الموانئ النفطية في العالم تواجه خطرا "مرعبا".. ما قصة الحديث عن ارتفاع بمستوى البحر مقداره مترا وما التوقيت؟
انفوبلس/ تقرير
في تقرير "صادم" نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، حذر العلماء من تهديد كبير يواجه بعض الموانئ النفطية الأهم في العالم، بما فيها تلك الموجودة في السعودية والولايات المتحدة، نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد بسبب أزمة المناخ، فهل ميناء الفاو العراقي من ضمنها وما هي المخاطر المتوقعة وماذا عن توقيت الحادثة؟
منذ بدء أنشطة التجارة البحرية، لعبت الموانئ دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان، حيث يتم نقل أكثر من 80% من تجارة السلع العالمية (من حيث الحجم) عبر الطرق البحرية. وهناك نسبة كبيرة ومتزايدة من هذا الحجم، تمثل نحو 35% من إجمالي الأحجام وأكثر من 60% من القيمة التجارية، يتم نقلها في حاويات.
وتُعد موانئ الحاويات نقاط ارتكاز أساسية في سلاسل الإمداد العالمية، وهي بالغة الأهمية لاستراتيجيات النمو في العديد من الاقتصادات الصاعدة.
ماذا جاء في تقرير "الغارديان"؟
من المتوقع أن تتعرض موانئ نفطية هامة بما فيها في السعودية والولايات المتحدة لأضرار جسيمة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر مترا واحدا، حسب صحيفة "الغارديان".
التحليلات تشير إلى أن هذا الارتفاع الناجم عن التغيرات المناخية سيؤدي إلى غمر العديد من موانئ النفط الرئيسية، مما يعكس مفارقة غريبة؛ حيث إن حرق الوقود الأحفوري الذي يسبب هذه الأزمة، يُعتمد عليه بشكل أساسي لتشغيل تلك الموانئ.
وفقًا للتقرير، فإن 13 ميناءً من الموانئ التي تشهد أعلى حركة لناقلات النفط العملاقة معرَّضة لأضرار جسيمة إذا استمر ارتفاع مستوى سطح البحر. ومن بين هذه الموانئ، موانئ رأس تنورة وينبع في السعودية، التي تديرها شركة "أرامكو"، وتُعد شريان الحياة لصادرات النفط السعودي، حيث يمر عبرها 98% من الإنتاج النفطي.
كما تشمل القائمة موانئ رئيسية في هيوستن وجالفستون بالولايات المتحدة، إلى جانب موانئ في الإمارات والصين وسنغافورة وهولندا، وهي جميعها مهددة بمخاطر كبيرة قد تعطل حركة النفط العالمية.
وتشير أحدث الدراسات العلمية التي نشرتها المبادرة الدولية للمناخ الجليدي أكدت أن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد بات أمراً لا مفر منه خلال القرن المقبل، وربما يحدث في وقت مبكر من عام 2070، إذا لم تُتخذ تدابير عاجلة للحد من الانبعاثات. أما السيناريو الأكثر كارثية، والذي يتمثل في ارتفاع يصل إلى 3 أمتار، فقد يُسجل خلال الألفية المقبلة، مع احتمالية وقوعه في وقت أبكر مما يتوقع البعض.
يؤكد العلماء أن الحل الوحيد لتجنب هذه العواقب الكارثية يكمن في التحول إلى الطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات من حرق الوقود الأحفوري، من خلال تقليل الانبعاثات الحرارية، يمكن التخفيف من الأزمة المناخية، مما يساهم في تقليل سرعة ارتفاع مستوى سطح البحر، ويعد بتوفير طاقة أكثر استدامة وموثوقية في المستقبل.
*تقارير سابقة
ويهدد تغير المناخ 86% من الموانئ البحرية العالمية بمخاطر كبيرة، مع توقعات بخسائر ضخمة إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للتكيف. إذ تتعرض الموانئ البحرية الضرورية للتجارة العالمية والتنمية المستدامة، لخطر تغير المناخ بطرق مباشرة وغير مباشرة، ما قد يتسبب في خسائر مالية كبرى، في حال لم يبدأ العالم على الفور في اتخاذ إجراءات للتكيف وبناء القدرة على الصمود في الموانئ البحرية، وفق تقرير حديث ناقشته ورشة العمل السادسة لبرنامج غلاسكو/شرم الشيخ حول الهدف العالمي بشأن التكيف عقدت في بون بألمانيا في العام 2023.
آثار تغير المناخ على الموانئ
يعرف التقرير الموانئ بأنها العقد الرئيسية في شبكة بوابات سلاسل التوريد الدولية المترابطة بشكل وثيق إلى الأسواق العالمية، وشرايين الحياة للاقتصاد الأزرق في بعض الدول، على رأسها الدول الجزرية الصغيرة النامية.
تعتبر الموانئ البحرية ضرورية للتجارة والتنمية العالميتين، حيث إن أكثر من 80٪ من حجم التجارة العالمية المنقولة بحرا، تنقل من ميناء إلى ميناء.
يقول التقرير، الذي يحمل عنوان "التكيف مع تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود في الموانئ البحرية.. التحديات والثغرات الرئيسية من منظور عالمي"، إن 86٪ من جميع الموانئ معرضة لآثار تغير المناخ المباشرة وغير المباشرة. وتشمل هذه الآثار ارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات في درجة الحرارة والرطوبة وهطول الأمطار، والعواصف، والفيضانات، من بين آثار أخرى.
يشير التقرير إلى أن الموانئ ستواجه خسائر كبيرة محتملة بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الأكثر شدة بسبب تغير المناخ، كونها تقع في مناطق معرضة للأخطار على طول الساحل وقريبة من الأنهار، والتي تتعرض للعواصف والفيضانات بشكل مستمر.
من المحتمل أن تؤدي العواصف والفيضانات الشديدة في ظل تغير المناخ إلى التأثير على البنية التحتية للموانئ وعملياتها؛ وعلى النقل الداخلي وسلسلة التوريد العالمية الأوسع نطاقا، ما ينتج عنه اضطرابات كبيرة في نظام العمل والتأخيرات والأعطال والأضرار الأخرى التي قد تتسبب في خسائر اقتصادية وتجارية واسعة النطاق.
وستؤدي آثار تغير المناخ على الموانئ أيضًا إلى تفاقم التحديات المتصلة بالنقل، خاصة بالنسبة للدول النامية والدول الجزرية الصغيرة والاقتصادات الضعيفة؛ مع زيادة احتياجات الطاقة وتكاليفها.
*التكاليف والخسائر المتوقعة
يشدد التقرير على أن التكيف مع تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود في الموانئ البحرية بات ذا أهمية اقتصادية استراتيجية، خاصة في ضوء المخاطر المتزايدة الناجمة عن آثار تغير المناخ، وذلك لتجنب تكاليف وخسائر وضخمة.
في ظل الظروف الراهنة، يقدر المتوسط العالمي السنوي الحالي لأضرار العواصف التي لحقت بالموانئ بنحو 3 مليارات دولار أمريكي. ويقدر التقرير التكاليف الضخمة المحتملة والمرتبطة بتعطل الموانئ في حال التقاعس عن اتخاذ اجراءات التكيف بشكل عاجل وسريع، بحوالي 25.3 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول 2100.
وبحلول عام 2100 أيضًا، قد تصل أضرار الفيضانات العالمية بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر المتطرفة ذات الصلة إلى 27 تريليون دولار أمريكي في السنة، أي حوالي 2.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمكن أن ترتفع القيمة الإجمالية للأصول المعرضة للفيضانات الساحلية العرضية إلى 12-20٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إذا لم يتم اتخاذ تدابير التكيف.
من المتوقع أن تتسبب الظروف القاسية في البحر (مثل العواصف) في اضطرابات تشغيلية لحوالي 40٪ من الموانئ على مستوى العالم. علاوة على ذلك، تتعرض الموانئ لمخاطر أخرى بما في ذلك فيضانات الأنهار والزلازل، لذا يتعين على مصممي الموانئ والمشغلين أخذ هذه المخاطر المتعددة في الاعتبار.
بشكل عام، تُعد الموانئ الكبيرة في آسيا وخليج المكسيك وأوروبا الغربية هي الأكثر عرضة لمخاطر المناخ. وعلى الرغم من أن المخاطر الكبرى تهدد البلدان ذات الدخل المرتفع، إلا أنه يمكن أن تكون الآثار أكبر في موانئ البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض، لأن البلدان الغنية لديها القدرة التكنولوجية والمادية على التكيف مع الوضع وتعديل البنية التحتية لمواجهة الأخطار.
بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية، التي تعتمد على الموانئ كشريان حياة، يمكن أن يتسبب حدث متطرف واحد في خسائر اقتصادية ضخمة.
الإجراءات اللازمة للتكيف في الموانئ
إجمالا، يظهر التقرير أن الموانئ في طليعة التأثيرات المناخية، ويؤكد أن هناك حاجة ماسة إلى تكييف الموانئ بأسرع وقت. ويحذر من أن الكثير من الموانئ على المحك، وأن الفشل في خطط التكيف الخاصة بها ليس خيارا مطروحًا، والوقت أصبح جوهريًا لتفادي خسائر كبرى.
يشدد التقرير على ضرورة تسريع العمل لضمان أن تكون البنية التحتية الحيوية للموانئ قادرة على التكيف مع المناخ بحلول عام 2030 حتى عام 2050، مؤكدًا أهمية ذلك لتحقيق التقدم في العديد من أهداف التنمية المستدامة.
كما تحتاج الموانئ الكبيرة في البلدان ذات الدخل المتوسط والمرتفع إلى القيام باستثمارات كبيرة وباهظة التكلفة لإدارة المخاطر على المستوى المحلي في ضوء تغير المناخ المتزايد.
من ناحية أخرى، هناك حاجة إلى تحسينات البنية التحتية لحماية الموانئ الصغيرة في البلدان منخفضة الدخل من آثار المخاطر والاضطرابات المتكررة، والتي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الاقتصادات التي تخدمها، وذلك عبر زيادة بناء القدرات وتمويل تكيف البنية التحتية (الميسور التكلفة) للبلدان النامية.
ذلك يعني ضرورة ضخ تمويل المناخ من أجل تكييف الهياكل الأساسية للموانئ في البلدان النامية بشكل كاف.
يشدد التقرير أيضًا على أهمية وجود تقييمات عالية الجودة للمخاطر وقابلية التأثر، استنادا إلى أفضل العلوم والبيانات المتاحة اللازمة لتحسين فهم الآثار على الموانئ، وتوجيه استجابات التكيف الفعالة وتحديد أولويات الموارد.
يشمل ذلك تحسين جمع وتوافر البيانات؛ والتخطيط المبكر (عمر الأصول)؛ واعتماد نهج النظم؛ وتجنب سوء التكيف؛ وإدماج نهج النظم الإيكولوجية، مع وضع وتنفيذ أطر سياسية وقانونية قوية؛ وكذلك المعايير والإرشادات الفنية، والأدوات المنهجية. كما يوصي التقرير بضرورة دمج جميع هذه الاعتبارات في برامج العمل الوطنية والمساهمات المحددة وطنيا، وكذلك سياسات التخطيط والتنمية للبلدان.
يجدر الذكر بأن عدد الموانئ البحرية حول العالم بلغ 1340 ميناء وفقا للبيانات الصادرة عن معهد التغير البيئي بجامعة أكسفورد (ECI) في 2023.