مسيرة "لوكاس" الأمريكية تكشف فشل واشنطن في سباق المسيّرات منخفضة التكلفة عالمياً
سباق مسيّرات تقوده "شاهد"
في خطوة تكشف تحوّلًا جديدًا في عقلية البنتاغون، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل فرقة عمل لطائرات مُسيّرة هجومية منخفضة التكلفة، في محاولة لاستنساخ نموذج الطائرات الإيرانية الانقضاضية.
هذه الخطوة، التي تُغلّفها واشنطن بشعارات الردع، تعكس في جوهرها اعترافًا عمليًا بتآكل التفوّق العسكري الأمريكي، ولجوئها إلى تقليد خصومها بعد فشل سياساتها التقليدية في الشرق الأوسط.
"ضربة العقرب".. هروب أمريكي إلى الأمام
في الثالث من كانون الأول/ديسمبر 2025، كشفت القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) عن تشكيل فرقة عمل جديدة تحمل اسم “ضربة العقرب – TFSS”، لتكون أول قوة أمريكية مخصّصة لسرب طائرات مسيّرة هجومية أحادية الاتجاه في الشرق الأوسط. الإعلان جاء بعد أربعة أشهر فقط من أوامر مباشرة أصدرها وزير الحرب الأمريكي بيت هيغسيث لتسريع اقتناء ونشر تكنولوجيا الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة.
وبحسب الرواية الأمريكية، فإن هذه القوة تهدف إلى تزويد الوحدات القتالية بطائرات جاهزة للاستخدام السريع بتكلفة قليلة. لكن خلف هذه اللغة الدبلوماسية، قرأ محلّلون محاولة أمريكية مكشوفة لتعويض الفجوة المتزايدة بينها وبين خصومها الذين سبقوها في تطوير هذا النوع من المسيّرات، وفي مقدمتهم إيران والصين.
نسخة أمريكية من شاهد 136 الإيرانية
اللافت في هذه الخطوة أن واشنطن نفسها اعترفت بأن طائرات “لوكاس – LUCAS” ليست إلا نسخة مُعدّلة هندسيًا عن المسيرة الإيرانية “شاهد 136”.
ووفق التقارير الأمريكية، جرى تطوير الطائرة الجديدة بالتعاون بين شركة “سبكتر ووركس” والبنتاغون، وهي تحمل أبعادًا وخصائص شبه مطابقة للمسيّرة الإيرانية، مع جناح دلتا وقدرة على الإطلاق بطرق متنوعة، بينها المنجنيق والإقلاع الصاروخي.
تبلغ تكلفة الطائرة الواحدة نحو 35 ألف دولار، وهو رقم يبدو ضئيلاً في سياق الصناعة العسكرية الأمريكية، لكنه يحمل اعترافًا ضمنيًا بأن واشنطن باتت مضطرة للبحث عن بدائل رخيصة لأسلحتها ذات التكلفة الباهظة، والتي لم تعد مجدية في ساحات حرب تُدار اليوم بتكنولوجيا أكثر مرونة وأقل إنفاقًا.
لماذا تُقلّد واشنطن خصومها؟
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية علّقت على المشروع بعبارة لافتة:
“يمثل نهجًا جديدًا للبنتاغون، يستلهم تكتيكات الخصوم ويعيد توظيفها بالاعتماد على الهندسة العكسية”.
هذا الاعتراف يفتح الباب لسلسلة من التساؤلات حول أسباب انتقال واشنطن من موقع قوة تفرض معايير الحرب إلى قوة تُحاول اللحاق بالآخرين واعتماد أساليبهم. خبراء عسكريون أكدوا أن الولايات المتحدة عاجزة عن محاكاة كل ميزات “شاهد 136”، خصوصًا ما يتعلق بالمدى الذي يصل إلى 2000 كيلومتر، والقدرة التدميرية، والمرونة التشغيلية التي أثبتت فاعليتها في الميدان.
إيران استخدمت هذه المسيرات منذ عام 2021 في عدة عمليات مؤثرة، ويصل طولها إلى 3.5 متر وعرضها 2.5 متر بوزن 200 كغ، وهي أرقام حقّقت معادلة “أقل تكلفة – أكبر تأثير”، التي باتت اليوم كلمة السر في الصراعات الحديثة.
سباق مسيّرات عالمي.. وواشنطن ليست المتصدّرة
لا تقف التحولات عند حدود واشنطن. فالصين بدورها بدأت اختبار مسيرتها الهجومية والاستطلاعية “لونغ إم9”، التي تُعد نظيرة أخرى لطراز “شاهد”. ومع دخول لاعبين جدد إلى سوق المسيّرات منخفضة التكلفة، يبدو واضحًا أن ساحة التنافس خرجت من أيدي القوى التقليدية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
هذا الواقع الجديد يزيد الضغط على واشنطن، التي اعتادت منذ عقود الاحتكار العسكري والهيمنة التقنية. لكنها تجد نفسها اليوم في وضع دفاعي، تحاول من خلاله “اللحاق” بدل “الابتكار”، وهو ما لا يتّسق مع صورتها التقليدية كقوة عظمى تمتلك أعلى مستوى من التكنولوجيا العسكرية.
الشرق الأوسط.. الساحة المثالية للتجريب الأمريكي
بحسب موقع “وار زون”، نشرت الولايات المتحدة أول سرب من طائرات "لوكاس" الانتحارية في الشرق الأوسط “كإشارة تحذير لطهران”.
وصرّح قائد الفيلق الخامس، الجنرال تشارلز كونستانزا، بأن الجيش الأمريكي “بحاجة إلى قدرات تضاهي شاهد-136”.
اللافت في كلامه ليس الإقرار بالضعف الاستراتيجي فحسب، بل الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي “يتخلف عن الاتجاهات العالمية” في مجال الطائرات المسيرة. هذه الجملة وحدها تكفي لفهم حجم التحول الذي يفرض نفسه على مراكز القرار في واشنطن.
واستغلال الولايات المتحدة للشرق الأوسط كساحة اختبار لطائراتها الجديدة ليس جديدًا؛ فالمنطقة ظلت لعقود مختبرًا مفتوحًا لتجارب البنتاغون. إلا أن السياق الحالي مختلف، إذ تتحرك واشنطن بدافع الخوف من فقدان قدرة الردع، لا بدافع تعزيز الهيمنة.
بين “هندسة عكسية” وواقع ميداني مُعقّد
في تصريحات أخرى، أكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، تيم هوكينز، أن واشنطن قامت بـ“هندسة عكسية دقيقة” لنسخ من طائرات شاهد. لكن هذا التصريح أثار عاصفة من التساؤلات:
هل تكفي الهندسة العكسية لنسخ قدرات طائرة أثبتت فعاليتها في ساحات الحرب الحقيقية؟
الخبراء يشيرون إلى أن المسألة ليست مجرد تقليد الشكل الخارجي للمسيرة، بل القدرة على محاكاة خصائصها في التحليق لمسافات طويلة، وتجاوز أنظمة الدفاع الجوي، وتنفيذ ضربات دقيقة بتكلفة منخفضة. هذه ميزات يصعب تكرارها دون بيئة صناعية متكاملة وخبرة ميدانية طويلة، وهي عناصر تمتلكها إيران أكثر مما تمتلكه واشنطن في هذا المجال.
مرحلة جديدة أم محاولة لتضخيم القوة؟
المحصلة إن إنشاء فرقة العمل “ضربة العقرب” يمثل انتقالًا أمريكيًا واضحًا نحو تكنولوجيا جديدة فرضتها ساحات القتال. لكنه في الوقت نفسه يعكس مأزقًا حقيقيًا:
فالقوة العسكرية التقليدية الأمريكية لم تعد كافية لضمان التفوق.
ومع دخول الشرق الأوسط مرحلة جديدة من سباق التسلح، تبقى الأسئلة مفتوحة:
· هل تستطيع واشنطن تحويل “لوكاس” من نسخة مستنسخة إلى قوة ردع حقيقية؟
· وهل ستحقق هذه المسيّرات ما عجزت عنه أسلحة أمريكا المتقدمة؟
· وكيف ستتفاعل القوى الإقليمية مع هذا التحول الأمريكي المتأخر؟
حتى اللحظة، تبدو الإجابات غامضة. المؤكد فقط أن الولايات المتحدة تخوض سباقًا لم تكن تتوقع يومًا أن تُضطر لخوضه.
حديد-110 تعيد المعادلات
وتُعدّ المسيّرات الانتحارية اليوم أحد أكثر أسلحة الحروب الحديثة تأثيراً، بعدما أثبتت دول مثل إيران تفوقاً ملحوظاً في تطويرها واستخدامها، خصوصاً خلال حرب الـ12 يوماً. فإيران استطاعت إعادة بناء قوتها العسكرية سريعاً عبر تعاونها مع روسيا والصين، لكن التطور الأبرز كان في مجال المسيّرات الانقضاضية منخفضة التكلفة، التي أعادت تشكيل فلسفة استخدام الدرون بعد أن كانت ترتكز على طائرات استراتيجية عالية الكلفة.
تكمن قوة هذه المسيّرات في قدرتها على تنفيذ رشقات جوية كثيفة تُرهق الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية، وتوفر سيادة جوية تكتيكية في ساحات القتال. كما تعتمد على دوريات بطيئة ومنخفضة الارتفاع لرصد منصات الصواريخ قبل انطلاقها وتدميرها فوراً، ما يجعلها عنصراً مركزياً في الهجمات المركبة التي تحدّ من فعالية منظومات الردع التقليدية.
وفي هذا الإطار، برزت المسيّرة «حديد-110» الإيرانية، ذات الإطلاق الصاروخي والمحرك النفاث والهيكل منخفض البصمة، والمصممة لاختراق الدفاعات الجوية الحديثة بسرعة ومرونة عالية.

