هل تُفتح الجبهة الأردنية بعد 50 عاماً من الغياب؟ مقاومة العراق تعلن جاهزيتها لدعم المقاومين في الأردن بالسلاح والعتاد لقطع الطريق البري على الكيان.. تعرف على التفاصيل
انفوبلس..
لحظة مصيرية تصل إليها المقاومة الإسلامية في الشرق الأوسط بعد ظهور احتمال فتح جبهة الأردن أمام المقاومين وقطع الطريق البري على الكيان الإسرائيلي وتصعيد مستوى المواجهة إلى مراحل غير مسبوقة، خصوصاً بعد الاستهتار الصهيوني واستمرار عدوانه في غزة وعلى لبنان وسوريا والذي كان آخر مظاهره استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
المسؤول الأمني للمقاومة الإسلامية كتائب حزب الله أبو علي العسكري، قال في بيان: نعزي السيد القائد الخامنئي (دام ظله) والمراجع العظام والإخوة في الحرس الثوري، باستشهاد الأخ القائد الكبير محمد رضا زاهدي، إثر الاعتداء الصهيو-أمريكي الإجرامي على قنصلية الجمهورية الإسلامية في دمشق.
وفي مفاجأة مدوية، أضاف العسكري، إن المقاومة الإسلامية في العراق أعدَّت عُدتها لتجهيز الأشقاء من مجاهدي المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12,000 مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان من المتفجرات.
وتابع: جاهزون للشروع في التجهيز ويكفي في ذلك التزكية من مجاهدي حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، لنبدأ أولاً بقطع الطريق البري الذي يصل إلى الكيان الصهيوني.
يأتي هذا البيان في ظل تظاهرات كبيرة شهدتها العاصمة الأردنية عمان وبعض المدن الأردنية على مدار أيام للمطالبة بوقف العمل بـ "اتفاقية وادي عربة" وهي معاهدة التطبيع بين الأردن والكيان الإسرائيلي.
وبعد نحو 5 عقود من الغياب شبه التام للمقاومة الأردنية، بدأت احتماليات عودتها اليوم نصرةً لغزة من جهة، ولتحرير البلاد من حكم الأقلية من جهة أخرى.
وللمقاومة الأردنية تاريخ كبير مهم، لكنه مجهول من قبل مَن لم يعاصره أو يقرأ عنه، تمكن من تلخيصه وتسليط الضوء عليه الصحفي والكاتب الأردني ناهض الحتر، ولعل المفارقة الأولى أن أول مجموعة مقاومة مسلحة ضد البريطانيين والصهاينة في فلسطين كانت أردنية. وهي مجموعة الشيخ كايد المفلح العبيدات. ولعله أول عربي يسقط شهيداً على أرض فلسطين (نيسان 1920). ليس وحده، ولكن الشهداء من الحرّاثين الفقراء لا أسماء لهم في صحف التاريخ.
المفارقة الثانية، أن اللواء في الجيش العثماني الفيصلي، علي خلقي الشرايري، الذي قاد عمليات المقاومة في حوران ضد الفرنسيين، ولعب لاحقاً أدواراً في المقاومة في فلسطين، كان واحداً من أركان مؤتمر أم قيس الذي نادى بقيام الدولة الوطنية الأردنية، وأكد رفض العلاقة مع حكومة فلسطين الانتدابية، ورفض وعد بلفور.
حين نتوقف أمام هذا المشهد التاريخي، سنقبض تواً على ديالكتيك الحركة الوطنية الأردنية: الدولة شرقيّ النهر تتطلب القتال غربي النهر؛ في فلسطين، وفي مواجهة الصهيونية، يتحقق الأردن/ الوطن/ الدولة، كإمكانية تاريخية وكمشروع نهضوي. وليست لدينا وثائق مكتوبة تدلّ على أن العبيدات، الداعي إلى قيام الكيان الأردني، قد استنتج بوضوح نظري أن اكتشاف الذات وتجذيرها ليسا ممكنين من دون مقاومة الصهيونية في فلسطين، لكن التتابع الفعلي لحدثي اكتشاف الوطن واكتشاف المقاومة، له سياق موضوعي. هذا السياق لا يزال موضوعياً وضرورياً مذ ذاك. وإذا كان قد جُمّد أربعين عاماً، بالمناورات السياسية، فإن ساعة الحقيقة قد أَزِفَت، وعاد الأردن إلى خيار العبيدات: لا دولة أردنية من دون مقاومة الصهيونية.
من 1920 حتى 1948، نستطيع أن نخصّص كتاباً ضخماً لتغطية فعاليات المقاومة الأردنية، السياسية والمسلحة، ضد الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي، ولكن خصوصاً ضد الصهيونية. ولسنا هنا بصدد تقديم إيجاز عن التظاهرات والإضرابات والقتال وتهريب السلاح والمقاتلين. ولن نتوقف عند كثافة متطوعي حرب الـ48 من أبناء العشائر وإقدامهم، ولا عند بسالة الجنود الأردنيين في حرب خاضها القادة بحسابات أخرى غير حسابات المقاومة.
ما يهمنا أنه طوال تلك العقود الثلاثة، كانت الحركة الوطنية الأردنية تقرن الكفاح لتجذير الدولة الأردنية ودمقرطتها، بالقتال ضد الصهيونية، وذلك بصورة جدلية. لقد كانت المعادلة واضحة منذ البداية، بل أعلنها أديب الكايد في أول لقاء مع هربرت صموئيل (21 آب 1920): فلسطين لليهود والأردن لضحايا الصهيونية من الفلسطينيين. وكان واضحاً، منذ البداية، أن إفشال هذا المشروع يكون بالاتحاد مع الشقيق الفلسطيني ضد الغازي الصهيوني.
في الخمسينيات أحيا جمال عبد الناصر الأمل في دور الجيوش في التحرير. هنا، ارتدَّت المقاومة إلى الداخل، نحو تعريب الجيش الأردني وتسليحه ودعمه والضغط نحو الاندراج في المشروع العربي القومي الرسمي للتحرير. انضم الشباب الوطني الأردني إلى الجيش، على موعد مع المعركة التي كسبها العدو في 1967. وبذلك عاد الاعتبار، مرة أخرى، للمقاومة الشعبية.
هول صدمة 1967، والظهور الباهر للمنظمات الفلسطينية، حالا دون تكوّن حركة مقاومة أردنية واعية بهويتها الوطنية واستهدافاتها الاستراتيجية. آلاف المقاومين الأردنيين انضموا إلى المنظمات الفلسطينية. ولكن أياً منها، بما فيها اليسارية، لم تفهم ديالكتيك الوطنية الأردنية: يحارب الوطني الأردني إسرائيل بوجدانين متداخلين: عربي عام وأردني خاص، لتحرير فلسطين، ولكن أيضاً، من أجل وطنه بالذات. وفي الهمروجة الفتحاوية التي سادت في الأردن بين 1968 و1970، طُمستْ الهوية الوطنية الأردنية، وحوربت بصورة مقصودة. وبدأ يحصل الانفصال منذ معركة الكرامة في 21 آذار 1968. الضباط والجنود الذين استماتوا في القتال وصدّوا الغزو الإسرائيلي، أصبحوا يتعرضون للإذلال والتحقير والخطف والقتل على أيدي ميليشيات الحارات، المعبّأة بالعداء للأردني باعتباره العدو الرقم واحد. كانت تلك سنوات الانتقام مما قبل 1967، حين كانت الهوية الفلسطينية ملغاة في مملكة الضفتين. ولكن الانتقام كان شاملاً وموجهاً للأسر والعشائر والكادحين والضباط والجنود. وهكذا، نشأت الأجواء الملائمة لصدامات أيلول 1970.
لم تكن تلك حرباً أهلية، بل حرباً بين النظام الأردني و«فتح». وبنتيجتها ربح الفريقان المتقاتلان وخسر الأردنيون والفلسطينيون علاقات الأخوة الفريدة، وخسرت المقاومة.
ربح النظام معركته الداخلية ضد المعارضة الوطنية، واستطاع رص الصفوف وراءه. وبعد اغتيال الشهيد وصفي التل، صُفّي الجناح الوطني داخل النظام نفسه. وعلى المستوى الإقليمي، عُقدت صفقة ميدانية مع إسرائيل لتهدئة الجبهة والتعايش وتنظيم الصراع سياسياً.
وربحت «فتح»، على رغم هزيمتها العسكرية، القدرة على استقطاب فلسطينيي الأردن وراءها، وشق وحدة الضفتين، ووحدة الحركة الوطنية، واستثمرت ذلك عام 1974 في استصدار قرار القمة العربية في الرباط باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية «ممثلاً شرعياً ووحيداً» للشعب الفلسطيني. لم يكن ذاك مشروع مقاومة، بل مشروع انتزاع الكرسي الفلسطيني على مائدة المفاوضات.
في حرب تشرين 1973، كانت جذوة المقاومة الأردنية، رغم التطورات السلبية والتجربة المرّة مع المنظمات، لم تنطفئ. ضغطت الجماهير وضغط ضباط الجيش للمشاركة في الحرب.
كانت تلك آخر الاشتباكات الأردنية الكبرى مع إسرائيل. بعدها حدثت محاولات وعمليات قتالية فردية لم تنقطع حتى التسعينيات. وكان الحزب الشيوعي الأردني قد أرسل مئات المقاتلين إلى لبنان، قبل 1982 وأثناء الاجتياح تلك السنة، انضووا تحت جيش «فتح». لكن حركة المقاومة الأردنية انطفأت. ومع ذلك، فإن روح المقاومة عبّرت عن نفسها في التأييد الشعبي الكاسح للمقاومة العراقية وحزب الله و«حماس». وبينما حظيت المقاومة العراقية، لأسباب شرحناها مراراً، باحترام كبير في صفوف الأردنيين، فإن الشباب الأردني الطامح للقتال ضد الأميركيين لم يجد منفذاً وطنياً للمساهمة في المقاومة العراقية إلا عن طريق «القاعدة» أو منظمات سلفية. بعض المقاومين الأردنيين قاتلوا الاحتلال الأميركي، ولكن بعضهم تورّط في الاقتتال الطائفي، ما جعل تجربة المشاركة الأردنية، وهي كبيرة، في المقاومة العراقية مشوبة بالالتباس. وعلى رغم أن حزب الله فقد جزء من شعبيته في الأردن بعد 2003، فإن انتصار الحزب الباهر في 2006 كان نقطة تحوّل في الوعي الأردني باتجاه إحياء فكرة المقاومة.
إن قدرة المقاومة اللبنانية على هزيمة الإسرائيليين جددت الأمل بنجاعة المقاومة كوسيلة دفاعية. وإثر الحرب، نشرت مجلة «الأقصى» الصادرة عن القوات المسلحة الأردنية، تقييمات إيجابية للغاية عن كفاءة الأساليب القتالية لحزب الله. وهي تقييمات انعكست، على الأغلب، في الاستراتيجية الدفاعية، فبين 2006 و2009، تمكّن الجيش الأردني بالتعاون مع الروس، من إنتاج الصاروخ المضاد للدروع «هاشم»، وهو نسخة مطوّرة من السلاح الذي تمكن مقاتلو حزب الله بواسطته من تدمير القوة المدرعة للعدو وتحييدها. وسيكون من المهم الإشارة هنا إلى أن استراتيجية حزب الله أي القتال في إطار منظمة عسكرية منضبطة ولكن بوسائل قتالية مختلطة، عسكرية وغوارية، كان قد اقترحها وصفي التل أساساً للاستراتيجية الدفاعية الأردنية بعد حرب 1967. وهي لعبت دوراً في نجاعة الدفاع الأردني في حرب الاستنزاف على الجبهة الأردنية 1967 – 1970.
للأردن، دولة حديثة وجيش قوي. ومن الواضح أن المهمة المطروحة على حركة مقاومة أردنية مجدّدة هي الدفع باتجاه تغيير سياسي عميق، يقود إلى إعادة طرح السيادة على الأراضي الأردنية في الباقورة ووادي عربة (المستعادة والمؤجرة للإسرائيليين)، والأراضي غير المستعادة (إيلات)، والحصص السيادية في مياه نهر الأردن، وتنفيذ مشروع قناة البحرين الأحمر ــــ الميت داخل الأراضي الأردنية، وبمعزل عن مشاركة إسرائيل أو موافقتها. ولكن الأهم إعادة طرح حق العودة للاجئين على جدول الأعمال كأولوية وطنية أردنية، وكحركة نضالية لفلسطينيي الأردن.
لا خيار للأردن، من أجل الحفاظ على سيادته ودولته وهويته، سوى التصدي للتوسعية الإسرائيلية. أما تلافي هذا التصدي فسيجلب بعض الأمان المؤقت، لكنه سينتهي بخسارة البلد. الأردن مخيرة لا محالة، بين حرب مع إسرائيل، مهما كانت كلفتها، وحرب أهلية ستكون كارثية إذا ما انتصر الحل الإسرائيلي القائم على كانتونات الضفة والتوطين.