مع تغيّر أوضاع سوريا.. أصوات نشاز وآراء لا يُعتد بها تنفي دفن السيدة في دمشق.. تعرف على تاريخ المرقد الشريف
انفوبلس..
بالتزامن مع سقوط النظام السوري جرى الحديث بكثافة حول مرقد السيدة زينب عليها السلام في دمشق ومصيره، وإمكانية تعرضه للخطر في ظل الوضع الجديد، كما ظهرت بعض أصوات النشاز التكفيرية التي تحاول اعتبار المرقد الزينبي في دمشق مزيّف وأن السيدة زينب مدفونة في مكان آخر، وفي هذا التقرير تطرح "انفوبلس" تاريخ المرقد الشريف بالتفصيل.
حرم السيدة زينب عليها السلام الواقع جنوب مدينة دمشق في سوريا، هو أشهر مكان ذُكر كمرقد للسيدة زينب بنت الإمام علي عليه السلام. وحرم السيدة زينب في مصر ومقبرة البقيع في المدينة المنورة هما مكانان آخران اعتبرهما البعض مكاناً لدفن السيدة زينب عليها السلام.
يُعد هذا المكان من مزارات الشيعة، والمنطقة التي يقع فيها حرم السيدة زينب تسمى حي السيدة زينب، وتُعرف بـ"حي الزينبي"، أُعيد بناء حرم السيدة زينب وتوسعته عدة مرات عبر التاريخ. ومنذ عام 2012م، ومع تصاعد الأزمة في سوريا والوجود الواسع للإرهابيين التكفيريين في البلاد، تعرض الحرم للهجوم عدة مرات بقذائف الهاون والهجمات الانتحارية، مما أدى لتضرر أجزاء من الحرم. وفي أعقاب هذه الأعمال، ذهبت مجموعات مختلفة إلى سوريا للدفاع عن مزارات أهل البيت (ع) عُرفت باسم مدافعي الحرم، ومنعت الجماعات الإرهابية من دخول منطقة السيدة زينب.
وحسب الأبحاث التي أُجريت فإنه وحتى القرن الخامس الهجري لا يوجد مصدر يشير إلى وجود قبر وقبة في مكان حرم السيدة زينب في دمشق. وهناك مصدر وحيد ذكر وجود مزار فقط في الموقع الحالي في القرن الثاني الهجري. وبناءً على هذا المصدر، فإن إحدى النساء المنسوبة إلى الأسرة العلوية، وهي السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور من نسل الإمام علي بن أبي طالب ذهبت إلى ضريح السيدة زينب في عام 193هـ في منطقة راوية بدمشق. وبعد هذا النقل هناك نقل آخر يتعلق بتاريخ 500هـ ومضمونه أن رجلاً من مدينة حلب قام ببناء مسجد في مكان حرم السيدة زينب في سنة 500 هـ.
وفي القرن السابع، تم بناء حرم وقبة في ذاك المكان؛ ولهذا السبب، فإن ابن الجبير (توفي 614هـ)، وهو رحّالة معروف في العالم الإسلامي عندما سافر إلى دمشق، مرّ أيضاً عبر منطقة راوية في الموقع الحالي للحرم. وذكر بأن اسم صاحبة المزار المتعارف بين الناس هو أم كلثوم بنت الإمام علي.
أشار ابن الجبير في نقله إلى وجود مقام للسيدة زينب في قرية راوية التي تبعد فرسخاً عن مدينة دمشق، وقال إن مسجداً كبيراً مبنياً في المقام تحيطه المنازل وله أوقاف، والناس في هذه المناطق يسمونه قبر أم كلثوم، وذكر في النهاية أنه أقام هناك وزار حرم السيدة زينب، ولكن لا يبعد أن يكون قصد ابن الجبير من زينب هي زينب الصغرى البنت الثانية للإمام علي لا السيدة زينب المعروفة بزينب الكبرى. كما أن أبو بكر الهروي (المتوفى 611هـ) زار حرم السيدة زينب أيضاً في تلك المنطقة وكتب أخباراً عن هذا الأمر.
يقع حرم السيدة زينب في جنوب مدينة دمشق في منطقة تسمى حي السيدة زينب، وهذه المنطقة هي جزء من محافظة ريف دمشق. يتكون بناء الحرم من فناء كبير ذي مخطط مربع، وتقع وسطه قبة وفي أطرافه مئذنتان عاليتان. مآذن وجدران الفناء وشرفاته مبلّطة من قبل فنانين إيرانيين، كما أن سقف وجدران الضريح من الداخل مزينة بالمرايا، والقبة مذهّبة من الخارج.
على الجانب الشرقي من الصحن، تم بناء مصلى الزينبية مع فناء صغير، حيث تقام صلاة الجماعة اليومية وصلاة الجمعة والمناسبات الدينية الخاصة. وتم مؤخراً بناء ساحة جديدة على الجانب الشمالي من الحرم.
يضم الحرم والمقابر المحيطة به قبور العديد من علماء ومشاهير الشيعة، على سبيل المثال، في ممر المدخل الغربي لصحن الحرم يقع قبر السيد محسن الأمين العاملي وقبر السيد حسين يوسف المكي العاملي، من علماء الشيعة في الشام. وفي المقبرة الواقعة شمال الحرم، يقع قبر علي شريعتي وفي مقبرة أخرى جنوب الضريح قبر السيد مصطفى جمال الدين وهو شاعر عراقي من الشعراء المعاصرين.
ومع بداية الأزمة في سوريا وصعود الجماعات الإرهابية في هذا البلد بعد عام2011م، تعرض حرم السيدة زينب لهجمات متكررة من قبل هذه الجماعات بالانتحاريين وقذائف الهاون. وألحقت الهجمات الإرهابية في الفترة من 2012م إلى 2015م أضراراً بأجزاء من الحرم، بما في ذلك القبة والصحن والأبواب الرئيسية للحرم، وقد وقع جزء من الهجمات في المناطق المحيطة بالحرم، مما أدى إلى استشهاد بعض الزوار والسكان حول الحرم.
بعد الانتشار الواسع للإرهابيين التكفيريين في سوريا واستيلائهم على مناطق مختلفة من البلاد، تم هدم العديد من المزارات في المناطق التي سيطرت عليها الجماعات التكفيرية من قبل أفرادها. وفي غضون ذلك، تعرض حرم السيدة زينب للهجوم بقذائف الهاون والعمليات الانتحارية التي نفذها الإرهابيين التكفيريين. وكانوا قد تقدموا لمرات عديدة بالقرب من حرم السيدة زينب، لكنهم واجهوا مقاومة من الشيعة وسكان المنطقة.
بعد تهديد الإرهابيين التكفيريين بتدمير أضرحة أهل البيت وخاصة مقام زينب، توجهت مجموعات كبيرة من الشيعة من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان، إلى سوريا للدفاع عن أضرحة أهل البيت والمزارات إلى جانب الشيعة في سوريا وواجهوا الجماعات التكفيرية. فقد ضمت كتيبة أبو الفضل العباس، التي تمت ترقيتها لاحقاً إلى لواء، مقاتلين عراقيين ولبنانيين. ويتألف لواء الفاطميين، الذي تمت ترقيته لاحقاً إلى فرقة، من الشيعة الأفغان الذين تم نشرهم في سوريا للدفاع عن الأماكن المقدسة. تم إرسال مجموعات مختلفة من إيران إلى سوريا للدفاع عن الحرم، من بينهم قادة عسكريون.
بناءً على الأخبار أنّه تمت إعادة بناء وتوسعة حرم السيدة زينب لأول مرة في عام 768هـ. قام بهذا العمل السيد حسين بن موسى الموسوي الحسيني، وهو أحد سادة وأشراف دمشق، وجد السادة آل مرتضى في الشام.
وفي رسالة الوقف لنفس العام، جاء في ذكر صاحبة القبر، زينب الكبرى بنت الإمام علي. ووفقاً لرسالة الوقف هذه، أعاد جد السادة آل مرتضى في الشام بناء الحرم ووقف له الكثير من بساتينه وممتلكاته الشخصية، وقد وقّع على رسالة الوقف سبعة من قضاة دمشق.
في القرن الرابع عشر للهجرة أُعيد بناء حرم السيدة زينب وتوسعته ثلاث مرات. فأُعيد بناء الحرم وتطويره في عام 1302هـ من قبل السلطان عبد العزيز خان العثماني بمساعدة التجار. وأيضا في عام 1354هـ أعاد السادة آل نظام بناء حرم السيدة زينب وتطويره لراحة الزوار. وتمت آخر توسعة وإعادة بناء للحرم في القرن 14 من قبل السيد محسن الأمين بمساعدة من التجار، حيث هدّم في هذه المرحلة المبنى القديم وتم بناء الضريح الجديد بهدف توسعة الصحن والأروقة.
استمرت توسعة حرم السيدة زينب في القرن الخامس عشر للهجرة مع بناء مصلى الزينبية. وقد قام بذلك السيد أحمد فهري الزنجاني، ممثل الولي الفقيه في سوريا، وبعد بناء المصلى في الحرم أصبح مكاناً لإقامة صلاة الجماعة ودعاء كميل وصلاة الجمعة. وقد تم مؤخراً بناء ساحة جديدة على الجانب الشمالي من ضريح السيدة زينب.
في أعقاب زيادة الهجمات التي شنتها الجماعات التكفيرية بقذائف الهاون والانتحاريين، تضررت أجزاء من القبة والساحات وأبواب الحرم، وأدى ذلك إلى وضع خطة من قبل منصة إعادة بناء العتبات المقدسة لإصلاح وإعادة بناء القبة والأبواب للحرم. وبناء عليه، تم طلاء البقع المتضررة من القبة بالذهب الذي تبرع به أهالي محافظة خوزستان جنوبي إيران.
صُنع شباك ضريح السيدة زينب الجديد في ورشة مرقد أبي الفضل العباس في كربلاء، حيث تم نقل 14 قطعة زينة تزن كل منها 2 كيلوغرام وبطول 128 سم وعرض 32 سم ، من كربلاء إلى دمشق من قبل خدام مرقد أبي الفضل العباس، وتم تركيبه وأُزيح الستار عنها بحضور الزائرين في 17 ربيع الأول 1444هـ تزامناً مع مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله.