النكبة في مذكرات القادة العراقيين.. هذا أبرز ما أرّخوه في الهزيمة الكبرى
انفوبلس/..
من أبرز الحوادث الكبرى الفاصلة وأخطرها في التاريخ الحديث، هي نكبة فلسطين التي حدثت في 15 أيار 1948، بعدما أُقيمت "إسرائيل" على حساب مناطق فلسطينية عديدة، فتم طرد الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني من بيوتهم وأرضهم وخسروا وطنهم.
وبعد الإعلان عن إنشاء إسرائيل، قَدِمَت إلى فلسطين قوات عربية عديدة، بينها من الجيش العراقي، للدفاع عن ترابها وعن الشعب الفلسطيني؛ وقد وصل قِوام تعدادهم إلى (19) ألف جندي وضابط. وخاض الجيش العراقي معركة جنين الخالدة التي قادها المقدّم "عمر علي" العراقي مع سريّتين من الجنود جنباً إلى جنب مع خمسين مناضلا من الفلسطينيين، يقودهم القائد فوزي جرار، ورابطت في منطقة المثلث، حيث كانت تجري عمليات تهجير وطرد قسري من 531 قرية ومدينة فلسطينية.
وقد شكلت معركة جنين وبطولة الجنود العراقيين بقيادة المقدّم (عمر علي) مفخرةً لكل العرب الذين دافعوا عن عروبة فلسطين، ونبراساً لا ينُسى من ذاكرة الشعب الفلسطيني. وتم تحرير مدينة جنين على يد القوات العراقية وطرد المنظمات الصهيونية منها وعلى رأسها "الهاغانا" عام 1948 إثر معارك شرسة. وقد سقط من ضباط وجنود الجيش العراقي (207) شهداء. وتشهد مقبرة جنين القسّام على تضحياتهم، ويعود لهم الفضل في صمود أبناء المثلث الفلسطيني لمدة طويلة.
وقد خاض الجيش العراقي معارك عديدة في مجدل الصادق والطيرة الصعبية. وكان الجيش العراقي ومعه قوات عربية وفلسطينية على حافة تحرير حيفا، حيث تمت محاصرتها، لكن لم يتم الأمر.
وكان الجيش العراقي آخر الجيوش التي أُجبِرت على الخروج من فلسطين، ولم يوقع هدنة مع الاحتلال، وخرج بعد عقد اتفاقية رودس في الثالث من نيسان (أبريل) عام 1949.
*مذكرات صائب
في مذكرات الفريق الأول الركن صائب صالح الجبوري (1898 – 1993)، رئيس أركان الجيش العراقي خلال حرب فلسطين عام 1948، والتي حملت عنوان "محنة فلسطين وأسرارها السياسية والعسكرية"، يقول فيها: "لقد ظهر لي من اتصالاتي الشخصية مع رجال السياسة للدول العربية ومن حضوري بعض الاجتماعات بأن وجهة نظر الدول العربية غير موحّدة في حل قضية فلسطين، فمنها المندفع لبذل كل مجهود حسب الاستطاعة، ومنها من هو متردّد في أعماله ولم يستخدم إمكانياته كاملةً، ومنها من يُبدي علائم الاندفاع ظاهرة في أقواله ولكن إمكانياته محدودة، ولم تظهر له أعمال تُذكر، ومنها ما هو مشترك في المباحثات والقرارات، ولكن ليس لقواته أثر في ميدان القتال أو له رغبة في الاشتراك الفعلي".
وهو يشدد ويكرر النقد إلى عدم اشتراك جميع الحكومات العربية في قبول سيطرة القيادة العامة، وعلى الأخص الجيش المصري والجيش الأردني، وبقاء الجيشين اللبناني والسوري في حالة دفاع مُستكِن. ومما يقوله في ذلك: "تكوّنت لديّ فكرة من الاجتماعات المختلفة والاتصالات بأن الجيش المصري لا ينوي الاشتراك بحركات موحّدة مع الجيوش العربية الأخرى، ولا الدخول تحت قيادة موحّدة، كما أنه لا ينوي أن يُعيّن قائدًا مصريًا تُسلّم إليه إمرة الجيوش الأخرى. وكذلك كانت الحكومة الأردنية وقيادة جيشها غير راغبتين في استئناف القتال وتُبديان شتّى الأعذار".
ويؤكد الجبوري، بأن الجيش العراقي كان الجيش الوحيد الذي دافع عن فلسطين وكأنها جزء من ترابه الوطني دون مراوغة أو مماطلة أو تخاذل أو تآمر من قبل قيادته السياسية، وأنه كان الوحيد من بين جيوش الدول الأخرى الذي نجح في الحفاظ على الأراضي التي التزم بحمايتها والدفاع عنها في وجه القوات الصهيونية المتقدمة دون هوادة؛ الأمر الذي جعل القوات اليهودية تحسب حسابه لدرجة أنها كانت تتحاشى الاشتباك معه مباشرة ولجأت إلى الإيقاع به من خلال الجيوش العربية الأخرى عن طريق استغلال تبعيتها البنيوية لبريطانيا. وبخاصة بعد معركة جنين الفاصلة والتي استطاع العراقيون فيها وقف تقدّم الصهاينة.
ولاشك بأن صمود الجيش العراقي ودوره المهم في الحرب، هو الذي صان الضفة الغربية من الاحتلال الصهيوني، والتي ركز الصهاينة أعظم جهودهم عليها في محاولة لضرب القوات العراقية وخذلانها واحتلال ما كان يسمى المثلث العربي أو مثلث الخطر (جنين – طولكرم – نابلس)، وبفضل تلك التضحيات تم حفظ حدود الجغرافيا المُسمّاة (الضفة الغربية)، والتي تتم كل المفاوضات اليوم على أساسها في إطار مشروع ما يسمى "حل الدولتين".
وحذّر الجبوري بأن عدم نجاح الدول العربية عسكريًا بالقضاء على القوات الصهيونية، وبقاء الموقف مترجرجًا سيهزّ الأقطار العربية هزة عنيفة يُخشى من نتائجها، كما أنه سيحط كثيرًا من قيمة هذه الدول عسكريًا وأدبيًا وسياسيًا في نظر العالم، بدرجة أنه لا يمكن التعويض عن هذه الخسائر بأي شكل أو ثمن، وسيجعل هذه الدول أيضًا نادمة على عملها غير المبني على بُعد في النظر.
*رواية الزبيدي
أما اللواء الركن طاهر الزبيدي فيقول عن حرب 1948، إنه "في يوم 25 نيسان عام 1948 بعد انتهاء الدوام بُلِّغت بأمر إنذاري صادر من ديوان رئاسة أركان الجيش ومن مديرية الحركات العسكرية، وكان مدير الحركات حسين مكي خماس، قد بُلِّغت بوجوب التحرّك إلى فلسطين خلال 48 ساعة، وكان معسكرنا في جلولاء".
ويُضيف، "طلبتُ الخرائط والتموين أولاً.. رجوتُ تأمين احتياجات القوة الآلية في غضون هذين اليومين. لقد نُفِّذ ما كان متيسراً من بعض مطالبي وأُهمِل ما كان غير متيسّر". مردفاً: "لما وجهتُ طلبي لمدير الحركات لتزويدنا بالخرائط اللازمة والخاصة بالأراضي الأردنية والفلسطينية أجابني بالحرف الواحد "احنا عدنا خرائط طاهر؟.. احنا نريد منك خرائط!".
وبشأن تصدير النفط إلى حيفا، يؤكد الزبيدي، إن "العراق قطع النفط عن حيفا خلافاً لما كان يُنشر في الصحافة العربية"، مبيناً قصة القطع: "اقترحتُ على وزارة الدفاع قطع النفط ورفع 150 متراً من أنبوب النفط الذي يصل إلى حيفا. وحينما حددتُ منطقة رفع الأنبوب في الأردن، فقد اتصلت وزارة الدفاع العراقية بوزارة النفط، ومن النفط إلى الخارجية لأن الأنبوب خاضع لدولة أخرى، وبعد إكمال الموافقات طُلِب مني تنفيذ القطع وقد نُفِّذ من قبل منتسبي السريّة، وتم رفع 150 متراً من الأنابيب في منطقة “اج5” وهكذا تم قطع ضخ النفط إلى حيفا ومنه إلى الصهاينة، ووضعتُ لحراسته ثمانية جنود وبقي القطع مستمراً حتى رحيل آخر جندي عراقي بعد الهدنة، وتم تسليمه إلى الأردن ولا نعلم بعد عودتنا عام 1948، هل تم ضخ النفط مرة أخرى أم لا؟".
وأشار إلى، أن "موقف القيادة في الجيش الأردني.. حيث كان رئيس أركان الجيش الأردني كلوب باشا الملقب "بأبي حنيج" وقد لقبه العرب بذلك لكبر ذقنه، وأنني شخصياً اعتقد اعتقاداً جازماً أن كلوب ضلع بارز في تنفيذ مؤامرة احتلال فلسطين من قبل الصهاينة، إن لم أقل إن أمر التنفيذ كان المسؤول عنه هو كلوب نفسه وعليه كان يصدر أوامره منذ بداية الحرب حتى نهايتها لصالح الصهاينة".
*بوادر حرب لأجل فلسطين
اللواء الركن عمر علي البيرقدار، الذي كان آمراً للفوج/2- اللواء الجبلي/5 في قاطع قضاء عُقرة بأقصى شمالي العراق قال، إنه "في أواخر عام 1947 كانت بوادر الحرب مع اليهود ظاهرة في الأفق، وبالأخص بعد صدور قرار تقسيم فلسطين المحتلّة بريطانياًّ؛ لذا رَجَوتُ آمر لوائِنا الجبلي/5 الزعيم (العميد) ياسين حسن أن يُفاتح أصحاب الرُّتب الأعلى ليكون فوجي من أوائل وحدات جيشنا التي تتوجّه لإنقاذ فلسطين، وحضّرتُ لذلك بتحويل مشاعر ضباط الفوج ومراتبه وأحاسيسهم من توقّع أساليب القتال غير النظامي بأسلحة بسيطة إلى خوض معارك مع جيش مُعَدٍ ومُدَرَّب يمتلك أسلحة جيدة يُجيد استخدامها، ويُتَوَقَّع منه التشبّث بمواقعه وتحصيناته".
ويضيف: "ألغيتُ فكرة الانسحاب من الذاكرة، وطويتُ صفحة التدريب اليومي الرتيب، وأعددتُ منهجًا مُفَصّلًا لممارسة التقدّم السريع، والهجوم التصادفي والمُدَبَّر، والهجمات الليلية بالإفادة من أبسط الأضواء وباعتماد الحُك/ البَوصَلة، وحركات الإحاطة والالتفاف، والتحوّل الفوري من الهجوم إلى مسك الأرض والدفاع، والهجمات المقابلة الفَورية لاستعادة هدف قد نخسره، والتعرّض على المَنَعات والصَناكر المحصّنة، ومحاصرة القلاع واقتحامها، والتعاون مع المدرعات والمدفعية والصنوف الأخرى، وقتال الشوارع والمنازل، وتطوير القابليات البدنية وتسلّق المرتفعات، والصبر على العطش والجوع، وتحمّل عدم النوم لساعات طويلة، وإجادة الرمي كلٌّ بسلاحه وسلاح ثانٍ، والرمي المُتقَن وفوق الرؤوس بالهاونات والرشاشات المتوسطة “فيكرس”، وقذف الرمانات اليدوية أثناء الهجوم والدفاع".
ويلفت إلى، أن "هناك إجراءً أفادَني كثيراً إثر اطلاعي على التقارير الدورية التي بدأت الاستخبارات العراقية بتعميمها منذ أوائل سنة 1948، مُحتوية معلومات عن استحداث اليهود وحدات مخابرة للاستراق والتجسس والتشويش اللاسكي، وذلك بأن يتحدث مخابرو الفوج – ومعظمهم من غير العرب – بالكردية أو التركمانية أو الآشورية في مهاتفاتهم اللاسلكية، ليستحيل على العدو فهمها عوضاً عن الشفرة التي يطول فك رموزها".
ويتابع: "فضلًا عن ذلك فقد خرجتُ على المألوف، فعَيَّنتُ مُؤَذِّناً يرتبط بإمام الفوج، مستثمِراً إمكانات ضابط صف يُجيد المقامات، ويمتلك صوتاً جَهوَرياً يطرق الأسماع على بُعد مئات الأمتار، ووجّهتُه برفع الأذان في أوقاته الخمسة، مُضيفاً في نهايته عبارة (حيَّ على الجهاد)".
ويستدرك البيرقدار: "طال انتظارنا شهوراً جرّاء المواقف السياسية المتضاربة، وعدم اتفاق القادة العرب على طريقة لإنهاء الأزمة قبل استفحالها، حتى أعلن البريطانيون رسميًا إنهاء انتدابهم ووصايتهم على فلسطين وإفراغها من عساكرهم، غاضّين الطّرف وسامحين لليهود بالتموضع في أماكن ومرتفعات في غاية الأهمية، مستحوذين على مدن شتى وبقاع طالما حلموا بِرُبعِها قبل أن يُحَرِّك العراق في أواخر نيسان/ أبريل- 1948 طلائع تشكيلات جيشنا، ليسبق جميع الجيوش العربية في الأرض الأردنية، ويتهيأ لعبور نهر الأردن إلى أرض فلسطين فجر 15/5/1948".
ويردف: "لم يطُل انتظارنا، فقد حضر السيد آمر اللواء إلى مقر فوجي صبيحة يوم 23/5/1948، وأبلغني – من دون أفواج اللواء – بالتهيّؤ للتنقّل بالقطار النازل من الموصل إلى بغداد في غضون ثلاثة أيام، فتم ذلك مساء يوم 26 من أيار/ مايو، حيث كان أمير اللواء مصطفى راغب باشا – قائد الفرقة الثانية ومقره في كركوك – مع متصرف (محافظ) الموصل وكبار الشخصيات وشيوخ العشائر والآغاوات على رأس مودِّعينا بمحطة قطار الموصل".
يقول البيرقدار: "في صباح يوم التالي (27 من أيار/ مايو) 1948 ترجّلنا في بغداد، وسِرنا إلى معسكر الوَشّاش المُتاخِم، لنغدو بإمرة اللواء الجبلي/4 بقيادة العقيد الركن صالح زكي توفيق، حيث تداركنا النواقص، واستلمنا خطوطًا من الأعتدة قبل أن نستقلّ فجر 28 من أيار/ مايو سيارات نقل عسكرية وشاحنات وحافلات مدنية خُصّصت للمجهود الحربي، متوجهين عبر الصحراء الغربية إلى المملكة الأردنية بأربع مراحل، حتى بلغنا مدينة المفرق ظهيرة يوم 31 من أيار/ مايو".
يتم البيرقدار: "حين وصلنا بلدة المفرق واطلعتُ – بعض الشيء – على الموقف العام في غرفة عمليات مطارها العسكري، وقد وجدته موقفًا غامضًا ومتشابكًا وحَرِجًا، للأسباب الآتية:
-اللبنانيّون منذ فجر 15/5/1948 لم يتقدّموا شبرًا واحدًا من رأس الناقورة.
-السوريون خلال الأسبوعَين المُنصَرِمَين ظلَّ موقفهم مُبهَمًا، ولا يخبرون أحدًا بصدق عن مواقعهم.
-القوة الأردنية لم تندفع نحو بيسان ولا جنين والعفولة، والجنرال كلوب باشا لم يَفِ بوعده الشفهي للقيادة العامة بإعادة قواته الأردنية إلى القدس.
-المصريون لم يحرزوا تقدمًا واضحًا من الجنوب نحو الأرض الفلسطينية المسلوبة.
-القيادات العسكرية العربية العليا لم تُنَسِّق تحرّكاتها الميدانية المفترَضة والمُبَلَّغة إليها، ولم تلتزم بتوجيهات القائد العام (الرسمي) للقوات العربية أمير اللواء الركن نورالدين محمود".
*خطآن أدّيا لضياع فلسطين
أما غازي الداغستاني، الذي كان يشغل منصب رئيس أركان القيادة العراقية في عمان خلال تلك الحرب، كتب وثيقة عن حرب 48، جاء فيها: "أذكر أنني بدأت بالقول بأن التراشق في التهم بين الدول العربية فيما يخص حرب فلسطين لا يفيدنا في شيء وأن الحكمة في درس الأخطاء التي ارتُكِبت لتجنب تكرارها في المستقبل ثم بيّنت أن هناك خطأين رئيسيين ارتكبتها الدول العربية أدّيا إلى ضياع فلسطين وهما:
1. قيام بعض الدول بتعقيب سياسة تستهدف اقتسام فلسطين أو اقتطاع جزء منها تلحقها بها وذلك قبل أن يتم إنقاذ فلسطين من العدو المشترك.
2. تشكك البعض في نوايا وأهداف البعض الآخر الأمر الذي جعل توحيد القيادة والجهود مستحيلا ما أدى إلى أن تكون الحركات العسكرية عبارة عن مناوشات تعبوية موضعية غير منسجمة ضمن أطار سوقي عام".
أما عن موضوع التُّهم الموجَّهة إلى الجيش العراقي بالذات، فقد أورد الداغستاني، مثالين وهما:
1. في بدء الحركات طلبت هيئة الأركان العراقية الملحقة بما سُمّي بالقيادة العامة في عمان، طلبت هذه الهيئة من شبيهتها المصرية معلومات مفصّلة عن موقف القوات المصرية في الجبهة ونواياها مبينة أن تلك المعلومات ضرورية للتوصل إلى وضع خطة للعمل المشترك بين الجيشين اللذين كانا عماد الجانب العربي في الحركات الهجومية. لكن مصر زوّدت العراق بتقرير نشرته سابقاً إذاعة القاهرة، الأمر الذي دفع بغداد لرفع ذلك والطلب مجدداً معلومات دقيقة عن الحرب لكن مصر أصرّت على عدم تسليم العراق معلومات وادّعت أنها "سريّة" الأمر الذي ادى إلى استغراب العراق الذي يشدّد على اعتبار الجيوش العربية كاملة جيشا واحدا.
2. كان جحفل اللواء المصري محاصرا في الفالوجة واتجهت نيّة الدول العربية نحو القيام بعمل مشترك لفك الحصار وإنقاذ القوة المصرية واتُفِق على أن يقدّم كل من العراق والأردن فوجاً واحداً وأن تقدّم سوريا فوجين وأن تتحشّد هذه القوة المؤلّفة من أربعة أفواج في منطقة بيت لحم للقيام بالهجوم، وعلى إثر هذا القرار أوفد الجانب العراقي الفوج فورا إلى تلك المنطقة وكانت الكتيبة الأردنية (أي الفوج) في بيت لحم في الأساس كما أوفدت سوريا ضابطا برتبة كبيرة للمذاكرة حول موعد وطريقة إيصال الفوجين السوريين وفي تفاصيل الخطة. وبالنظر لضرورة تعيين قائد عام لهذه القوة فقد كان قرار الدول التي اشتركت في تأمين الأفواج بأن يُعهد بالقيادة إلى ضابط مصري كبير وهو الأمير الاى سعد الدين صبور رئيس هيئة الأركان المصرية في القيادة العامة في عمان، وقد كان السبب لهذا القرار أن القوة المنوي إنقاذها هي قوة مصرية لذا فقد كان لمصر الحق في أن يكون لهم شرف قيادة القوة المنفّذة تلك، ثم أن وجود قيادة مصرية للقوتين يؤمّن تعاونا أوثق بينها خاصة بعد أن ثبت بتجاربنا السابقة أن الجانب المصري يتردد في تجهيز قيادة غير مصرية بالمعلومات المفصّلة السريّة الضرورية لتأمين التعاون الوثيق المطلوب لنجاح مثل هذه الحركة. وقد رفض الضابط المصري المُشار إليه أعلاه استلام القيادة هذه وما ظل لمدة تقارب من الشهر بادعائه أنه يحتاج إلى مدة طويلة لتقدير الموقف ووضع خطة وحل مشاكله. وخلال هذه المدة الطويلة بلغ اليهود خبر التحشّد العربي في منطقة بيت لحم فاتضحت نوايا الحرب وفقدنا عنصر المباغتة التي كانت العامل الرئيسي لتأمين النجاح فتقرر صرف النظر عند ذاك عن القيام بالحركة. وأُضيف، أن بعض كبار الضباط العراقيين عند سماعهم بخبر امتناع القائد المصري عن قبول مسؤولية قيادة القوة طلبوا بإلحاح أن يعهد إليهم بشرف قيادة القوة وبيّنوا أنهم يقبلون إحالتهم إلى محكمة عسكرية لمحاكمتهم في حالة فشلهم بتهمة المسؤولية المباشرة في الفشل، فلم يُقبل عرضهم هذا للسبب أعلاه عن تردد الجانب المصري في تجهيز القائد إن لم يكن مصريا بالمعلومات اللازمة للتعاون الوثيق!.
*انتصار عظيم
يقول اللواء الركن محمود شيت خطاب في حديث عن حرب فلسطين: "ذهبتُ إلى منصب ضابط ركن اللواء الرابع في مدينة جنين الفلسطينية، وبقيت هناك نحو سنة، حتى عدتُ مع الجيش العراقي".
ويسجل ذكرياته في هذه الساحة الجهادية فيقول: "انتصر فوج واحد يبلغ تعداده (822) ضابطاً وجندياً على عشرة آلاف صهيوني كانت خسائرهم في تلك المعركة أكثر من تعداد الجنود العراقيين، ولم يكن أي من المنتسبين إلى الجيش العراقي قد سمع بـ (جنين) أو يعرف حتى مكانها، ولا توجد لديهم خرائط.. وكان بين قتلة اليهود ابنة (بن جوريون) رئيس وزراء إسرائيل".