مايكروسوفت وأمازون وجوجل.. "صرخة إبتهال" تُعيد الشركات الأمريكية الكبرى الداعمة لإسرائيل إلى الواجهة

انفوبلس / تقرير
تنخرط شركات أمريكية كبرى مثل مايكروسوفت وأخواتها بشكل لا أخلاقي في دعم حرب إبادة جماعية تشنها "إسرائيل" على قطاع فلسطيني محاصر منذ 18 عاماً، لكن صرخة إبتهال أبو سعد أعادت تسليط الأضواء على هذه الشركات، فماذا تعرف عن هذا الملف؟
هناك الكثير من الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل حول العالم؛ بما في ذلك شركات التقنية أمثال شركة مايكروسوفت الأمريكية، وشركات الأغذية وغيرها من المنتجات الأخرى.
وتقدم بعض هذه الشركات دعمًا ماليًا مباشرًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بينما يكتفي بعضها الآخر بدعم المؤسسات والمنظمات ذات الأغراض التي تصب في أهداف الاحتلال.
انطلقت دعوات مختلفة في عدة بلدان عربية لمقاطعة المنتجات الأمريكية، بعد إعلان واشنطن وضع ثقلها عسكريا ودبلوماسيا خلف إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة.
بداية القصة
خلال الاحتفال بالذكرى الـ50 لتأسيس شركة التقنية العملاقة بمقر الشركة الأمريكية يوم الجمعة 4 أبريل 2025، لم يكن أحد يتوقع أن يَقطع صمت قاعة الفعالية صوتٌ غاضب ومحتجّ٬ حيث تقدمت السيدة إبتهال أبو السعد٬ وهي مهندسة برمجيات مغربية تعمل ضمن فريق الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، واتجهت نحو المدير التنفيذي لقسم الذكاء الاصطناعي، البريطاني ذي الأصول العربية السورية٬ مصطفى سليمان، في لحظة صِدام مباشر وقالت له: "عار عليك"!
صرخت إبتهال بصوت عالٍ أمام حشد من الموظفين والصحفيين ورجال الأعمال: "تزعم أنك تستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل الخير، لكن مايكروسوفت تبيع أسلحة ذكاء اصطناعي للجيش الإسرائيلي .. 50 ألف إنسان قُتلوا، ومايكروسوفت تساهم في الإبادة الجماعية في منطقتنا".
وبينما حاولت إحدى المنظّمات إخراجها من الفعالية، تابعت إبتهال القول: "أنتم تجار حروب، أوقفوا استخدام الذكاء الاصطناعي لارتكاب الإبادة في منطقتنا".
وعلى الفور كانت الكاميرات تلتقط لحظات المواجهة، وتدخل الأمن سريعاً لإبعاد إبتهال، بينما كان سليمان يحاول احتواء الموقف بابتسامة محرجة. وظلت إبتهال تصرخ أمام الحاضرين: "الدم على أيديكم، أيدي كل مايكروسوفت، كيف تجرأون على الاحتفال.. عار عليكم".
لم تكن إبتهال أبو السعد الموظفة الوحيدة التي احتجت خلال الفعالية على دعم الشركة لإسرائيل في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل في وقت لاحق قاطعت موظفة أخرى، تُدعى فانيا أغراوال، فقرةً ضمت الرئيس التنفيذي السابق بيل غيتس، والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، والرئيس التنفيذي الحالي ساتيا ناديلا.
ولم تكن هذه أول مرة تُعبّر فيها إبتهال عن احتجاجها داخل الشركة، ولم يكن ما قالته مجرد رأي شخصي؛ بل كان صدى لمشاعر العديد من الموظفين داخل مايكروسوفت ممن بدأوا يتساءلون: ما الذي تفعله تقنياتنا في غزة؟ حتى أطلقوا حملة "No Azure for Apartheid" التي تقوم بتنظيم وقفات للموظفين العاملين في مايكروسوفت الرافضين لتقديم خدمات مايكروسوفت للجيش الإسرائيلي.
تداولت عدة تقارير معلومات تفيد بأن مايكروسوفت أنهت تعاقدها مع إبتهال، وهو ما لم تؤكده الشركة رسميًا. وكتب نشطاء على "إكس"، أن "ابتهال ضحت بمستقبلها المهني في واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم لتقول كلمة حق".
وصف الباحث مهنا الحبيل موقفها بأنه "درس في الأخلاق"، بينما اعتبر الصحفي المصري أسامة عواد أن "صوتها كشف الأقنعة عن تواطؤ كثيرين".
من ناحيته، توقع أستاذ القانون المغربي نور الدين اليزيد أن تتعرض إبتهال لملاحقة قانونية أو حتى الترحيل، لكنه أكد أن "موقفها في حضرة رموز سياسية واقتصادية، يعكس شجاعة استثنائية".
إبتهال أبو سعد مهندسة ومبرمجة مغربية وُلدت عام 1999، تخرجت في جامعة هارفارد الأميركية. تخصصت في الذكاء الاصطناعي، وعملت لدى شركة مايكروسوفت.
"مايكروسوفت" ودعم جيش الاحتلال في جرائمه بغزة
في 23 يناير/كانون الثاني 2025 نشرت صحيفة "الغارديان" وثائق مسربة تتضمن كيفية دمج إسرائيل لشركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة "مايكروسوفت" في جهودها الحربية ضد قطاع غزة٬ لتلبية الطلب المتزايد على أدوات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
وكُشف عن علاقات مايكروسوفت الوثيقة بالجيش الإسرائيلي في تحقيق أجرته صحيفة الغارديان بالتعاون مع مجلة +972 الإسرائيلية وموقع "لوكال كول" الناطق بالعبرية٬ ويستند التحقيق إلى وثائق حصل عليها موقع "دروب سايت نيوز".
الوثائق كشفت أن اعتماد الجيش الإسرائيلي على تكنولوجيا مايكروسوفت السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي ارتفع بشكل كبير خلال المرحلة الأكثر كثافة من قصف غزة.
وتقدم الملفات نظرة على كيفية تعميق مايكروسوفت لعلاقتها مع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال تزويد الجيش بخدمات حوسبة وتخزين أكبر وإبرام صفقات لا تقل عن 10 ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني.
وألقى التحقيق، الذي يستند أيضاً إلى مقابلات مع مصادر من مختلف قطاعات الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، ضوءاً جديداً على كيفية لجوء القوات الإسرائيلية إلى شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى لتلبية المطالب التكنولوجية للحرب.
وبعد شن هجومه على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، واجه الجيش الإسرائيلي اندفاعاً في الطلب على التخزين وقوة الحوسبة، مما دفعه إلى توسيع بنيته التحتية الحاسوبية بسرعة والتعاون مع ما وصفه أحد القادة في الجيش بأنه "العالم الرائع لمقدمي الخدمات السحابية".
وتزامن هذا التوسع مع سعي المؤسسة العسكرية للاحتلال للاستفادة من قدرات الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى، ومن بينها "أمازون" و"غوغل"، في تخزين وتحليل كميات ضخمة من البيانات والمعلومات الاستخباراتية.
ووفقاً لما أوردته الصحيفة، اعتمد جيش الاحتلال – بمختلف فروعه الجوية والبرية والبحرية – على تقنيات "مايكروسوفت"، بما في ذلك خدمات الحوسبة السحابية ومنتجات الذكاء الاصطناعي. كما أوكلت وزارة الحرب الإسرائيلية إلى الشركة مهام تتعلق بمشاريع ذات طابع سري وحساس للغاية، بحسب التقرير.
وفي 18 فبراير/شباط 2025 نشرت وكالة أسوشيتد برس تحقيقاً أكدت فيه أن "تقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة من قبل مايكروسوفت وأوبن إيه آي- OpenAI استخدمت في برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف في غزة ولبنان"، ما أثار موجة غضب داخل وخارج الشركة. وأشار التحقيق إلى "غارة جوية إسرائيلية خاطئة في عام 2023" استهدفت سيارة مدنية، وأدت إلى مقتل ثلاث فتيات وجدتهن في جنوب لبنان.
واستند التحقيق إلى وثائق وبيانات ومقابلات مع مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، بينهم 3 ضباط استخبارات في الاحتياط، وكذلك مقابلات مع موظفين حاليين وسابقين في شركات مايكروسوفت وأوبن إيه آي وغوغل وأمازون.
وأشار التحقيق إلى طفرة كبيرة في استخدام إسرائيل لتقنيات شركتي "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" في تلك الأنشطة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونقلت الوكالة عن ضابط استخبارات إسرائيلي قوله إن "الضباط الشباب يتعرضون لضغوط للعثور على الأهداف بسرعة فيقعون في أخطاء" على حد زعمه.
أنشطة الدعم التي وفرتها مايكروسوفت:
تحقيقات صحيفة الغارديان والمجلة الإسرائيلية ووكالة أسوشيتد برس٬ كشفت أن خدمات "أزور" (Azure) السحابية ومنتجات أخرى من مايكروسوفت تم توظيفها من قبل وحدات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، من بينها وحدة 8200 المتخصصة في الاستخبارات السيبرانية، ووحدة 81 المعنية بتطوير تقنيات التجسس، فضلاً عن مديرية الاستخبارات العامة. وتضمنت أنشطة الدعم التي وفرتها مايكروسوفت:
*استخدام خدمات "أزور" في دعم عمليات وحدات الاستخبارات العسكرية وارتفاع استهلاك التقنيات بشكل غير مسبوق لأغراض عسكرية واستخباراتية.
*الإسهام في تشغيل وصيانة نظام "رولينغ ستون"، المستخدم في تتبع الفلسطينيين وحركتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة.
*تشغيل وحدة "أفق" الجوية الإسرائيلية لبنيتها التحتية التقنية عبر أدوات الاتصال والبريد الإلكتروني التابعة لمايكروسوفت، لإدارة "بنوك الأهداف" المتعلقة بضربات القصف والاغتيال.
*توفير أدوات الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي لتشغيل أنظمة غير متصلة بالإنترنت، ما يعكس طابعها الحساس.
*أظهرت البيانات التي حصل عليها التحقيق أن استهلاك الجيش الإسرائيلي لخدمات مايكروسوفت السحابية ارتفع بنسبة 60 بالمئة خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب مقارنة بالفترة التي سبقتها. كما زاد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المقدمة من الشركة بشكل لافت، حيث كان استخدام الجيش لأدوات تعلم الآلة في آذار/مارس 2024 أعلى بـ64 مرة مما كان عليه في أيلول/سبتمبر 2023.
*أشارت التحقيقات إلى أن مايكروسوفت، باعتبارها "شريكاً موثوقاً" لوزارة الحرب الإسرائيلية، سمحت لجيش الاحتلال بالوصول إلى نموذج "GPT-4" الذي تطوره شركة "أوبن إيه آي"، والتي بدورها غيّرت سياستها مؤخراً بما يسمح بالتعاون مع جهات عسكرية واستخباراتية.
وتواجه إسرائيل اتهامات بالإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية، التي أمرت تل أبيب، في حكم صدر في يناير/كانون الثاني 2024، بوقف أعمال الإبادة الجماعية واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة.
شركات أمريكية أخرى
وكان تحقيق أجرته مجلة +972، في 7 أغسطس/آب 2024، قد كشف أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم خدمة الحوسبة السحابية التابعة لشركة أمازون وأدوات الذكاء الاصطناعي التي تقدمها شركتاي مايكروسوفت وجوجل لأغراض عسكرية تشمل جمع كمية متزايدة من البيانات عن الفلسطينيين وغزة.
وكشف تسجيل صوتي أن العقيد راحيلي ديمبينسكي، قائدة مركز وحدة الحوسبة وأنظمة المعلومات في جيش الاحتلال، عن استخدام هذه التقنيات خلال عرض تقديمي أمام نحو 100 عسكري في 10 يوليو/تموز الماضي، وفق التحقيق الذي أجرته المجلة الإسرائيلية بالتعاون مع موقع Local Call ٬ حيث يشرف مركز الحاسوب وأنظمة المعلومات على كافة عمليات معالجة البيانات لجيش الاحتلال.
وأشار العرض التقديمي لديمبينسكي، وهو أول تأكيد علني، إلى استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لخدمات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي التابعة لشركات التكنولوجيا المدنية العملاقة في هجومه المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. حيث ظهرت شعارات Amazon Web Services (AWS) وGoogle Cloud وMicrosoft Azure مرتين ضمن العرض التقديمي لديمبينسكي، والذي سلط الضوء على استخدام جيش الاحتلال لـ "السحابة التشغيلية"، والتي يتم تخزينها عادة على خوادم عسكرية داخلية.
ووصفت ديمبينسكي هذه السحابة الداخلية بأنها "منصة أسلحة" تتضمن تطبيقات لتحديد أهداف القصف، وبوابة لمشاهدة لقطات حية لطائرات بدون طيار فوق سماء غزة، وأنظمة إطلاق النار والقيادة والسيطرة.
وأشارت إلى أنه بعد الغزو البري لجيش الاحتلال الإسرائيلي لغزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، "سرعان ما أصبحت الأنظمة العسكرية الداخلية مثقلة بالأعباء بسبب العدد الهائل من الجنود والعسكريين الذين أضيفوا إلى المنصة كمستخدمين، مما تسبب في مشاكل تقنية هددت بإبطاء الوظائف العسكرية للجيش الإسرائيلي"، بحسب مجلة +972.
وأكدت ديمبينسكي حينها أن الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى توفر مساحة تخزين غير محدودة دون الالتزام بتخزين الخوادم فعلياً في مراكز الكمبيوتر العسكرية. وأكدت أن قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي توفرها هذه الخدمات هي الميزة الأبرز. وأضافت أن العمل مع هذه الشركات منح الجيش الإسرائيلي "فعالية عملياتية كبيرة للغاية" في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وصفت ثلاثة مصادر استخباراتية تعاون الجيش مع أمازون بأنه "وثيق بشكل خاص". فقد قدمت شركة أمازون مجموعة خوادم لمديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لتخزين معلومات استخباراتية واسعة النطاق لمساعدة الجيش في الحرب. وبحسب مصادر متعددة، فإن نظام التخزين السحابي العام يوفر للجيش تخزيناً لا نهاية له" للمعلومات الاستخبارية عن "كل شخص" تقريباً في غزة.
وأكدت المصادر أن المعلومات الاستخباراتية الضخمة التي يتم جمعها من خلال مراقبة الفلسطينيين في غزة لا يمكن تخزينها على خوادم عسكرية فقط، مما اضطر جيش الاحتلال إلى اللجوء إلى الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، ساعدت الكمية الهائلة من المعلومات المخزنة عبر خدمات أمازون السحابية في تأكيد الغارات الجوية التي استهدفت قطاع غزة.
بالطبع كل ما ذكرناه هو مجرد أمثلة بسيطة على تعاون أكبر وأعمق بين شركات التقنية الكبرى ودولة الاحتلال في الاستهداف المباشر للفلسطينيين، رغم أن هذه الشركات تقدم دائما تعهدات بتجنب استخدام تقنياتها في الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان. بالتأكيد نعرف الآن أن هذه ليست إلا مجرد ادعاءات لا تساوي قيمة الحروف التي كُتبت بها على صفحات ومواقع تلك الشركات!
وفيما لا يتوقف الدعم الأميركي لإسرائيل عند الشكل المالي، إذ يشمل تقريباً كل أنواع الدعم الأخرى، كالعسكري والمعلوماتي والدبلوماسي، يوجد أيضاً عدد من الشركات، الأميركية وغيرها، التي تقدم دعماً مالياً لإسرائيل، في صور متعددة، تشمل التبرعات والاستثمارات والمنح. ويساهم الدعم المالي الذي تقدمه هذه الشركات في دعم اقتصاد إسرائيل بقدر لا يستهان به.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قاومت الشعوب الداعمة للقضية الفلسطينية بالطرق المتاحة لها، فكانت الطريقة المسلحة للمقاومة الإسلامية في دول المنطقة وعلى رأسها العراق ولبنان واليمن من أبرز الطرق لدعم غزة، وعلى الجانب الشعبي والمدني فقد كانت حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية أو منتجات الشركات الداعمة للكيان الصهيوني، من أفضل طرق الحرب الاقتصادية على الكيان وداعميه
في هذا السياق، تتوالى الاحتجاجات داخل الجامعات والشركات الكبرى، رفضًا للعلاقات مع (إسرائيل)، في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة نتيجة الإبادة المستمرة منذ 17 شهرا.