تفكيك الدعاية الصهيونية خلال الحرب العدوانية على إيران.. سرديات مهزوزة أمام وعي عالمي متغير

انفوبلس/ تقارير
مع انطلاق العدوان الصهيوني الواسع على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في يونيو/حزيران 2025، برزت الحملة الإعلامية الإسرائيلية كسلاح رديف للميدان، إذ حاولت تل أبيب عبرها فرض سردية دعائية متكاملة ترمي إلى تضليل الرأي العام وتبرير العدوان أمام المجتمع الدولي. غير أن هذه السرديات، التي لطالما اعتمدت عليها المؤسسة الصهيونية، بدت في هذه الجولة مكشوفة وضعيفة أمام الواقع المتفجر في المنطقة والمزاج الدولي المتغير.
سردية "الضحية المهددة".. الهولوكوست من جديد
منذ اللحظة الأولى، نشرت وسائل الإعلام العبرية خطابًا مكثفًا يركّز على أن "إسرائيل" دولة صغيرة محاصرة، تواجه خطر الإبادة النووية من قبل إيران، وأن القصف الإيراني استهدف المدنيين بشكل عشوائي. استعارت هذه السردية مفردات من عمق الذاكرة اليهودية مثل "الإبادة" و"التهديد الوجودي"، وأظهرت صورًا للملاجئ وصفارات الإنذار، في محاولة لتكريس صورة "الضحية" التي لا مفر أمامها من الدفاع عن نفسها.
لكن، ورغم الجهد الدعائي، لم تصمد هذه السردية أمام الوقائع؛ إذ أقرّ وزير الخارجية الإسرائيلي بأن العدوان بدأ بضربة استباقية إسرائيلية داخل العمق الإيراني. كما نفت تقارير استخبارية أميركية وجود أي دليل على اقتراب إيران من إنتاج سلاح نووي. وهو ما جرّد السردية الصهيونية من شرعيتها الأخلاقية والقانونية، وفتح الباب واسعًا أمام التشكيك الدولي بروايتها.
سردية "التفوق والردع".. إعلام لا يعكس الميدان
الركيزة الثانية في الخطاب الصهيوني كانت التأكيد على "تفوق إسرائيل المطلق" عسكريًا وتقنيًا، وقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة وإحباط الهجمات. تحدّث الإعلام العبري عن نجاح منظومات مثل "حيتس 3" و"القبة الحديدية" بنسبة اعتراض تجاوزت 90%، وبثّ لقطات زُعم أنها لعمليات نوعية داخل إيران.
لكن الضربات الإيرانية أثبتت العكس؛ فقد اندلعت الحرائق في حيفا، وتضررت منشآت في تل أبيب، وتعرضت الجبهة الداخلية لحالة شلل تام. تسارعت طلبات الهجرة، وأُغلقت المطارات، مما أظهر أن "أسطورة الردع" لم تعد سوى قشرة هشة أمام صواريخ المقاومة، وأن الداخل الإسرائيلي لم يعد محصنًا كما يظن قادته.
سردية "الجبهة الموحدة".. وحدة مختلَقة في مشهد الانقسام
لم تغب محاولات تل أبيب عن رسم مشهد موحد يظهر فيه الساسة والعسكر ككتلة واحدة تقف في وجه "العدو الإيراني". لكن خلف هذا الستار، كانت التقارير تتحدث عن خلافات حادة بين أركان الدولة، واحتجاجات شعبية غاضبة من سوء الإدارة، خاصة في تل أبيب والقدس.
كما تسربت معلومات عن صدامات بين القيادة السياسية والقيادات العسكرية بشأن جدوى الحرب واستراتيجيتها.
ما قدّمته وسائل الإعلام من صورة مثالية للجبهة الداخلية الموحدة بدا بعيدًا كل البعد عن الواقع، بل صار موضع سخرية داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، الذي يعيش أزمة ثقة ممتدة منذ سنوات، تفاقمت مع هذه المواجهة الأخيرة.
سردية "إيران المعزولة والشريرة".. السلاح الأخلاقي المكسور
واصل الإعلام الإسرائيلي استخدام أساليبه الخاصة لتصوير إيران كدولة "مارقة" ترعى "الإرهاب"، وتُهدد العالم، في محاكاة مكررة لخطاب "محور الشر" الأميركي. غير أن هذه السردية بدت مستهلكة، خصوصًا مع تضامن شعبي واسع في العالمين العربي والإسلامي، وحتى في أوروبا، مع حق إيران في الرد على العدوان.
لم تتلقّ "إسرائيل" دعمًا مباشرًا من أي دولة عربية كبرى، باستثناء موافقة من الأردن على عبور طيرانها. في المقابل، أيدت عدة دول حق طهران في الدفاع عن سيادتها، ما كشف عزلة تل أبيب الحقيقية، وعجز دعايتها عن إقناع الرأي العام الدولي في ظل تصاعد الاحتجاجات العالمية ضد جرائمها المتكررة في غزة.
سردية "الصراع الوجودي".. الدين لخدمة العدوان
أَحيت الرواية الإسرائيلية مفاهيم توراتية ولاهوتية لتصوير المواجهة مع إيران كصراع وجودي بين "الشعب المختار" وأعدائه، وهي سردية تستهدف تحشيد اليمين الديني والمتطرف داخل الكيان، وتبرير سياسات عسكرية مدمّرة بوصفها "وصايا إلهية".
لكن مثل هذا الخطاب زاد الشرخ بين المتدينين والعلمانيين داخل "إسرائيل"، وفاقم التوترات الثقافية والاجتماعية، التي أصلاً تتعمّق منذ سنوات. وبالتالي، فإن هذه السردية لم توحّد الداخل كما أراد أصحابها، بل سلّطت الضوء على عمق الانقسامات، وساهمت في اهتزاز شرعية الحكومة المتطرفة في عيون قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي.
سردية "تحقيق الأهداف والنصر".. نصر بلا معالم
مع وقف إطلاق النار، تسابق الإعلام العبري لإعلان النصر، مؤكدًا أن إسرائيل "أضعفت المشروع النووي الإيراني" و"أعادت ضبط الردع"، رغم أن الصواريخ الإيرانية كانت لا تزال تتساقط على حيفا وبئر السبع. سعت هذه السردية لتطمين الداخل الإسرائيلي، وتبرئة القيادة من تهم الفشل.
لكن الحقيقة أن الأهداف الإسرائيلية بقيت غامضة وغير مثبتة؛ لم يتضح ما إذا كانت إيران قد تراجعت قيد أنملة، أو إن كانت الضربات الإسرائيلية أصابت أهدافًا ذات أهمية فعلية. وفي ظل استمرار الرد الإيراني، لم يُلمس أي أثر فعلي على ما يُسمّى "توازن الردع"، بل بدا أن المشهد الإقليمي يزداد اضطرابًا، وأن "النصر" ليس أكثر من خطاب بلاغي هدفه احتواء الصدمة النفسية.
دعاية مشروخة أمام وعي عالمي متنور
في النهاية، فوفق متابعة دقيقة من شبكة انفوبلس فإن تحليل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي خلال هذه الحرب العدوانية أظهر أن تل أبيب لم تخرج عن المألوف الدعائي الذي تبنّته منذ عقود. أعادت تدوير سرديات قديمة – الضحية، الردع، الجبهة الموحدة، وغيرها – لتبرير عدوانها وطمأنة مجتمعها المتوتر.
لكن العالم لم يعد هو العالم ذاته. الكاميرات باتت حاضرة، ووعي الشعوب أكثر حدة، والسياسات العدوانية لم تعد تُقابل بالصمت أو التسليم. وبينما تنهار السرديات الصهيونية الواحدة تلو الأخرى، تبدو "إسرائيل" – لأول مرة – محاطة بعاصفة من الشكوك والعزلة والرفض، سياسيًا وشعبيًا، إقليميًا وعالميًا.
وربما يكون هذا الانكشاف الإعلامي، أكثر من أي ضربة عسكرية، هو ما يُضعف فعليًا قدرة الكيان الصهيوني على الاستمرار في خداع العالم، بل وخداع نفسه.