ركاب احتُجزوا بالكويت في عام 1990 يعتزمون مقاضاة بريطانيا.. استخدمتهم لإدخال عملاء واحتجزهم صدام رهائن
انفوبلس/ تقرير
على مدى سنوات لفَّ الغموض هبوط رحلة الخطوط الجوية البريطانية رقم 149 في الكويت خلال الغزو العراقي لها عام 1990 الذي أدى بعد ذلك إلى حرب الخليج عام 1991، وسط تأكيدات بأن الحكومة البريطانية استخدمت هذه الرحلة لأهداف أمنية، وانتهت بوقوع الطاقم والركاب في الأسر ومعاناتهم على مدى أربعة أشهر.
ركاب احتُجزوا بالكويت إبان الغزو العراقي يعتزمون مقاضاة الحكومة البريطانية
يعتزم ركاب وطاقم رحلة شركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتيش ايرويز) الذين تم احتجازهم رهائن في الكويت عام 1990 رفع دعوى ضد الحكومة البريطانية وشركة الطيران للمطالبة بتعويضات، وفق ما أفادت شركة محاماة اليوم الثلاثاء.
وجرى إنزال ركاب رحلة الخطوط الجوية البريطانية رقم 149 البالغ عددهم 367 من الطائرة المتجهة إلى كوالالمبور عند هبوطها ترانزيت في الكويت في 2 أغسطس (آب) 1990، بعد ساعات من اجتياح صدام حسين الكويت، وبعد إنزال الركاب والطاقم من الطائرة تم تدميرها على المدرج، وجُمع كل الركاب لبضعة أيام في فندق قريب تديره هيئة الأركان العامة العراقية، ثم نُقلوا إلى بغداد، واستُخدموا "دروعا بشرية" في مواقع استراتيجية.
ومنذ 3 عقود، يسعى الرهائن السابقون لمعرفة بعض المعلومات التي تملكها تحديدا الحكومة البريطانية، مطالبين إياها بتحمّل مسؤولياتها.
وذكرت شركة "ماكيو جوري وشركاه" للمحاماة التي تمثل مجموعة من موظفي الخطوط الجوية البريطانية السابقين والركاب الذين كانوا على متن الطائرة، إن "الضحايا يتخذون إجراءات قانونية لضمان الكشف عن الحقيقة بشكل كامل ومحاسبة المسؤولين ودفع التعويضات المستحقة". وأضافت، أن "ما يعرفه الرهائن الآن هو وجود أدلة" على أن الحكومة البريطانية وشركة الطيران "كانتا على علم بأن الغزو قد بدأ بالفعل" لكنهما سمحتا للطائرة بالهبوط رغم ذلك.
وزعمت شركة المحاماة أن الحكومة والشركة فعلتا ذلك لأن "الرحلة كانت تُستخدم لإدخال فريق عمليات سرّي من القوات الخاصة وأجهزة الأمن السابقة" إلى الكويت. وأشارت الشركة إلى أن القضية حاليا في مرحلة ما قبل اتخاذ الاجراءات، وهي تتوقع تقديمها أوائل العام المقبل أمام المحكمة العليا في لندن.
وناشدت الشركة المزيد من الركاب أو طاقم الرحلة للانضمام إلى الإجراء القانوني، قائلة إن كل واحد من الرهائن السابقين "بإمكانه المطالبة بعطل وضرر بقيمة 170 ألف جنيه".
وقال باري مانرز الذي كان على متن الطائرة ويشارك في الدعوى "لم نُعامل كمواطنين، بل كبيادق قابلة للاستهلاك لتحقيق مكاسب تجارية وسياسية". وأضاف، إن "الانتصار على سنوات من التستر والإنكار الصريح سيساعد في استعادة الثقة في عمليتنا السياسية والقضائية".
وكشفت ملفات تم نشرها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن سفير بريطانيا لدى الكويت أبلغ لندن عن تقارير حول توغّل عراقي قبل هبوط الرحلة، لكن لم يتم تعميم الرسالة على شركة الخطوط الجوية البريطانية. لكن ثمة مزاعم أيضا نفتها الحكومة البريطانية بأن لندن عرّضت الركاب للخطر عن عمد من خلال استخدام الرحلة لنشر عملاء سرّيين، وأخّرت إقلاعها للسماح لهم بالصعود إلى الطائرة.
وأعلن متحدث باسم الحكومة البريطانية، أن "المسؤولية عن هذه الأحداث وسوء معاملة هؤلاء الركاب وأفراد الطاقم تقع بالكامل على عاتق الحكومة العراقية في ذلك الوقت". وطالما نفت الخطوط الجوية البريطانية الاتهامات بالإهمال والتآمر والتستّر فيما يتعلق بتلك الرحلة. وقال متحدث باسم الشركة إن السجلات الحكومية الصادرة عام 2021 "أكدت أنه لم يتم تحذير بريتيش ايرويز بشأن الغزو".
لندن استخدمت الرحلة "بي إيه 149" لإرسال 9 من مسؤولي الاستخبارات إلى الكويت، وكانت على علم بالخطر الذي يتعرض له المدنيون.
ويقول كتاب بريطاني جديد بعنوان "عملية حصان طروادة" عام 2021، إن لندن استخدمت الرحلة "بي إيه 149" لإرسال 9 من مسؤولي الاستخبارات إلى الكويت، وكانت على علم بالخطر الذي يتعرض له المدنيون.
ويوضح مؤلف الكتاب ستيفن ديفيس، أن لندن كانت قد تلقت معلومات من الاستخبارات الأميركية تبلّغها بالغزو العراقي. ويضيف، أن برج المراقبة كان يرفض هبوط كل الرحلات الأخرى في تلك الليلة.
وأمضى عدد من الركاب وأفراد الطاقم (عددهم 367) أكثر من 4 أشهر في الأسر، ووُضعوا في مواقع تشكل أهدافا محتملة للتحالف الغربي.
أحد هؤلاء باري مانرز (55 عاما) الذي كان مسافرا مع صديقه حينذاك لاجتماع لعائلة رفيقه في ماليزيا، ويقول إن "مؤامرة الصمت" حول هذه الأحداث قوّضت ثقته في السلطات. وقال "إنه أمر مناقض للقيم التي تعلّمناها ولجوهر المجتمعات الغربية في حد ذاته". وأضاف -مستذكرا أسره- إنه كان يخشى أن يصدر الأمر للسجانين بإعدام السجناء.
وبعد 4 أشهر في الأسر، تمكن مانرز من العودة إلى لندن، لكنه عانى من مشاكل نفسية بعد وفاة رفيقه عام 1992.
من جهتها، تذكر مارغريت هيرن (65 عاما) أن صورة لطفليها الصغيرين كانت تُبكيها في الأسر، وتدريجا حلَّ الملل محل الخوف، ونُقلت هيرن من الكويت إلى البصرة، ثم بغداد، ثم إلى مكانين للاحتجاز في الصحراء خلال 5 أسابيع من الأسر.
وهي تتذكر رهائن يصادقون حرّاسهم عبر لعب كرة القدم في تناقض صارخ مع هَوْل العنف وعمليات الإعدام الوهمية والحرمان الذي تعرض لها البعض، حسب الكتاب.
وقالت "كنا مجرد هدية لصدام.. تمكنت من تجاوز المحنة بوضعي كل ذلك في صندوق حتى لا أنظر مرة أخرى إليه أبدا"، مؤكدة "لا أريد أن أشعر بخوف من هذا النوع إطلاقا".
أما ريتشارد بالاسوباراميان، طبيب القلب البالغ من العمر 49 عاما، فقد وُضِع في الإقامة الجبرية أسبوعين في فندق بالكويت، ولأنه ينتمي إلى عائلة نصفها ماليزي، تمكن من الاستفادة من عمليات الإجلاء التي نظمتها كوالالمبور بعد رحلتين بحافلة استغرقتا نحو 20 ساعة في حرّ الصحراء الخانق.
ويقول، "كان الأمر سرياليا، مخيفا، كما لو أنك لم تكن موجودا هناك، وشعرنا بالذنب لأننا تركنا البعض وراءنا". ويتابع "فقدتُ شبابي في الكويت، وأشعر بقلق أكبر، فقدتُ الفرح واللامبالاة اللذَين كنتُ أتمتع بهما".
*عملاء الاستخبارات
وحسب مؤلف الكتاب، فقد التفَّ مسؤولون بريطانيون كبار على القنوات التقليدية لإرسال عملاء للاستخبارات على متن الطائرة، وقال إن تأخير إقلاعها من مطار هيثرو ساعتين بذريعة مشاكل في تكييف الهواء، سمح لهؤلاء العملاء البريطانيين بالصعود إليها في اللحظة الأخيرة.
وأضاف، أن رئيسة الوزراء آنذاك مارغريت تاتشر كذبت على البرلمان، في حين هددت شركة الطيران البريطانية عددا من أفراد الطاقم والركاب لخنق القضية. ونفت وزارة الدفاع البريطانية و"بريتش إيرويز" هذه الاتهامات.
لندن تعتذر عن استخدام العراق ركاب طائرة بريطانية رهائن أثناء غزو الكويت
قدّمت الحكومة البريطانية، اعتذاراتها في قضية ركاب طائرة تابعة لشركة الخطوط البريطانية "بريتش إيرويز" (British Airways) أخذهم الرئيس المقبور صدام حسين رهائن واستخدمهم دروعا بشرية، معترفة بعد 30 عاما بأنها لم تحذّر الشركة من أن العراق غزا الكويت حيث هبطت الطائرة.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس السابقة نهاية عام 2021 أمام البرلمان أن السفير البريطاني لدى الكويت أبلغ لندن بغزو عراقي نحو منتصف ليل الثاني من أغسطس/ آب 1990، أي بعد إقلاع الطائرة. إلا أنه لم يتم إرسال أي رسالة تحذير لشركة "بريتش إيرويز" التي كان بإمكانها تحويل مسار الطائرة.
وأقرّت تراس بأن "نداء (السفير) لم يُكشف عنه أبدا ولم يُعترف به علنا حتى اليوم… لا أمام البرلمان ولا أمام الرأي العام"، معتبرةً أن "هذا التقصير غير مقبول". وأضافت، "كوزيرة حالية، أقدّم اعتذاراتي في البرلمان وأعبّر عن تعاطفي العميق مع الأشخاص الذين احتُجزوا وتعرّضوا لسوء معاملة".
وفي 2003، أمر القضاء الفرنسي "بريتش إيرويز" بدفع 1.67 مليون يورو لرهائن فرنسيين سابقين، معتبرا أن الشركة "أخفقت بشكل خطير في تنفيذ التزاماتها" تجاه الركاب عندما سمحت بهبوط الطائرة.