رسائل روسية مشفرة.. هل يحمل لافروف وساطة بين طهران وواشنطن أم يسعى لتعزيز التحالف الروسي الإيراني؟

انفوبلس..
بعد زيارته أنقرة وقبل توجهه إلى الدوحة، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارة إلى طهران، بحث خلالها مع المسؤولين الإيرانيين العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية، وسط تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن، حيث ركزت المحادثات على الملف النووي الإيراني ومستقبل العلاقات الروسية-الإيرانية في ظل المتغيرات الدولية.
وبعد أسبوع من لقائه نظيره الأميركي مارك روبيو في الرياض، بدأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، زيارة رسمية إلى طهران، مما يطرح تساؤلات عن الملفات التي يحملها الضيف الروسي في جعبته.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، قد أعلن أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بحث مع ضيفه الروسي العلاقات الثنائية والتطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي، مؤكدا أن لافروف من المقرر أن يلتقي في طهران بعض المسؤولين رفيعي المستوى في الجمهورية الإسلامية علاوة على نظيره الإيراني.
وعلى وقع التطورات الإقليمية المتسارعة والتوتر المتفاقم بين طهران من جهة والإدارة الأميركية الجديدة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، يرجح مراقبون في طهران أن يكون الملف النووي الإيراني جزءا ثابتا في محادثات لافروف مع المسؤولين الإيرانيين، لا سيما أن تقارير إعلامية قد أشارت إلى تناول الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب هذا الملف في محادثتهما الهاتفية الأخيرة.
من ناحيته، يعتقد نوذر شفيعي، وهو عضو سابق في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، أنه لا يمكن لأي حوار أميركي روسي أن يتناول شتى الملفات بما فيها الملف الأوكراني وعلاقة موسكو وبكين واستراتيجيات عدم إشاعة التسليح من دون أن يأخذ الملف الإيراني بعين الاعتبار.
وفي تصريح صحفي نقلته وكالة أنباء "إيلنا" الناطقة بالفارسية، يرجح شفيعي أن يقدم لافروف تقريرا عن محادثاته مع نظيره الأميركي للجانب الإيراني تشمل المطالب الأميركية من إيران وكذلك توقعات واشنطن من موسكو بشأن علاقاتها مع طهران.
وردا على سؤال عما إذا كان لافروف يحمل رسالة من القيادة السورية الجديدة إلى طهران عقب تفعيل القنوات الروسية مع دمشق إثر سقوط نظام بشار الأسد، قال النائب السابق إن الأهم في زيارة الضيف الروسي هو الملفات بين طهران وموسكو وعلاقتها بالجانب الأميركي.
وقال شفيعي إن زيارة لافروف قد تفضي إلى نتائج دقيقة جدا بما فيها تغيير أو تقويض العلاقات بين طهران وموسكو، أو تحديد مسافة موسكو من طهران في حال حدوث اصطدام بين طهران وواشنطن. مضيفا أن الجمهورية الإسلامية قد تقرر المضي قدما في سياساتها رغم التقرير الذي ستسمعه من لافروف وبالتالي قد نشهد تحديات بين طهران من جهة وواشنطن وتل أبيب من جهة أخرى لكن من دون أي تدخل روسي.
وخلال المرحلة المقبلة، رأى شفيعي الذي يعمل حاليا أستاذا للعلاقات الدولية بجامعة طهران، أنه في إطار العلاقات التي تسعى روسيا لإقامتها مع الولايات المتحدة أو تركيا وكذلك سوريا فإن موسكو لن تتعاون بشكل جاد مع سياسات طهران الخارجية وهذا ما قد يناقشه لافروف مع المسؤولين الإيرانيين.
ولا يستبعد المتحدث نفسه أن تقبل الولايات المتحدة باستمرارية السلطة الروسية على أجزاء من جغرافيا أوكرانيا حيث احتلتها خلال السنوات الأخيرة شريطة تقليص علاقاتها مع طهران أو قطعها بالكامل. مستدركا أن مباحثات لافروف في طهران قد لا تتطرق مباشرة إلى هذه الملفات، لكن لا يصعب استخلاص هذه النتائج من خلال الخطوط التي ستطرح بين الجانبين وعزم موسكو تنظيم علاقتها مع طهران بناء على مستوى علاقاتها المستقبلية مع واشنطن.
وبينما يتفاءل طيف من الإيرانيين بشأن ما يحمله لافروف في جعبته، لا سيما أن زيارته إلى طهران تأتي بعد أقل من شهرين من توقيع البلدين اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بينهما طويلة الأمد، ترى شريحة أخرى أن الحليف الروسي لن يفرط بمصالحه الاستراتيجية في حال احتدام التوتر بين طهران وواشنطن.
من جانبه، يقرأ السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا والمجر، عبد الرضا فرجي راد، زيارة لافروف إلى طهران في سياق الوقوف على مواقف طهران من الإدارة الأميركية الجديدة تمهيدا لطرحها في اللقاء المزمع عقده بين الرئيسين الروسي والأميركي وكذلك قضية المفاوضات بين طهران وواشنطن خلال المرحلة المقبلة.
ونقلت صحيفة "اعتماد"، في نسختها الصادرة صباح أمس الثلاثاء، عن فرجي راد قوله إنه يتوقع أن يثير الضيف الروسي الملف السوري مع الجانب الإيراني والعلاقة مع النظام الجديد بدمشق، لكن أهم ملف في جعبته هو التباحث بين موسكو وطهران بخصوص العلاقة مع واشنطن في المرحلة المقبلة، وأنه لا يستبعد أن يحمل لافروف رسالة بشأن تأجيل أو تقويض الضغوط الأميركية على طهران تمهيدا للانخراط في التفاوض بينهما.
وتابع "رغم أن الروس لا يرحبون بخفض التوتر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة لكنهم لا يريدون كذلك احتدام التوتر بينهما، مضيفا أن الزيارة تأتي في ظروف حساسة حيث بلغ ملف المفاوضات بين طهران وواشنطن طريقا مسدودا، ويمكن للوساطة الروسية أن تضعه على السكة الصحيحة".
وفي حين يحتل موضوع تطبيع العلاقات بين واشنطن وموسكو وتداعياته على مستقبل العلاقات بين إيران وروسيا حيزا كبيرا من قراءة الأوساط الإيرانية لزيارة لافروف إلى طهران اليوم، يرى مراقبون آخرون أن سقوط نظام بشار الأسد الحليف السابق لكل من موسكو وطهران يفرض عليهما إعادة ضبط الاستراتيجيات بشأن التعامل مع سوريا الجديدة وضمان مصالحهما هناك.
وبعد اللقاء، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف إن المباحثات بين الطرفين كانت "جيدة وبناءة وتفصيلية"، وشملت طيفاً واسعاً من الملفات على مختلف المجالات، في العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية. كما أكد أنه "لن يكون هناك تفاوض مباشر بين إيران وأميركا مادامت سياسة الضغوط القصوى مستمرة"، مضيفاً: "لن نتفاوض تحت التهديد والضغط والعقوبات"، ولفت إلى أن مباحثاته مع لافروف تناولت البرنامج النووي الإيراني، و"أجرينا مشاورات وثيقة، وفرق عملنا على اتصال مستمر، وسنواصل هذه المشاورات".
وأضاف عراقجي أن روسيا وإيران تربطهما "مواقف متقاربة" بشأن الملف السوري، مؤكداً أن إيران "تريد استقرار سوريا والحفاظ على وحدة أراضيها واحترام حق شعبها في تقرير مصيره، وتدعم استمرار وقف إطلاق النار في لبنان، وتطالب بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل منه". وشدد على أن طهران "تدعم محور المقاومة في المنطقة وستواصل هذا الدعم"، مشيراً إلى أنه بحث مع لافروف المشروع الأميركي لتهجير سكان غزة "وهو مشروع مدان إيرانياً".
من جهته، قال لافروف إن مباحثاته مع عراقجي كانت "مفصلة ومفيدة"، مشيراً إلى أنهما تباحثا بشأن القضايا الدولية والإقليمية أيضاً و"أكدنا عدم شرعية العقوبات الأحادية، واتفقنا على المزيد من التنسيق بين البلدين في الأمم المتحدة ومجموعة بريكس". وأضاف لافروف أنهما بحثا أيضاً الاتفاق النووي، معتبراً أنه "ما زالت هناك فرصة دبلوماسية يجب استغلالها. ونحن نأمل أن يتم إيجاد حل. وهذه الأزمة لم تتسبب إيران بها".
كما أكد لافروف أهمية سلامة الأراضي السورية ووحدة شعبها، ودعا إلى الانتظار لمعرفة نتائج المؤتمر الوطني السوري وأهداف الحكومة السورية، وقال إن الاشتباكات ما زالت مستمرة في بعض المناطق "ونحن ندعم الهدوء" في سورية. وقال وزير الخارجية الروسي إن مشاكل الشرق الأوسط لا سيما القضية الفلسطينية يجب أن تحل على أساس قرارات الأمم المتحدة، مقدماً الشكر لإيران على موقفها "المتوازن" من الحرب في أوكرانيا.
وفي مساء أمس، التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي أكد خلال اللقاء على أهمية "التعامل الإقليمي البناء" بين إيران وروسيا. وقال بزشكيان إن الطرفين تربطهما "مواقف متقاربة تجاه القضايا الإقليمية" وأنهما يسعيان إلى تعزيز تعاونهما الإقليمي والدولي على مستوى التعامل الثنائي وكذلك عن طريق المنظمات والمجموعات الدولية والإقليمية مثل شنغهاي للتعاون وبريكس.
ودعا بزشكيان إلى ضرورة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، خاصة الاتفاق الشامل الاستراتيجي المبرم خلال الشهر الماضي، مضيفاً أن بين إيران وروسيا "فرصاً مناسبة لتوطيد التعاون ونحن عازمون على تعزيز التعامل بين طهران وموسكو"، وفق الموقع الإعلامي للرئاسة الإيرانية. كما أكد لافروف خلال اللقاء أن بلاده ستعمل بكل جهودها لاستمرار التعاون والإسراع في تطويره وتنفيذ الاتفاقيات الثنائية، مؤكداً أن البلدين لديهما "مصالح مشتركة كثيرة" في استمرار التعاون الإقليمي المؤثر.
وفي صباح اليوم الأربعاء غادر لافروف طهران متجهاً إلى الدوحة لتكون ثالث عاصمة يزورها في المنطقة بعد زيارته أنقرة لاطلاع قادة تلك البلدان على الاتصالات الأخيرة بين روسيا والولايات المتحدة.