بوساطة قطرية.. إتمام الاتفاق الإيراني الأمريكي بتبادل السجناء وإطلاق الأصول المجمّدة.. تعرف على أصداء العملية
انفوبلس..
أفرجت الولايات المتحدة، أمس الاثنين، عن خمسة إيرانيين تحتجزهم مقابل إفراج إيران عن خمسة أمريكيين بموجب اتفاق لتبادل السجناء يتضمن أيضا تحويل أصول إيرانية بقيمة ستة مليارات دولار بعد رفع التجميد عنها في كوريا الجنوبية.
ويضع هذا الاتفاق حدّاً لمصدر إزعاج كبير بين إيران والولايات المتحدة اللتين يعود العداء بينهما إلى عام 1953 عندما دبّرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق صاحب الشعبية الكبيرة وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي إلى السلطة، الذي أصبح حليفا قويا للولايات المتحدة.
وتنفيذا للاتفاق، قامت طائرة قطرية في إيران بنقل السجناء الأمريكيين إلى الدوحة، في وقت أكدت الدوحة تحويل ستة مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمّدة إلى الدولة قطر.
وتمّ الاعلان عن هذا الاتفاق في 10 آب/ أغسطس الماضي. وفي إطاره، نقلت إيران خمسة أمريكيين من السجن إلى الإقامة الجبرية في فندق خاضع للحراسة قبل نقلهم الى قطر للإفراج عنهم. كما توجب على الولايات المتحدة الإفراج عن خمسة سجناء إيرانيين.
عداء أزلي
المتتبع لمسار العلاقات بين البلدين يرى أن العداء كان السِّمة الغالبة عليها، وقد بدأ ذلك مع الإطاحة بحكومة محمد مصدق عام 1953 بعد تأميمه الثروة النفطية لإيران وتواصل عبر السنين. ومنذ مقتل قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 في غارة جوية أمريكية على أسوار مطار العاصمة العراقية بغداد، تصاعدت نُذر المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، وبلغ التوتر بين الطرفين درجة غير مسبوقة.
حاول البلدان التهدئة تجنباً للأسوأ وضمانا لمصالحهما الحيوية، في كثير من الأحيان عبر وساطات قادتها إما دول أو منظمات أممية. وفي هذا السياق، وقّعت إيران عام 2015، على صفقة طويلة الأمد بشأن برنامجها النووي مع مجموعة القوى العالمية الخمس، وهي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا.
لكن الاتفاق انهار بعد أن انسحبت إدارة الرئيس دونالد ترامب منه، وعاد التوتر ليخيّم على العلاقات بين الطرفين، وبلغ ذروته باغتيال الولايات المتحدة للجنيرال قاسم سليماني في بغداد مطلع عام 2020، ورد إيران بتدمير قاعدة عين الأسد التي تحتوي قوات أمريكية في الأنبار غرب العراق.
ضمانة قطرية
في وقت سابق من شهر آب/ أغسطس 2023، كشفت قطر أن الاتفاق الإيراني الأمريكي بشأن تبادل السجناء سبقته زيارات مكثفة لمسؤوليها لواشنطن وطهران، فيما نقلت وكالة فارس الإيرانية عن مصدر وصفته بالمطلع أن أصول إيران المجمدة من كوريا الجنوبية قد أودعت في بنك بسويسرا.
وأوضح وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، في لقاء صحفي، أن قطر لعبت دور مُيسّرٍ حيوي وحاسم ووسيط دولي موثوق للتوصل لهذا الاتفاق، مشددا على أنه يمثل دليلا على إمكانية تسوية خلافات المنطقة بالحوار.
وبموجب الاتفاق، فقد وافقت الدوحة على مراقبة كيفية إنفاق إيران للأموال غير المجمدة لضمان إنفاقها على السلع الإنسانية غير الخاضعة للعقوبات، مثل الغذاء والدواء.
انشقاق أمريكي
وأثار تحويل الأموال الإيرانية انتقادات من الجمهوريين الأمريكيين الذين يقولون إن بايدن، وهو ديمقراطي، يدفع في الواقع فدية للمواطنين الأمريكيين، فيما دافع البيت الأبيض عن الصفقة.
زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل، اتهم رئيس بلاده جو بايدن بـ"تحفيز سلوك طهران السيء" بالصفقة التي أُطلق بموجبها سراح أمريكيين محتجزين في إيران.
وقال ماكونيل، خلال كلمة: "قد تكون الصفقة أحدث مثال على مكافأة الرئيس بايدن وتحفيز سلوك طهران السيء".
وأضاف: "على مدى العامين ونصف العام الماضيين، شجع الضعف واليأس إيران على نطاق واسع، وستكون دولة مسلحة نوويا".
وتابع: "إيران تشكل بكل المقاييس تهديدا أكبر للولايات المتحدة مما كانت عليه قبل عامين ونصف العام، وسجل إدارة بايدن في الاسترضاء جعل أمريكا أقل أمانا".
وذكر: "السؤال المُلِح الآن هو متى سيقرر الرئيس تغيير المسار، لأن هوس إدارته حتى الآن بإحياء الاتفاق النووي المعيب يشير في الواقع إلى خلاف ذلك".
مراقبون يرون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات خلف الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015.
إلا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لاسيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
ويأتي اتفاق تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي.
الموقف الإيراني
المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، كشف في مؤتمر صحفي، قبيل تنفيذ الاتفاق، أن إطلاق سراح الأمريكيين "جزء من اتفاق أمريكي - إيراني أوسع".
وأضاف: "نأمل أن نرى اليوم إمكانية الوصول الكامل إلى أموالنا وسيتم تحويل ذلك إلى حساب لصالح إيران في دولة إقليمية بشكل كامل، وبما يتناسب مع المتطلبات، يمكننا إنفاق تلك الأموال".
وتابع: "سيتم إطلاق سراح 5 مواطنين إيرانيين من السجون الأمريكية بناء وفي المقابل سيتم تسليم 5 مواطنين في السجن في إيران بناءً على طلبهم الخاص إلى الجانب الأمريكي".
وأوضح كنعاني، أن اثنين من المعتقلين الإيرانيين في السجون الأميركية سيعودان إلى البلاد، بينما سيبقى اثنان آخران بالولايات المتحدة، وسيُنقل ثالث إلى دولة ثالثة.
مَن هم السجناء المُفرَج عنهم؟
ومن المفرج عنهم، رجل الأعمال سياماك نمازي الذي يمضي منذ 2016 عقوبة بالسجن عشر سنوات لإدانته بتهمة "التجسس" لحساب الولايات المتحدة. وتشمل القائمة كذلك رجل الأعمال عماد شرقي المدان بالسجن عشرة أعوام لإدانته بتهمة التجسس، ومراد طهباز الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية وحُكم عليه بالسجن 10 أعوام أيضا بتهمة "التآمر مع الولايات المتحدة".
ويحمل هؤلاء الثلاثة الجنسية المزدوجة. لكن الاثنين الآخرين فضلا عدم الكشف عن هويتهما.
من جانبه، أكد القضاء الإيراني في أغسطس/ آب 2022 أن "عشرات" الإيرانيين محتجزون في الولايات المتحدة. ومعظم هؤلاء مزدوجو الجنسية ومتّهمون بمخالفة عقوبات واشنطن على طهران. وتشمل قائمة الإيرانيين المسجونين في الولايات المتحدة كامبيز عطار كاشاني ورضا سرهنك بور المتهمين بمخالفة العقوبات الاقتصادية.
أما الأصول المفرج عنها فهي أموال مستحقة لإيران بموجب بيع النفط إلى كوريا الجنوبية. لكنّ سول جمّدتها مذ انسحبت الولايات المتحدة أحاديا عام 2018 من الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي وأعادت فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية.
وتشدد إدارة الرئيس جو بايدن على أنه يمكن لإيران استخدام هذه الأموال حصرا لشراء الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى التي لا تشملها العقوبات الأمريكية. إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا إلى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأرصدة. لكن واشنطن حذّرت من أنها قد تعيد تجميد الأصول في حال استخدمتها طهران لغير الغايات الإنسانية المحدّدة.
وسبق للطرفين أن أبرما اتفاقات لتبادل السجناء آخرها في يونيو/ حزيران 2020 على رغم التوتر بينهما والخلافات بشأن ملفات متشعبة.
تخفيف توتر
ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات خلف الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى مزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015.
لكنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لا سيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
هذا، ويأتي اتفاق تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بعد زهاء عام من انهيار مباحثات هدفت لإحياء الاتفاق النووي. وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها. لكن واشنطن انسحبت أحاديا منه في 2018 وأعادت فرض العقوبات، ما دفع طهران للتراجع تدريجيا عن التزاماتها النووية، خصوصا في مجال تخصيب اليورانيوم.
وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتبارا من أبريل/ نيسان 2021 لإحياء الاتفاق، من دون أن تؤدي إلى نتيجة.