رحلة العودة التي لم تكتمل: سقوط غامض لطائرة رئيس أركان الجيش الليبي بعد إقلاعها بدقائق من أنقرة.. تحقيق تركي وليبيا تدخل الحداد

انفوبلس/..

في حادثة وُصفت بأنها من أكثر الوقائع إيلاماً في المشهد الليبي الحديث، أُعلن في ليبيا الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام، بعد مصرع رئيس أركان الجيش الليبي الفريق أول ركن محمد علي أحمد الحداد وأربعة من مرافقيه، إثر تحطم طائرتهم عقب إقلاعها من مطار أسن بوغا الدولي في العاصمة التركية أنقرة، مساء الثلاثاء، أثناء عودتهم من مهمة رسمية.

الحادثة التي وقعت خارج الأراضي الليبية، سرعان ما تحولت إلى حدث سياسي وعسكري وإنساني كبير، استدعى تدخلا رسميا من الحكومتين الليبية والتركية، وفتح تحقيق عاجل، وسط ترجيحات أولية تشير إلى عطل فني أو كهربائي تسبب بسقوط الطائرة بعد دقائق من إقلاعها.

رحلة رسمية تنتهي بكارثة

وفق البيانات الرسمية، كان رئيس الأركان العامة للجيش الليبي محمد علي الحداد في زيارة رسمية إلى أنقرة، بدعوة من نظيره التركي، حيث أجرى سلسلة لقاءات مع قيادات عسكرية تركية في إطار التعاون العسكري بين البلدين. 

الزيارة، التي أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية في وقت سابق من الأسبوع، بدت اعتيادية في سياق العلاقات العسكرية المتنامية بين أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.

وفي مساء الثلاثاء، أقلعت الطائرة الليبية من مطار أسن بوغا الدولي متجهة إلى العاصمة الليبية طرابلس. 

ووفق وزارة الداخلية التركية، تم الإقلاع عند الساعة 17:10 بتوقيت غرينتش، قبل أن ينقطع الاتصال اللاسلكي مع الطائرة عند الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش.

وقبل فقدان الاتصال، طلبت الطائرة الهبوط الاضطراري في منطقة أنقرة، وهو ما أثار أولى علامات القلق داخل غرف المراقبة الجوية، قبل أن تختفي الطائرة لاحقًا عن شاشات الرادار.

نداء استغاثة… وعطل فني مرجح

بحسب موقع الصناعات الدفاعية التركية، أطلقت الطائرة الليبية نداء طوارئ بعد إقلاعها، بسبب عطل كهربائي مفاجئ، ما دفع الطاقم إلى اتخاذ قرار الهبوط الاضطراري. إلا أن الطائرة لم تتمكن من تنفيذ الهبوط، قبل أن تتحطم في منطقة ريفية قريبة من العاصمة أنقرة.

وبعد ساعات من عمليات البحث، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، أن فرق الدرك التركية تمكنت من الوصول إلى حطام الطائرة، على بعد نحو كيلومترين من قرية “كسيك كاواك” التابعة لقضاء هايمانا قرب أنقرة، مؤكدًا العثور على جميع الجثامين.

تأكيد الوفاة… ليبيا تدخل في الحداد

مع تأكيد السلطات التركية العثور على الحطام والجثامين، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا رسميا نبأ الوفاة، وسط حالة من الصدمة والحزن في الأوساط السياسية والعسكرية.

رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة أصدر بيانا أعلن فيه الحداد الرسمي في عموم البلاد لمدة ثلاثة أيام، تنكس خلالها الأعلام في كافة مؤسسات الدولة، وتعلق جميع المظاهر الاحتفالية والرسمية، حدادا على أرواح الفريق أول ركن محمد الحداد ومرافقيه.

وأكد الدبيبة أن الضحايا هم:

 • الفريق أول ركن محمد علي الحداد، رئيس الأركان العامة للجيش الليبي

 • محمد العصاوي دياب، مستشار رئيس الأركان

 • الفريق ركن الفيتوري غريبيل، رئيس أركان القوات البرية

 • العميد محمود القطيوي، مدير جهاز التصنيع العسكري

 • محمد عمر أحمد محجوب، المصور في مكتب إعلام رئاسة الأركان

كما وجه الدبيبة وزارة الدفاع الليبية بإيفاد وفد رسمي عاجل إلى أنقرة، لمتابعة ملابسات الحادث والتنسيق المباشر مع الجهات التركية المختصة، وضمان استكمال التحقيقات وفق الأطر القانونية والعسكرية المعتمدة.

خلية أزمة وتحقيقات مشتركة

من جانبه، أكد وزير الدولة الليبي للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي، أن السلطات التركية أبلغت الجانب الليبي بالعثور على حطام الطائرة وجميع الجثامين، مشيرًا إلى أن كل الترجيحات الأولية تشير إلى عطل فني كسبب رئيسي للحادث.

وأضاف اللافي أن حكومة الوحدة الوطنية شكلت خلية أزمة عبر وزارة الدفاع، وتتعامل مع الحادث وفق البروتوكولات العسكرية المتبعة في مثل هذه الحالات، نظرًا لحساسية المنصب وطبيعة المهمة التي كان يؤديها رئيس الأركان.

نعي رسمي واسع

الحادثة لم تتوقف عند حدود حكومة الوحدة الوطنية، بل شهدت إجماعا ليبيًا نادرا في بيانات النعي والتعزية، عكس حجم الخسارة التي يمثلها محمد الحداد داخل المؤسسة العسكرية الليبية.

المجلس الأعلى للدولة نعى الحداد ومرافقيه، واصفاً ما جرى بأنه “حادث أليم نتيجة عطل فني بعد دقائق من إقلاع الطائرة من مطار أسن بوغا”.

كما أصدرت رئاسة الأركان الليبية بيانًا وصفت فيه الحادث بأنه “خسارة كبيرة للوطن وللمؤسسة العسكرية”، مؤكدة أن الضحايا كانوا مثالًا في الانضباط والمسؤولية والالتزام الوطني.

وفي موقف لافت، قدم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على معظم مناطق شرق ليبيا، تعازيه بوفاة الحداد، مشددا على أن الفقيد كان من “رجالات القوات المسلحة الذين أدوا واجبهم في مراحل دقيقة من تاريخ الوطن”.

التحقيق التركي… أربعة مدّعين عامين

على الجانب التركي، أعلن وزير العدل يلماز طونتش أن النيابة العامة في أنقرة باشرت تحقيقا عاجلا وشاملا في حادث تحطم الطائرة الليبية.

وأوضح طونتش أنه تم تكليف أربعة مدّعين عامين تحت إشراف نائب رئيس النيابة العامة، للتحقيق في جميع ملابسات الحادث، مؤكدًا أن التحقيقات تجري “بمنتهى الدقة ومن كافة الجوانب”، سواء الفنية أو الإجرائية.

من هو محمد علي الحداد؟

يُعد الفريق أول ركن محمد علي أحمد الحداد أحد أبرز القادة العسكريين في غرب ليبيا، ويتولى منصب رئيس الأركان العامة للقوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية منذ عام 2021.

ينحدر الحداد من مدينة مصراتة، إحدى أهم مراكز الثقل العسكري والسياسي في غرب ليبيا بعد ثورة 17 فبراير، ما منحه نفوذا وتأثيرًا واسعا داخل تشكيلات القوات المسلحة في الغرب الليبي.

برز اسمه بقوة بعد حرب طرابلس، وكان من الشخصيات المحورية في اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، التي لعبت دورًا رئيسيًا في تثبيت وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020، والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية بين شرق ليبيا وغربها.

كما عُرف بدوره في محاولات دمج التشكيلات المسلحة ضمن إطار المؤسسة العسكرية الرسمية، وإعادة هيكلة القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية.