قسد تطرح دستوراً للمناطق التي تحتلها في سوريا.. مخاطر من نهج انفصالي ربما يؤثر على العراق
انفوبلس/ تقرير
أقرّ مجلس الديمقراطية السورية، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية في "الإدارة الذاتية" لشمال وشرق سوريا "قسد"، صيغة "عقد اجتماعي" لسكان شرق وشمال شرق سوريا بما يشبه الدستور المنظَّم لهذه المنطقة، ما يثير المخاوف من نهج انفصالي ربما يؤثر على العراق، وسط تساؤلات عن موقف دمشق وواشنطن وأنقرة وكذلك أربيل.
قسد تصيغ دستوراً جديداً لمناطقها تحت اسم "عقد اجتماعي" يحمل أبعاداً انفصالية ونزعة عنصرية
وخلال جلسة، عُقدت الثلاثاء الماضي في مدينة الرقّة، صادق المجلس العام في هذه الإدارة على العقد الجديد والذي يتكون من ديباجة - مقدمة - وأربعة أبواب و134 مادة تحتوي على تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والقضاء، كما تريد قسد أن تكون.
ولم يخلُ هذا العقد في أي مادة من مواده من التناقضات مع أرض الواقع بل وحتى مع مواد العقد الأخرى، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس" الضوء على بعض التفاصيل المهمة التي وردت في العقد.
*انفوبلس تكشف تناقضات مضمون العقد
جاء في نص العقد ذكر اسم "جمهورية سوريا الديمقراطية" بدل الاسم الرسمي والمتعارف عليه شعبياً ودولياً "الجمهورية العربية السورية" في تحدٍ صريح لمكونات الشعب السوري وخصوصاً الأغلبية العربية. وذكر العقد إنشاء إقليم "الإدارة الذاتية" المستقل في إشارة إلى الانفصال، ويتكون من سبع مقاطعات، وهي "ديرالزور، الرقة، الجزيرة، منبج، عفرين، الشهباء، الطبقة"، حيث تم تغيير اسم محافظة الحسكة إلى الجزيرة.
وقد ذكر العقد أن شعوب المنطقة لهم الحق في حرية الرأي وتطبيق مبدأ الانتخابات الديمقراطية، فيما لم يطرح هذا العقد -الذي يوازي الدستور- على أهالي المنطقة، لاستفتاء رأيهم فيه وهل سيوافقون على ما ورد بداخله، وسيتم تطبيقه أم لا مثل أي دولة أو حكومة تضع دستوراً لشعبها، في نقض لنص العقد نفسه قبل أن يتم إقراره أو تطبيقه.
وأقر العقد في نصه بمبداً حرية الشعوب وعدم التمييز بينهم والتساوي في الحقوق، وبذات الوقت جاء العقد على ذكر حقوق السريان والآشوريين والأكراد وإقرار حقوقهم وعاداتهم وعدم المساس بتركيبتهم الديموغرافية، فيما جاء على ذكر معاداة وإبطال العادات والأعراف العشائرية العربية التي تخالف مضمون العقد، في تحدٍ وتمييزٍ صريح للمكون العربي الذي يُمثل الأغلبية من سكان المنطقة.
ونصَّ هذا العقد أيضاً على مبدأ حرية الأديان وعدم إجبار أي شخص أو مجموعة على تغيير أفكارهم أو معتقداتهم والسماح للجميع بممارسة شعائرهم الدينية، وحماية الطائفة "الإيزيدية"، فيما تقوم بالوقت ذاته على أرض الواقع بغلق دُور تحفيظ القرآن، وفرض ما يُسمى بالإسلام الديمقراطي الذي ينافي مبادئ وتعاليم الإسلام الحقيقية، ويتماشى مع سياسات قسد الرامية لتطبيق الانحلال والفساد الأخلاقي في المنطقة.
وأشارت عدد من مواد العقد على حقوق المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية وتجريم اضطهادها، فيما تقوم قسد بالاضطهاد والقتل الذي يُمارَس ضد النساء عبر عمليات الدهم والاعتقال أو القصف العشوائي الذي تنفذه. ونقلا عن شبكة "نداء الفرات" فقد وثقت العديد من حوادث القتل بحق نساء دير الزور قام بها عناصر قسد خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وقد أشارت إحدى مواد العقد إلى حماية وضمان حقوق الأطفال وإلزامية التعليم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في المناطق التي تحكمها إدارة إقليم "شمال وشرق سوريا"، لكن الواقع مغاير تماماً حيث وثّقت جهات حقوقية سورية الكثير من الانتهاكات بحق الأطفال في مناطق قسد كان آخرها إصابة طفل وقتل امرأة برصاص عناصر قسد بريف دير الزور الشرقي قبل أيام، وبالعودة لإلزامية للتعليم قام عناصر قسد بالاستيلاء على أكثر من 40 مدرسة بريف دير الزور وحولوها إلى ثكنات ومقرات عسكرية ومنعوا الطلاب من ارتياد المدارس وإكمال دراستهم، في خرق صريح للقوانين الدولية ولقرارات "العقد الاجتماعي" قبل تطبيقه.
وبحسب محللين سوريين وعراقيين تحدثوا لـ"انفوبلس"، فإن العقد لا يكاد يخلو في أدنى جزئياته من التناقضات مع الواقع، مشيرين الى أن "هذا العقد هو نهج انفصالي ربما يؤثر على العراق".
وبحسب المراقبين، فإن "العقد الجديد" لا يحظى بقبول من قِبل غالبية المكونات المجتمعية الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات "قسد"، كونه يرسّخ سياسة التهميش المتعمد لاسيما للمكون العربي الذي يشكل الغالبية العظمى لأهالي هذه المناطق، إضافة إلى المكون المسيحي. كما أنه لا يحظى بأي شرعية قانونية على مستوى سوريا، أما الإعلان عنه فإنه من باب سلطة "الأمر الواقع"، فيما لا تزال المناطق التي تسيطر عليها "قسد" ووفقاً للأعراف الدولية، مناطق تابعة للجمهورية العربية السورية، وبالتالي فإنه في حال الرغبة بإقامة واقع سياسي جديد على بعض مناطقها يجب إجراء استفتاء شعبي لأبناء الشعب السوري كاملاً وفق النظام الجمهوري المعمول به في سوريا.
ولفت المراقبون، إلى أن العقد الجديد وما يتضمنه من بنود وتفاصيل يعطي "قسد" صلاحية واستقلالية تامة في مناطق سيطرتها عن الدولة الأم سوريا، بدءاً من تسمية نفسها بإقليم "شمال وشرق سوريا" وصولاً إلى تعريفه بأنه إقليم يتبع لما يسمى بالجمهورية السورية الديمقراطية اللامركزية.
ورغم حديث "الإدارة" عن مشاركة مكونات مناطق سيطرتها كافة في صياغة العقد، اعتبر المحلل السياسي الكردي فريد سعدون، أن العقد كتبته جهة واحدة هي "الإدارة الذاتية" التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي "بي واي دي".
وأضاف سعدون، أن العقد حرم الأطراف المعارضة "للإدارة الذاتية" من مجلس وطني كردي وشخصيات عشائرية وأكاديمية وأحزاب، من المشاركة في صياغة العقد. مشددا على أن الدستور يجب أن يشارك في صياغته الجميع ويكتبه مختصون وهو ما لم يحدث بحالة العقد الاجتماعي.
بالمقابل رأى الباحث في مركز عمران للدراسات سامر الأحمد، أن إطلاق اسم "عقد اجتماعي" على الوثيقة، هو فقط لعدم إطلاق اسم "دستور" عليها بشكل صريح. مضيفا، أن العقد الاجتماعي يُنتج عن نقاشات بين فئات اجتماعية يؤسس عليها للكتابة الدستورية، لكن هذه الوثيقة هي تنظيم العلاقات بين مؤسسات "الإدارة الذاتية" وتحمل ملامح دستور.
وقال الحقوقي السوري ياسر الفرحان، إن الإدارة الذاتية سلطة أمر واقع، وهي فاقدة للمشروعية والشرعية اللازمتَين لإعلان العقد الاجتماعي.
وأضاف الفرحان، وهو حقوقي وسياسي معارض، إن "الإدارة الذاتية" فرضت نفسها على الأهالي بقوة السلاح وحرمتهم من حقوقهم وحرياتهم بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحقهم، بمعنى أن هذه الورقة لا تعبّر عن رضا المحكومين.
وتابع، إن الإعلان غير مشروع لا يعبّر عن رضا الناس، وغير شرعي بمعنى "لا توجد هناك الإجراءات الشكلية اللازمة لإعلان مثل هذه الورقة يجب أن تكون هذه الجهة المعلنة لهذه الورقة منتَخَبة". مشيرا إلى، أن "العقد الاجتماعي يكتبه كمشروع ناس مختصين يحظون بالقبول العام ويعرضونه بعد ذلك على جمعية تأسيسية منتَخَبة أو برلمان منتَخَب، والإدارة الذاتية ليس لديها أي شيء من ذلك، ومزاعم الديمقراطية في عقدها زائفة كما هو اسمها".
وأعرب المجلس الإسلامي السوري، عن رفضه "العقد الاجتماعي" الذي أصدرته "الإدارة الذاتية" في مناطق سيطرة مليشيات "قسد" شمال شرقي سوريا. مشيرًا إلى، أنه لا يمكن لها أن تكون وصية على خيارات السوريين.
وكانت دمشق قد عبرت أيضا عن رفضهت لـ"العقد الاجتماعي" الذي أعلنت عنه "قسد" مؤخراً. وقال عضو مجلس الشعب محمد خير العكام، إنه "لا يحق من الناحية القانونية لما تسمى الإدارة الذاتية الكردية التي تهيمن عليها مليشيات قوات سوريا الديمقراطية وضع ما يسمى العقد الاجتماعي، لأن ذلك بمنزلة دستور على الانفصال".
يذكر أن "الإدارة الذاتية" تتبع وترتبط بمليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" التي تقودها "وحدات حماية الشعب" الكردية، وتتهمها المعارضة السورية وتركيا بمحاولة الانفصال من خلال تشكيل كيان في شمالي سوريا.
وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا" عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سوريا يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغِناه بالثروات الزراعية والنفطية.
وتسيطر "قسد"، التي تحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على قسم كبير من محافظة الرقّة، بما فيها مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية "شعيب الذكر" غرباً، إلى قرية "كسرة شيخ الجمعة" شرقاً.
كما تسيطر "قسد" على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة مترامية الأطراف في شمال شرقي سوريا، والتي تضم أكبر حقول النفط، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات و"الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرقي سوريا.
كما تسيطر على منطقة منبج غربي نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي. وكانت قد خسرت في عام 2018 منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غربي حلب، لصالح المعارضة السورية. وخسرت في 2019 مدينة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريفها شمال الرقّة، ومنطقة رأس العين، شمال غربي مدينة الحسكة.