مع تصاعد الفوضى السورية.. العراق يواجه خطر التسلل ويشدد دفاعاته عبر الحدود

انفوبلس.. 

في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوترات شمال شرقي سوريا، يتنامى القلق من سيناريو كارثي يتمثل في فقدان السيطرة على سجون تنظيم "داعش"، التي تحتجز آلاف العناصر المتطرفة.

هذا الاحتمال لا يهدد فقط الداخل السوري، بل يمتد ليشكل خطرًا مباشرًا على أمن العراق والمنطقة بأسرها، خصوصًا في ظل تجارب سابقة استغل فيها التنظيم حالات الانفلات الأمني ليُعيد تنظيم صفوفه وتوسيع رقعة نفوذه.

العراق، الذي ذاق مرارة الاجتياح الداعشي عام 2014، بات ينظر إلى هذا التهديد بعين الجدية، ويضع حدوده الغربية مع سوريا تحت رقابة أمنية وعسكرية مشددة، بمشاركة القوات العراقية بضمنها الحشد الشعبي، لمواجهة أي تحرك مشبوه أو اختراق محتمل.

ومع تعدد الجهات المسلحة الفاعلة في سوريا، وتراجع السيطرة المركزية، يتفاقم المشهد، وتتعاظم التحديات الأمنية في المنطقة، وسط صمت دولي يُثير الريبة وتساؤلات بشأن الأدوار غير المعلنة لبعض القوى الأجنبية.

قلق أمني عراقي

تُشير تقارير ميدانية إلى تصدّع التفاهمات الأمنية والإدارية بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة المؤقتة التابعة لأبو محمد الجولاني، بشأن إدارة السجون التي تضم أكثر من عشرة آلاف مقاتل من عناصر "داعش".

هشاشة هذه التفاهمات تُنذر بانفجار أمني مرتقب، في ظل ضعف التنسيق، وتنامي الهجمات التي ينفذها التنظيم الإرهابي في مناطق شرق الفرات.

الخبير العسكري العراقي اللواء المتقاعد صفاء الأعسم، أكّد أن بغداد "تأخذ هذا التهديد على محمل الجد"، مضيفًا أن القوات العراقية "تفرض سيطرة تامة على الحدود مع سوريا، مع رقابة صارمة باستخدام طائرات مسيرة ومنظومات مراقبة حديثة"، مشيرًا إلى أن هناك "تنسيقاً ميدانياً واستخبارياً عالي المستوى بين مختلف تشكيلات الأمن والجيش، للتعامل مع أي محاولة تسلل أو تهريب".

ويؤكد مراقبون أن العراق، الذي خبر مرارة اجتياح "داعش" في السنوات الماضية، بات يتعامل مع ملف الحدود كـ أولوية استراتيجية، ويستثمر في تعزيز بنيته الدفاعية لمنع تكرار الكارثة.

وفيما يظل مصير تلك السجون رهنًا بالتطورات السياسية والعسكرية في سوريا، فإن الاستعدادات العراقية تشير إلى إدراك عميق لحجم التهديد، واستعداد فعلي لمواجهته قبل أن يتحول إلى أزمة إقليمية جديدة.

تصعيد عمليات داعش ضد قسد

في واحدة من أعنف الهجمات خلال العام الجاري، أعلنت قوات "قسد" مقتل خمسة من مقاتليها في هجوم شنه عناصر من "داعش" على نقطة تفتيش بريف دير الزور الشرقي. يأتي هذا الهجوم ضمن سلسلة متصاعدة من العمليات التي ينفذها التنظيم، مستفيدًا من وعورة تضاريس البادية السورية، والانقسامات السياسية والأمنية داخل سوريا.

وتشير إحصاءات ميدانية إلى أن دير الزور وحدها شهدت 114 هجومًا لداعش منذ بداية عام 2025، في مقابل 60 عملية استباقية نفذتها "قسد". هذه الأرقام تعكس قدرة التنظيم على التغلغل والعودة بأسلوب الخلايا النائمة، كما تُعيد إلى الأذهان مشاهد المواجهة الأولى بين "قسد" و"داعش" خلال حصار كوباني بين عامي 2014 و2015، والذي كان بداية صعود "قسد" كقوة رئيسية في المعادلة السورية.

تهديد استراتيجي وتحذيرات أممية

الأمم المتحدة دخلت على خط التحذير، من خلال تقرير لفريق الدعم التحليلي ورصد تنفيذ الجزاءات التابع لمجلس الأمن، أكد أن سوريا باتت تشكل قاعدة استراتيجية محتملة لانطلاق عمليات إرهابية خارج حدودها.

وذكر التقرير أن تنظيم "داعش" أعاد تمركزه في البادية السورية، وكثف عملياته في دير الزور والرقة، حيث تحتجز "قسد" ما لا يقل عن 9000 من عناصره في سجون شمال شرقي البلاد.

التقرير كشف أيضًا عن استغلال التنظيمَين "داعش" و"القاعدة" لحالة الفوضى الأمنية من أجل تجنيد الأطفال، لا سيما في مخيم "الهول"، الذي يُوصف بأنه "قنبلة موقوتة"، ويضم عشرات آلاف الأشخاص من عائلات مقاتلي التنظيم، بينهم عدد كبير من القاصرين الذين يُعرضون لغسيل دماغ متواصل.

الأكثر إثارة للقلق في التقرير الأممي كان توثيق محاولات لنقل مقاتلين أجانب من سوريا إلى أفغانستان، ما يُنذر بتوسيع رقعة الخطر إلى خارج حدود الشرق الأوسط.

تسرب السلاح وفرار المعتقلين

في سياق متصل، كشف التقرير عن استيلاء "داعش" و"القاعدة" على مخازن أسلحة ثقيلة تعود لجيش النظام السوري، إلى جانب فرار أكثر من 500 عنصر مرتبطين بالتنظيمين من السجون، لا سيما خلال حادثة في مدينة حلب في مارس/آذار الماضي. وتُقدّر دول أعضاء في مجلس الأمن أن أكثر من 5 آلاف مقاتل أجنبي شاركوا في العمليات التي أسقطت نظام الأسد مؤخرًا.

كما أشار التقرير إلى أن العديد من القادة العسكريين الجدد في الجيش السوري هم من فصائل المعارضة المسلحة، وبينهم ستة أجانب يشغلون مناصب رفيعة. وعبّر الخبراء عن قلقهم من وجود فصائل مثل "كتائب الغرباء" و"أنصار التوحيد" و"الحزب الإسلامي التركستاني"، التي لا تزال تُدين بالولاء لتنظيم القاعدة.

الحشد الشعبي: تحصين الحدود وإحباط التسلل

على الجانب العراقي من الحدود، كثّف الحشد الشعبي إجراءاته الأمنية، خاصة في مناطق غرب الأنبار المحاذية لدير الزور والبوكمال.

مصدر أمني أوضح أن "قوات الحشد اتخذت تدابير غير مسبوقة بعد رصد تحركات مشبوهة لعناصر إرهابية"، مؤكدًا أن الخطوة تهدف لمنع أي محاولة اختراق أو تسلل.

وأضاف، أن "الحدود العراقية السورية مؤمنة بشكل كامل، لكن طبيعتها الجغرافية المعقدة تتطلب يقظة دائمة وإجراءات احترازية متواصلة"، محذرًا من مخطط إرهابي واسع تقوده أطراف خارجية، وعلى رأسها التحالف الدولي، باستخدام "ورقة داعش" كأداة لتنفيذ أجندات سياسية وعسكرية غير معلنة.

يد خفية تُدير المشهد

تزايد الحديث في الأوساط الأمنية والإعلامية عن احتمال وجود تدخلات دولية في إعادة تنشيط تنظيم "داعش" ضمن سياقات الضغط الإقليمي أو إعادة تشكيل النفوذ في سوريا والعراق.

ويعتقد بعض المراقبين أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي لا يزالان يحتفظان بقدرة التأثير على موازين القوى عبر إطلاق اليد لعناصر متشددة في لحظات حرجة، أو التساهل في ضبط السجون والمعتقلات.

في هذا السياق، يُنقل عن مسؤولين أمنيين قولهم إن استمرار الفوضى في شمال سوريا لا يمكن تفسيره بمعزل عن تقاطع المصالح الإقليمية والدولية، خاصة مع غياب إرادة واضحة لإنهاء ملف السجون والتعامل مع إرث التنظيم الإرهابي بشكل جذري.