تسريب مثير لجمال عبد الناصر.. 17 دقيقة نسفت "قوميته العربية" عبر شكاوى مكسورة للقذافي

انفوبلس/ تقارير
بعد أن صدّع رؤوس الجميع بـ"القومية العربية" وموّل وحرّض ضد أنظمة عربية وسعى لإسقاطها أملًا في إقامة أممية عربية وحدوية اشتراكية ثورية، جاءت التسريبات الأخيرة لتظهر جمال عبد الناصر بمظهر المستسلم المهزوز بعد انتهى به الحال "منتكس الرأس" أمام واحد من معجبيه وهو الرئيس الليبي الراحل "معمّر القذافي"، الناصر شكا الجميع الذي خذله أمام القذافي، ونأى بنفسه عن المواجهة الشاملة، واعترف بحدود قدرته التي تسمح له بالكاد باسترداد الأرض المصرية المحتلّة، سبقها بالاعتراف بأنه خائن ولو من باب السخرية! فماذا جاء بالتسريبات؟
عبد الناصر: أنا خائن
في تسجيل جديد مسرّب لعبد الناصر، يتحدث فيه لمعمر القذافي عن حلم بعض العرب بتحرير فلسطين الكامل والشامل على أيدي القوات المسلحة المصرية.
يسترسل عبد الناصر في توضيح قوة إسرائيل العسكرية زاعماً أنه ليس منهزمًا وليس استسلاميًا ولكنها الحقيقة المرة التي يرفض العرب وضعها في الاعتبار.
ويطلب عبد الناصر من القذافي تشكيل جبهة عربية موحدة تشمل ليبيا والعراق والجزائر واليمن الجنوبية (وهم أكثر المزايدين على مصر وقتها) لتقوم بتحرير فلسطين بالكامل فيضحك القذافي.
يعترف عبد الناصر في التسجيل خلال حديثه للقذافي بأنه خائن ويقول له: "أنا انتهازي وخاين يا سيدي .. خد خمسين مليون جنيه مني وروح حارب وحل عن نفوخي".
كان عبد الناصر محبط من العرب ومن مساندتهم الضعيفة وفق رأيه بعد 67 حيث ذكر أنه طلب من الجزائر 40 طائرة فأعطوه 16 وطلب طيارين فلم يقبلوا، وفق التسريبات.
نص التسريبات
في التسجيل المسرب، يتحدث جمال عبد الناصر بكل وضوح، موضحًا أن أمريكا والعالم أجمع يساندون إسرائيل، وأنهم اشتروا سلاحًا بقيمة 400 مليون جنيه في يومٍ واحد، وأن لديهم مخططًا مدروسًا لكل خطوة منذ 25 عامًا، مستشهدًا بقول وايزمان إنهم يعتبرون هذه الأرض أرضهم.
كما انتقد الشعارات التي تردد بضرورة استعادة كامل البلاد أو لا شيء، مؤكدًا أنه يتحمل مسؤولية هذا الكلام، ومدرك تمامًا أنه معرّض للاغتيال، بل وربما يتم ذلك من داخل مصر نفسها.
وأشار عبد الناصر إلى أنه لا يمكن تحقيق تحرير كامل للأراضي بناءً على موقف ذاتي فقط، بل يجب خلق موقف دولي خطير يدفع أمريكا للتدخل، لأن القرار في يد أمريكا.
وأضاف، إنه لا انسحاب بدون مقابل. كما أوضح أنه لو كان مكان الملك حسين، لوافق على استعادة الضفة الغربية منزوعة السلاح كخطوة تدريجية.
وهنا اعترض القذافي، فسأله عبد الناصر: "وما هو الحل؟"
رد القذافي قائلًا: "أن نتحد ونكوّن قوة وندخل الحرب."
فرد عليه عبد الناصر: "متى سنحارب؟ ومن أين سنأتي بالسلاح؟"
في هذا السياق، قال عبد الناصر بنبرة فيها بعض السخرية: "تفضلوا أنتم، نحن استسلاميون ومهزومون! من أراد القتال والتحرير فليتفضل: الجزائر ممثلة في بومدين، العراق، سوريا، ليبيا، جميعهم مدعوون، وسنقوم بتمويلكم بـ50 مليون جنيه – مع العلم أن ميزانية الدفاع العراقية حينها كانت 70 مليون جنيه! فماذا تريدون أكثر من ذلك؟ اتركونا نستعيد سيناء بأنفسنا، ولا نريد مقاتلين من عندنا."
وتابع حديثه قائلًا، إنه يركز الآن على استعادة الأراضي التي فُقدت عام 1967، وبعدها يمكن العمل على أراضي 1948، ولكن أن نستعيد جميع الأراضي مرة واحدة أو لا شيء؟! هذا غير منطقي، وإذا كان هناك عمل فدائي حقيقي فليكن، وإلا فلا.
القذافي رد: "لا يوجد عمل فدائي."
فقال له عبد الناصر: "تريدوننا أن نحارب نحن وحدنا، وأن نستعيد كل شيء؟! أن نحارب العالم بأسره: أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا؟! في وقت يعتبرون فيه العرب عدوانيين بطبعهم؟! إذن، إما أن نعمل بحساب أو لا نعمل أبدًا!"
واقترح عبد الناصر استراتيجية تبدأ باستعادة جزء من الأرض ثم التحرك خطوةً خطوةً لاستعادة الباقي، لأن تحرير تل أبيب مستحيل مع الفارق الشاسع في القدرات العسكرية.
القذافي اقترح: "نحشد قوة عسكرية."
فرد عبد الناصر قائلًا: "وهل أنا أمنع الحشد؟! هل منعت بومدين من الحشد وهو يتحدث منذ عام 1967؟ هل منعت العراق؟! هم أنفسهم لم يحشدوا، ومع ذلك، إذا أحضرتم قواتكم، أعطونا 16 طائرة، ونحن بحاجة إلى طيارين وليس فقط طائرات."
وأضاف، أن بومدين رفض إرسال طيارين، فذهب عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي وطلب منهم طيارين. وأشار إلى أن السوفييت وعدوا مصر بـ40 طائرة، لكنهم لم يسلموهم سوى 16 طائرة، في حين أن مصر خسرت 102 طائرة.
وزعم عبد الناصر بأن هناك حرب استنزاف متبادلة، وأن مصر وافقت على مبدأ أن نخسر 10 جنود مقابل جندي واحد منهم، ورغم ذلك يعتبرون هذا نصرًا، وكان بإمكانه أن يكتفي بالكلام مثلما فعل العراق منذ عام 1948، حيث لا حشد ولا قتال.
واختتم عبد الناصر كلامه بطرح حل: "اذهبوا إلى بغداد، اجمعوا الزعماء العرب، حشدوا قواتكم، وابدأوا الحرب، ولن يكون لنا دخل، طالما أنكم تصرون على أن تكون المعركة عربية ولا يحق لأحد الانفراد بها. سنقدم لكم كل الدعم الذي تطلبونه."
ثم أضاف ساخرًا:
"تلقي به في البحر، ثم تقول له: إياك أن تبتل بالماء!"
روجرز
الكلام الذي أدلى به جمال عبد الناصر، والذي ظهر اليوم مع القذافي في أغسطس عام 1970 تحت عنوان "من أراد القتال فليقاتل، ودعونا وشأننا"، جاء في سياق موافقة عبد الناصر على مبادرة روجرز عام 1970 لوقف إطلاق النار بين مصر واسرائيل، وذلك بعد أن تمكن من بناء حائط الصواريخ الدفاعي وتأمين العمق المصري.
حديث مهزوم وتسجيلات ليست بريئة
بعد تسريب التسجيلات، قال الإعلامي والمؤثر المصري البارز عبده فايد، إن عبد الناصر في التسجيلات كان مهزومًا بشكل مخيف، ناصر الذي جمع العرب من المحيط للخليج على كلمة سواء ‘‘القومية العربية‘‘، الرجل الذي حمل على عاتقه إلقاء هؤلاء الخنازير في البحر، الرجل الذي موّل وحرّض ضد أنظمة عربية وسعى لإسقاطها أملًا في إقامة أممية عربية وحدوية اشتراكية ثورية، هذا الرجل انتهى أمام واحد من معجبيه وهو الرئيس الليبي الراحل ‘‘معمّر القذافي‘‘ منتكس الرأس، يشكو الجميع الذي خذله، وينأى بنفسه عن المواجهة الشاملة، ويعترف بحدود قدرته التي تسمح له بالكاد باسترداد الأرض المصرية المحتلّة.
ويضيف، "عبد الناصر فعلًا وصف حال العرب بشكل أقرب للصدق من كل الدعايات الإعلامية، العرب خونة لأنفسهم، قبل أن يكونوا عملاء للآخرين، لما تحدث عن الرئيس الجزائري بومدين الذي رفض جدولة ديون مصر رغم اقتراض الجزائر سابقًا عشرة ملايين جنيه، لما تحدث عن ملك السعودية فيصل الذي يتحالف مع الأميركيين، وعندما جاء ذكر الأنظمة البعثية سيئة الذكر في سوريا والعراق، والتي كانت تستغل فقط القضية للنيل من الموقف المصري، دون أن تبذل شيئًا قط، وكل هؤلاء العنتريون كانوا يطالبون مصر وحدها بالتحرير، لدرجة أن عبد الناصر يقول ساخرًا..‘‘سوف أعطيهم 50 مليون جنيه مصري ليخوضوا هم الحرب، ويحلّوا بقى عن سمانا ‘‘.
وتابع، "للوهلة الأولى سوف يبدو عبد الناصر محقًا بريئًا، خذله العرب وصمد وحده، ربما يكون هذا هو الغرض من التسجيلات أصلًا، حتى يتم تبرير ابتعاد بعض الناس في بعض الدول عن الاشتباك مع قضايا أمّتهم. صدق عبد الناصر في وصف العرب.. لكنه بنفسه كان أول الحنجوريين.. هذا رجل أتيحت أمامه زعامة لم ولن تتاح لأحد من قبله أو من بعده في وجدان العرب.. وجد الكلمة السحرية.. عروبة.. ومقابلها جمهور مشتاق لزعامة كاريزمية تنقذه من تكالب الأمم عليه.. جمهور من 100 مليون عربي.. كان بإمكان ناصر تقديم تجربة مصرية عملاقة في بناء مؤسسات سياسية مستدامة، وتجربة حزبية ديمقراطية استنادًا لتقليد مصري منذ العام 1923، كان بمقدوره نقل العدوى بالتدريج لمحيط عربي متكلس من الزعامات القبلية الرجعية، والاستثمار في بناء مؤسسة عسكرية احترافية، تترك السلطة وصراعاتها للأحزاب المدنية، وتركّز على مهماتها الدفاعية.. لكنه اختار عوضًا عن ذلك.. بناء نموذج رجعي آخر لا يختلف عمّا انتقده.. جمهورية عسكرية من ضباط محدثي نعمة، لا يعرفون مقادير السياسة.. وسيول من التدخلات الخارجية دون معرفة طبيعة الدول وتركيبتها.. فكانت الهزيمة مزدوجة.. مصر بنفسها هي من صدّرت النموذج الأسوأ في الحكم ومكّنت له عربيًا.. جمهوريات أخرى عسكرية في العراق وسوريا والجزائر يشتكي منها ناصر نفسه.. لأنها انشغلت أيضًا بما انشغل به حكمه في الداخل المصري.. فلا قضية سوى تمكين حكم العساكر.. لا أهالينا ولا وحدة ولا عروبة، فقط الحكم ولو على أجساد الناس".
شكوى مكسورة للقذافي
يؤكد فايد، أن عبد الناصر جنى غرس يديه، حيث تخلّى عنه العسكريون العرب الذين تمكنوا وهم يستلهمون نموذج جبروته المحلّي، وانتظر خونة العروش العربية من السعوديين للأردنيين انحسار نفوذه للشماتة فيه.. ثم تجده يشتكي للقذافي مكسورًا".
وأضاف، "لا يا سيادة الرئيس الراحل.. ضاعت الأرض بسببك، وانهارت فكرة نبيلة وهي العروبة على يديك، ومكّنت من بعدك لنموذج العسكر العارفين ببواطن الأمور والمطلعين على الغيب للحكم في عديد الأقطار العربية.. فكان أن جرى للعرب في حياتك ومن بعدك ما جرى.. حتى القضية التي يدعو ناصر العرب لحلها بعيدًا عن مصر.. هو من أحياها، أو ساهم في إحيائها منذ تأسيس منظمة التحرير عام 1965، ثم تجده يلوم العرب على الضغط عليه لقيادة مهام التحرير.. ومن ذا الذي أشعل جذوة الكفاح في صدورهم، ثم تبيّن لهم أنه والعدم سواء أمام جيش العدى؟.. ليس أحد غيرك".
ناصر المنكسر
ويتابع المؤثر المصري، "المثير للضحك والبكاء في آن واحد هو أن المخاطب بالتسجيل كان القذافي.. يشبه عبد الناصر في بداياته.. وكأنك تستمع إلى حوار ذاتي.. بين ناصر الثائر القديم، وبين ناصر المهزوم المنكسر.. القذافي مشحون بمثاليات التحرير الشامل، والوحدة المطلقة، والسعي للخلاص النهائي للعرب.. لو أننا لم نعرف كيف انتهى القذافي لبايعناه زعيمًا مخلدّا فيها.. لكن لأنه حكم بلاده نصف قرن.. رأيناه بنفسه يعيث في العرب فسادًا، يضعف القضية المقدّسة نفسها بتمويل أجنحتها الأشد خيانة مثل صبري البنا، يتحوّل لديكتاتور مهووس وينفذ أبشع البشاعات في سجن بوسليم.. وفي النهاية يجري كالنعجة الحمقاء يسترضي الأميركيين بعدما رأى مصير صدام، ويطلب من واشنطن نفسها المساعدة في تفكيك برنامجه النووي، بل ويقبل بأن تتعاون استخبارات طرابلس مع الـ CIA من أجل استجواب المغضوب عليهم أميركيًا بعد أحداث سبتمبر".
وأكمل، "شاهدت الوثائق المفرج عنها في برنامج وثائقي ماتع اسمه ‘‘القذافي والغرب‘‘.. يحكي كل شيء.. كيف تحولّ نظام القذافي الثائر لضابط مخابرات أميركي رديء.. كان القذافي بالمللي نسخة ناصرية باهتة في الثورة والخنوع، والظلم والجبروت، والموت مذموما في نفوس من رفعوه يوما على الأعناق".
ويضيف، "هي قصتهم جميعًا.. قصة كل طغاة العرب.. ناصر والقذافي والأسد وصدّام ونسل العسكريين في الجزائر.. هي قصة تلخصها أبيات شعر نزار قباني التي كتبها في أعقاب النكسة.. ‘‘السر في مأساتنا.. صراخنا أضخم من أصواتنا.. وسيفنا أطول من قاماتنا ‘‘.. بدأوا ثوار عنتريون، وانتهوا فاقدين للأرض والشرف الوطني الذي طالما ادّعوه حكرًا عليه وعلى طائفتهم المنزّهة.. بدأوا أسودًا على شعوبهم وانتهوا صرعى لأعدائهم.. امتلكوا أشد الأحلام نبالة، وأهالوا عليها الأحمر القاني في سجونهم ومعتقلاتهم، حتى ليبدو العدو أشد رأفة بشعوبهم منهم.. وناصر هو أبو التجربة، مؤسسها، وملهم مريديها.. وصاحب الحساب الأكبر عليها".
كلمات مهزومة
ويسترسل، "أما أهالينا في القطاع.. فهؤلاء هم العرب، دسائس ومؤامرات على أنفسهم وعليكم.. لم تكونوا يومًا بالنسبة لهم أكثر من أداة توظيف سياسي لدعم عروشهم المنحطّة.. واليوم كالأمس.. ما يفصلنا فقط هو التسجيلات المتاحة.. يومًا ما سيأتي جيل جديد، ستتاح أمامه تسريبات وتسجيلات، ستؤكد معرفته بما تراه أعيننا العارية اليوم من خيانات.. لا فارق بين حسين الذي كان ضيفًا على نهاريا للقاء جولدا مائير وديّان وبين ابنه عبد الله.. وخليج اليوم هو خليج الأمس، مستعمرات أميركية.. وعساكر العرب كما هم دومًا.. انتهازيون.. لا فارق.. حزن مورث من جيل لجيل.. وخيانة ممتدة.. أما العدو.. فمن أنسب له من نعاج غيرنا.. قال القذافي في معرض حديثه لعبد الناصر ما هو أقرب لنبؤة ذاتية..‘‘ سوف يسعى الأعادي لتأمين حدودهم الجديدة، لن يكتفوا بما حصدوا من أرض في النكسة، سوف يستمرون في السعي حتى نهر الليطاني في لبنان، وجبل الشيخ في سوريا‘‘.. كان هذا الكلام عام 1970.. وتحقّق بالنص في يناير 2025.
لم يكن القذافي منجمًا.. لكن العدو كان من الصراحة بما يكفي ليخبرك أنه يريد هذه الأرض وتلك الحدود.. وبالعمل الدؤوب وحده تمكّن بعد خمسة وخمسين عامًا بالتمام والكمال من إنفاذ أحلامه.. يعرف الأعادي ما يريدونه ونجحوا.. ونعرف جيدًا ما الذي يتعيّن علينا فعله، فنهمله.. لا يقبلون سوى بالسيادة المطلقة، ولا يعرف العرب سوى الخيانة الدائمة.. يصلون ونتقهقر.. يهيمنون ونخنع.. ثم يستخرج أحدهم رفات الماضي من صوت عبد الناصر ليقنعنا بأن الانعزال هو الحل، وأن العروبة وهم.. لا والله.. بل ما ضاع حلم إلا على أيدي حكام كان بمقدورهم أن يحولوا أوطانهم إلى جنان وارفة، أن يستفيدوا من كل تجربة اندماج، أن يستغلوا عواملهم المشتركة من لغة ودين وحدود.. لكنهم أبوا إلا أن ينصرفوا لصراعات السلطة وتثبيت العروش.. فانتهوا جميعًا.. متجبرين بأنفسهم، مستبدين بشعوبهم، ورعاع أمام قوى الاستكبار.. تلك هي سيرة العرب التي لم يحكها ناصر.. والتي تسمعها، رغم ذلك بوضوح، بين كلماته المهزومة.. سيرة عرب خانوا شعوبهم فاستحقوا الذل الأبدّي أمام أعدائهم".