"سرايا أنصار السنة".. الوجه الجديد للتطرف الصريح في سوريا وسط انهيار أمني وتآكل سلطة الجولاني

انفوبلس..
في ظل الانهيار الأمني بسوريا بعد سيطرة جماعات الجولاني، برزت جماعة متطرفة جديدة تطلق على نفسها اسم "سرايا أنصار السنة"، تتبنى خطابًا طائفيًا عنيفًا وتنتهج نهجاً مقارباً لـ"داعش" في التكفير والعنف. ظهورها يعكس تصدعًا متناميًا في المشهد السوري ويشكّل تهديدًا مزدوجًا للاستقرار الأمني والسياسي في البلاد.
في مطلع فبراير الماضي، بدأت جماعة تتسم بالغموض، وتحمل الفكر السلفي الجهادي، بالظهور العلني على الساحة السورية، مستفيدة من الفراغ الأمني والاضطرابات السياسية التي تلت سقوط نظام بشار الأسد.
الإعلان الأول
أعلنت الجماعة عن نفسها عبر بيان على تطبيق "تيليغرام"، استهلّته باتهامات إلى حكومة الجولاني بـ"الفساد والتسامح مع النصيرية والروافض"، في إشارة إلى العلويين والشيعة، وهو خطاب طائفي صريح يشبه إلى حد بعيد أدبيات "داعش".
وتوعّدت الجماعة في البيان بشن "هجمات ذئاب منفردة"، ووصفت نفسها بأنها "قوة لا مركزية" قادرة على "القتل والتشريد والتهجير" في أي مكان وزمان.
ورغم أن "سرايا أنصار السنة" نفت في تصريحاتها الأولية أي تنسيق مع داعش، إلا أنها لم تستبعد حدوث تعاون مستقبلي، بل قالت صراحة إنه "سيُعلن عنه عند حدوثه".
وكانت "داعش" قد بدأت بالفعل تحركاتها الأمنية ضد حكومة الجولاني، إذ أشار الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، هارون زيلين، في ورقة بحثية، إلى أن "داعش" نفذ لأول مرة منذ سقوط الأسد تفجيراً دموياً ضد الحكومة الجديدة في بلدة ميدان الشرقية في الثامن عشر من شهر مايو الجاري، أسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
هذا الهجوم تزامن مع اشتباك آخر بين قوات الجولاني وخلية تابعة لداعش في حلب، ما أعاد التنظيم إلى واجهة المشهد المسلح في سوريا.
وبحسب زيلين، "على الرغم من أن وجود تنظيم داعش على المستوى المحلي، لم يعد بالقوة التي كان عليها سابقاً، إلا أن المؤشرات تُظهر استمرار التهديد بدرجة لا يمكن تجاهلها".
ومن هنا، فإن ظهور "سرايا أنصار السنة"، بما تحمله من أفكار "داعشية"، قد يكون متصلاً بعودة "داعش" إلى الساحة، وهو ما يشكل تحدياً جدياً للجولاني وحكومته، الذي أعلن التزامه بطرد المقاتلين الإرهابيين الأجانب وإنهاء تهديد تنظيم "داعش" في سوريا.
ولأن أهداف الجماعة وأفكارها، كما أعلنتها، تنسجم بشكل كبير مع "داعش"، فإن ذلك يوحي بأن الأيديولوجيا التي تتبناها الجماعة تجعلها منفتحة على استقبال مقاتلين أجانب على غرار داعش، لكن لا توجد أدلة مؤكدة تشير إلى وجودهم في صفوفها حاليا.
وبحسب ورقة بحثية نشرها "معهد دراسات الحرب"، فإن الجماعة الجديدة "ترفض الاعتراف بالدولة السورية بحدودها القائمة، ولا بالحكومة الانتقالية، ولا بأي قوانين وضعية". بدلاً من ذلك، تدعو الجماعة إلى "إقامة كيان إسلامي تحكمه رؤيتها المتشددة للشريعة". وهي، بحسب الورقة، "تكفّر كل من قاتل داعش، وتعتبره "مرتداً"، بما في ذلك خصومها في المعارضة السورية والحكومة المؤقتة".
وتعمل "أنصار السنة" على زعزعة الوضع السوري عبر استهداف أنصار النظام السابق، وإشعال نزاعات طائفية هدفها إفشال أي تسوية سياسية. وتقوم بتهديد الأقليات، وتعمل على تجنيد عناصر من الجماعات الإسلامية الأخرى التي لم تندمج في الحكومة الجديدة.
وبحسب "معهد دراسات الحرب"، فإن الجماعة المتطرفة الجديدة، تستغل الغياب شبه الكامل للعدالة الانتقالية، لتبرير عمليات القتل خارج القانون.
قد تكون "سرايا أنصار السنة" الاسم الجديد لتنظيم الدولة الإسلامية في طوره "السوري الانتقالي"، أو مجرد واجهة طائفية لاستقطاب المتشددين الراغبين في الانتقام وسفك الدماء.
في الحالتين، تمثل هذه الحركة الجديدة الغامضة تهديداً مزدوجاً، أمنيا وسياسيا، قد يقوّض جهود الشرع لإنجاح المرحلة الانتقالية وتوحيد سوريا، بجميع فئاتها وأقلياتها، تحت سلطة حكومة مركزية في دمشق.
بيانات الجماعة ولغة خطابها
ولا يُعرف بالضبط السبب الحقيقي للبيان الذي أصدرته "سرايا أنصار السنّة" قبل أسبوع، وأعلنت فيه عن إيقاف إعلامها العسكري الذي ينقل أخبار العمليات. أهو تنبّه من الجماعة إلى أن تبنيها لهذه الهجمة أو تلك مؤشر يمكّن أعداءها من تتبع أماكن وجودها؛ أم عجزها عن تنفيذ أعمال بالزخم السابق بعد ملاحقة جهاز الأمن العام، التابع للسلطة الجديدة، لها؟ خاصة وأن البيان يذكر أن القيادة قررت ذلك "وهي في غمرة الكرب، وقد اشتد الخطب، وضاق السَّرب". رغم أنها تعد بأنها ستزيد 'من وقع الضربات، وتضاعف الموجات، وترسل النقمات" ضد أعدائها المستهدفين؛ العلويين والشيعة والدروز وقسد.
ويبدو أن كرب أبي عائشة الشامي، وهو اللقب الذي قدّمت به الجماعة أميرها، وصل إلى درجة تكليف مسؤولها الشرعي، الذي يسمّي نفسه الدكتور أبا الفتح الشامي، بصياغة البيان الذي ظهرت فيه لغته المجلجلة المتقعرة، كما حين يتوعد بأن العمليات القادمة ستكون مدروسة "لا يُسمَع لها جَرَسٌ، ولا يُبصَر لها نَفَسٌ، وتخلُفُ في الديار هاجساً لا يُحبَسُ، سلاحها كاتمٌ يهمِسُ... ". فيما أكد البيان على الاستمرار في الإعلام الشرعي، الذي يتولاه أبو الفتح بنشاط في قناته الخاصة على تطبيق تليغرام.
والحال أن "السرايا"، منذ أن أعلنت عن نفسها قبل أشهر، بدت جماعة عامية صغيرة قيد التشكل، تُعنى بالقتل أكثر مما تهتم للغة أو الإصدار. كما تدل بياناتها الأولى التي اتسمت بالقصر والارتجال وقلة العناية.
وبخلاف مطوّلات أبي الفتح، الذي ظهر في مرحلة لاحقة من عمر الجماعة، كانت قد أعلنت عن عقيدتها، في التاسع من نيسان الماضي، ببيان من صفحة واحدة صغيرة. قالت فيه إنها من أهل السنّة على منهج السلف. ترى كفر جميع الروافض (الشيعة) والنصيريين (العلويين) والدروز و"من حكم بغير ما أنزل الله ومن والاهم أيدهم ونصرهم". ورغم أن البند الأخير يشمل السلطة الآن في دمشق، كما سيوضح أبو الفتح مراراً، إلا أن "السرايا" تحافظ على بقية من سياسة حين تقرر أنه لا يمكن قتال الأعداء جميعاً دفعة واحدة، وأنها متفرغة حالياً للنيل من مجرمي الطوائف.
بل إن الجماعة قالت، في بيان صدر عن إدارة غرفة عمليات محافظتي اللاذقية وحماة فيها، ظهر في 30 آذار، إنها، على الرغم من تكفير الطائفة النصيرية ومن والاها، تعمل على عدم استهداف المدنيين منها، وإنما توجه عملياتها ضد من كان يعمل في صفوف النظام البائد، وإنها تتمنى من المدنيين عدم احتواء المطلوبين لأن كل من يساند مطلوباً فهو معه، نقلاً عن أمير الجماعة في المنطقة أبي حمزة السوري الذي كان قد جرى تعيينه قبل ذلك بأيام. وقال في كلمته بتلك المناسبة: "سنعمل جاهدين بشتى الوسائل على طرد المستوطنين النصيرية ومن والاهم من أرضنا المباركة". في حين قال بيان آخر، صدر قبلاً، إن الجماعة "مستمرة في تنفيذ مخططها الديمغرافي" الذي يشمل، فضلاً عن الاغتيالات والتفجيرات والذبح، إحراق الأراضي الزراعية وتدمير المقامات المذهبية، بهدف "تهجير أكبر عدد ممكن من الطائفة النصيرية ليحل مكانهم أتباع أهل السنّة والجماعة الحقيقيين وليس المتلونين"، كما ورد في بيان أسبق.
كما أن "السرايا" أعلنت عن قتلها بعض أبناء الطائفة السنّية، ممن كان لهم دور في سفك الدماء في أثناء سنوات الثورة. وعيّنت، مثلاً، أبا معاوية القرشي أميراً لها في محافظة حلب إثر تخطيطه لاغتيال اثنين من هؤلاء، ونائبه مكافأة على التنفيذ.
منذ ما أسمته العدد الأول، الصادر عن "مؤسسة العاديات الإعلامية" الناطقة باسمها، أوضح "مجلس إدارة" الجماعة أنه يعيش في توتر وخطر محدق لما يراه من "تصالح وتهاون"، داعياً "أهل السنّة" إلى التجهز بالسلاح والعتاد لمواجهة الصعوبات التي "يبدو أن الحكومة الجديدة لا تريد مواجهتها".
وبعد إصدارها بيانها عن عقيدتها بأقل من عشر ساعات، كما يقول بيان تالٍ مباشرة؛ سارعت المنصات الرسمية إلى وسم "سرايا أنصار السنّة" بالإرهاب وزعزعة السلم الأهلي. ورغم ذلك قالت الجماعة إنها لن تهاجم قوات ومؤسسات الحكومة ما لم تبادر الأخيرة إلى الصدام، لتتحملوا "نتيجة حرب أنتم من أشعلها"، على حد تعبير البيان الذي يتابع: "لن نتردد في قتال كل من يريد الوقوف في وجه مشروع إقامة إمارة إسلامية".
كما أوضحت، في مناسبات عديدة، أنها لا تعمل لصالح داعش ولا تنسيق بينهما في الوقت الراهن، غير أنها ترى أن من يقاتلهم "بسبب تطبيقهم أحكام الشريعة الإسلامية فهو مرتد واجب قتاله".
في نهاية رمضان الفائت، الذي صادف آذار الذي حدثت مجازر في الساحل، أصدرت الجماعة حصيلة عملياتها خلال الشهر. ونرصد منها "15 عملية إعدام لنصيرية عشوائيين في قرية قرفيص"، و"إشعال حرائق في قرية بارميا النصيرية"، و"تدمير مقام زين العابدين في حماة"، والعديد من العمليات في حمص وريفها.
لا تُفصح "السرايا" عن أعدادها وأماكن وجودها. غير أن المتوقع أنها لم تتجاوز العشرات، كلهم أو معظمهم من السوريين، ربما مع بعض اللبنانيين بدليل الإشارة إلى طرابلس أكثر من مرة. يتوزعون في مدن وبلدات وأرياف عديدة. بعضهم من المقاتلين السابقين في "هيئة تحرير الشام" وغيرها. ومن الاستفتاءات التي توجه إلى أبي الفتح يبدو أن هناك عناصر اعتقلوا بسبب الاشتباه ولوحق آخرون. غير أن الأمر ليس محصوراً بجماعة تبدو الفوضى من سماتها الهيكلية، ما دامت هناك أرضية غاضبة ممن يشعرون بأن العدالة لم تتحقق بوسائل المحاسبة المعروفة، ويشعرون بالخيبة لأن السياسة العامة للبلاد لا تسير على النهج الذي أعدوا أنفسهم له.