نقص حاد في أعداد الجنود الإسرائيليين.. أزمة تجنيد الحريديم قد تُطيح بنتنياهو وكابوس الطوفان يمنع التحاق الاحتياط

انفوبلس/ تقارير
يواجه نتنياهو أزمة حقيقية جرّاء نقص أعداد الجنود ورفض الاحتياط الالتحاق، وسط إصرار الحريديم على عدم قبول تجنيدهم، ما جعل الكثير يرجحون قرب نهايته مع ائتلافه اليميني، بفعل عجزه عن سد النقص الحاصل في الجيش والذي قُدّر بـ12 ألف جندي، فهل يُرغمه ذلك على وقف الحرب؟
استنزاف الجيش الصهيوني بسبب حرب غزة
بعد عام وسبعة أشهر من الحرب، تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تمرير قانون التجنيد، وقال الأحد الماضي: "سنعمل على تعبئة 10500 من الحريديم خلال عامين".
وكان الرقم قبل الحرب يصل إلى 1800 مجند من الحريديم في كل عام، وكان هدف الجيش الإسرائيلي للعام الحالي للتجنيد، الذي ينتهي في يوليو/تموز، هو تجنيد 4800 مجند منهم، ولكن في الواقع، انضم حتى الآن ما يزيد قليلاً على 2000 مجند فقط.
وبسبب الاحتياجات العملياتية للجيش الإسرائيلي، أصدر رئيس الأركان إيال زامير تعليمات جديدة لتوسيع إصدار أوامر التجنيد لليهود المتدينين، وذلك بعد أوامر سابقة بشأن تجنيدهم، في ظل نقص مستمر في القوى العاملة وحرب غزة المطولة.
وبالتوازي مع استعدادات الجيش الإسرائيلي لتوسيع نطاق إرسال أوامر تجنيد الحريديم، بدأت القوات بعملية إنفاذ ضد الهاربين الذين تلقوا أوامر التجنيد.
وقال الجيش الإسرائيلي إن "الشرطة العسكرية بدأت باتخاذ إجراءات ضد الأفراد المؤهلين للتجنيد الذين لم يُقدموا للخدمة بعد استلامهم أوامر التجنيد"، قائلاً إن تطبيق القانون يأتي بعد "استنفاد جميع الإجراءات اللازمة".
وذكر الجيش الإسرائيلي أن ضابط الخدمة العسكرية الذي تلقى أمراً ولم يستجب للتجنيد يعتبر مرتكباً جريمة التغيب غير المصرح به عن الخدمة.
وأضاف الجيش: "سنواصل تطبيق القانون واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتهربين من واجبهم".
وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن عملية التنفيذ تأتي بسبب نقص القوى البشرية واستمرار القتال، حيث يعتزم الجيش تطبيق الأوامر والعقوبات بشكل صارم ضد أولئك الذين لا يمتثلون لها، سواء في المجتمع الحريدي أو القطاع العام (في إشارة إلى جنود الاحتياط).
كم يحتاج الجيش لتعويض نقص القوى البشرية؟
وعن عدد الذين يحتاجهم الجيش لتعويض استنزافه في غزة، قال رئيس قسم تخطيط القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي، العميد شاي طيب، إن الجيش يحتاج إلى 12 ألف جندي في التشكيل النظامي وحده، منهم 7 آلاف مقاتل، والبقية أفراد دعم قتالي.
وبحسب قوله، فإن توسيع نطاق التجنيد من القطاع الحريدي ضروري، نظراً للاستنزاف الكبير لمقاتلي الاحتياط، الذين تم استدعاء العديد منهم منذ فترة طويلة للجولة السادسة وحتى السابعة منذ بداية الحرب.
بحسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فقد تم حتى الأسبوع الماضي إرسال 18900 أمر إلى الشبان الحريديم، 8900 منها خلال الربع الثالث.
ومن بين المدعوين للحضور إلى مكاتب التجنيد، صدر حتى الآن أكثر من 2500 "أمر 12" يقيّد مغادرتهم البلاد بسبب رفضهم الحضور، كما تم إعلان 960 آخرين متهربين من الخدمة العسكرية، وهو ما يعني أن أي اتصال لهم بالشرطة قد يؤدي إلى اعتقالهم.
وإلى جانب تهرب الحريديم من الخدمة، يعاني الجيش الإسرائيلي أيضاً من عدم رغبة الآلاف من جنود الاحتياط في العودة إلى الخدمة والقتال في قطاع غزة.
موقف المعارضة من التجنيد
ولقي قرار رئيس الأركان بتوسيع نطاق إصدار أوامر التجنيد للحريديم ردود فعل مرحبة من المعارضة.
رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، أكد أنها خطوة طال انتظارها، مشدداً على المساواة بين الجميع بشأن التجنيد.
رئيس حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس، شدد على أن أزمة الائتلاف الجديدة مقلقة، لأنها تأتي جزءاً من مفاوضات لمواصلة إعفاء الحريديم من التجنيد الإجباري في أوقات الحرب.
أما رئيس حزب "الديمقراطيين"، يائير جولان، كتب على شبكة إكس: "القانون هو القانون. التجنيد هو التجنيد، والمساواة هي المساواة، لا تتوقفوا، جنّدوا الجميع".
كما طالبت ما تسمى حركة "جود الحكم" بالخطوة، وطالبت بتطبيق عقوبات على من يتخلف عن التجنيد.
غضب في أوساط الحريديم
وشنت الأحزاب الحريدية هجوماً شرساً على الجيش الإسرائيلي، وقال مسؤول حريدي كبير لصحيفة "يديعوت أحرونوت": "إذا تم بالفعل اعتقال طلاب المدارس الدينية، فهذه الأيام ستكون الأخيرة للحكومة".
كما قال مسؤولون في حزب "يهدوت هتوراه": "قرر رئيس الأركان الإطاحة بالحكومة".
ويتحالف حزب "ديغل هتوراه" (راية التوراة) الذي يمثل اليهود الليتوانيين مع حزب "أغودات يسرائيل" (رابطة إسرائيل) الذي يمثل اليهود الغربيين (الأشكيناز) لتشكيل كتلة برلمانية واحدة في الكنيست الحالي هي "يهدوت هتوراه" (التوراة اليهودية الموحدة). ويتمتع هذا التيار الحريدي بـ7 مقاعد في الكنيست، ويدعو لإقامة دولة يهودية تقودها القوانين الدينية، ويرفض المفاوضات مع الفلسطينيين.
ويتمتع هذا التحالف بتأثير كبير في استقرار حكومة نتنياهو التي تتمتع بأغلبية 68 صوتاً من أصل 120 في الكنيست.
ولمقاومة أوامر التجنيد، قام "فصيل القدس" التابع للحاخام تسفي فريدمان، بتفعيل خط ساخن يهدف إلى مساعدة الشباب الحريديم الذين تلقوا أوامر الإبلاغ على التهرب منها دون المخاطرة بالاعتقال.
حيث يتواصل الخط الساخن بشكل استباقي مع أولئك الذين تلقوا أوامر، ويقنعهم بعدم القيام بذلك، ومؤخراً قام نشطاء من منظمات مناهضة لتجنيد الحريديم بتوزيع منشورات وإعلانات ضد الخدمة في الجيش الإسرائيلي.
وقال الحاخام الأكبر لطائفة اليهود الشرقيين، يتسحاق يوسف: "إذا فُرض اعتقال طلاب المعاهد الدينية الحريديم لرفضهم التجنيد، فلن نبقى هنا، لا توجد أي شرعية للبقاء هنا من دون دراسة التوراة".
مخاطر نقص الجنود
وتتزامن التصريحات مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات وتوالي العرائض والرسائل التي يوقعها جنود وضباط في الخدمة والاحتياط، الرافضة للاستمرار في الحرب، مما يعزز الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو ويدفعها، وفق تقديرات، لإعادة النظر في خياراتها، بما في ذلك إمكانية القبول بصفقة تبادل توقف القتال.
وحذَّر رئيس هيئة الأركان، إيال زامير، من تفاقم أزمة النقص الحاد في القوى البشرية داخل صفوف الجيش، مؤكدا أن هذا العجز يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق أهداف الحرب في غزة.
وفي مناقشاته الأخيرة مع المستوى السياسي، التي نقلت تفاصيلها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أوضح زامير أن النقص في أعداد الجنود، لا سيما ضمن الوحدات القتالية، يحد من قدرة الجيش على تنفيذ الطموحات العسكرية التي يضعها صناع القرار في الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو.
صدمة وصفقة
في قراءة تحليلية للكاتب الإسرائيلي المختص بالشؤون الفلسطينية، يوآف شطيرن، يسلط الضوء على الواقع الصعب الذي يعيشه الجيش الإسرائيلي، الذي يجد نفسه مستنزَفا جراء الحرب المستمرة على غزة، إلى جانب العمليات العسكرية المتواصلة في الضفة الغربية.
ويصف شطيرن ما تواجهه إسرائيل اليوم بأنه أشبه بـ"حرب عصابات" في غزة، تترافق مع تدمير واسع وممنهج، دون أن يتمكن الجيش من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب.
ويشير شطيرن، إلى أن المجتمع الإسرائيلي بدأ يخرج تدريجيا من صدمة الهجوم المفاجئ الذي نفذته حركة حماس على مستوطنات "غلاف غزة"، ومع هذا الخروج بدأت تتصاعد الأصوات المطالبة بإتمام صفقة تبادل الأسرى.
رفض وانقسام
وترافق ذلك مع رسائل وعرائض من جنود وضباط في الخدمة والاحتياط، إضافة إلى قادة سابقين في الأجهزة الأمنية، أعلنوا رفضهم للاستمرار في الخدمة العسكرية، في محاولة واضحة للضغط على حكومة نتنياهو من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق يعيد المحتجزين الإسرائيليين.
ويرى الكاتب أن اتساع رقعة هذه الاحتجاجات ستكون له تداعيات سلبية كبيرة على الجيش الإسرائيلي، وعلى وحدة وتماسك ما يعرف بـ"جيش الشعب". ويؤكد أن هذا الحراك يعكس الانقسام المتنامي داخل المجتمع الإسرائيلي، والذي يزداد عمقا مع استمرار الحرب دون إحراز تقدم في قضية إعادة الأسرى.
ويعزز ذلك -يقول شطيرن-، "القناعة لدى قطاعات واسعة من الإسرائيليين بأن استمرار القتال لم يعد مبرَّرا بأهداف أمنية حقيقية، بل بات مدفوعا بأجندات سياسية وشخصية".
أزمة وتذمر
تعكس موجة الاحتجاجات المتصاعدة وتوالي العرائض الرافضة للخدمة العسكرية، وفق قراءة تحليلية للباحث المختص بالشأن الإسرائيلي في مركز "التقدم العربي للسياسات"، أمير مخول، عمق الأزمة المتفاقمة داخل الجيش الإسرائيلي.
ويشير مخول إلى أن هذه الظاهرة تعبِّر عن حالة تذمر واسعة النطاق، لا تقتصر فقط على جنود الاحتياط، بل تمتد أيضًا إلى عائلات الجنود النظاميين، الذين يُمنع عليهم التعبير عن آرائهم داخل المؤسسة العسكرية.
وفي تحليله لتداعيات هذا التصاعد على تماسك الجيش والحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالحرب على غزة، أوضح مخول في حديث له تابعته شبكة انفوبلس، أن هذه الحالة مرشحة لأن تخلق موجة من الإحباط داخل المؤسسة العسكرية والسياسية على حد سواء.
وقدّر أن هذا الإحباط قد يؤدي إلى تآكل الدعم الداخلي لاستمرار العمليات العسكرية، مقابل تعاظم دور حركة الاحتجاج، وعلى وجه الخصوص الحراك الذي تقوده عائلات الأسرى والمحتجزين لدى حماس.