مالكها مواطن عراقي يقيم بالإمارات.. ما قصة احتجاز الحرس الثوري ناقلة نفط بتهمة "تهريب وقود"؟
انفوبلس/ تقرير
احتجز عناصر الحرس الثوري الإيراني ناقلة نفط - مملوكة لعراقي مقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة - تحمل علم دولة "توغو" الإفريقية في المياه الخليجية وأوقفوا طاقمها المكوّن من تسعة أشخاص بتهمة تهريب الوقود، في عملية احتجاز هي الثانية من نوعها خلال أقل من أسبوع، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على تفاصيل الاحتجاز وشبكة التهريب.
تُعد أسعار الوقود في الجمهورية الإسلامية الايرانية من بين الأكثر انخفاضا في العالم، ما يجعل عمليات التهريب أكثر ربحاً، بحسب تقرير لوكالة رويترز للأنباء، وسط معلومات عن أن حجم تهريب المنتجات البترولية ومشتقاتها في إيران يُقدر بتسعة ملايين لتر يومياً.
*الإعلان الرسمي عن الاحتجاز
أعلنت العلاقات العامة للمنطقة البحرية الثالثة للحرس الثوري الإيراني، يوم أمس الاثنين 29 تموز/ يوليو 2024، ضبط ناقلة نفط تحمل وقوداً مهرباً في المياه الخليجية ومملوكة لعراقي مقيم في دولة الإمارات العربية.
وقالت العلاقات العامة للمنطقة البحرية الثالثة في بيان، أوردته وكالة "تسنيم" الدولية للأنباء واطلعت عليه شبكة "انفوبلس"، إنه تم في صباح يوم الجمعة 26 تموز/ يوليو الجاري ضبط ناقلة نفط تحمل العلامة التجارية "pearl g" وترفع علم دولة توغو الإفريقية ومملوكة لشخص عراقي مقيم في دبي بدولة الإمارات، مشيرة الى أنه تم ضبط الناقلة شمالي الخليج بالقرب من حقل آرش النفطي - المتنازع عليه بين إيران والكويت- أثناء تحميل الوقود المهرب من القوارب الإيرانية.
وأضافت، إن التقديرات الأولية تشير إلى وجود ما لا يقل عن 700 ألف لتر من النفط المهرب بهذه الناقلة، مبينة أنه تم نقل ناقلة النفط هذه مع طاقمها الهندي المكون من 9 أفراد إلى ميناء الإمام الخميني وهي تخضع الآن للمراقبة.
وتظهر بيانات تتبع صدرت عن مجموعة بورصات لندن التي اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، أن "بيرل جي" أمضت التسعين يومًا الماضية في الإبحار بين ساحل الشارقة في الإمارات ومناطق قبالة ساحل العراق. ووفقاً لمجموعة بورصات لندن، فإن شركة جينسونغ المحدودة للخدمات البحرية هي المدير المسجل لناقلة النفط.
يأتي الإعلان بعد أسبوع (22 تموز/ يوليو 2024) من إعلان الحرس الثوري الايراني مصادرة سفينة أجنبية كانت تهرب الوقود في الخليج، موضحاً أنها كانت تحمل علم توغو وتحمل على متنها 1.5 مليون لتر من الوقود المهرب.
وأسعار الوقود في الجمهورية الإسلامية الايرانية من الأرخص في العالم بسبب الدعم الكبير وتراجع قيمة العملة المحلية، لكن البلد يكافح تهريباً متفشياً للوقود عن طريق البر إلى الدول المجاورة وعن طريق البحر إلى دول أخرى.
وأعلنت قوات البحرية الإيرانية مراراً عن احتجاز مراكب تنقل الوقود في الخليج. وأواخر يناير/ كانون الثاني، احتجزت إيران مركباً كان يحمل مليوني ليتر من الوقود اشتبهت بأنها مهرّبة. وفي مايو/ أيار، أطلقت إيران سراح سبعة من أفراد طاقم سفينة حاويات ترفع العلم البرتغالي احتُجزوا في 13 إبريل/ نيسان، بعدما اتّهمتهم بالارتباط بـ"إسرائيل".
تأتي هذه الحوادث في وقت حساس إقليميًا، لا سيما مع تزايد الهجمات التي استهدفت خلال الفترة الماضية السفن التجارية في البحر الأحمر من قبل الحوثيين.
و"تضامنًا مع غزة" يستهدف الحوثيون منذ نوفمبر/تشرين الثاني بصواريخ ومسيّرات سفن شحن مرتبطة بتل أبيب في البحر الأحمر، كما يهاجمون أهدافًا داخل "إسرائيل". وردًا على مهاجمة الحوثيين سفن شحن، يشن تحالف تقوده الولايات المتحدة، منذ مطلع العام الجاري، غارات يقول إنها تستهدف "الحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن.
ومع تدخل واشنطن ولندن، أعلن الحوثيون في يناير/كانون الثاني الماضي، أنها باتت تعتبر السفن الأمريكية والبريطانية كافة ضمن أهدافها العسكرية.
*تهريب الوقود في إيران
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ذكرت وكالة "نور نيوز"، المنصة الإعلامية لمجلس الأمن القومي الإيراني، أن تهريب الوقود يقدر بعشرين مليون لتر يومياً، ما يعادل 5 مليارات دولار. وأضافت الوكالة أن "اختلاف أسعار البنزين والديزل داخل إيران وخارجها يزيد من دوافع تهريب الوقود".
في مارس (آذار) العام الماضي، قال النائب مالك شريعتي: "طلبت الهيئات الرقابية من مجلس النواب التفكير في حجم المخالفات الكبيرة لمحطات الكهرباء في تهريب الوقود"، وأضاف: "ربما نخجل من قول ذلك، لكن الكمية الرسمية لتهريب الوقود السائل في محطات الطاقة هي مليار ونصف المليار لتر سنوياً".
وأوضح النائب، إن "تهريب الوقود الديزل في إيران يعود إلى محطات الطاقة، ولا يتم الإشراف عليه على الإطلاق"، متحدثاً عن التلاعب في البيانات.
في ديسمبر 2021، قال المتحدث باسم لجنة مكافحة تهريب السلع والعملة، حميد رضا دهقان نيا، في تصريح تلفزيوني، إن حجم تهريب المنتجات البترولية ومشتقاتها في إيران يقدر بتسعة ملايين لتر يومياً.
وقال دهقان نيا: "بما أن إنتاج وتصدير النفط والغاز ومنتجات البتروكيماويات والتكرير الأخرى بيد المؤسسة الحاكمة، فينبغي عدم اعتبار كل ما يدخل ويخرج من حدود البلاد مُهرّباً"، مشدداً على أن "ما يجري تصديره من النفط والوقود سيكون من المؤكد بيد وزارة النفط".
وبدوره، قال النائب مجتبي محفوظي حينذاك إن هذا الحجم من تهريب الوقود "لا يمكن أن يكون عبر مهربين عاديين"، متحدثاً عن وجود "عصابات تهريب خلف الستار". وطالب النائب بمساءلة المسؤولين والأجهزة المعنية.
كما كشف مسؤول إيراني العام الماضي، عن آلية تهريب الوقود من قبل عصابات إلى خارج البلاد في عملية مخططة جيدا تبدأ بشراء منازل بالقرب من الساحل وتنتهي بضخ النفط المهرب في سفن أجنبية في عملية تدر أرباحا هائلة على المهربين.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها أمير محمد برهام فر نائب رئيس مكافحة تهريب السلع والعملات في إيران لوكالة "إيلنا" للأنباء.
وقال المسؤول الإيراني: "يشتري المهربون منازل في المنطقة الحدودية وبالقرب من الساحل، ويضعون خزانات تحت الأرض لهذه المنازل، وفي الليل ينقلون خط الأنابيب تحت الماء إلى بضع مئات من الأمتار، وفي غضون ساعة من الليل، يتم ضخ الوقود من خزانات المنازل تحت الأرض".
وتابع مستكملا: "يقوم هؤلاء بملء الخزانات وتسليمها للسفن، أو قد تكون كمية الوقود المهرَّب ضئيلة بحيث يتم تعبأتها في قوارب الصيد بالقرب من هذه المصادر وأنابيب التهريب، وبعد تفريغ وتحميل سفن الصيد يتم تسليم الوقود المهرب إلى السفن الأجنبية".
وأوضح أن "تهريب الوقود حاليًا هو الأكثر ربحية من بين السلع الأخرى، وعندما يكون العمل مربحًا للغاية، يقبل المهرب العديد من المخاطر سواء أراد ذلك أم لا".
على سبيل المثال، في المناطق الجنوبية الغربية من البلاد مثل سيستان وبلوشستان، يزيل شخص ما جميع مقاعد سيارته ويحولها لمخزن وقود وديزل وينطلق بسرعة انتحارية نحو المخارج غير الرسمية والذي قد يؤدي إلى وقوع حادث يعرض حياة العديد من الأشخاص إلى الخطر، ورغم هذا، يعرض هذا الشخص حياته للمخاطر نظراً للمرابح الهائلة التي سيجنيها من عملية التهريب هذه، وفق نائب رئيس مكافحة تهريب السلع والعملات.
ويمكن أن تصل أرباح المهرب يوميا إلى 20 مليون تومان (482 دولارا)، ما يجعل المهربين يقبلون أي نوع من المخاطر، وفق المسؤول الإيراني.
وحول هوية المهربين، قال أمير محمد برهام فر: "الربح المرتفع لهذه العصابات يسهل لهم كل شيء، فشبكة تهريب الوقود ليست بالشبكة التي تشتري منازل حدودية وتدير خطوط أنابيب تحت البحر وتنسق مع السفن الأجنبية فحسب، بل هي حلقة تجمع وتزود الوقود من الاستهلاك المتنوع، ومن محطات الطاقة والمعدنين وقطاع النقل لتوصله إلى هذه الأنفاق. وخلافاً ذلك، فإن شراء المنازل في المناطق الحدودية وإنشاء خط أنابيب تحت البحر هو أسهل جزء من تهريب الوقود".
وكانت وكالة "تسنيم"، قد نقلت في الآونة الأخيرة عن لجنة تهريب السلع والعملات، قولها: "في عام 2022 ازداد تهريب البنزين في البلاد بنسبة 250% وتهريب الديزل بنسبة 69%، أي أن 50 مليون لتر من الوقود يتم تهريبه خارج إيران كل يوم".
وتنتج إيران نحو 100 مليون لتر من البنزين يوميا، ونحو 119 مليون لتر من الديزل، أي إن ربع الوقود الإيراني يتم تهريبه خارج البلاد.