدة من أغنى دول العالم بفضل احتياطياتها النفطية الوفيرة.
ومع ذلك، فإنّ "أهدافها التنموية تعاني منذ فترة طويلة الخلل السياسي، وهو ما أكّده مؤخراً الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي قام بتعليق عمل البرلمان مؤخراً"، وفق "بلومبرغ".
وخلُصت الوكالة إلى، أنّه "قد يكون إحياء خطة الميناء إشارة إلى أن أمير الكويت يعتزم استغلال التعليق للمضي قُدماً في المشاريع المتوقفة بسبب الخلافات بين المشرعين والوزراء".
الاتفاق العراقي-الكويتي
وتشير وسائل إعلام كويتية، الى أن "مشروع ميناء مبارك يتصدر المشهد الكويتي تنمويا واقتصاديا مع بدء الاستئناف الفعلي لتنفيذه، واتخاذ خطوات عملية وواقعية نحو هذا التوجه، ليكون في مصاف المشروعات التنموية التي تعوّل عليها الكويت خلال المرحلة المقبلة".
ويذكر، أنه في نيسان 2011، وضعت الكويت حجر الأساس لبناء ميناء "مبارك الكبير" الذي تُقدر كلفته بنحو 1.1 مليار دولار في جزيرة بوبيان، على أن يكتمل بناؤه في 2016، علما بأن الإعلان عن هذا المشروع الضخم صدر أول مرة عام 2007.
غضب من الجانب العراقي
وأثارت تلك الخطوة غضبا من جانب العراق، الذي يعتبر أن موقع إنشاء الميناء في جزيرة بوبيان سيعرقل وصوله إلى مياه الخليج التي تُعد منفذه الوحيد على البحر، وهو ما ترفضه الكويت.
وفي تموز من العام ذاته، طلبت بغداد رسميا من الكويت وقف العمل في ميناء مبارك بعد جدل سياسي بين البلدين، لكن الكويت رفضت رسميا طلب العراق.
وفي عام 2013، أبرم البلدان اتفاقية تنظيم حركة الملاحة البحرية في خور عبدالله الذي يربط العراق بمياه الخليج.
وتنص الاتفاقية على تقسيم مياه خور عبد الله بالمناصفة بين البلدين، انطلاقا من قرار مجلس الأمن الدولي التابعة للأمم المتحدة "833" الصادر عام 1993، الذي أعاد ترسيم الحدود في أعقاب الغزو العراقي على الكويت.
ويؤكد مراقبون للشأن السياسي، أن هذه الاتفاقية مجحفة بحق العراق، لأنها تعطي الكويت أحقية في مياه إقليمية داخل العمق العراقي، مما يعيق حركة التجارة البحرية أمام الموانئ المحدودة للعراق.
لكن المحكمة العراقية العليا، قررت، في أيلول الماضي، عدم دستورية اتفاقية خور عبد الله التي تنظم حركة الملاحة البحرية في الممر المائي الفاصل بين الكويت وبغداد.
وبررت المحكمة قرارها "لمخالفة أحكام المادة (61/ رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على أن عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية تنظم بقانون يُسَن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب".
الحلول الممكنة للعراق
ويعتمد العراق بالدرجة الأساس على الحلول الدبلوماسية المبنية على الحوار والتفاوض، في السعي لحوار مباشر مع الكويت لحلّ الخلافات حول الميناء بشكل سلمي ودبلوماسي، والتوصل لاتفاق يضمن حقوق العراق في المياه الإقليمية ويراعي مصالحه الاقتصادية.
وقد يلجأ العراق الى التحكيم الدولي في محكمة العدل الدولية لحسم النزاع حول الحدود البحرية، عبر تقديم الأدلة القانونية التي تدعم موقف العراق.
اما الحلول الاقتصادية التي قد يقبل العراق نحوها، فتعتمد على تطوير الموانئ العراقية الأخرى، والاستثمار في تطوير ميناء الفاو الكبير وتحسين قدراته ليصبح منافسًا لميناء مبارك، وتطوير البنية التحتية للموانئ العراقية الأخرى مثل ميناء أم قصر، بالإضافة الى ذلك، يسعى العراق لجذب الاستثمارات الأجنبية لقطاع النقل البحري، وتعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي والانضمام إلى اتفاقيات التجارة الحرة الإقليمية.
ويؤكد مراقبون للشأن الدولي، أنه "لا توجد حلول بسيطة لمشكلة ميناء مبارك، وستتطلب أي حلول ناجحة جهدًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وسياسيًا مكثفًا من قبل العراق، حيث يمكن مراجعة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الكويت للتأكد أنصافها لمصالح العراق في المياه الإقليمية، بغية دفع أي ضرر مادي أو معنوي للعراق".
علاقة مشروع "طريق التنمية"
وأثار توقيع مذكرة تفاهم رباعية في 22 نيسان 2024، بين العراق وقطر والإمارات وتركيا، في بغداد، لإنشاء مشروع "طريق التنمية" للربط بين العراق وتركيا ودول الخليج، أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة في الكويت، كون المشروع ينطلق من ميناء "الفاو" العراقي، وهو المحاذي لميناء "مبارك" الكويتي، وسط تعثر إنجاز الأخير، ما اعتبروه تهديدا لمصالح البلاد القومية والاقتصادية والتجارية.
ومشروع طريق التنمية يتضمن تدشين طرق برية وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، ويهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج.
وبلغت الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار. وسيوفر المشروع 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد إكماله وإنجازه. ومن المقرر أن يتم إنجاز المشروع على 3 مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050.
وتصدّر ردود الأفعال الغاضبة في الكويت، أول من أمس، أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، الذين علّق أكثر من ثلثهم (من أصل 50 عضواً) على توقيع مشروع "طريق التنمية" في بغداد، والذين اعتبروه في ظل تعثر إنجاز مشروع "ميناء مبارك"، فشلاً لسياسات الحكومة الكويتية في موضوعات التنمية وتطوير الموانئ، وطالبوها باتخاذ خطوات جادة نحو المُضي بإنجازه، أهمها استكمال العمل في الميناء على الفور، وتشكيل لجان تحقيق حول أسباب التأخر ومدى تأثر مصالح دولة الكويت بعد توقيع مذكرة تفاهم المشروع يوم الاثنين الماضي.