مطلوب دوليا بـ 121 تهمة ومختبئ في كردستان.. ما قصة "العقرب العراقي" المطلوب الأول في أوروبا؟
انفوبلس/ تقرير
في الوقت الذي تتحرك فيه العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا من أجل الحد من تدفق المهاجرين، تكشفت معلومات "مثيرة" عن "العقرب العراقي" المطلوب الأول في أوروبا والمتهم بتهريب عشرات الآلاف من الأشخاص من الشرق إلى الغرب ووفاة الآلاف منهم غرقاً، فمَن هو الكردي "برزان كمال مجيد"؟ وماذا قالت عنه الصحافة البريطانية؟
ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على قصة العراقي الكردي "برزان كمال مجيد"، أكبر مهربي البشر في القارة الأوروبية
*قصة أكبر مهربي البشر في أوروبا
أحد "أباطرة" تهريب البشر والجريمة، مطلوب لعدة دول أوروبية وغيرها، مسؤول عن تهريب الآلاف بطرق غير شرعية من الشرق إلى الغرب، إنه "العقرب العراقي" الذي تطارده الشرطة الدولية "الإنتربول" منذ العام 2016 ولغاية ولم يتم إلقاء القبض عليه، إلا أن شبكة "BBC" البريطانية تمكنت من الوصول إليه وإجراء لقاء معه، بل وحتى تصويره والدخول إلى مكتبه الذي يجري فيه عملياته.
مَن هو "العقرب"؟
شاب عراقي كردي اسمه "برزان كمال مجيد" تم تهريبه إلى إنجلترا عندما كان يبلغ من العمر 20 عامًا في عام 2006، وعلى الرغم من رفض البلاد منحه الإذن بالبقاء بعد مرور عام، لكنه مكث عدة سنوات داخل المملكة المتحدة، قضى بعض تلك السنوات داخل السجن بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأسلحة والمخدرات، ليتم ترحيله بعام 2015 ويقيم حتى يومنا هذا في السليمانية بكردستان العراق.
يُعتقد أن مجيد "ورث" أعمال تهريب الأشخاص من شقيقه الأكبر، الذي كان يقضي عقوبة السجن في بلجيكا، إذ سيطرت عصابته بين عامي 2016 و2021 على الكثير من تجارة تهريب البشر بين أوروبا والمملكة المتحدة.
الاتهام بـ121 تهمة
حوكِم أمام محكمة بلجيكية وأُدين بـ121 تهمة تتعلق بتهريب البشر، وفي أكتوبر 2022، حُكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات وغرامة قدرها 968 ألف يورو (834 ألف جنيه استرليني)، ومنذ ذلك الحين، توارى "العقرب" عن أنظار الجميع وظل مكان وجوده غير معروف.
وتهريب البشر عبر الهجرة غير الشرعية يُعد رحلة خطيرة، لكنها يمكن أن تكون مربحة للغاية بالنسبة للمهربين، إذ يمكنهم تحصيل 6000 جنيه استرليني للشخص الواحد مقابل عبور القارب، ومع محاولة ما يقرب من 30000 شخص للقيام بذلك في عام 2023، فإن إمكانية تحقيق الربح كبيرة للغاية.
*تحقيق الصحافة البريطانية
وتقول صحفيّة بي بي سي "سو ميتشل"، في تحقيقها عن "العقرب العراقي"، الذي التقت به في العراق، "أجلس الآن وجهاً لوجه في مركز للتسوق في العراق مع أحد أخطر مهربي البشر ذائعي الصيت المطلوبين من قبل السلطات في أوروبا".
وتضيف، "اسمه بارزان مجيد، وهو مطلوب من قبل الشرطة في عدة دول، من بينها المملكة المتحدة. وأثناء محادثتنا - هنا وفي اليوم التالي في مكتبه - زعم أنه لا يعرف عدد المهاجرين الذين نقلهم عبر القناة الإنكليزية، حيث قال، "ربما 1000، وربما 10 آلاف شخص. لا أعرف، فلم أحصِهم".
وتصف كاتبة التحقيق، هذا الاجتماع بأنه "تتويجاً لما بدا وكأنه مهمة مستحيلة قبل بضعة أشهر، بالتعاون مع روب لوري، وهو جندي سابق يعمل مع اللاجئين، شرعت في العثور على الرجل المعروف باسم العقرب واستجوابه، ولعدة سنوات، سيطر هو وعصابته على جزء كبير من تجارة تهريب البشر - بالقوارب والشاحنات - عبر القناة الإنجليزية".
ولقي أكثر من 70 مهاجراً حتفهم أثناء العبور بالقوارب منذ العام 2018. وفي الشهر الماضي، قُتل خمسة أشخاص قبالة الساحل الفرنسي، من بينهم فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات.
وتضيف: "بدأ اهتمامنا بالعقرب مع فتاة صغيرة التقينا بها في أحد مخيمات المهاجرين بالقرب من كاليه، في شمال فرنسا، لقد كادت أن تموت أثناء محاولتها عبور القناة الإنجليزية في زورق مطاطي، لم يكن القارب صالحًا للإبحار، إذ كان رخيصًا وتم شراؤه مستعملًا في بلجيكا، ولم يكن الأشخاص التسعة عشر الذين كانوا على متنه يرتدون سترات نجاة".
وانطلاقا من سؤال: "مَن يدفع الناس إلى البحر بهذه الطريقة؟"، تشير الإجابة الى أنه عندما تعتقل الشرطة في المملكة المتحدة المهاجرين غير الشرعيين، فإنها تأخذ هواتفهم المحمولة وتفحصها، ومنذ عام 2016 فصاعدًا، استمر رقم الهاتف نفسه في الظهور.
وخرجت صحفيّة "BBC" سو ميتشل وعامل الإغاثة المتطوع روب لوري في مطاردة مثيرة لأحد أباطرة الجريمة المطلوبين في أوروبا الذي يحمل اسماً حركياً هو "العقرب"، والذي هرَّب آلاف الأشخاص إلى المملكة المتحدة بينما ما يزال فاراً من العدالة، وفق التحقيق.
كما يُحفظ رقمه على الهواتف في كثير من الأحيان باسم "العقرب"، وقد يحفظ أيضاً مرفق به صورة عقرب.
وبحسب التحقيق، قال مارتن كلارك، ضابط تحقيق كبير في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة (NCA)، أن الضباط بدأوا يدركون أن كلمة "العقرب" تشير إلى رجل عراقي كردي يُدعى برزان مجيد.
عندما كان في العشرين من عمره سنة 2006، هُرّب مجيد نفسه إلى إنكلترا في الصندوق الخلفي لشاحنة. ورغم عدم حصوله على الإذن بالبقاء في البلاد بعد سنة من تهريبه، ظل لعدة سنوات في المملكة المتحدة، بعضها في السجن بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأسلحة والمخدرات، بحسب التحقيق الذي أكد أنه رُحل إلى العراق في العام 2015، ويُرجح أنه "ورث" أعمال تهريب البشر من شقيقه الأكبر الذي كان يقضي عقوبة السجن في بلجيكا.
*ما يزال هارباً
في الفترة من 2016 إلى 2021، سيطرت عصابة "العقرب" على أغلب أنشطة تهريب البشر بين دول أوروبا والمملكة المتحدة. ورغم عملية للشرطة الدولية التي استمرت لعامين وأسفرت عن إدانة 26 عضواً في هذه العصابة في محاكم في المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا، إلا أن العقرب نفسه لم يُقبض عليه ولا يزال هارباً من العدالة حتى الآن، وفقاً للتحقيق.
وتتابع، إنه منذ الحكم عليه غيابياً في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بالسجن لعشر سنوات وغرامة قدرها 968 ألف يورو من قبل محكمة بلجيكية بعد إدانته بـ121 تهمة تتعلق بتهريب البشر، ما يزال مكان "العقرب" غير معروف. وكان هذا هو اللغز الذي سعينا لحله من خلال هذا التحقيق.
وتقول، عن طريق أحد معارف روب، وصلنا إلى رجل إيراني قال إنه تعامل مع "العقرب" عندما كان يحاول عبور القناة الإنكليزية. وكان مجيد قد أخبر ذلك الإيراني أنه يقيم في تركيا، حيث ينسق أعماله عن بُعد.
"في بلجيكا، تعقبنا شقيق مجيد الأكبر، وهو الآن خارج السجن، والذي رجح هو أيضاً أن يكون مجيد في تركيا"، تقول ميتشل.
وتُعد تركيا نقطة انطلاق مهمة بالنسبة لمعظم المهاجرين المتجهين إلى المملكة المتحدة. ونظراً لقوانين الهجرة الخاصة بها، فمن السهل نسبياً الحصول على تأشيرة لدخول البلاد من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
وتقول ميتشل، "قادتنا معلومة إلى مقهى في إسطنبول يرتاده مهربو البشر، قيل إن بارزان مجيد شوهد هناك في الفترة الأخيرة. لكن التحقق الأولي من تلك المعلومة لم يسِر على ما يرام".
وتوضح ميتشل، "رغم ذلك، أسفرت محطتنا التالية عن نتائج واعدة أكثر. فقد وصلتنا معلومة تفيد أن مجيد قد أودع في الفترة الأخيرة مبلغ 200 ألف يورو لدى إحدى شركات الصرافة على بعد بضعة شوارع. فذهبنا إلى هناك وتركنا رقم هاتف، وتلقى روب مكالمة على هاتفه في منتصف الليلة التالية".
وأشار معرف الاتصال أثناء المكالمة إلى أن "الرقم محجوب"، وكان هناك شخص على الجانب الآخر يزعم أنه مجيد.
قد كان الوقت متأخرًا جدًا، وغير متوقع جدًا، ولم يكن هناك وقت لتسجيل بداية المكالمة، يتذكر روب الصوت الذي كان على الهاتف: قال: "سمعت أنك تبحث عني".
لم تكن هناك طريقة لمعرفة ما إذا كان هذا هو برزان مجيد الحقيقي، لكن التفاصيل التي قدمها تتفق مع ما نعرفه، وقال إنه كان يعيش في نوتنغهام حتى عام 2015 عندما تم ترحيله. لكنه نفى تورطه في تجارة التهريب: "هذا ليس صحيحا! إنها مجرد وسائل الإعلام".
وتقول ميتشل "استمر الخط في الانقطاع. وعلى الرغم من الطريقة المهذبة التي طرحنا بها الأسئلة، لم يقل أي شيء يمكن أن نستدل منه على مكانه"، مضيفة "كان ما سمعناه عنه مزعجا. فقد كان ما يصل إلى 100 رجل وامرأة وطفل يُكدسون متن يخت مرخص له بحمل حوالي 12 شخصاً".
وغالباً ما يقود تلك اليخوت مهربون ليس لديهم خبرة في الإبحار، كما يسلكون طريقاً خطيراً بين مجموعات من الجزر الصغيرة لتجنب دوريات خفر السواحل.
وبحسب ميتشل "كانت هناك أموالاً طائلة ينبغي الحصول عليها. وأفادت معلومات أن كل راكب كان يدفع نحو 10 آلاف يورو ليحصل على مكان على متن أحد هذه اليخوت على مدار السنوات العشر الماضية، ويُرجح أن أكثر من 720 ألف شخص حاولوا عبور شرق المتوسط إلى أوروبا، من بينهم 2500 شخصاً لقوا حتفهم – غرقاً في أغلب الأحيان – أثناء تلك الرحلات.
وأكدت جوليا شافيرماير، من مؤسسة "SOS Mediterranean" الخيرية، أن المتاجرين يعرضون حياة الناس لخطر كبير، قائلة: "لا أعتقد أن هناك أي فرق بالنسبة لهم سواء عاش هؤلاء الناس أو ماتوا".
وتقول ميتشل "كنا على وشك أن نطرح هذا السؤال على العقرب مباشرة هذه المرة. وقد فاجئنا باتصاله مرة أخرى. ونفى مرة أخرى كونه مهربا. ومع ذلك، بدا لنا أنه يقصد بالإنكار تعريفه للمهرب بأنه هو من ينفذ عملية التهريب بنفسه، وليس شخصًا يحرك الخيوط التي تؤدي إلى إتمام المهمة".
وقال لنا: "يجب أن تكون هناك (حتى تكون مهرباً)، وحتى الآن لم أكن هناك من قبل"، مضيفاً أنه "مسؤول المال فحسب".
كما أظهر تعاطفاً واضحاً مع من غرق من المهاجرين أثناء رحلات تهريب البشر. وقال: "تموت عندما يكتب الله لك ذلك، لكن في بعض الأحيان يكون ذلك بسبب أخطائك. فالله لا يقول أبدًا: اصعد إلى القارب".
ونقل التحقيق عن امرأة، أنها لم ترَ العقرب في فيلته في مرمريس مؤخرًا، على الرغم من أن أحدهم أخبرها أنه قد يكون في العراق، وقد أكد ذلك شخص آخر قال إنهم رأوا بالفعل العقرب في محل صرافة في السليمانية، وهي مدينة في إقليم كردستان العراق.
وتؤكد ميتشل "وبالفعل انطلقنا إلى حيث قالوا. ولو لم نتمكن العثور على العقرب هناك، وقررنا الاستسلام. لكن أحد معارف روب تمكن من الاتصال به. في البداية، كان الشك يملأه، وكان قلقاً لظنه أننا كنا نخطط لاختطافه بطريقة ما وإعادته إلى أوروبا".
وتواصل، "بدأ مسلسل من الرسائل النصية بعد ذلك. في البداية، كنا نتبادل تلك الرسائل عبر الشخص الذي يعرفه روب ثم عبر روب نفسه. وقال العقرب إنه قد يقابلنا، لكن في حالة واحدة فقط؛ هي أن يختار المكان. لكننا استبعدنا ذلك خشية أن يكون مخططا للإيقاع بنا. ثم وصلتنا رسالة نصية بها سؤال بسيط: أين أنتم؟
وتوضح "قلنا له أننا في طريقنا إلى مركز تجاري قريب. فطلب منا العقرب أن نلتقي به هناك في مقهى بالطابق الأرضي. وأخيراً رأيناه".
وتبين كتابة التحقيق، بدأ برزان مجيد وكأنه لاعب غولف ثري، كان يرتدي ملابس أنيقة؛ سروال جينز جديد وقميص أزرق فاتح وسترة سوداء، وعندما وضع يديه على الطاولة، رأيت أظافره مقلمة أيضاً، في هذه الأثناء، جلس ثلاثة رجال على طاولة قريبة نرجح أنهم فريقه الأمني.
ونفى مرة أخرى أنه العقل المدبر الذي يدير منظمة إجرامية. وقال إن أعضاء العصابة الآخرين حاولوا توريطه.
كما بدا عليه الشعور بالمرارة عندما قال لنا أن مهربين آخرين حصلوا على جوازات سفر بريطانية وواصلوا تجارتهم.
وأضاف "العقرب"، "في ثلاثة أيام فقط، هرّب شخص واحد ما بين 170 و180 شخصاً من تركيا إلى إيطاليا، ولا يزال يحمل جواز سفر بريطاني!". وأضاف: "أريد أن أذهب إلى بلد آخر حتى أعمل، لكني لا أستطيع".
وتكشف كتابة التحقيق، عندما ضغطنا عليه بشأن مسؤوليته عن وفيات المهاجرين، كرر ما قاله عبر الهاتف؛ وهو أنه أخذ المال وحجز الأماكن فحسب. فبالنسبة له، المهرب هو الشخص الذي يحمل الأشخاص على القوارب والشاحنات وينقلهم بنفسه: "لم أضع أحداً في قارب ولم أقتل أحداً أبداً".
وانتهت المحادثة، لكن "العقرب" دعا روب لرؤية شركة الصرافة الذي كان يعمل فيها في السليمانية. كان مكتباً صغيراً، وكانت هناك بعض الكتابة باللغة العربية على النافذة وعدد من أرقام الهواتف المحمولة. وقدم إلى الشركة بعض الأشخاص الذين سددوا رسوم المرور. وقال روب إنه أثناء وجوده هناك رأى رجلاً يحمل صندوقًا مليئًا بالنقود.
وتحدث إلينا أيضاً عن كيفية دخوله هذا المجال في 2016 عندما كان عدة آلاف من الأشخاص يستعدون للتوجه إلى أوروبا. وقال "العقرب": "لم يجبرهم أحد. لقد كانت إرادتهم. كانوا يتوسلون إلى المهربين قائلين: نرجوكم، من فضلكم افعلوا هذا من أجلنا. وفي بعض الأحيان يقول المهربون: سوف نساعدهم لوجه الله". ومن ثم يشتكون ويقولون: "يا هذا، يا ذاك. لا، هذا غير صحيح".