ماذا جرى في إدلب منذ مقتل "ميسر الجبوري"؟.. انشقاقات "هيئة تحرير الشام" دفعت الجولاتي للهروب إلى الأمام
انفوبلس/ تقرير
مساء الرابع من شهر نيسان/ إبريل 2024، أعلنت جهات رسمية مقتل المدعو أبو ماريا القحطاني (ميسر عبد الله الجبوري) القيادي البارز في "هيئة تحرير الشام"، نتيجة تفجير داخل خيمة قرب منزله كان يستعملها لاستقبال الضيوف في مدينة سرمدا شمال محافظة إدلب السورية، بعد خروجه من سجون الجولاني، فما الذي جرى بعد ذلك في إدلب؟
وتشهد سوريا تطورات عسكرية متسارعة خلال الأيام الماضية مع سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل مدعومة إقليمياً، على غالبية مدينة حلب في شمال سوريا بعد هجوم مباغت بدأ خلال الأيام الماضية، واستهدف مناطق سيطرة الجيش السوري في شمال وشمال غرب البلاد، ليشكل أوسع تقدم للمسلحين السوريين والمرتزقة منذ سنوات.
*تفاصيل مقتل القحطاني
أسفر الانفجار الذي هزّ خيمة أبو ماريا (ميسر عبد الله الجبوري) وهو عراقي الجنسية، وأحد أبرز مؤسسي "جبهة النصرة"، عن مقتله على الفور، وإصابة 4 من مساعديه، أبرزهم أبو عمر الدويري.
وبعد أقل من ساعتين من الحادثة، أعلنت مؤسسة "أمجاد" الإعلامية التابعة للجناح العسكري في "هيئة تحرير الشام"، أن القحطاني قُتل نتيجة تفجير انتحاري، وتم تداول صورة لجثة الانتحاري الذي ينتمي الى "داعش" الإرهابي.
وكان زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، اتهم القحطاني بالخيانة، وزجّ به في سجون "هيئة تحرير الشام" مدّة 8 أشهر، قبل أن يُطلق سراحه إثر الضغوط التي تعرضت لها الهيئة.
وأبو ماريا القحطاني كان لا يقل شأناً أو أهمية عن أبو محمد الجولاني، متزعّم هيئة تحرير الشام، إذ مهّد القحطاني لإيجاد قنوات اتصال بين الجولاني وزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري في العام 2012.
*تنقّل بين الجماعات الإرهابية
وبرز اسم القحطاني في سوريا منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد أبو محمد الجولاني، إذ كان القحطاني قد سبق الجولاني إلى سوريا قادماً من العراق بعدما كان انضم إلى تنظيم القاعدة. وُلد القحطاني في بلدة الرصيف في الموصل شمالي العراق، لكنه سرعان ما انتقل مع عائلته إلى بلدة هرارة جنوبي الموصل، ومن اسم البلدة اتخذ أول ألقابه "الهراري" قبل أن يتحول إلى "القحطاني".
التحولات السريعة في مسيرة وولاءات القحطاني كانت حاضرة منذ بداياته، ليس فقط من خلال الألقاب، إذ إن طالب إدارة الأعمال عكف بعد تخرجه على دراسة العلوم الشرعية، وحاز على درجة البكالوريوس في كلا الاختصاصين، كما تشير معلومات إلى انتمائه أثناء دراسته إلى تنظيم فدائيي صدام الذي كان يتبع لحزب البعث، فيما أُعلن لاحقاً عن ندمه على هذه الخطوة معتبراً نفسه مضطراً، منوهاً إلى أن "الكتب الجهادية أثّرت فيه".
*الظهور في سوريا
برز اسم القحطاني في سوريا منذ بداية تأسيس جبهة النصرة (عام 2012) على يد الجولاني.
وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، التحق بالشرطة العراقية في نينوى، لكن سرعان ما غادر، منضماً إلى مجموعة إرهابية يقودها أبو طلحة الأنصاري، تلك المجموعة ستكون مع عدد من مثيلاتها التي شكل منها أبو مصعب الزرقاوي جماعة "التوحيد والجهاد"، التي تعتبر النواة لتنظيم "داعش" الإرهابي.
وعقب مشاركته في معركتي الفلوجة (عام 2004) ضد القوات الأميركية، تم تسليمه قيادة كتيبة، حتى إصابته واعتقاله وسجنه لعام ونصف عام 2004. وبعد خروجه عام 2006 كان مكانه حاضراً في تنظيم "القاعدة" في العراق، كمسؤول عن ديوان المحاسبة وعضو في اللجنة الشرعية في نينوى، وهنا بدأ اسمه بالصعود أكثر، لترصد القوات الأميركية جوائز لمن يُدلي بمعلومات تفيد لاعتقاله، وكان ذلك في العام 2007، حين أوقعت القوات الأميركية القحطاني بكمين، لتعاود اعتقاله مرة أخرى لمدة أربعة أعوام.
حين خرج القحطاني من السجن توجه إلى سوريا، التي كان الحراك فيها يتصاعد، ورغم محاولة تنظيم داعش الإجرامي إبقاءه في العراق بتوليته مناصب مهمة، إلا أنه فضّل التوجه إلى سوريا التي وصل إليها الجولاني أيضاً في عام 2011، ليبدآ معاً رحلة طويلة من رفقة السلاح، انتهت بالصراع.
وفور الإعلان عن مقتل القحطاني، توجهت أصابع الاتهام نحو جناح زعيم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني بتصفيته، نظراً للخلافات بين الرجلين اللذَين أسَّسا التنظيم سويةً قبل أن يختلفا على ملفات عدة.
*انشقاقات "هيئة فتح الشام" تدفع الجولاني للهروب الى الأمام
تعاني "الهيئة" من انشقاقات على مستوى الصف الأول، وأبرز المنشقين القيادي أحمد أبو زكور، الذي تحدث عن أفعال الهيئة، وأبو ماريا القحطاني، الذي حاول الانقلاب على الجولاني لكن تم اعتقاله، ثم أُفرج عنه وتم قتله بعد الإفراج.
ومنذ أكثر من عام تشهد "تحرير الشام" خلافات داخلية وتصدعات على خلفية ملف "العمالة"، وزجّت بكبار قياديي الفصيل في السجن، ثم أفرجت عن معظمهم، واعتذرت منهم. وتواجه حراكاً شعبياً ومطالب بإسقاط "الجولاني" ورفض سياسة احتكار القرار.
وبعد مقتل القحطاني، بدأت حدة الخلافات ترتفع داخل الهيئة، لعدم تجانس التنظيم الذي انشق عن "داعش" و"القاعدة"، وتوجُّه الجولاني "البراغماتي" نحو إعادة تأهيل الهيئة وتقديمها للعالم على أنها تنظيم "معتدل" باهتمامات داخلية ليست جهادية عابرة للحدود.
يذكر أن مناطق شمال غرب سوريا تشهد تظاهرات واحتجاجات مستمرة ضد سياسة “هيئة تحرير الشام”، ففي تاريخ 25 تشرين الأول الماضي، خرجت مظاهرات في مدن وبلدات إدلب، بنش، أريحا، وكفرتخاريم، رافضة لاستمرار الانتهاكات من قبل الهيئة.
لم تنجح محاولات زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة - الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا)، أبو محمد الجولاني، لَملَمة أوراقه، بعد انشقاق أحد أبرز معاونيه وهروبه إلى ريف حلب "أبو أحمد زكور".
*من هي "هيئة تحرير الشام"؟
وتسيطر هيئة تحرير الشام مع فصائل معارضة صغيرة على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة بمحافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة. وجرى اتفاق لوقف إطلاق نار في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس 2020 بواسطة روسيا الداعمة لسوريا، وتركيا الداعمة للفصائل السورية المسلحة، وأعقب هجوماً واسعا شنّته قوات الجيش السوري بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر.
وهيئة تحرير الشام وهي جماعة مسلحة متشددة تشكلت في يناير 2017 نتيجة اندماج فصائل متطرفة عدة، وكانت تعرف باسم جبهة النصرة، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا قبل انفصال الطرفين في يوليو 2016.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وتديرها من خلال جبهة إدارية تسمى "حكومة الإنقاذ السورية". ويقود الهيئة أبو محمد الجولاني الذي كان يقود جبهة النصرة قبلها.