تركيا تواصل حروبها شمالي العراق رغم سقوط ذريعة الـ PKK ودعوات لتدويل الانتهاكات

انفوبلس.. 

في تحول يُعدّ من أبرز المنعطفات في مسار الصراع الكردي-التركي المستمر منذ أكثر من أربعة عقود، أعلن حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان عن إنهاء العمل المسلح ضد الجيش التركي، وانتقاله إلى العمل السياسي السلمي، في خطوة أثارت سلسلة من التساؤلات حول مآلات الوجود العسكري التركي في شمال العراق، والذي طالما برّرته أنقرة بحجة ملاحقة عناصر الحزب.

فعلى مدى سنوات، مثّلت "ذريعة حزب العمال" البوابة التي عبَر منها الجيش التركي إلى عمق الأراضي العراقية، متجاوزًا الحدود المرسومة بموجب الاتفاقات الثنائية بين البلدين، حيث سُمح لتركيا سابقًا بملاحقة عناصر الحزب لمسافة محددة داخل العمق العراقي.

غير أن الواقع الميداني يكشف عن وجود يتعدى تلك المسافات بكثير، تمثّل بإنشاء أكثر من 20 قاعدة عسكرية، ومئات النقاط الاستخبارية، وعمليات عسكرية متكررة في محافظات إقليم كردستان وصولًا إلى أطراف الموصل.

الكرة بملعب العراق

اليوم، ومع زوال "الذريعة"، تجد أنقرة نفسها في مواجهة ضغوط متصاعدة لسحب قواتها وإخلاء قواعدها المنتشرة، لاسيما في ظل مشاهد موثقة لعناصر الحزب وهم يحرقون أسلحتهم بشكل علني، في رسالة تُظهر انتهاء مرحلة الحرب.

وفي هذا السياق، يرى مراقبون وبرلمانيون أن الكرة الآن في ملعب الحكومة العراقية، التي باتت مطالبة بالتحرك الجاد على المسارين الدبلوماسي والسيادي، من أجل إنهاء الوجود التركي غير المشروع، والذي لم يعد يجد ما يبرره بعد تحول الحزب إلى كيان سياسي.

النائب العراقي عارف الحمامي اعتبر خطوة حزب العمال إيجابية وتمهّد لاستقرار نسبي في شمال البلاد، داعيًا الحكومة إلى استخدام أدوات القانون الدولي لإجبار تركيا على احترام السيادة العراقية، وإنهاء تدخلاتها التي تجاوزت كل الأعراف والمواثيق الدولية.

وأكد الحمامي، أن “الجميع يعرف بالنوايا والطمع التركي في العراق والمنطقة”، لافتا الى أن “العراق مرَّ بانتكاسات كبيرة وخلافات مصالح، ما أدى إلى فتح شهية تركيا في الدخول لأراضيه بذريعة وجود تهديد للأمن القومي التركي”.

هذا التغيير قد لا يكون نهاية للصراع، لكنه بالتأكيد بداية لمرحلة جديدة قد تُرسم فيها خرائط النفوذ الإقليمي من جديد، دون رصاص.

دعوات للانسحاب الفوري

وفي هذا السياق، دعا عضو تحالف الفتح، النائب عدي عبد الهادي، الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات فورية وفاعلة على الصعيدين السياسي والأمني، بهدف إنهاء الوجود العسكري التركي الذي بات يُنظر إليه كاحتلال دائم لا يستند إلى أي اتفاقية شرعية.

وقال عبد الهادي، في تصريح صحافي، إن قيام حزب العمال الكردستاني بتسليم سلاحه في كهوف محيط السليمانية يمثل تطوراً جذرياً في مسار الصراع مع أنقرة، ويُسقط الحجة التي طالما استخدمتها تركيا لتبرير عملياتها العسكرية داخل العراق، والتي خلفت معاناة كبيرة لسكان المناطق الحدودية، جراء القصف والعمليات المتكررة.

وشدد النائب على أن الحكومة مطالبة بالتحرك العاجل لإنهاء التغلغل التركي في أكثر من 60 موقعاً عسكرياً شمال البلاد، تحوّلت العديد منها إلى قواعد دائمة دون موافقة رسمية من بغداد، ما يعد انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية ومخالفة صريحة لأحكام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.

ويؤكد عبد الهادي أن استمرار الوجود التركي بعد انتفاء مبرراته يشكل اختباراً حقيقياً لإرادة الدولة العراقية، في وقت تتجه فيه أنظار الرأي العام إلى ما إذا كانت بغداد ستكتفي ببيانات الإدانة، أم ستتخذ إجراءات عملية توازي حجم هذا الانتهاك.

العراق يلوّح دولياً

وفي خضم التفاعل السياسي مع إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء العمل المسلح، تتواصل الدعوات العراقية لاتخاذ موقف وطني حازم يُنهي التواجد العسكري التركي في شمال البلاد، الذي بات يمثل تحدياً مباشراً للسيادة والأمن القومي.

وفي هذا السياق، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، وعد محمود الشبكي، أن الوجود التركي داخل الأراضي العراقية يُعد انتهاكاً صريحاً للسيادة الوطنية، ويجب مواجهته بموقف رسمي موحّد يتجاوز التصريحات الإعلامية.

 محمود الشبكي: استمرار القواعد التركية شمال العراق "يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، ولا يمكن التعامل معه على أنه أمر واقع

وقال الشبكي في تصريح صحافي، إن استمرار القواعد التركية شمال العراق "يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، ولا يمكن التعامل معه على أنه أمر واقع"، مشدداً على أن التجاوزات التركية لم تعد مقبولة بأي شكل، وأن الوقت قد حان لوضع حد لها.

ودعا الشبكي الحكومة العراقية إلى تبنّي خطوات دبلوماسية وقانونية واضحة، تشمل اللجوء إلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لتدويل ملف الانتهاكات التركية، وإلزام أنقرة باحترام الحدود والسيادة وفقاً للقانون الدولي.

كما طالب بتفعيل القنوات السياسية والبرلمانية لتوحيد الموقف الداخلي إزاء هذا الملف، قائلاً إن "المرحلة الحالية تتطلب صوتاً عراقياً واحداً، يدافع عن الأرض ويضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الإقليمية أو الحزبية".

غارات جوية جديدة 

وتواصل تركيا عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقية، في تجاهل واضح لأي مؤشرات على التهدئة أو احترام السيادة الوطنية، فقد أفاد مصدر مطّلع، اليوم الأحد، أن "الطيران الحربي التركي نفذ فجر الأحد سلسلة غارات جوية استهدفت منحدرات جبلية في محيط جبال متين، شمال العراق، ضمن قاطع لطالما كان تحت أنظار الجيش التركي بذريعة "مكافحة الإرهاب".

ووفق المصدر، فإن "القصف تكرر في أكثر من مرة منذ بدء الحزب الكردي تسليم سلاحه، ما يعكس استمرار العمليات العسكرية التركية رغم انتهاء التهديد العسكري المعلن"، كما أشار إلى أن القوات التركية لا تزال في حالة استنفار داخل الأراضي العراقية، مع تزايد مؤشرات التوسع في النقاط العسكرية المنتشرة في مناطق عدة من الشريط الحدودي.

ويُقدّر عدد المواقع التركية العسكرية بأكثر من 70 موقعاً، بينها قواعد كبيرة تحتوي على مئات الجنود وآليات ثقيلة، في وجود يعتبره مراقبون احتلالاً غير معلن، لا يستند إلى أي اتفاق قانوني مع الحكومة العراقية، ويُعدّ خرقاً فاضحاً لسيادة الدولة ومواثيق القانون الدولي.