تسريب غير مسبوق لوثائق البنتاغون السرية.. لماذا يشعر المسؤولون العسكريون الامريكان بـ"الهلع"؟
انفوبلس/ تقرير
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يوم الخميس 6 أبريل/نيسان 2023، مجموعة من الوثائق السرية المسرّبة من البنتاغون قالت إنها تحتوي على خطة من "البنتاغون" بشأن المحاولة الوشيكة للقوات المسلحة الأوكرانية لشن هجوم مضاد على روسيا وتتناول بالتفصيل أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط والصين.
وتحتوي الوثائق على معلومات مختصرة حول 12 لواءً أوكرانيّاً قيد التشكيل، يبدو أن 9 منها قد تم تدريبها وتزويدها بالعتاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء "الناتو". كما تشير الوثائق السرية إلى أنه من المتوقع أن تكون 6 منها قد تكون جاهزة بحلول 31 مارس/آذار، والباقي بحلول 30 أبريل/نيسان، وتشير الوثائق إلى الحاجة إلى أكثر من 250 دبابة و350 مدرعة لهذه التشكيلات.
وقال محللون عسكريون إن الوثائق يبدو أنها عُدِّلت في أجزاء معينة من نسختها الأصلية، بحيث تورد مبالغات في البيانات الأمريكية المتعلقة بشأن التقديرات لقتلى الحرب الأوكرانية وتقلل من التقديرات لعدد القتلى الروس. وأشار المحللون إلى أن هذه التعديلات ربما تدل على وجود مساعٍ للتضليل من موسكو. لكن الكشف الحقيقي لا يزال قائماً في الوثائق الأصلية، التي تظهر فيها صور مخططات لتسليم أسلحة منتظرة في أوكرانيا، وبيانات بشأن عدد القوات والكتائب، وخطط أخرى، ما يشي باختراق كبير لخطط الاستخبارات الأمريكية في الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا.
وأضاف المحللون، إنه من الصعب تحديد أثر الوثائق على الواقع الميداني الآن وفي الأشهر المقبلة، فقد كافحت روسيا في الأشهر الأخيرة لتحقيق تقدّم في شرق أوكرانيا، ويناقش المحللون الغربيون قدرة الروس على شن هجوم جديد أو دفع هجوم أوكراني.
ولا تُعرف الكيفية التي وصلت فيها الوثائق إلى منصّات التواصل الاجتماعي إلا أن المنصات والقنوات الموالية لروسيا قامت بنشرها وتوزيعها.
وقال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز سي أن إي، وهو معهد بحث في أرلينغتون بفرجيينا: "سواء كانت الوثائق صحيحة أم لا، فإن على الناس اتخاذ الحيطة والحذر من أي شيء ينشره الروس".
ويحقق البنتاغون بشأن تلك الوثائق ومن يقف وراء تسريبها، بعدما انتشرت على موقع تويتر وتليغرام. كما تظهر الوثائق صوراً لمخططات تسليم الأسلحة المتوقعة، وقوة القوات والكتائب، وخطط أخرى، وكان مسؤولو بايدن يعملون على حذفها، لكنهم لم ينجحوا حتى مساء الخميس.
وقالت نائبة السكرتير الصحفي في البنتاغون، سابرينا سينغ: "نحن على علم بالتقارير الواردة عن منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، والوزارة تراجع الأمر". فيما قال مسؤولون كبار في إدارة الرئيس بايدن، إن وثائق عسكرية مسرّبة يُحظر الاطلاع عليها للعامة وتتناول بالتفصيل خططاً للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في بناء استعداد الجيش الأوكراني قبل هجوم مخطط على روسيا، قد نُشرت هذا الأسبوع على قنوات التواصل الاجتماعي.
وتقول الصحيفة إن الوثائق لا تقدّم خطط معارك محددة، ولا توضح الكيفية ولا الزمان ولا المكان الذي تنوي أوكرانيا أن تشن هجومها منه، وهو الهجوم الذي يقول مسؤولون أمريكيون إنه من المحتمل أن يحل موعده في الشهر المقبل أو نحو ذلك.
لكن، ولأن الوثائق عمرها خمسة أسابيع، فإنها تنطوي على تلميح عن موعد الهجوم بتناولها ما قد تحتاج إليه القوات الأوكرانية في حملتها العسكرية، بدايةً من مارس/آذار، في التصور الأمريكي والأوكراني عن الهجوم.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العين الخبيرة لمخطط عسكري روسي أو جنرال ميداني أو محلل استخبارات، لن تحتاج بلا شك إلى مجهود كبير لتلحظ في الوثائق العديد من القرائن والبيانات الجديرة بلفت أنظاره. إذ تشير الوثائق، على سبيل المثال، إلى معدل الإنفاق العسكري على راجمات الصواريخ المدفعية عالية الحركة "هيمارس" التي قدمتها الولايات المتحدة، والتي يمكنها شن هجمات ضد أهداف متنوعة مثل مستودعات الذخيرة والبنية التحتية وتجمعات القوات، من مسافة بعيدة.
وقال مسؤول أوكراني، لـ"رويترز"، إن الوثائق تتضمن "نسبة كبيرة للغاية من المعلومات الزائفة"، وإن منشورات وسائل التواصل الاجتماعي هي حملة تضليل روسية فيما يبدو للتشكيك في الهجوم المضاد الذي يتطلب الحصول على أسلحة غربية متطورة.
وذكر مسؤول بالرئاسة الأوكرانية إن الوثائق المسرّبة تحتوي على "قدر كبير جدا من المعلومات الوهمية"، وإن روسيا تحاول استعادة زمام المبادرة، وأضاف في بيان مكتوب "إنها مجرد عناصر عادية لألاعيب المخابرات الروسية، وليست شيئا أكثر من ذلك".
وذكرت إحدى الوثائق المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أن ما بين 16 ألفا و17500 جندي روسي قُتلوا منذ بدء العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، وتعتقد الولايات المتحدة أن الرقم الفعلي أعلى بكثير ويبلغ نحو 200 ألف روسي بين قتيل ومصاب.
وتسريب مثل تلك الوثائق الحساسة أمر غير معتاد مطلقًا، ومن شأنه أن يؤدي تلقائيًا لفتح تحقيق. وفي حين أن البنتاغون لم يكشف علانية عن مدى السرعة التي تستخدم بها القوات الأوكرانية راجمات هيمارس، فإن الوثائق تورد ذلك.
وبدأت وزارة العدل الأمريكية، الجمعة 7 أبريل/أبريل 2023، التحقيق في تسريب عدة وثائق عسكرية أمريكية سرية، نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن لمحة جزئية عن الحرب في أوكرانيا، تعود إلى شهر مضى، في حين اتهم مسؤولون أمريكيون روسيا بالمسؤولية عن تسريب تلك الوثائق.
إذ قال متحدث باسم وزارة العدل الأمريكية، "نحن على تواصل مع وزارة الدفاع فيما يتعلق بهذه المسألة، وبدأنا تحقيقاً، نمتنع عن الإدلاء بمزيد من التعليقات".
*اتهام روسيا
إلى ذلك، نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين، الجمعة، قولهم إنه من المرجح أن تكون روسيا أو عناصر موالية لها وراء تسريب العديد من الوثائق العسكرية الأمريكية السرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
المسؤولون الأمريكيون أشاروا إلى أن الوثائق جرى تعديلها على ما يبدو لتقليل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية. وأضافوا أن تقييماتهم غير رسمية، ولا ترتبط بتحقيق يجري في عملية التسريب نفسها.
وطلب المسؤولون الأمريكيون عدم نشر هوياتهم نظراً لحساسية الأمر، وامتنعوا عن مناقشة تفاصيل الوثائق.
وحذر مراقبون أمريكيون من خطر هذه الوثائق التي قد يتم نشرها من قبل مصادر روسية، تعمد إلى تضليلها بشكل يخدم الأهداف الروسية.
ويعتبر ذلك أول اختراق استخباراتي روسي لخزائن البنتاغون يتم الإعلان عنه منذ بدء الحرب الأوكرانية.
اختراق بهذا الشكل يثير المخاوف من القدرات السيبرانية التي تمتلكها روسيا، كما يسلط الضوء على خلل كبير بالتعاون الاستخباراتي بين كييف وواشنطن قد يضر بشكل كبير بآلية تبادل المعلومات الاستخبارية بين الطرفين. ويبدو أن مركز "فلوكان" الروسي يقف وراء الاختراق "المذهل".
ومركز "فلوكان" الواقع بجانب مقبرة في موسكو، مركز سرّي يضم جيشا إلكترونيا متمرّسا كمجموعة "ساند وورم" يمثل مركزا رئيسا لتوجيه الضربات الإلكترونية التي بدأت بالفعل تجني ثمارها في أوكرانيا، بعد سنوات من الإعداد والتدريب منذ 2011.
ولم يرد الكرملين أو السفارة الروسية في واشنطن بعد على طلب للتعليق.
ويأتي هذا وسط توترات متزايدة بين الغرب وموسكو، بسبب هجومها العسكري على أوكرانيا والذي أطلقته في 24 فبراير/شباط 2022.