منذ هدمها وحتى اليوم.. مبادرات متكررة لإعمارها تواجه رفضا سعوديا غير معلن.. هل تعود قبور أئمة البقيع؟

انفوبلس/..
تعتبر مقبرة البقيع في المدينة المنورة، من أهم المعالم التاريخية والدينية للمسلمين، إذ تضم رفات آلاف الصحابة والتابعين، ومن بينهم مراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام، إلا أن عملية هدم القباب والأضرحة التي نفذتها السلطات السعودية – بناءً على فتاوى الوهابية – تركت أثرًا عميقًا في ذاكرة ملايين المسلمين، خاصةً لدى أتباع مدرسة أهل البيت "ع" في المذهب الشيعي.
وكانت القبور الشريفة مهوى أفئدة المسلمين من كل بقاع الأرض، حتى وقعت جريمة الهدم عام 1925م، حين أقدمت السلطات السعودية تحت راية الفكر الوهابي المتطرف على تدمير القباب والقبور، في اعتداء صارخ على التراث الإسلامي والمقدسات الإسلامية.
ولا تُعد قبور أئمة البقيع مجرد معالم تاريخية، بل هي مقدسات دينية وروحية لها مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، وخاصة أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فهناك يرقد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) والإمام محمد الباقر (عليه السلام) والإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ويُحتمل أيضاً أن تكون السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مدفونة في هذا المكان الطاهر، ما يضيف إليه قدسية خاصة.
بدأت حادثة الهدم في فترة مبكرة من تاريخ الدولة السعودية، إذ قام أتباع آل سعود – بدعمٍ من الفكر الوهابي – بهدم القباب التي شُيدت على قبور أئمة أهل البيت، وهو ما وصفته العديد من المصادر بأنه جريمة دينية وسياسية.
وهُدمت القباب في مقبرة البقيع في مناسبتين رئيسيتين؛ الأولى في مطلع القرن التاسع الهجري (1805 م) والثانية في عام 1925، ما أسفر عن تسوية المقبرة وتركها عبارة عن أرض مسطحة لا يُذكر فيها أثر المعالم المقدسة التي كانت تزينها.
ومنذ ذلك الحين، انطلقت عدة مبادرات ومطالبات لإعادة بناء هذه القبور وإحياء روح التعايش الديني والاحتفاء بالتراث الإسلامي.
المبادرات والمطالبات بإعادة البناء
أطلقت مبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات إلكترونية مثل Change.org "منصة تغيير" وغيرها، حملات شعبية للمطالبة بإعادة بناء هذه القبور، وذلك احترامًا لمشاعر مئات الملايين من المسلمين
على مَر السنوات، برزت عدة مبادرات شعبية ودعوات من قبل زعماء دينيين ونشطاء حقوقيين للمطالبة بإعادة بناء قبور أئمة البقيع، من بينها دعوات قيادية دينية، وحملات إعلامية وشعبية.
ودعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، مرارًا إلى إعادة بناء قبور أئمة البقيع، معتبرًا أن هدمها كان تجاوزًا للعقائد والمبادئ الدينية والاجتماعية، وأن ذلك يمثل إساءة لكافة الانتماءات الإسلامية والإنسانية.
وأشار في تغريداته إلى ضرورة استغلال التغيير السياسي والانفتاح في سياسات المملكة كأساس لإحياء هذا التراث المقدس.
وأطلقت مبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات إلكترونية مثل Change.org "منصة تغيير" وغيرها، حملات شعبية للمطالبة بإعادة بناء هذه القبور، وذلك احترامًا لمشاعر مئات الملايين من المسلمين.
وقد دعا ناشطون ومدونون في مختلف البلدان إلى تنظيم فعاليات وندوات دولية تؤكد على أهمية الحفاظ على التراث الإسلامي، ومن ضمنه قبور أهل البيت.
الى جانب ذلك، تصاعدت الجهود الحقوقية والقانونية، بمطلب إعادة بناء قبول أئمة البقيع، حيث طالب بعض المراكز الحقوقية، مثل مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، السلطات السعودية بالسماح بإعادة بناء قبور البقيع، معتبرين أن تلك الأماكن تشكل إرثًا حضاريًا وإنسانيًا يجب الحفاظ عليه وفقًا للقوانين الدولية والوطنية التي تحمي المعالم التاريخية.
التحديات التي واجهت المبادرات
رغم تزايد الأصوات الداعية لإعادة بناء قبور البقيع، لا تزال هناك معوقات سياسية ودينية، منها، إفتاء الجهات الوهابية بأن وجود علامات تُبجل القبور يُعد بدعةً وعبادة للأضرحة، ما يعوق التصدي لمطالب إعادة البناء\
تأتي إعادة بناء قبور البقيع، في إطار دعوة لتجاوز الخلافات الطائفية وإشاعة روح التعايش بين جميع المذاهب الإسلامية، إذ يُنظر إلى المشروع على أنه خطوة نحو إنهاء الصراعات الدينية والسياسية التي أدت إلى هدم هذه المعالم وتفكيك الهوية الإسلامية المشتركة.
ورغم تزايد الأصوات الداعية لإعادة بناء قبور البقيع، لا تزال هناك معوقات سياسية ودينية، منها، إفتاء الجهات الوهابية بأن وجود علامات تُبجل القبور يُعد بدعةً وعبادة للأضرحة، ما يعوق التصدي لمطالب إعادة البناء.
وتتداخل العوامل السياسية الإقليمية والدولية في هذا الملف، حيث تواجه محاولات إعادة بناء قبور أئمة أهل البيت عليهم السلام في البقيع عديدًا من العوائق السياسية، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، ففي السياق الإقليمي، تلعب الدوافع الطائفية والمصالح السياسية المتعارضة بين الدول العربية والإسلامية دورًا رئيسيًا في تأخير أي خطوات عملية في هذا الشأن، إذ يُنظر إلى إعادة بناء القبور في كثير من الأحيان كرمز لتغيير الخطاب الديني والسياسي، يتعارض مع السياسات التي تتبناها المملكة السعودية.
كما أن المنافسة الإقليمية، خاصة بين القوى الفاعلة في الشرق الأوسط، جعلت المملكة السعودية تخشى أن يكون هذا الملف، عامل مساعد في إعادة رسم ملامح النفوذ السياسي وتأييد أطراف معينة على حساب أخرى.
طيّ الصفحة المظلمة
واجهت مبادرات إعادة بناء قبول أئمة البقيع، مواقف رافضة من داخل المملكة، فمنذ سنوات طويلة تتبنى الهيئات الدينية السعودية – التي تتبع الفكر السلفي الوهابي – موقفًا صارمًا ضد بناء الأضرحة والقبور، معتبرةً ذلك "بدعة تؤدي إلى إشاعة العبادة للأضرحة".
ويُستدل على هذا الرفض، من خلال التصريحات الدينية والتوجهات العمرانية التي تنتهجها السلطات السعودية، حيث يتم التأكيد على ضرورة الحفاظ على نهج الحركة الوهابية التي تقوم على عدم التبجيل للمعالم الدينية.
مع ذلك، تبقى المبادرات الشعبية والدعوات الدينية والقانونية بمثابة بادرة فكرية تسعى إلى إعادة الاعتبار لهذه المعالم التاريخية والدينية، وتأكيد ضرورة الاعتراف بحقوق جميع فئات المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية.
ويمثل ملف إعادة بناء قبور أئمة أهل البيت في البقيع رمزًا لتراث إسلامي عريق، وتحديًا حقيقيًا أمام السياسات الدينية والسياسية المعاصرة، فالمبادرات التي أطلقتها الأصوات الدينية والحقوقية تدعو إلى إعادة النظر في السياسات القائمة وإحياء روح التعايش والحوار بين مختلف الطوائف، مما قد يسهم في طيّ صفحة مظلمة من تاريخ هدم هذه المعالم المقدسة، وبداية عهد جديد يُحترم فيه الإرث الحضاري والديني للمسلمين جميعًا.