في ذكرى استشهاده.. عماد مغنية "قائد الانتصارين" الذي غيّر معادلات الصراع

انفوبلس/..
الشهيد الحاج عماد فايز مغنية (الحاج رضوان) من أهم القادة العسكريين في المقاومة الإسلامية اللبنانية، حزب الله، وُلد في طيردبا الجنوبية عام 1962، عاش في كنف عائلة متدينة متواضعة مُحبّة للعلم والجهاد، سافر إلى قم فتلقى العلوم الدينية والحوزوية، انتقل للعيش في الضاحية الجنوبية بعد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وتعرّف عن كثب على المقاومة الفلسطينية، وانخرط في إحدى وحدات النخبة رغم صغر سنّه، فتلقى واكتسب المهارات القتالية إلى أن أصبح قيادياً في صفوفها.
عام 2006 قاد الحاج عماد مغنية العمليات الميدانية للمقاومة وكان له الدور الأبرز في عملية أسر الجنديين الإسرائيليين على الحدود والتي تبعها انتصار آخر بعد 33 يوماً.
اغتال الموساد الإسرائيلي الحاج عماد مغنية بعد أكثر من 25 عاماً من الملاحقة الاستخباراتية الأميركية – الإسرائيلية والغربية للوصول إليه، حيث استُشهد عام 2008 في سيارة مفخخة في دمشق بعد عدة محاولات فاشلة لاغتياله أودت بحياة أخويه جهاد وفؤاد.
قائد الانتصارين
لقبّه شهيد المقاومة وأمينها العام السيد حسن نصر الله بـ "قائد الانتصارين"، وقال يوم تأبينه، "حق الحاج عماد مغنية الشهيد على هذه الأمة أن تعرفه من أجلها لا من أجله، وحقه على الأمة أن تُنصفه من أجلها لا من أجله، وحقه على الأمة أن تستلهم روحه ودرسه وجهاده من أجلها لا من أجله".
وتوجه الشهيد نصر الله، للكيان الإسرائيلي بالقول: "في أي حرب مقبلة لن ينتظركم عماد مغنية واحد، ولا عدة آلاف من المقاتلين، لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة".
لحظة مفصلية بمسار المقاومة
في 12 شباط 2008، اُغتيل القائد الجهادي الكبير عماد مغنية، المعروف بـ"الحاج رضوان"، في عملية استهدفته في دمشق، بعد سنوات من دوره البارز في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتوجيه ضربات موجعة له. لم يكن رحيله حدثًا عاديًا، بل شكّل نقطة تحول في مسار المقاومة، كما أكّد الشهيد السيد حسن نصر الله، خلال التشييع في 14 فبراير 2008، حين قال: "إذا كان دم الشيخ راغب أخرجهم من أغلب الأرض اللبنانية، ودم السيد عباس أخرجهم من الشريط الحدودي المحتل، فإن دم عماد مغنية سيخرجهم من الوجود".
كلماته لم تكن مجرد خطاب، بل رؤية جسدتها الوقائع، فبعد استشهاد مغنية، واصلت المقاومة مشروعه، وساهمت في إفشال المخططات الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، بدءًا من مواجهة العدوان الإسرائيلي، وصولًا إلى الدور الحاسم في التصدي للإرهاب التكفيري في سوريا والعراق، تحت شعار: "سنكون حيث يجب أن نكون".
لم يقتصر الصراع على البُعد العسكري، بل امتد إلى مواجهة الحرب الاقتصادية التي استهدفت لبنان، حيث لعبت المقاومة دورًا في كسر الحصار المفروض، من خلال تأمين المحروقات والمواد الأساسية، في خطوة دعمها تلامذة ورفاق مغنية.
وفي ظل استمرار المخططات الإسرائيلية - الأميركية في المنطقة، تبقى رؤية مغنية حاضرة، كما قال الشهيد نصر الله: "روح الحاج عماد اليوم هي أقوى حضوراً في مقاومته وبركات هذا الحضور ظهرت أكثر فأكثر في كادرها وأفرادها وهمّتها وعزيمتها ونشاطها الدّؤوب، نحن سنواصل العمل من أجل الأهداف التي عاش من أجلها واستُشهد في سبيلها".
مغنية.. عقل المقاومة
في سنّ العشرين، وجد عماد مغنية نفسه في خضم أحداث كبرى أعادت رسم خريطة الصراع في المنطقة. من الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة إلى الحرب الأهلية اللبنانية، كان شاهداً على معاناة شعبه، لكنه لم يكن مجرد متفرج، بل قرر أن يكون جزءاً من معادلة الردع والمواجهة.
لم يكن مغنية نتاج أيديولوجيا نظرية، بل تشكّلت قناعاته عبر التجربة المباشرة، وسط نيران الاحتلال والقصف والدمار. رأى كيف تُفرض المعادلات بالقوة، وكيف يحاول العدو كسر إرادة المقاومة. لكنه كان جزءًا من جيلٍ آمن بأن الردّ لا يكون إلا بالفعل، وبأن الاحتلال لا يُواجه إلا بالمواجهة. أميركا وإسرائيل، بممارساتهما العنيفة، لم تُخلِقا عدواً عابراً، بل أسهمتا في ولادة مقاومةٍ صلبة، ورجالٍ قرروا كسر معادلة الضعف والهيمنة.
لم يكن عماد مغنية مجرد مقاتل في صفوف المقاومة، بل كان العقل المدبّر، القائد الذي فهم تكتيكات العدو وأتقن وسائل مواجهته. انتقل من "الأمن" إلى "العسكر"، وكان له الدور الأبرز في إخراج الجيش الإسرائيلي من لبنان، وفي توجيه ضربات جعلت الاحتلال يُعيد حساباته مرارًا. لم يتلقَّ تعليماً أكاديمياً عالياً، لكنه صقل نفسه معرفياً، تعلم الفارسية دون دراسة رسمية، وأتقن فنون القتال والتخطيط العسكري، حتى بات رقماً صعباً في معادلات الصراع.
المقاومة، كما اختبرها مغنية، لم تكن خيارًا سهلاً أو مسارًا احتفاليًا، بل معادلة من التضحيات والإيثار والعمل المستمر. ليست شعارًا أو خطابًا، بل ممارسة تتطلب الصبر والجهد والالتزام. ففي زمن الاحتلال، لم يكن أمام المقاومين سوى خيارين: إما الاستسلام أو المواجهة، وكان خيار مغنية واضحًا منذ البداية.. المقاومة حتى النهاية.