انفوبلس تخوض في تفاصيل الصراع التايلاندي – الكمبودي.. "اللغم" بريء وجذور الأزمة تعود لقرن من الزمن

انفوبلس/...
لم يكن اللغم الذي انفجر قبل أيام، وأوقع مصابين تايلانديين هو السبب الرئيس والمباشر بالحرب المندلعة حالياً بين تايلاند من جهة وكمبوديا من جهة أخرى، فجذور الأزمة بين هذين البلدين عمرها 100 عام.
وتشهد الحدود بين تايلاند وكمبوديا هذه الأيام أحد أكثر فصول التوتر دموية في تاريخ النزاع المستمر بين البلدين. الاشتباكات التي اندلعت مجددًا، لم تكن مجرد حادث عرضي، بل جاءت وسط تصاعد حاد في الاتهامات والإجراءات الدبلوماسية غير المسبوقة، مما ينذر بتحوّل الخلاف الحدودي القديم إلى صراع إقليمي محتمل.
فجر الجمعة، تجددت الاشتباكات على طول المناطق الحدودية المتنازع عليها، بعد يومين فقط من انفجار لغم أرضي أدى إلى إصابة خمسة جنود تايلانديين، وهو ما فجّر الموقف.
*تايلاند تعلن الأحكام العرفية على مناطق بكبموديا
أعلنت تايلاند الأحكام العرفية في 8 مناطق واقعة على الحدود مع كمبوديا يومالجمعة الماضي، في حين تتواصل الاشتباكات بين البلدين لليوم الثاني على التوالي.
وقد أدت المواجهات العنيفة التي تجددت اليوم في مناطق مختلفة على طول الحدود بين البلدين لإجلاء أكثر من 138 ألف مدني في الجانب التايلندي وفق بانكوك التي حذرت من أن هذه الاشتباكات "قد تتحول إلى حرب". كما أشارت وزارة الصحة التايلندية إلى سقوط 15 قتيلا بينهم عسكري وأكثر من 40 جريحا من الجانب التايلندي.
وأعلن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم الذي يتولى بلده الرئاسة الدورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تضم تايلند وكمبوديا أنه تحادث مع نظيريه في كلا البلدين.
وطالب إبراهيم في منشور على منصة فيسبوك "بوقف فوري لإطلاق النار" وحل سلمي للتوترات بما وصفه "مؤشّرات إيجابية وعزم بانكوك وبنوم بنه على السير في هذا المسار".
*تجدد المعارك
وتجدّدت المعارك في 3 مناطق، وفق ما أفاد الجيش التايلندي، وشنت القوات الكمبودية قصفا بأسلحة ثقيلة ومدفعية ميدان وأنظمة صواريخ "بي إم-21″، وفق ما أعلن الجيش، في حين ردّت القوات التايلندية بـ"طلقات دعم مناسبة".
وحذّر رئيس الوزراء التايلندي بالوكالة من أن الاشتباكات الحدودية مع كمبوديا "قد تتحوّل إلى حرب"، موضحا "إذا ما شهد الوضع تصعيدا، فهو قد يتحوّل إلى حرب، حتى لو كانت الأمور تقتصر الآن على اشتباكات".
وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن الجهة التي بدأت إطلاق النار، حيث اتهمت تايلند كمبوديا ببدء الاشتباك، بينما قالت كمبوديا إن تايلند هي من أطلقت النار أولا.
وتفصل بين تايلند وكمبوديا حدود بطول 817 كيلومترا، إذ يعاني البلدان نزاعا طويل الأمد بشأن ترسيم الحدود التي حددت بموجب اتفاقات أثناء الاحتلال الفرنسي للهند الصينية.
وبين 2008 و2011، أدت الاشتباكات حول معبد برياه فيهيار المدرج في قائمة التراث العالمي لليونسكو والذي تطالب به الدولتان، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 شخصا ونزوح الآلاف.
*جذور النزاع تعود إلى قرن مضى
يعود النزاع الحدودي بين البلدين إلى عام 1907، عندما قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية، التي كانت تسيطر على كمبوديا، برسم خريطة الحدود مع تايلاند.
وتقول بانكوك إن بعض المناطق، لا سيما تلك التي تضم معابد تاريخية مثل "بريا فيهير"، لم تُرسم بدقة أو أهملت، مما أدى إلى خلاف مستمر بشأن السيادة على أجزاء من الحدود.
في عام 2011، شهد معبد "بريا فيهير" مواجهات عنيفة بين جيشي البلدين أدت إلى مقتل 20 شخصا ونزوح آلاف السكان من الجانبين.
*اشتباكات متجددة وتصعيد متسارع
نهية مايو/ ايار الماضي: قُتل جندي كمبودي في اشتباك وجيز مع القوات التايلاندية في منطقة "المثلث الزمردي" المتنازع عليها، حيث تلتقي حدود كمبوديا وتايلاند ولاوس.
تبادل الطرفان الاتهامات وادعى كل منهما الدفاع عن النفس.
1 يوليو/ تموز الجاري: أثارت تسريبات هاتفية لرئيسة الوزراء التايلاندية، بايتونغتارن شيناواترا، انتقادات واسعة بعد أن بدت وكأنها تنتقد الجيش التايلاندي بشأن طريقة تعامله مع النزاع، ما أدى إلى تعليق مهامها رسميا.
16 يوليو/ تموز: أُصيب ثلاثة جنود تايلانديين بانفجار لغم أرضي في منطقة متنازع عليها، أدى إلى بتر قدم أحدهم.
23 يوليو/ تموز: انفجار جديد للغم أرضي أدى إلى إصابة خمسة جنود تايلانديين، وفقد أحدهم ساقه. على إثر ذلك، استدعت تايلاند سفيرها من كمبوديا وأغلقت جميع المعابر الحدودية معها.
24 يوليو/ تموز: ردا على الخطوة التايلاندية، أعلنت كمبوديا تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية إلى أدنى درجة، وسحبت جميع موظفي بعثتها من العاصمة التايلاندية بانكوك.
*قلق دولي من الانزلاق إلى مواجهة أوسع
ويخشى مراقبون من أن يؤدي التصعيد العسكري والدبلوماسي إلى أزمة إقليمية أوسع، في منطقة تعاني أصلا من توترات جيوسياسية معقدة تشمل البحر الصيني الجنوبي ونزاعات حدودية أخرى.
ومن جهتها، لم تصدر أي دعوات رسمية حتى الآن من منظمات دولية للتوسط، لكن خبراء يرون أن الحاجة ملحّة إلى احتواء الأزمة ومنع انزلاقها نحو نزاع مفتوح قد تكون له عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي.
وفي خضم التصعيد العسكري، خرج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بدعوة إلى الجانبين لضبط النفس وتجنب التصعيد، مطالبًا بحل الخلافات من خلال الحوار، بحسب ما نقله المتحدث الأممي فرحان حق.
*مقارنة عسكرية
قارنت مجلة نيوزويك في تقرير لمراسلتها لشؤون الأمن والدفاع، إيلي كوك، القدرات العسكرية لتايلند وكمبوديا استنادا إلى بيانات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية البريطاني ومقره الرئيس في لندن، التي تكشف عن فوارق هائلة في الميزانيات والتجهيزات العسكرية.
ووفقا لتلك البيانات، تمتلك تايلند جيشا كبيرا وحديثا نسبيا، بميزانية دفاعية تبلغ 5.7 مليارات دولار سنويا، مقارنة بـ1.3 مليار دولار فقط لكمبوديا.
ويُعد سلاح الجو التايلندي من بين الأفضل تجهيزا في جنوب شرقي آسيا، ولديه 112 طائرة مقاتلة، منها 46 طائرة من طراز إف-16.
وفي المقابل، تفتقر كمبوديا تماما إلى الطائرات المقاتلة، ويقتصر سلاحها الجوي على 26 مروحية وعدد محدود من الأفراد يقدر بنحو 1500 شخص فقط.
*عدد الجنود
وفي حين أن تايلند لها نحو 130 ألف جندي نظامي، إضافة إلى عدد مماثل من المجندين، وقرابة 400 دبابة رئيسية، وحاملة طائرات و7 فرقاطات، فإن لدى كمبوديا قوات برية يبلغ قوامها نحو 75 ألف جندي، وتستخدم دبابات قديمة من طراز (تي-54) و(تي-55) تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى عربات طراز (بي إم بي-1) الروسية البرمائية. لكنها لا تملك قوة بحرية تُذكر.
وعن المدفعية، فإن الطرفين يستخدمان أنظمة إطلاق صواريخ ومدافع، لكن تايلند تستفيد من تنوع حديث يشمل أنظمة أميركية وصينية وإسرائيلية، بينما تعتمد كمبوديا على أنظمة تعود إلى الحقبة السوفياتية وبعض الأنظمة الصينية من تسعينيات القرن الماضي.
ورغم الفجوة الواضحة في التسليح والتقنيات، حذرت القيادة الكمبودية -وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق هون سين- تايلند من "الافتخار بتفوقها العسكري"، متوعدة بـ"أقسى أنواع الردع".
ويبدو أن تايلند واثقة من تفوقها العسكري، وقد صعّدت ردودها الجوية في الأيام الأخيرة. غير أن استمرار المواجهات عند الحدود المتنازع عليها، ولجوء كمبوديا إلى مجلس الأمن الدولي، قد يهدد -برأي نيوزويك- بانزلاق الوضع نحو نزاع أوسع ما لم تُبذل جهود إقليمية أو دولية جادة لنزع فتيل الأزمة.