عنف يستهدف أتباع مدرسة آل البيت (ع) في أفغانستان.. نساء الشيعة يتظاهرن ويطالبن بالأمن
انفوبلس/ تقرير
تظاهرت عشرات النساء الشيعيات، في ولاية هرات في غرب أفغانستان احتجاجاً على انعدام الأمن، وذلك خلال تشييع أفراد من هذه الأقلية المسلمة الذين استُشهدوا باستهداف إرهابي يوم الجمعة.
نساء شيعيات يتظاهرن في أفغانستان ضد انعدام الأمن
وقال حسين عظيمي عضو مجلس علماء مدينة جبريل لوكالة فرانس برس، إنّ هؤلاء النساء اللواتي حضرن الجنازة ردّدن شعارات تطالب بمزيد من الأمن، مثل "الموت للقتلة" أو "نحتاج الأمن".
واحتجّت هؤلاء النساء في جبريل بحضور مئات من الأشخاص، حيث تمّ دفن ستة من ضحايا الهجوم السبعة الذي نفّذه رجال مجهولون الجمعة.
ماذا جرى يوم الجمعة؟
قامت مجموعة مجهولة، بهجوم على سيارة في منطقة "كوره ملي" بقضاء "جبريل" في محافظة "هرات". وذكرت وسائل إعلام دولية، أن 6 أشخاص من الطائفة الشيعية الأفغانية استُشهدوا في هذا الهجوم الإرهابي، بينهم أثنان من رجال الدين، أحدهما حجّة الإسلام والمسلمين "محمد محسن الحامدي" إمام جماعة مسجد أبي الفضل (ع)، والأخر حجّة الإسلام والمسلمين "محمد تقي الصادقي" إمام جماعة مسجد الرسول الأعظم (ص)".
ووفق السكان، فإنّ من بين الشهداء أربع نساء، كما أن هذا الهجوم خلّف ثلاثة جرحى اثنان منهم في حالة "خطيرة".
وتؤكد مصادر مطلعة متابعة للشأن الأفغاني، أن هذه العملية الارهابية لم تكن الأولى في مدينة "هرات" التي تستهدف المدنيين، وكانت مجموعة مسلحة مجهولة قامت الخميس الماضي بقتل اثنين من رجال الدين أحدهما "خادم حسين هدايتي" والآخر "رجب أخلاقي"، في منطقة "سيزدهم" بمدينة "هرات".
كما ذكرت ذات المصادر أن رجل الدين الشيعي "عيد محمد اعتمادي" استُشهد في بلدة "انجيل" تابعة لمدينة "هرات" على يد مجموعة إرهابية مسلحة.
ومن جانبه، أدانَ المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في أفغانستان "ريتشارد بنت" هذه العمليات الإرهابية الواسعة، واستطرد قائلا: "إن استهداف رجال الدين في هرات يستدعي تحقيقا خاصا به".
وتحكم حركة طالبان المتطرفة منذ إسقاط الحكومة الأفغانية، تحكم البلاد التي كانت مدعومة من قبل الإدارة الأمريكية، ولا تميل لمتابعة هذه العمليات الارهابية التي تستهدف الطائفة الشيعية خاصة في أفغانستان.
ورغم انخفاض العنف بشكل كبير منذ استعادة طالبان السلطة في أفغانستان في آب/ أغسطس 2021، إلّا أنّ الهزارة وهي أقلية شيعية، تتعرّض بانتظام لهجمات قاتلة من قبل إرهابيي "داعش".
ويشنّ التنظيم الارهابي هجمات ضدّ هذه الأقلية المسلمة في محافظات مختلفة من البلاد، بما في ذلك كابول.
الشيعة في أفغانستان
تتميز جمهورية أفغانستان الإسلامية بتعدد قومياتها الدينية ومن أبرزها؛ البشتون والطاجيك والأوزبك، والبلوش، والهزاره، والتركمن، والقزلباش. ويبلغ الدين الإسلامي الغالبية العظمى من نسبة المسلمين والبالغة حوالي (99%) من الشعب الأفغاني ويشكلون الشيعة نسبة تصل الى (30%) من عدد سكان البلاد، حسب آخر الإحصائيات.
ينتشر الشيعة الأفغان الذين يتخذون من مذهب أهل البيت عليهم السلام مذهباً ومنهجاً في المناطق الافغانية المتاخمة للحدود الايرانية الافغانية، وتُعرف بقبائل فيروزكوهي وجمشيدي، وكذلك يتواجدون في منطقة (هرات) ذات الغالبية الشيعية، كذلك مدينة (غزنه) و(مزار شريف)، وتقول المصادر إن الشيعة يشكلون ثلث سكان العاصمة الافغانية (كابل). وإن سكان منطقة بهسود ده فرنكي وكولنك وشهرستان وكندي كلها قاطبةً من الشيعة، كذلك باميان ونواحيها.
ثلث الشيعة من أفغانستان
يرجع تاريخ التشيع في جمهورية افغانستان الاسلامية إلى عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إذ يُقال إن أحد مشاهير الأُسرة الغورية واسمه (سنسب بن خزنك) كان قد أسلم على يد أمير المؤمنين عليه السلام، وقد أعطاه الإمام رايةً وعهداً ظلا ينتقلان من ملك إلى آخر، وقد استجاب الغوريون لهذا العهد وصاروا من شيعته عليهم السلام. وفق مركز "الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام".
إن نسبة الثلث التي يشكلها شيعة أهل البيت عليهم السلام، من مجموع سكان افغانستان، لكنهم لم يتمركزوا من ناحية الجغرافيا السكانية، في منطقة واحدة، بل موجودون في معظم محافظات البلاد، فحسب الاحصائيات، يتواجد الشيعة في (18) محافظة، أبرزها في العاصمة كابل، حيث يشكل الشيعة المنحدرون من أصول "الهزاره" و"القزلباش" حوالي نصف سكان العاصمة، علماً أنهم بهذا العدد يفتقرون حتى الآن الى الخدمات الصحية والتعليمية، والإمكانات الاقتصادية.
كما يتواجد الشيعة بشكل ملحوظ في محافظات "بدخشان"، و"قندوز"، و"سمنغان"، ذات الوديان العميقة، والتي شهدت ملاحم بطولية سطّرها أتباع أهل البيت عليهم السلام، خلال العقود الثلاثة الماضية ضد النظام الماركسي العميل وقوات الاحتلال السوفيتي في عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
وفي محافظة "بلخ" المتاخمة للحدود الشمالية مع جمهورية أوزبكستان، يشكل الشيعة نصف سكان المحافظة، كما يقطن المحافظة أتباع المذهب الاسماعيلي، ومنذ زمن بعيد. وفي محافظة "هلمند"، وتحديداً في مركزها "لشكركاه"، تمكن السكان الشيعة من إرسال نائب الى مجلس الشورى الأفغاني في الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2005. أما المحافظة التي تقطنها الغالبية الشيعية، فهي "باميان"، وتقع في قلب البلاد..
جدير ذكره، أن المناطق المسكونة شيعياً، في وسط البلاد تترابط مع بعضها البعض، من الناحية الجغرافية، لذا يُطلق على شيعة أهل البيت عليهم السلام بـ "هزارستان" أو "هزاره جات".
سرد تاريخي للمظالم على الشيعـة في أفغانستان
للشيعة في أفغانستان تاريخ دموي حافل بالمجازر والاضطهاد والبطش والقتل والفتك بهم، فقد قام معاوية بن أبي سفيان بمحاربة الغوريين بعد خمسة أعوام من استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنهم رفضوا أن يلعنوا أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر، فحاربهم بتهمة الارتداد عن الإسلام.
في عهد السامانيين الذين حكموا أفغانستان (892 ـ 999)م، ثارَ زعيم شيعي من الغور على الظلم والاضطهاد الصادر من أمراء السامانيين فبايعه أثنا عشر ألفاً من الشيعة ولكنهم أُبيدوا بوحشية بتهمة نشرهم لمذهب القرامطة! وهكذا نجد في كل عصر تُهمة ملفّقة بهدف إبادة الشيعـة! وأما الغزنويون الذين حكموا أفغانستان (962 ـ 1152)م فقد حاصروا الشيعـة وارتكبوا بحقهم أنواعاً من الظلم والاضطهاد.
حدثت اشتباكات دموية بين السُنة والشيعـة في زمن حكم ميرويس خان الهوتكي (المتوفى1135هـ) الذي نال فتوى من علماء الحجاز بتكفير الشيعـة، فأخرج الصفويين من مدينة قندهار، وأسس حكومة الهوتكيين، وكان الغرض من الفتوى هو إخراج الصفويين من أفغانستان ولكنه استخدمها أيضاً لمحاربة الشيعـة في قندهار ونواحيها وأبادَ شيعـة الهزارة هناك، وقتلهم شرّ قتلة، وأخرج قسماً منهم من تلك المدينة ونواحيها، وازدادت من ذلك اليوم التفرقة الطائفية والتعصب الديني بين السُنة والشيعـة يوماً بعد يوم. كما سُخّر أحمد شاه درّاني جيشاً عظيماً للسيطرة على (اُرزكان) و(دايكندي) ومعاقل الشيعـة لإبادتهم، ولكنه لم يُفلح في مسعاه هذا.
في سنة 1219هـ جرت على الشيعـة في كابل كارثة كبيرة وقُتِلَ العديد من الإخوة في طائفة قزلباش الشيعيـة الذين فقدوا بيوتهم وأملاكهم، وغادر البعض منهم الى مناطق الهزارجات بعد أن قبلوا دعوات الهزارة، فاستوطنوا معهم.
إن أصعب وأشد ما جرى على الشيعـة في أفغانستان كان في عهد تسلُّم الأُسرة الباركزائية محمد زائي للحكم، ووصلت الشدة والمحنة على الشيعـة أوجها في عهد حكم الامير عبد الرحمن خان (توفي 1901م).
أصدر هاشم خان قراراً حكومياً تحت رقم (875) الى وزارة المعارف يمنع فيه قبول أبناء الشيعـة في المعاهد العالية في كابل وخاصة في المعاهد العسكرية ولا يحق لهم دخول مثل هذه المراكز التعليمية. وفق موقع الرابطة العالمية للدفاع عن الشيعة.
تعرض الشيعـة في طول الـ (250) سنة الأخيرة وعلى إثر التفرقة العنصرية والمذهبية من قبل أُمراء السدوزائيين الابداليين ومحمد زائيين، للضعف الشديد من الناحيتين الثقافية والاقتصادية، وصادرت الحكومة لهم أي سهم أو نصيب في الدوائر الحكومية وأبقتهم أُميّين ولذلك بقوا بعيدين عن الثقافة، وتم شلّ استعدادهم الفكري وإذا ظهر أو برز فيهم مفكر أو عالم، فإنه يتم إلقاء القبض عليه من قبل النظام الحاكم ورُمي في ظلمات السجن، أو يُبعد الى الأبد فلا يبقى له أثر.
وضمن هذا المسلسل الحاقد الارهابي ضد الشيعة الافغان هو ما قامت به طالبان (الوهابية) من حملات إبادة وتنكيل ضد شيعة آل البيت عليهم السلام في جمهورية افغانستان الاسلامية.
ورغم أن شيعة افغانستان يمثلون 35 بالمائة من الشعب الافغاني، ورغم صفحتهم الوطنية البيضاء، ورغم احترامهم للآخر الذي يعيش معهم في الوطن، ورغم طبيعتهم المسالمة، إلا إنهم تعرضوا ومازالوا لمختلف صنوف الظلم والاضطهاد والتمييز من قبل الحكومات المتعاقبة والجماعات التكفيرية بدءاً من القاعدة ومرورا بطالبان وانتهاءً بـ"داعش".
حيث عاش الشيعة في هذا البلد كل أشكال الحرمان والاضطهاد والتعسف.. ويمكن القول: إن الشيعة، بدأوا تاريخاً جديداً مع سقوط نظام |طالبان|، بعد أن كانوا يفتقدون للاستقرار والأمن، فجاء الدستور الجديد لأفغانستان ليلغي أنواع التمييز الطائفي كافة، ومع الإقرار بأن الاسلام دين الدولة، أقرَّ ايضاً بقوانينه العمل بالفقه الشيعي. هذا من الجانب القانوني والسياسي، أما في الجانب الثقافي والفكري، فإن الشيعة يواجهون تحدياً كبيراً وخطيراً وعلى مدى قرون من الزمن يعانون من الحرمان والظلم والإبادة والاستعباد والتنكيل والتشريد والتكفير، وكل ما يمتّ بصلة الى عدم الاستقرار والإلغاء من الخارطة السياسية والاجتماعية وحتى الإنسانيةّ.
تعرض الشيعة للظلم من قبل السلطات والحكومات المتوالية، فهي حاولت وتحاول التقليل من هذه النسبة، وإظهار الشيعة على أنهم لا يتجاوزون الـ20 بالمائة، فيما الجهات المحسوبة على الجماعات التكفيرية تخفّض هذه النسبة الى 10 بالمائة، رغم الانتشار الواسع للشيعة في مناطق وسط وشمال أفغانستان وفي العاصمة كابول.
شيعة أفغانستان، الذين يشكلون اتنيّة "الهزاره" الطيف الأكبر منهم، هم أيضا من أكثر شيعة العالم اضطهادا وتمييزا على الاطلاق، ولا يمكن مقارنة ما يتعرضون له من ظلم وقتل وتشريد، حتى مع شيعة نيجيريا، فشيعة افغانستان، يتعرضون لظلم ممنهج لم ينقطع على مدى عقود طويلة، دون أن تحرك المآسي التي يتعرضون لها مثل التفجيرات والاغتيالات والخطف وقطع الرؤوس، خلال العهدين الطالباني (1996-2001) و"الداعشي"، لا ضمير السلطات الافغانية ولا الضمير الانساني.
المناطق التي يقطنها الشيعة في أفغانستان مثل باميان ووردك، تعتبر من أكثر مناطق افغانستان فقرا وحرمانا، حيث تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة في حدودها الدنيا، فلم تشهد مناطقهم أي مشروع تنموي منذ نحو عقدين من الزمن، وهو ما أثار حفيظة الشيعة الذين اتهموا السلطات المتعاقبة بممارسة سياسة التمييز ضدهم وبشكل صارخ.
ما يميز الشيعة في افغانستان
رغم ما عاناه الشيعة الأفغان على مر السنين من ظلم واضطهاد وسياسة إفقار خبيثة من قبل مَن تولوا الحكم في بلادهم يعاونهم في ذلك الكثير من مواطنيهم، إلا أنهم ظلوا متمسكين بنهجهم، نهج أهل بيت النبوة عليهم السلام ومذهبهم، مخلصين لبلدهم، متفانين في سبيل الدفاع عنه، ورفع راية الاسلام الحق فيه.
ومن أبرز وأروع مظاهر هذا الحبّ والولاء، ما هو ماثلٌ للعيان لمن يزور مدينة "مزار شريف"، شمال البلاد، حيث يظهر من بعيد بناء مهيب وضخم، تبدو عليه معالم التكريم، وهو مرقد لأحد أبرز علماء الدين الأفاضل في افغانستان، توفي منذ فترة بعيدة، يحمل اسم "علي بن أبي طالب".
هذا الاسم المدوّي في الأسماع والنفوس، حمل شيعة أفغانستان على أن يشبّهوه بمرقد أمير المؤمنين عليه السلام، علماً أن كرامات عديدة ظهرت لهذا العالم الفاضل، مما زاد من تعلّق الناس بهذا المرقد، مع علمهم بأن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، كائن في النجف الأشرف، إلا أن عدم مقدرة الكثير منهم من الوصول الى أرض المقدسات في العراق، يجعلهم يبثّون همومهم، ويشكون لواعجهم، عند هذا الضريح المقدس.
وما يميز السكان الشيعة في افغانستان، طيب السريرة، وصدق اللسان، والاخلاص في العمل، ولم يعتادوا الكذب والدجل والمكر في جميع تعاملاتهم ومواقفهم السياسية والثقافية والاجتماعية، وما يظهرونه على قسمات وجوههم، وفي مواقفهم وسلوكهم، هو نفس ما يضمرونه في داخل قلوبهم.. وحتى لا نجانب الحقيقة؛ فان الضائقة المعيشية والتهميش والحرمان لم يدفع شيعة افغانستان لحظة واحدة لممارسة النفاق والوصولية والتزلّف، لإيمانهم العميق بأن هكذا خصال ذميمة تتعارض بالمرة، مع مبادئ وقيم الاسلام الحنيف، الذي يذمّ النفاق وينبذ الازدواجية. لذا نرى احترام المقدسات والعقيدة الحقّة للشيعة، موجودة لدى عموم أبناء الشعب الافغاني، حتى عند الشريحة غير الواعية والمثقفة، ومن الشباب الطائش وغيرهم.. فهم مع سلوكهم وحياتهم البعيدة عن الالتزام الكامل بالدين، يتفاعلون مع أجواء شهر رمضان المبارك، ومراسم عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام.
وفي أجواء الحزن والعزاء، يتناسون الفروقات الطائفية والعرقية ويشاركون سويةً في إحياء ذكرى مصاب الإمام الحسين عليه السلام، ويذرفون الدموع في مجالس العزاء ويشاركون في الشعائر الحسينية التي تُقام في مناطق عديدة من البلاد.