تفجيرات تل أبيب.. صفعة جديدة لأمن الاحتلال الهش وتشابه مع مشهد تفجيرات "البيجر" في لبنان

فشل استخباري جديد
تفجيرات تل أبيب.. صفعة جديدة لأمن الاحتلال الهش وتشابه مع مشهد تفجيرات "البيجر" في لبنان
انفوبلس/..
لم تكن سلسلة التفجيرات التي هزّت تل أبيب قبل يومين مجرد حادث أمني عابر، بل كانت دليلًا جديدًا على هشاشة المنظومة الأمنية الصهيونية، التي طالما تبجّح الاحتلال بأنها منيعة وغير قابلة للاختراق. ففي وقت يسعى الكيان الصهيوني إلى تصدير صورة “القوة التي لا تُقهر”، جاءت هذه التفجيرات لتكشف زيف هذه الدعاية، مؤكدةً أن المقاومة، بكل أشكالها، باتت قادرة على الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة وضرب أهداف حساسة، في توقيت يُعيد إلى الأذهان مشاهد مشابهة شهدها لبنان خلال ما عُرف بـ"تفجيرات البيجر".
الاحتلال، الذي يعتمد بشكل أساسي على القبضة الأمنية والاستخباراتية، وجد نفسه مرة أخرى عاجزًا عن منع اختراقات أمنية بهذا الحجم، حيث أظهرت التفجيرات الأخيرة أن هناك ثغرات خطيرة في المنظومة الأمنية الصهيونية، وأن أجهزته الاستخباراتية، وعلى رأسها “الشاباك” و”الموساد”، لم تعد قادرة على احتواء التهديدات التي باتت تأتي من كل الاتجاهات. ورغم المحاولات الإعلامية الصهيونية للتقليل من شأن ما حدث، والترويج لروايات مرتبكة حول منفذي العمليات وخلفياتها، إلا أن حقيقة واحدة باتت واضحة: الكيان لم يعد آمنًا، والمقاومة استطاعت إيصال رسائلها بالنار والانفجارات في قلب المدن المحتلة.
في ظل تصاعد التهديدات واستمرار فشل “القبة الحديدية” وغيرها من الأنظمة الأمنية في حماية الداخل الصهيوني، تبدو مرحلة جديدة قد بدأت، حيث لم يعد الاحتلال قادرًا على احتكار زمام المبادرة، بل أصبح في موقع المتلقّي، ينتظر الضربة التالية دون قدرة حقيقية على منعها.
*التفاصيل
انفجرت ثلاث حافلات في مدينتي بات يام وحولون، جنوب تل أبيب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مساء الخميس، في عملية وصفتها الشرطة الصهيونية بـ"هجوم إرهابي مشتبه به".
وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن الشاباك يحقق في اشتباه زرع عبوات ناسفة بحافلات، ما أدى إلى انفجارها، فيما أفادت هيئة البث العامة الإسرائيلية "كان 11" باشتباه وجود عبوتين ناسفتين أخريين دون انفجارهما.
وأشارت مصادر أمنية إسرائيلية إلى تعزز التقديرات بأن الانفجارات كانت محاولة لتنفيذ عملية، حسبما نقل عنها موقع "هآرتس"، وأُفيد بأن حركة القطار الخفيف توقفت بشكل كامل في منطقة بات يام على خلفية انفجار الحافلات.
وأوردت القناة 12 الإسرائيلية، أنه يُستدل من التقديرات الأولية لانفجار الحافلات بأن اتجاه التحقيق يشير إلى محاولة لتنفيذ عملية، فيما جرى إيعاز جميع السائقين بمنطقة تل أبيب بتفقد حافلاتهم.
وجاء عن بلدية بات يام أن "انفجارين وقعا بحافلتين بينما كانتا في موقفي حافلات بالمدينة من دون وجود مسافرين على متنهما، ولم تقع إصابات في الحدثين".
وأشارت إلى أن "تفاصيل الحدثين غير واضحة حتى الآن، وتجري عمليات بحث واتخاذ وسائل الحذر في هذه المرحلة من أجل التأكد من عدم وجود أي خطر آخر".
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية في بيان الاشتباه بعملية على خلفية انفجار عدد من الحافلات، فيما وصلت قوات كبيرة إلى المواقع وشرعت بالبحث عن مشتبه بهم، وباشرت فرق المتفجرات بفحص الأغراض المشبوهة بالمنطقة، حسبما جاء في بيان لها.
*وقت الانفجارات
وقعت الانفجارات حوالي الساعة 8:30 مساءً بالتوقيت المحلي (6:30 مساءً بتوقيت غرينتش) داخل ثلاث حافلات متوقفة في مواقف السيارات بمدينتي بات يام وحولون، وفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية.
ووفقًا للتقارير، وقع الانفجاران الأولان خلال دقائق من بعضهما، بينما انفجرت العبوة الثالثة بعد 15 دقيقة. وكانت جميع الحافلات فارغة وقت وقوع التفجيرات.
وبعد تمشيط المنطقة، عثرت قوات الأمن الإسرائيلية على عبوات ناسفة إضافية داخل حافلتين لم تنفجرا. وأكدت الشرطة أن جميع القنابل الخمس كانت متطابقة ومجهزة بمؤقتات.
*مواقع الحافلات
تشير تقديرات جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) إلى أن المهاجمين كانوا ينوون تفجير العبوات الناسفة في الساعة التاسعة صباحًا، تزامنًا مع توجه المواطنين إلى أعمالهم، لكنهم أخطأوا في ضبط التوقيت، ما أدى إلى انفجارها مساءً بدلاً من ذلك، وفق مزاعم إسرائيلية.
ولم تُسجل أي إصابات، حيث كانت الحافلات متوقفة وخالية من الركاب بعد انتهاء رحلاتها. ووصف رئيس بلدية بات يام، تسفيكا بروت، الأمر بأنه "معجزة"، بحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية.
*من يقف وراء الهجوم؟
صنّفت الشرطة الإسرائيلية التفجيرات على أنها "هجوم إرهابي"، وأطلق جهاز الشاباك حملة تحقيق واسعة لتحديد المسؤولين عن زرع المتفجرات.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، عُثر على إحدى العبوات الناسفة، التي تزن خمسة كيلوغرامات، وعليها عبارة مكتوبة: "هذا انتقام من مخيم طولكرم"، في إشارة إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في الضفة الغربية.
وفي سياق التحقيقات، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية، أمس الجمعة، مشتبهين يهوديين إسرائيليين، وتجري تحقيقات حول احتمالية تورطهما في نقل منفذي الهجوم إلى موقع التفجيرات، حسب ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية.
وقد نشر حساب منسوب لـ "كتائب القسام-كتيبة طولكرم"، على منصة تلغرام، أن "ثأر الشهداء لا يُنسى ما دام المحتل على أرضنا"، دون الإعلان قطعياً عن المسؤولية عن التفجيرات.
وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور يُزعم أنها تُظهر بعض المشتبه بهم في تنفيذ الهجوم، إلا أنه لم تصدر أي بيانات رسمية حتى الآن تؤكد صحة هذه المقاطع أو ارتباطها بالحادث.
*تكتُّم على المعتقلين
أفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن السلطات تتكتم على هويات إسرائيليين يهود اعتقلتهم أجهزة الأمن يوم الجمعة، على خلفية الاشتباه بتورطهم في انفجارات حافلات في تل أبيب مساء أمس الخميس.
وقالت الصحيفة، إنه تم اعتقال إسرائيليين اثنين للاشتباه بتورطهما بالانفجارات التي استهدفت حافلتين فارغتين في ضاحيتين بتل أبيب.
وأضافت، إنه تم نقل المشتبه بهما إلى جهاز الأمن الداخلي (شاباك) للاستجواب، على الرغم من أن المحكمة أصدرت أمرا بحظر نشر مزيد من التفاصيل بشأن القضية.
ولم يُكشف بعد عن هويتي المعتقلين أو الدور المشتبه بقيامهما به، حيث قالت القناة 12 الإسرائيلية في وقت سابق من الجمعة، إن أحدهما مشتبه بنقله أحد المنفذين إلى مدينة بات يام حيث وقعت التفجيرات.
*رد الفعل الإسرائيلي
أمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجيش الإسرائيلي بتنفيذ "عملية مكثفة ضد مراكز الإرهاب"، بحسب وصفه، في الضفة الغربية المحتلة ردًا على التفجيرات.
وأعلن الجيش الصهيوني نشر ثلاث وحدات إضافية في "القيادة المركزية"، المسؤولة عن العمليات العسكرية في الضفة الغربية.
وفي بيان له على منصة "إكس"، قال المتحدث باسم الجيش الصهيوني، أفيخاي أدرعي، إن "الجيش سيواصل العمل على الصعيدين الدفاعي والهجومي لحماية مواطني إسرائيل".
من جانبها، أعلنت وزيرة النقل الإسرائيلية، ميري ريغيف، إيقاف جميع الحافلات والقطارات وقطارات السكك الحديدية الخفيفة في جميع أنحاء البلاد مؤقتًا، حتى يتم إجراء فحوص أمنية شاملة للكشف عن أي عبوات ناسفة محتملة.
*هجمات سابقة استهدفت الحافلات في إسرائيل
شهدت إسرائيل العديد من الهجمات التي استهدفت وسائل النقل العام، خاصة خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، حيث نُفذت عدة تفجيرات انتحارية استهدفت حافلات في تل أبيب ومدن أخرى.
في أغسطس 2004، قُتل ما لا يقل عن 16 شخصًا وأُصيب العشرات في تفجيرين انتحاريين متزامنين استهدفا حافلتين في مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل.
ونفذ عنصر من حركة حماس تفجيرًا انتحاريًا في حافلة على طريق حافلات يافا في القدس عام 1996، ما أدى إلى مقتل 17 شخصاً وتسعة جنود إسرائيليين.
واستهدف انتحاري من حماس عام 1994 حافلة في تل أبيب، مما أسفر عن مقتل 22 شخصًا.
تأتي هذه التفجيرات الأخيرة وسط تصاعد التوترات في الضفة الغربية وقطاع غزة، في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة هناك.