بعد فشلها في أوكرانيا.. واشنطن تحاول إعادة تدوير الإرهاب في الشرق الأوسط.. هل تستطيع دمشق التكفل بالتهديد؟
انفوبلس..
بعد الضجة التي أثارتها التحركات الأمريكية على الحدود العراقية السورية وفي منطقة الخليج في الآونة الأخيرة، والأنباء المتضاربة حول عمليات وتغييرات كبرى ستجريها تلك القوات في المنطقة، اتضحت الصورة أخيراً وتبين أن واشنطن تحاول تعويض فشلها في أوكرانيا عبر إعادة إحياء الإرهاب في سوريا للضغط على روسيا في الشرط الأوسط.
الفشل في أوكرانيا
في شهر تموز/ يوليو الماضي، اعترفت جميع وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية الرئيسية تقريبا بأن الهجوم المضاد لأوكرانيا قد تعثر، مع فشل كييف وحلف شمال الأطلسي في التأثير على الخطوط الدفاعية الروسية.
يقدم المحلل الجيوسياسي، والجندي السابق في مشاة البحرية الأمريكية، بريان بيرلتيك، رؤى جديدة حول ما يحدث والطريقة الوحيدة الممكنة لأوكرانيا للخروج من المستنقع.
بعد مرور أكثر من شهر على الهجوم الأوكراني المضاد، يرى بيرلتيك أن القوات الأوكرانية لم تحقق أي مكاسب، لأنها غارقة في حقول الألغام الروسية.
ولفت إلى أن ما يحدث هو فشل ذريع في التخطيط لتخطي حقول الألغام واختراقها بشكل صحيح.
يوافق بيرليتيك على التقييم الذي أدلى به مسؤولو البنتاغون علناً، بأن الجيش الأوكراني لا يزال لديه إمكانات هجومية أكبر مما استنفده حتى الآن.
لكن في الوقت نفسه، أشار إلى أن لديهم كمية محدودة من المدفعية والذخيرة لدعم هذه الهجمات التي يقومون بها على طول خط التماس. وكلما استغرق الأمر وقتًا أطول لتحقيق اختراق، قلّت ذخيرة المدفعية التي سيضطرون لاستغلالها لتوطيد سيطرتهم على أي منطقة جديدة يكتسبونها.
بالاستعانة بتعليقات وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، العام الماضي، حول هدف الولايات المتحدة "إضعاف" روسيا في الحرب بالوكالة في أوكرانيا، طرح المسؤولون العسكريون الأوكرانيون ووسائل الإعلام الأمريكية مؤخرًا استراتيجية "استنفاد" الاحتياطيات الروسية باعتبارها واحدة من أهداف الهجوم المضاد.
وفي ذات الصدد، قال بيرليتك: "إنهم لم يصلوا حتى إلى الخطوط الدفاعية الأولى للتحصينات الروسية. هل هم يستنفدون روسيا أم أنهم يستنزفون أنفسهم؟!".
ولفت إلى أنه "لطالما كان ميزان القوى من حيث المعدات والأفراد المدرَّبين والذخيرة لصالح روسيا، خاصة بعد التعبئة في العام الماضي، حيث تم استدعاء نحو 300 ألف جندي احتياطي... الحكومة الروسية ملتزمة بالعملية العسكرية الخاصة، أعتقد أن روسيا كانت تدرك جيدًا حجم هذا الهجوم. هم على استعداد لذلك. إن إنتاجهم الصناعي العسكري جاهز للتعامل مع التكاليف المادية للدفاع عن خط التماس"، حسب قوله.
إعادة تدوير إرهاب الشرق الأوسط
أوساط إعلامية سوريّة دعت إلى أخذ الحيطة والحذر، بعد أنباء عن تحضيرات أمريكية لشن هجمات إرهابية على مناطق مكتظة في سوريا عبر تنظيمات مسلحة، انطلاقًا من قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا.
واعتبرت هذه الأوساط أن الفشل الغربي أمام روسيا في أوكرانيا، وكذلك الانفتاح العربي على سوريا، أزعج الولايات المتحدة وجعلها تفكر في الانتقام من خلال خلق الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في هذا السياق، أوضح الدكتور خالد المطرود، رئيس تحرير موقع "البوصلة السورية"، أن "هناك مجموعات إرهابية منظَّمة يديرها جهاز المخابرات الأمريكي في منطقة التنف، وكذلك في سجون "قسد" في منطقة الجزيرة السورية (شرق نهر الفرات)، التي تديرها فعليًا الولايات المتحدة، لضمان استمرار الحرب على سوريا وإضعاف الدولة السورية، واستنزاف مقدرات الشعب السوري، والسيطرة على الثروات وعلى حقول وآبار النفط والغاز، وعلى محاصيل القمح والقطن، والتي تعتبر أهم الموارد السورية من هذه المنطقة، ولكي تبقى البلاد عمومًا في حالة فوضى وعدم استقرار، بهدف السيطرة عليها سواء عن طريق الأصالة أو الوكالة من خلال الحركات الانفصالية".
وحول أهداف الولايات المتحدة من تنفيذ هجمات إرهابية في سوريا، قال المطرود: "الانفتاح العربي على سوريا أزعج الأمريكيين، وكذلك العلاقات السورية العراقية المتنامية، ولذلك وضعت الولايات المتحدة خطًا أحمر أمام أي لقاء أو التقاء بين سوريا والعراق، وهي تسيطر على منطقة التنف من خلال قاعدتها التي تدعم الإرهابيين وتدرّبهم وتموّلهم، وتطلقهم لتنفيذ عمليات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين، خاصة على الطرقات الواصلة بين سوريا والعراق، كما حصل أخيرًا من عمليات إرهابية راح ضحيتها عدد كبير من المدنيين، في المنطقة الممتدة بين تدمر والحدود العراقية وكذلك بين تدمر وحمص".
وأضاف المطرود: "روسيا تعلم أنها مستهدَفة في سوريا من هذه العمليات الإرهابية، فحالة الاستعصاء التي وصلت إليها الحرب في أوكرانيا وأثبتت عجز الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو عن مواجهة الروس، دفعت الأمريكي لأن يصفّي حسابات مع روسيا له خارج أوكرانيا في مناطق أخرى من العالم، وهو يعتبر أن سوريا مناسبة للانتقام من الروس، وكذلك للتعبير عن امتعاضه وانزعاجه من إعادة الانفتاح على الدولة السورية عربيًا وإقليميًا بعكس الإرادة والسياسة الأمريكية".
وتابع: "استهداف تجمعات سكانية ومناطق مكتظة تمثل سياسة أمريكية تعتمد على التخويف والقتل الجماعي، وهذا ليس بغريب عن الولايات المتحدة، لذلك فإنه مطلوب أخذ الحيطة والحذر، فالولايات المتحدة تستثمر في فئة الشباب والأطفال في كل من قاعدة التنف ومخيم الركبان، وفي مخيم الهول في محافظة الحسكة، وتؤدلجهم وترسلهم ليفجّروا أنفسهم في المناطق السكنية لتنفيذ هذه الأجندة الأمريكية".
وختم المطرود حديثه بالقول: "روسيا تمثل طرفًا مهمًا وأساسيًا في المواجهة، إن كان بشكل استخباري أو عسكري، ويبقى الرهان كبيرًا على الجيش العربي السوري لمواجهة الإرهابيين، وعلى الشعب السوري الكشف عن أي تحركات مشبوهة والإبلاغ عنها للأجهزة الأمنية المختصة، لإفشال وإحباط أي عمليات إرهابية".
وكان المكتب الصحفي لجهاز المخابرات الخارجية الروسية قد أفاد، نقلًا عن رئيس الجهاز سيرغي ناريشكين، بأن الولايات المتحدة تستعد لهجمات إرهابية في سوريا في أماكن مزدحمة بمساعدة عصابات مسلحة، وأن أجهزة المخابرات الأمريكية تعتزم استخدام المتطرفين الإسلاميين، الذين يُطلق عليهم الآن "المعارضة المعتدلة" كأداة معتادة لتنفيذ خططها التخريبية، وأن الأمريكيين يجددون بانتظام صفوف الإرهابيين، ويطلقون سراحهم من السجون في الجزء الشمالي الشرقي المحتل من سوريا، وأنه يتم جلب الأسلحة الصغيرة والذخيرة وأنظمة الصواريخ المضادة للدبابات بواسطة الشاحنات إلى معسكرات التدريب.
واشنطن: تحركات روتينية
المتحدث السابق باسم التحالف الدولي العقيد مايلز كاغينز، وصف المعلومات حول التحركات العسكرية الامريكية والنوايا بشن عمليات عسكرية في العراق بأنها "شائعات"، وإن ما يجري مجرد "تحركات روتينية".
وقال كاغينز في تصريحات متلفزة، إنه "صحيح أن هنالك تحركات أمريكية في المنطقة، بين العراق وسوريا وهي تحركات روتينية ومستمرة وتحدث بين الحين والآخر"، مشيرا الى أن "ما جرى هو تم استبدال القوة العسكرية من أوهايو التي تخدم في المنطقة، بقوة أخرى من نيويورك".
وأشار الى أن "هذه التحركات مستمرة وحدثت وستحدث دائما لزيادة او تقليص عدد القوات واستبدالها"، مبينًا أن "القوات الامريكية لا تنوي القيام بعمليات عسكرية لأنها لا تمتلك العدد الكافي لهذا الامر في المنطقة، والتحالف الدولي يركز على محاربة داعش ولا تريد الانشغال بقضايا أخرى قد تؤثر على هذه المهمة".
الشيخ الخزعلي يوضح ما يخص الجانب العراقي
وكان الأمين العام لعصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي، قد أكد أن التحركات الأمريكية الأخيرة هي تحركات لاستبدال القوات والحكومة العراقية على علم به، مشيرا الى أن هذا التحرك رافقه تهويل إعلامي مقصود من الجانب الأمريكي لـ"رد اعتباره" بعد انتكاسه في العراق.
وقال الشيخ الخزعلي في تصريحات صحفية، إنه "لدينا تفصيل كامل عن استبدال القوات الأميركية بغيرها القتالية بعدد 2500 فرد وهذه التحركات بعلم الحكومة العراقية مع عدد إضافي بحدود 1500 للذهاب من قاعدة الحرير إلى سوريا".
وأضاف: "كان يفترض أن يكون استبدال القوات الأمريكية في الشهر التاسع والتبديل كان كبيراً"، مبينا أن "ما حصل هو إعلام مضخم للتحركات الأمريكية، والهدف من الحركة الإعلامية هو رد اعتبار لتفعيل معادلة الردع الأمريكي من جديد بعد انتكاس هيبتها بالعراق لكن لم يحصل الأمريكان على التفاعل الذي كانوا يتوقعونه".
وأوضح، إن "الفرقة الأمريكية التي جاءت قتالية وأكثرها سيكون بسوريا"، مبينا أن "هدف القوات غير المُعلن هو لإنشاء إقليم على الحدود مع سوريا".
تحليل سوري للأوضاع
الأكاديمي السوري الدكتور خيام الزعبي، كشف في مقال له، أن استفزازات "جبهة النصرة" في إدلب وتفجيرات دمشق وهجمات داعش المتكررة في البادية والتلويح بعمل عسكري شرق سوريا والفوضى الأمنية في درعا وأحداث السويداء، والغارات الإسرائيلية المستمرة على محيط دمشق وريفها، تصعيد بدا واضحاً أنه يحمل لمسات أميركية بامتياز ولأهداف عدّة.
وهنا تُطرح التساؤلات عن الإدارة الأميركية لتصعيد أدواتها في الجنوب السوري حسب معطيات متوفرة، فما هي الأهداف الأميركية الإسرائيلية هناك؟
ما سبق من تطورات وأحداث في سوريا، ومن خلال المعلومات التي تتوارد كل يوم فقد بدأت تتبين الصورة هناك واتضحت خيوط المؤامرة، حيث كان هناك تخطيط مسبق لما تم من أحداث من خلال تجنيد العملاء والمرتزقة وممن لا ضمائر لهم بهدف وضع سوريا تحت وصاية أمريكا التي تدرك جيداً عظمة هذا الشعب وأصالته وتاريخه العريق وموقعه الجغرافي المهم ويظهر ذلك جليّاً في محاولة أعداء هذا الوطن، العبث بأمنه واستقراره ومؤسساته مرة أخرى، فإسرائيل والولايات المتحدة لديهما هدف مشترك في الجنوب السوري هو إقامة حزام أمني في الجولان وتمرير مشروع إسرائيلي أمريكي لإقليم انفصالي في السويداء و إشغال الجيش السوري وحلفائه وحرْف أنظارهم عن تطورات هامة تحصل شمال شرق سوريا، وبالتالي فإن الهدف الأساسي من تحريك هؤلاء الإرهابيين الجدد هو تعطيل سوريا وانشغالها بحدودها التي تشتعل كل يوم، والبعض يسعى لنقل الصراع إلى دول الجوار حتى يجعل المنطقة ساخنة ومتوترة.
في هذا السياق كل ما يحدث في بلدنا الآن من تسخين وتوتير الأجواء يقف وراءه الأمريكي الصهيوني بشكل مباشر وغير مباشر وفي كل منطقة لديه أدوات مختلفة يدفع بها لتأجيج النيران وفتح جبهات جديدة يستخدمها كورقة مشاغبة ظناً منه أنها ستخفف الضغط على أدواته في أماكن أخرى.
سياسة الإدارة الأميركية تثبت يوماً بعد يوم أنها لا تقوم سوى على النفاق، والأيام ستشهد أن هذه السياسة الفاشلة ستدفع أميركا إلى إعادة النظر في مواقفها ورؤيتها في الشرق الأوسط، لأن السياسة الأميركية باتت مكشوفة ومفضوحة فهي تدعي مناهضة الإرهاب ومحاربته وفي الوقت نفسه تقوم بدعم المجموعات الإرهابية وتستخدمها كسلاح في سوريا من أجل فرض هيمنتها على المنطقة.
إن التوقعات التي خططت لها أمريكا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته أمريكا في سوريا والتي وضعت به كل إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، نجد بأنه لم ينفع لإسقاط سوريا بل فشلت وسقطت كل أقنعتها ورهاناتها، فنرى أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فالأخبار القادمة من شمال شرق سوريا لم تكن سارّة بالمرة لأمريكا وحلفائها، لذلك يُخطئ الأمريكان وحلفاؤهم إن ظنوا أنهم سيحققون أهدافهم.
هكذا تبدو المهمة الأمريكية في سوريا عسيرة، حيث يصعب عليها تمرير مشروعها، وحتى مع استخدامها للضربات العسكرية ودعمها للقوى المتطرفة كورقة ضغط، فإنها ليست لصالحها ولذلك فلا يبدو أمام أمريكا من خيار للخروج من هذا المأزق الذي أوقعت نفسها به سوى التوصل لحل سياسي في سوريا، لا يتحقق إلا عبر جلوس جميع الفرقاء السوريين على طاولة الحوار وبعيدا عن التدخلات الأمريكية والغربية، ولابد أمام هذا الواقع من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الاستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن إسرائيل والسيطرة على مقدرات البلاد..
مجملاً.. إن الظروف الدولية والإقليمية من جهة، وإرادة الشعب السوري وقوته من جهة أخرى تؤكد أن مستقبل سوريا بيد السوريين أنفسهم، فأمريكا متورطة في العراق وسوريا وليبيا واليمن مصر و..و..، ودول المنطقة منقسمة في مقاربة الملفات الإقليمية، وما يحمله هذا الأمر من دلالات، فضلاً عن وعي الشعب السوري والقوة العسكرية للجيش السوري، كل هذه الأسباب تؤكد أن سوريا تسير بكل ثبات وتصميم في إفشال المؤامرة الغربية وتحقيق آمال شعبها، لذلك ستعلم أمريكا وحلفاؤها غداً أنها أخطأت كل الخطأ بقرار التآمر والعدوان على سوريا وأنها أشعلت الشرارة الأولى التي قد تصبح ناراً في زمن قياسي وتلك الشرارة ستعمل على إشعال حريق الفوضى في مدنها كما أنها ستعيد سوريا أكثر قوة وشراسة في المنطقة.
وباختصار شديد يمكن القول إن العجز الأمريكي في سوريا هو عجز غير مسبوق وفشل لم يحدث له مثيل وخسائر لا شبيه لها في تاريخ أمريكا وبالتالي استعانتها بعناصرها الإجرامية التكفيرية يأتي بعد أن استنفدت كل الطرق والوسائل وصارت بين خيارين تحريك هذه العناصر والاستفادة منها أو انتظار مصيرها المحتوم على أيدي الشعب السوري الذي أصبح لديه ثأر طويل مع هذه الجماعات الإجرامية.