خيانة جديدة مغلّفة بالاستثمار والتطبيع على حساب القضية الفلسطينية

صفقة الجولاني وترامب
انفوبلس..
في مشهد يعكس تحوّلات جذرية وغير مسبوقة في المشهد السياسي الإقليمي، أثارت صورة اللقاء بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) والرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعًا، لا سيما مع توقيع اتفاقيات مثيرة للجدل شملت انضمام سوريا إلى الاتفاقية الإبراهيمية.
الحدث الذي جرى خلال جولة ترامب في منطقة الخليج، اعتُبر خطوة مفصلية في مسار التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن الجولاني كان حتى وقت قريب على قوائم المطلوبين للولايات المتحدة بتهم تتعلق بالإرهاب.
هذا التحوّل المفاجئ، الذي تزامن مع رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق، ألقى بظلاله على مواقف الحكومات العربية التي لطالما رفعت شعار دعم القضية الفلسطينية، لكنها سارعت إلى استقبال ترامب وتوقيع اتفاقات اقتصادية ضخمة معه، وهذه التحركات كشفت عن واقع سياسي جديد، تُعاد فيه صياغة التحالفات والولاءات، وسط تساؤلات عن الثمن الحقيقي لهذا الانفتاح.
صفقات مشبوهة
وتُضاف إلى هذا المشهد المثير للدهشة خطوة أخرى تثير كثيراً من التساؤلات؛ إذ وقّع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، (أبو محمد الجولاني) اتفاقيات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من بينها القبول بالاتفاقية الإبراهيمية التي تعني انخراط سوريا رسميًا في مسار التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي.
المفارقة أن الجولاني، الذي اعتُبر لسنوات أحد أبرز المطلوبين على لوائح الإرهاب الأمريكية، بات اليوم شريكًا استراتيجيًا لواشنطن في تحولات إقليمية كبرى.
وفي السياق ذاته، لم يتوانَ عدد من قادة الدول العربية عن مصافحة ترامبخلال جولته في الخليج، رغم مسؤوليته المباشرة في دعم آلة الحرب الإسرائيلية التي ترتكب مجازر بحق الفلسطينيين في غزة، وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي لتلك الجرائم.
اللافت أن هؤلاء القادة، بمن فيهم الشرع، لطالما أكدوا في تصريحاتهم العلنية على مركزية القضية الفلسطينية، لكنهم اليوم يخطّون خطوات متسارعة نحو التحالف مع من يتهمونه بتمزيق المنطقة.
زيارة ترامب الأخيرة كشفت واقعًا عربيًا جديدًا، عنوانه الانسياق وراء المصالح والصفقات، على حساب المبادئ والمواقف التي طالما تغنّت بها الخطابات الرسمية.
ترامب شجع الجولاني
وصرح البيت الأبيض في بيان اليوم الأربعاء، بأن ترامب شجع الجولاني، على القيام بما وصفه بـ”عمل عظيم للشعب السوري”، وهو التوقيع على اتفاقية تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال الصهيوني، والتي طبّعت بموجبها الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع الاحتلال في عام 2020.
كما دعا ترامب الجولاني إلى "ترحيل الفلسطينيين" من سوريا، في إشارة إلى كوادر فصائل المقاومة الفلسطينية.
من جانبه، أبلغ الجولاني، ترامب بأنه يدعو الشركات الأمريكية للاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا في إشارة إلى استعداد سوريا للتعاون مع الولايات المتحدة في المجالات الاقتصادية.
والتقى الرئيس الأمريكي نظيره في الحكومة الانتقالية السورية “الجولاني” في العاصمة السعودية الرياض، بعد يوم واحد فقط من إعلان رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق.
وانضم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاجتماع بين ترامب ومحمد بن سلمان والجولانی عبر الفيديو، فيما قال البيت الأبيض في وقت لاحق إن الاجتماع استمر لمدة تزيد قليلا عن 30 دقيقة.
لقاءات سرية نحو التطبيع
في تطور لافت يعكس حجم التحولات الإقليمية الجارية، كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية الأسبوع الماضي عن زيارة سرّية أجراها وفد سوري رفيع إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، نهاية شهر نيسان، بوساطة من دولة الإمارات.
تأتي هذه الخطوة في سياق تحركات دبلوماسية تقودها القيادة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع (الجولاني)، بهدف فتح قنوات تواصل مباشرة مع تل أبيب، ضمن استراتيجية أوسع لإعادة تموضع سوريا سياسيًا واقتصاديًا على الساحة الدولية.
وبحسب الصحيفة، ضم الوفد مسؤولين من محافظة القنيطرة وشخصية بارزة في المجال العسكري، حيث عُقدت اجتماعات استمرت عدة أيام مع مسؤولين في وزارة الدفاع في الكيان الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة.
وتمت الزيارة في أجواء شديدة السرية، ما يعكس حساسية المرحلة وحجم التحولات التي تشهدها المنطقة.
التحرك السوري باتجاه التطبيع جاء بالتوازي مع محاولات الشرع تقديم سوريا كفرصة استثمارية مغرية للغرب، مقابل دعم سياسي وتخفيف العقوبات، كما تزامنت الزيارة مع رحلة حج علنية قامت بها مجموعة من الدروز السوريين إلى مقام النبي شعيب داخل الأراضي المحتلة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها جزء من حملة رمزية تهدف إلى إعادة تشكيل صورة إسرائيل كـ"ضامن للأقليات"، وتكريس مشهد الانفتاح التدريجي بين دمشق وتل أبيب.
مشروع اقتصاد مشترك
في إطار تحركات إقليمية متسارعة، يسعى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع (الجولاني سابقاً)، إلى فتح قنوات تواصل مباشرة مع "إسرائيل"، في محاولة لإعادة تموضع سوريا سياسيًا وإنهاء عزلتها الدولية.
هذه الخطوة تتزامن مع زيارة مرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كل من السعودية وقطر والإمارات، وسط أحاديث عن احتمال عقد لقاء مباشر بين ترامب والشرع بوساطة سعودية.
التحرك السوري يأتي في ظل محاولة اغتنام اللحظة الإقليمية والدولية لإحداث اختراق في ملف العلاقات مع الغرب.
وبحسب مراقبين، يخطط الجولاني لاستخدام الورقة الاقتصادية لجذب الدعم الأميركي، عبر تقديم حوافز ضخمة للشركات الأميركية للدخول إلى السوق السورية، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
وتشير تقارير إلى أن الحكومة السورية الانتقالية وجّهت بالفعل دعوات لعدد من الشركات الأميركية للاطلاع على الفرص الاستثمارية في البلاد، فيما يبدو أنه عرض مفتوح لواشنطن مقابل تخفيف العقوبات وفتح قنوات دعم مباشر.
مشروع مارشال جديد
صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن مصادر مطلعة أن الشرع عرض على الإدارة الأميركية خطة لإعادة إعمار سوريا على غرار "مشروع مارشال" الذي أطلقته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.
وتهدف هذه الخطة إلى استقطاب استثمارات غربية، ومنح الولايات المتحدة دورًا قياديًا في إعادة بناء سوريا، في مواجهة التمدد الصيني والروسي.
وفي تصريحاته الأخيرة من باريس، أكد الجولاني أنه يرى في التعاون مع أميركا "فرصة استراتيجية"، مشيرًا إلى أن البديل قد يكون دخول قوى أخرى ذات مصالح متضاربة.