زلزال سياسي يهز أرض الاقتصاد الآسيوي.. التفاصيل الكاملة لتصعيد كوريا الجنوبية فما علاقة الجارة الشمالية؟
انقلاب أم محاولة؟
انفوبلس/..
شهدت الساعات الأخيرة تصعيداً في الأزمة السياسية في كوريا الجنوبية وصلت إلى حد إعلان الأحكام العرفية في البلاد، والتي تم إلغاؤها بعد 6 ساعات من صدور الإعلان، لكن مازالت الأحداث تسير نحو التصعيد.
وأعلن الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، فرض الأحكام العرفية في البلاد للمرة الأولى منذ 44 عامًا، في خطاب تلفزيوني مفاجئ بُثَّ في ساعة متأخرة من ليل أمس الثلاثاء، وبرر الرئيس هذه الخطوة بضرورة حماية البلاد من "القوات الشيوعية" والتصدي للعناصر "المناهضة للدولة".
وتمركزت الشرطة لمنع أو عرقلة الوصول إلى مبنى البرلمان في العاصمة سيول، لكن المتظاهرين اندفعوا نحو مبنى الجمعية الوطنية، وهم يهتفون "لا للأحكام العرفية"، واندلعت اشتباكات بينهم وبين الشرطة التي كانت تحرس المبنى.
والأحكام العرفية، هي حكم مؤقت تُمنح فيه السلطات العسكرية صلاحيات استثنائية خلال حالة طوارئ، عندما يُعتبر أن السلطات المدنية عاجزة عن العمل، بحسب ما نقلته شبكة "بي بي سي".
لكن لم يستمر القرار طويلًا، إذ صوت البرلمان على إلغاء حالة الطوارئ بعدما تجمع 190 نائباً من أصل 300 نائب برلماني، وصوتوا على إلغاء القرار، في حين أعلن الحزب المعارض الرئيسي في البلاد أنه يسعى لاتهام الرئيس بالخيانة، ومن ثم عزله من منصبه.
*تهديد بعزل الرئيس
من جهتها، هددت المعارضة الكورية الجنوبية بعزل الرئيس إن لم يقدم استقالته، وقال "الحزب الديمقراطي"، أكبر أحزاب المعارضة الذي يتمتع بأغلبية برلمانية، اليوم الأربعاء، في بيان إنه "إذا لم يستقِل الرئيس فورًا، فإن الحزب الديمقراطي سيطلق في الحال إجراءات عزله تنفيذًا لإرادة الشعب".
وقدم عدد من كبار معاوني الرئيس استقالتهم بشكل جماعي، اليوم الأربعاء، يتقدمهم رئيس ديوان الرئاسة جونج جين-سيوك، بعد فشل محاولته فرض الأحكام العرفية في البلاد، حسبما أفادت وكالة "يونهاب" للأنباء.
ودعا أكبر اتحاد للعمال في كوريا الجنوبية، اليوم الأربعاء، إلى إضراب عام مفتوح إلى حين استقالة الرئيس يون، وقال "الاتحاد الكوري لنقابات العمال" الذي يضمّ 1.2 مليون عضو، إن "رئيس الجمهورية اتخذ إجراءً غير عقلاني ومناهضًا للديمقراطية، وبالتالي وقّع وثيقة نهاية حكمه".
وظهرت الأزمة السياسية، بعدما اقترحت المعارضة تخفيض ميزانية الحكومة لعام 2025، وفي الوقت نفسه تحركت المعارضة لعزل أعضاء في الحكومة، بمن فيهم رئيس هيئة التدقيق الحكومية بسبب عدم التحقيق مع زوجة الرئيس الكوري الجنوبي.
*اتهامات لزوجة الرئيس
واتُهمت زوجة الرئيس الكوري، السيدة الأولى كيم كيون هي، العام الماضي بقبول حقيبة كريستيان ديور بقيمة 2200 دولار كهدية- وهو انتهاك محتمل لقانون مكافحة الفساد في كوريا الجنوبية، والذي يحظر على المسؤولين وزوجاتهم تلقي هدايا تزيد قيمتها عن 750 دولارًا فيما يتعلق بواجباتهم العامة.
*مَن هو يون سوك يول؟
يون سوك يول المولود (64 عاماً) هو الرئيس الثالث عشر لكوريا الجنوبية، ووُلد لعائلة أكاديمية ميسورة في سيول، ومرّ بتحديات كبيرة قبل أن يجتاز امتحان نقابة المحامين في محاولته العاشرة.
تولى منصبه في مايو 2022، ممثلاً عن الحزب المحافظ "قوة الشعب" (People power party PPP)، متعهداً بالإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أن وعوده تعثرت منذ البداية بسبب سيطرة المعارضة على البرلمان التي كانت تتجه في خططها بأولويات مختلفة عنه وتأثير فضائح عائلية على شعبيته.
وفي تقرير لمنتدى شرق آسيا، بعد فوز يون بانتخابات الرئاسة، تصفه الباحثة والأكاديمية هيونغ كيم، بأنه "مبتدئ سياسي" ومثّل سابقه بفوزه، إذ لا يمتلك أي خبرة في الجمعية الوطنية ولا سجلاً إدارياً مثبتاً، كما تورط في فضائح عائلية، واعتبره بعض المحافظين مسؤولاً عن توجيه الاتهامات للرئيسَين السابقَين المحافظَين بارك ولي ميونغ باك، مما أدى إلى عزل بارك قبل سجنها هِيَ ولي.
واكتسب شهرة كمدعٍ عام متمرد في 2013 عندما كشف عن ضغوط لوقف التحقيق في دور المخابرات الوطنية في التلاعب بالرأي العام خلال انتخابات 2012 لصالح بارك.
هذه الإفصاحات، وفق التقرير، أدت إلى إبعاده عن المناصب الرئيسية لسنوات قبل أن يعيّنه الرئيس مون جاي إن في 2017 مدعياً عاماً رئيسياً ليقود إصلاحات كبرى طالت نُخباً محافظة.
وصارت لديه شعبية أكبر حين قاد تحقيقات في قضايا فساد كبرى، بما في ذلك قضية وزير العدل السابق جو كوك.
ووصل يون إلى سدّة الحكم يحمل تركة من الأزمات، تمثلت بمعدلات عالية للتضخم وارتفاع أسعار الطاقة والإسكان وتداعيات جائحة كوفيد-19، وتصاعد التوتر مع كوريا الشمالية، مع الحاجة إلى التعاون الحزبي لتطبيق إصلاحاته السياسية، بما في ذلك المساواة بين الجنسين.
وعلى المستوى الدولي، أطلق يون استراتيجية المحيطَين الهندي والهادئ في ديسمبر 2022، التي ركزت على تعزيز الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي مع الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة واليابان، محافظاً على علاقة متوازنة وحذرة نوعاً ما مع الصين.
وزار يون العاصمة الأميركية واشنطن في أبريل 2023 حيث ألقى خطابا أمام الكونغرس، وبعد أشهر شارك في قمة كامب ديفيد التي جمعت واشنطن وطوكيو وسيول، وركزت على التصدي للتهديدات الأمنية من كوريا الشمالية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجال سلاسل التوريد والتكنولوجيا المتقدمة.
*هل سيتأثر الاقتصاد العالمي
بعيداً عن الصخب السياسي، تُعد كوريا إحدى أكبر اقتصادات العالم، حيث تأتي في المرتبة الرابعة آسيوياً بعد الصين واليابان والهند، بينما تحل في المركز 13 عالمياً في قائمة الاقتصادات الكبرى بناتج محلي يبلغ نحو 1.67 تريليون دولار .
كما تُعد كوريا الجنوبية من كبار المصدّرين عالمياً حيث يشكل قطاع الإلكترونيات نحو 35% من إجمالي صادراتها، بينما تستحوذ على 6% من الحصة السوقية لصناعة الرقائق في العالم.
*شركات عالمية
◄«سامسونغ للإلكترونيات»، منافس «آبل»، التي تُعد أكبر شركة تقنية في كوريا الجنوبية.
◄«إل جي» للإلكترونيات ثاني أكبر شركة تقنية في كوريا الجنوبية.
◄«إس كيه هاينكس» ثاني أكبر منتج عالمي لرقائق الذاكرة.
◄«هيونداي موتور»، وتابعتها «كيا موتورز» خامس أكبر الشركات مبيعاً للسيارات في العالم.
◄شركة «هيونداي للصناعات الثقيلة» وشركة «سامسونغ للصناعات البحرية والهندسية» في بناء السفن ومنصات النفط.
*الدعم السريع
في محاولة من السلطات المالية في البلاد لطمأنة المستثمرين، تعهد البنك المركزي الكوري باتخاذ مجموعة متنوعة من الخطوات للحفاظ على استقرار الأسواق المالية، بعدما أعلن رئيس البلاد يون سوك يول الأحكام العرفية، ثم تراجع عن قراره بعد ذلك.
وأوضح البنك في بيان عقب اجتماع عاجل لمجلس إدارته،إنه «سيزيد السيولة قصيرة المدى، ويتخذ خطوات نشطة في أسواق العملات حسب الحاجة إلى ضمان الاستقرار».
بينما أعلن وزير المالية تشوي سانج موك أن الحكومة سوف تستخدم كافة التدابير المتاحة لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية وأسواق الصرف الأجنبي، مع توفير سيولة غير محدودة.
في غضون ذلك، أكد كيم بيونغ هوان، نائب وزير الاقتصاد والمالية في بيان، «إن الحكومة على استعداد لتخصيص 10 تريليونات وون (7.07 مليار دولار) من أجل الحفاظ على استقرار السوق المالية في أية لحظة».
*ما علاقة كوريا الشمالية
الخبير في الشؤون الآسيوية روس فينغولد، أشار إلى أن بيونغيانغ قد تستغل الموقف لتكثيف هجومها الإعلامي ضد سيول.
وأوضح، أن كوريا الشمالية ستعتبر الخطوة فرصة لتقويض صورة الديمقراطية في كوريا الجنوبية وتعزيز دعايتها السياسية داخليًا.
*محطات الأحكام العرفية في تاريخ كوريا الجنوبية
يتمتع الرئيس، بموجب الدستور الكوري الجنوبي، بصلاحية إعلان الأحكام العرفية في حالات الحرب أو النزاع المسلح أو الطوارئ الوطنية.
وتنقسم الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية إلى نوعين: الأحكام العرفية الطارئة، والأحكام العرفية الأمنية.
وقد لجأ الرئيس يون إلى النوع الأول، الذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة تشمل تقييد حرية الصحافة والتجمع، وتجاوز سلطة المحاكم المدنية، وغيرها من الإجراءات الاستثنائية.
ويلزم الدستور، الرئيسَ بإخطار الجمعية الوطنية، عند إعلان الأحكام العرفية. وفي حال صوتت الجمعية بأغلبية أعضائها على المطالبة برفع الأحكام العرفية ـ كما حدث في الحالة الأخيرة ـ يتعين على الرئيس الامتثال لهذا القرار.
عاشت كوريا الجنوبية 4 عقود تحت سطوة الحكم العسكري قبل أن تنتقل إلى النظام الديمقراطي في أواخر الثمانينيات، في مسيرة طويلة طبعها التدخل المتكرر للجيش في الشؤون المدنية والسياسية منذ تأسيس الدولة.
وتكشف مراجعة التاريخ الكوري، أن أول تطبيق للأحكام العرفية يعود إلى عام 1948، بعد أشهر قليلة من تأسيس البلاد رسمياً، حين أعلنها أول رئيس، سينغمان ري، الذي تعاون مع القوات الأميركية لقمع تمرد عسكري بقيادة شيوعية. وعاد ري ليفرض الأحكام العرفية مرة أخرى عام 1952 خلال الحرب الكورية.
وخلال فترات الحكم الديكتاتوري التي أعقبت إعادة بناء البلاد من دمار الحرب ضد الجارة الشمالية (1950-1953)، لجأ قادة البلاد بشكل متكرر إلى إعلان الأحكام العرفية في مواجهة المعارضة.
وتجسد هذا المسار بوضوح في حكم الديكتاتور بارك تشونغ-هي، الذي وصل إلى السلطة عبر أول انقلاب ناجح في البلاد في 16 مايو 1961، وحكم كوريا الجنوبية لما يقرب من عشرين عاما حتى اغتياله على يد رئيس مخابراته عام 1979، وخلال فترة ولايته كان يلجأ من حين لآخر إلى إعلان الأحكام العرفية لقمع الاحتجاجات وسجن منتقديه.
وشكّل اغتيال بارك نقطة تحول في تاريخ البلاد. فبعد أقل من شهرين من وفاته، قاد اللواء تشون دو-هوان دبابات وقوات إلى سيول في ديسمبر 1979 في ثاني انقلاب عسكري ناجح.
وتحت ضغط المجموعة العسكرية بقيادة تشون، مدّد رئيس الوزراء تشوي كيوها - الذي سيصبح رئيساً للبلاد فيما بعد- الأحكام العرفية حتى عام 1980، وحظر بموجبها النشاط الحزبي، مما أشعل شرارة احتجاجات واسعة في البلاد.
وبلغت المظاهرات ذروتها في مدينة غوانغجو، جنوب غرب كوريا، حيث نفذت السلطات حملة عنيفة ضد المحتجين المؤيدين للديمقراطية.
وبحسب الأرقام الرسمية، سقط 191 قتيلاً، بينهم 26 من الجنود ورجال الشرطة، رغم تأكيد عائلات الضحايا أن العدد الحقيقي أكبر بكثير. وحاول تشون، آنذاك، تصوير الاحتجاجات كتمرد مدعوم من كوريا الشمالية، لكنها تحولت إلى نقطة محورية في مسيرة البلاد نحو الديمقراطية.
واستمرت الأحكام العرفية حتى عام 1981، حين أُلغيت إثر استفتاء شعبي. وفي صيف 1987، أجبرت احتجاجات شعبية حاشدة، حكومة تشون على قبول الانتخابات الرئاسية المباشرة. فاز فيها حليفه العسكري روهتاي-وو، الذي شارك في انقلاب 1979، مستفيداً من انقسام أصوات المعارضة الليبرالية.
ولم تتحول كوريا الجنوبية إلى جمهورية ديمقراطية حقيقية إلا مع تنصيب روه في 25 فبراير 1988، بعد 40 عاماً من الحكم العسكري.
وفي عام 1996، حوكم تشون دو-هوان وروهتاي-وو بتهم تتعلق بتنفيذ انقلاب 1979 وحملة القمع الدموية التي أعقبته. ورغم أن الرئيس كيم يونغ-سام (1993-1998) اعتبر هذه المحاكمات علامة على عصر دستوري جديد، إلا أنه منح الرجلين عفوا في العام التالي، في خطوة قال إنها تهدف إلى توحيد البلاد.