لحرف الأنظار عن غزة.. الغرب يحاول الضغط على إيران عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. رد طهران سيكون مختلفا هذه المرة
انفوبلس..
بمؤامرة غربية جديدة ومتوقعة لاستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد موقفها من المقاومة الإسلامية في فلسطين، تبنَّى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، أمس الأربعاء، قراراً رسمياً يدّعي عدم تعاون إيران على خلفية تكثيف برنامجها النووي. والقرار الذي قدمته لندن وباريس وبرلين وافق عليه 20 بلداً من أصل 35، فيما صوّتت روسيا والصين ضد القرار، وامتنعت 12 دولة عن التصويت وغاب عضو واحد.
إلى ذلك أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، مساء الأربعاء، أن المنظمة بدأت من اليوم "إجراءات" للرد، دون الكشف عن طبيعتها.
طبيعة القرار
وهذا القرار هو الأول الذي يتضمن مزيداً من الانتقادات لإيران منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وفي هذا السياق، يأسف مرة جديدة لعدم وجود "أجوبة تقنية ذات مصداقية" تتصل بوجود آثار لليورانيوم من دون سبب في موقعين لم يعلن عنهما، بحسب الادعاء الأوروبي.
وأورد نص القرار، إنه "من الضروري والمُلح" أن توضح طهران الوضع وتسهل الوصول إلى الموقعين المعنيين. وفي هذا الصدد، قد يُطلب من مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، إعداد "تقرير كامل". وأضاف القرار، إن على إيران "أن تتراجع عن سحب اعتماد" بعض مفتشي الوكالة الأكثر خبرةً، مع إعادة وصل كاميرات المراقبة "بدون تأخير".
والقرار الذي له بُعد رمزي حتى الآن، يهدف إلى زيادة الضغط على إيران التي حدَّت بشكل كبير من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأعوام الأخيرة، بسبب تمادي الأخيرة. وقد يشكل تمهيداً لنقل الخلاف إلى مجلس الأمن الدولي الذي يستطيع فرض عقوبات. لكن هذا الأمر نظري فقط، انطلاقاً من تقارب سُجل في الأعوام الأخيرة بين إيران وكل من روسيا والصين، العضوين الدائمين في المجلس. وجرى تعديل نص القرار بعد مفاوضات مكثفة مع الأميركيين الذين لم يؤيدوا في البداية تبني قرار جديد.
وكان المتخصص الإيراني في الاتفاق النووي، هادي خسرو شاهين قد قال إنّ الترويكا من خلال قرارها، تسعى إلى دفع غروسي إلى إصدار تقرير تحت مسمى "الاستنتاج الأوسع" المنصوص عليه في الاتفاق النووي والقرار الـ2231 الأممي، لتحميل إيران مسؤولية انتهاك الاتفاق النووي "مما يعني إصدار شهادة الوفاة الرسمية للاتفاق"، ويرى أن الترويكا "على قناعة بأن المخاوف يمكن أن تراود إيران من الوصول إلى هذه المرحلة وتبعاتها ما قد يدفعها إلى القيام بتعهداتها وفق الاتفاق النووي وخارج اتفاق الضمانات".
ويضيف، إن "غروسي ليس ملزماً في التقرير بالقول إن تخلّي إيران عن التزاماتها النووية جاء ردةَ فعلٍ على الانسحاب الأميركي من الاتفاق، مما سيؤدي بالقرار الأوروبي المحتمل والرد الإيراني عليه إلى تصعيد التوتر حول الملف النووي خلال فترة الانتخابات الرئاسية في كل من إيران والولايات المتحدة".
إجراءات الرد
إلى ذلك، قال القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، أمس الأربعاء، إن رد بلاده على القرار المحتمل للترويكا الأوروبية في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون وفق مصالح إيران، وفي إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واتفاق الضمانات التابع للمعاهدة. وأضاف كني، في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية، على هامش اجتماع للحكومة الإيرانية في طهران، أن بلاده تمتلك "فرصاً (طاقات) متعددة في إطار معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، واتفاق الضمانات، وعندما تقتضي مصالح البلاد وأولويات منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، سيجري تفعيل تلك الطاقات".
وتابع الوزير الإيراني، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية "مؤسسة فنية"، داعياً الدول الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة إلى اتخاذ نهج يعتمد التوجه التقني للوكالة. واتهم باقري كني دولاً لم يسمّها بـ"استغلال الوكالة لأغراض سياسية"، مؤكداً أن هذا السلوك "سيلحق ضرراً بسمعة الوكالة ودورها التقني بكل تأكيد". ودعا باقري كني هذه الدول إلى "عدم تحويل الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مكان لتصفية الحسابات السياسية، بسبب إخفاقاتها وفشلها خارج الوكالة".
من جهته، أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، مساء الأربعاء، أن المنظمة بدأت من اليوم "إجراءات" للرد على تبني قرار أوروبي في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من دون الكشف عن طبيعتها، لكنه قال في الوقت ذاته، إنها "تأتي في إطار اتفاق الضمانات" الملحق لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأضاف كمالوندي، إن القرار الصادر "ليس خطوة بنّاءة"، داعيا الدول الغربية إلى اتباع "نهج التعامل والتعاون" بدلا من "استغلال المؤسسات الدولية واتخاذ نهج ممارسة الضغوط". وتابع المتحدث الإيراني قائلًا: "كان ينبغي أن تكون التجربة قد أثبتت لهم أن إيران لن تتنازل عن حقوقها الأساسية إزاء الضغوط السياسية عليها".
انتهاك قوانين الوكالة
بدوره، قال المندوب الإيراني لدى المؤسسات الدولية في فيينا، محسن نذيري أصل، خلال اجتماع مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن القرار "انتهاك سافر لقوانين الوكالة"، واصفا إياه بأنه "يفتقر إلى أساس حقوقي وفني وسياسي". وحمّل المسؤول الإيراني، الترويكا الأوروبية التي قدمت مسودة القرار مسؤولية عواقب ذلك، مؤكدا أنه سيؤثر بشدة على "الأجواء الإيجابية التي يتطلبها المزيد من الإجراءات في إطار الاتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضاف نذيري أصل في كلمته في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية في فيينا، إن القرار "يتجاهل" التعاون الجاري بين الوكالة وإيران، وزيارة مديرها العام رافاييل غروسي إلى إيران، متهما فرنسا وبريطانيا وألمانيا باستهداف الاتفاق النووي والعلاقات بين طهران والذرية الدولية. وشدد على أن "القرار لا يمكنه أن يحرف أنظار المجتمع الدولي من نوايا الدول الأوروبية الثلاث الرامية إلى منح الفرصة الكافية للكيان الإسرائيلي لمواصلة حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة"، مؤكداً أن القرار لن يدفع إيران نحو الاستسلام أمام الضغوط.
بيان مشترك
وفي وقت سابق الأربعاء، أصدرت إيران وروسيا والصين بياناً ثلاثياً مشتركاً بشأن الاتفاق النووي، أكّدت خلاله أنّ بنود خطة العمل الشاملة المشتركة لا تزال سارية.
وقال البيان، إنّ "الدول الثلاث لم تدخر جهداً للوصول إلى الاتفاق النووي، ولا تزال تحمي هذا الاتفاق وتلتزم بجميع التعهدات"، معلنةً استعدادها مرّة أخرى للقيام بكل ما يلزم لإحياء هذا الاتفاق.
وأسفت الدول الثلاث لباقي الدول الموجودة ضمن الاتفاق، أي فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، لاختيارها مساراً مختلفاً في ما يتعلق بالاتفاق النووي،مؤكدةً أنّ "الوقت حان لإظهار إرادة سياسية جادة من جانب الدول الغربية لمنع دوامة العنف والتوتر في هذا الملف"، وأنّ "الوقت حان أيضاً لاتخاذ الدول الغربية الخطوات اللازمة لإحياء الاتفاق النووي".
بدوره، قال سفير روسيا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ميخائيل أوليانوف، إنّ مشروع القرار الأوروبي معادٍ لإيران ويصعد الوضع.
البيان الثلاثي وتصريحات ممثليات الدول جاءت تعليقاً على ما طرحته بريطانيا وفرنسا وألمانيا من مشروع قرار على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي يزعم إدانة إيران "لفشلها في التعاون الكامل مع الوكالة، ويطالب بمزيد من المساءلة بشأن برنامج طهران النووي"، وفق ما أفاد دبلوماسيان.
وتذرّعت لندن وباريس وبرلين، لتبرير مزاعمها بحق طهران، بـ"الحاجة الملحَّة إلى الرد على خطورة الوضع".
ويجتمع مجلس المحافظين المؤلف من 35 دولة كل 3 أشهر، وهو أحد أعلى هيئتين لصنع السياسات في وكالة الطاقة الذرية، والآخر يجتمع مرة واحدة فقط في السنة.