هولندا تدين شركة باعت أسلحة كيميائية لصدام وتعويض 5 إيرانيين.. متى تتحرك بغداد ضد جرائم الغرب؟
انفوبلس/ تقرير
قضت محكمة في هولندا، بأن شركة قامت بتصدير المواد الخام لإنتاج القنابل الكيماوية العراقية يجب أن تدفع تعويضات لخمسة إيرانيين من ضحايا الهجمات الكيماوية العراقية خلال الحرب مع إيران، لكن العنوان الرئيسي الذي لن نراه أبدًا هو أن الولايات المتحدة دفعت تعويضات عن غزوها غير القانوني للعراق في عام 2003.
محكمة هولندا تدين شركة باعت أسلحة كيميائية لصدام وتعويض 5 إيرانيين
وذكرت وكالة أسوشيتد برس، أن خمسة إيرانيين من ضحايا القصف الكيماوي في العراق رفعوا دعوى قضائية ضد شركتين هولنديتين، لكن محكمة هذا البلد حكمت على شركة واحدة فقط رفضت المثول أمام المحكمة لدفع تعويضات.
وليس من الواضح ما إذا كان مبلغ التعويض قد تم تحديده في المحكمة أم لا.
وبحسب التقرير، فقد اشتكى خمسة إيرانيين من ضحايا ثلاث هجمات كيميائية في الأعوام من 1984 إلى 1986 إلى المحكمة الهولندية من أن هذه الشركات قامت بتصدير كلوريد الثيونيل إلى العراق في نفس الوقت، وهي مادة تستخدم أيضاً في صناعة غاز الخردل.
وقال محامو هؤلاء الإيرانيين الخمسة، إن الشركتين المذكورتين إما كانتا على علم بهذه المسألة أو كان عليهما أن تدركا أن هذه المادة تستخدم أيضا في تصنيع الأسلحة الكيميائية، وأن نظام صدام حسين يشن هجمات كيميائية ضد إيران.
وقد حكمت المحكمة الهولندية على شركة Forafina Beleggingen، المعروفة سابقا باسم KBS Holland، بدفع تعويضات بعد عدم حضور ممثل الشركة أمام المحكمة للدفاع عن نفسها.
لكن محاميي شركة "أتجياها بي.في" التي كانت تسمى سابقا "ملكيمي" قالوا أمام المحكمة، إن هذه الشركة ليست لديها معلومات عن استخدام مادة "كلوريد الثيونيل" المصدّرة إلى العراق في صناعة الأسلحة الكيميائية.
وقد اقتنعت المحكمة الهولندية بحُجج محامي الشركة.
وتقول المحكمة الهولندية، إن "كلوريد الثيونيل" يستخدم في صناعة المبيدات الحشرية والمواد البلاستيكية إضافة إلى إنتاج غاز الخردل، وشجعت الحكومة الهولندية زيادة التجارة مع العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية ولم تفرض قيودا بشأن تصدير هذه المادة.
وذكرت وسائل الإعلام الهولندية في يوليو من هذا العام، أن أربعة من الضحايا الإيرانيين للهجوم الكيميائي في العراق سافروا إلى هذا البلد للتعامل مع شكوى ضد شركتين محليتين ومثلوا أمام المحكمة، كما مثل إيراني آخر أمام المحكمة افتراضيًا وعبر الإنترنت.
متى تتحرك بغداد ضد الغرب كما تتحرك الدول الأخرى؟
على الرغم من مرور 20 عاما على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، إلا أن الجرائم التي ارتكبتها وأهوال الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان وما خلفته من خسائر فادحة في صفوف المدنيين، ما تزال حاضرة في ذاكرة العراقيين.
من جهته، قال أمير الساعدي، وهو باحث متخصص في الشؤون السياسية والاستراتيجية، إن الولايات المتحدة أثبتت عبر التاريخ، أنها لا تهتم بحقوق الإنسان كما تدّعي، وقد استخدمت أسلحة اليورانيوم المنضب في 1991 عندما انسحبت القوات العراقية من الكويت، كما استخدمت أسلحة محرمة دوليا عندما احتلت العراق عام 2003.
وأضاف، إن استخدام هذه الأسلحة أدى إلى مقتل العديد من العراقيين وإلحاق أضرار بالنظام الصحي، وتسبب في ظهور العديد من الولادات المشوهة، وارتفاع حالات الإصابة بالسرطان التي لم تكن مألوفة في العراق قبل عام 2003، مشددا على أن "تأثير هذه الأسلحة سيبقى لمئات السنين".
وتابع الساعدي، إن أمريكا انتهكت حقوق الإنسان في العراق وارتكب جنودها العديد من المجازر بحق العراقيين دون عقاب، مثل ما حدث فيما يسمى بمجزرة حديثة، وكذلك قصف مدينة الفلوجة بأسلحة محرمة دوليا.
وقال حمزة الوراق (56 عاما) صاحب مكتبة في شارع المتنبي وسط بغداد، إن القوات الأمريكية ارتكبت الكثير من الجرائم بحق العراقيين بما في ذلك اغتصاب فتاة قبل قتلها هي وأفراد أسرتها في بلدة المحمودية (30 كم) جنوب بغداد، في إشارة الى قيام مجموعة من الجنود الأمريكيين باغتصاب عبير الجنابي (14 عاما) وقتلها وإحراق جثتها لإخفاء الأدلة كما قاموا بقتل شقيقتها (6 سنوات) ووالديها.
وأضاف، إن "أمريكا ليست دولة ديمقراطية وإنما دولة عصابات، والأمريكان استخدموا أسلحة محرمة دوليا لقتل المدنيين العراقيين، ولكنها ترى نفسها القوة الأولى في العالم ولا أحد يستطيع محاسبتها".
ويعتقد الكثير من العراقيين أن تحويل شوارعهم إلى ساحات قتال من قبل الجنود الأمريكيين وقتل الآلاف من الأبرياء يجب ألا يمر دون عقاب ويجب أن تتحمل الإدارة الأمريكية المسؤولية المادية والمعنوية عن تلك الجرائم.
وقال ميسر الشمري (32 عاما) عضو المكتب السياسي لحركة (إبداع)، "يجب أن تكون هناك إرادة حقيقية من جانب الطبقة السياسية الحالية لتجريم التدخل الأمريكي واحتلال العراق، ومطالبة الولايات المتحدة بدفع تعويضات للمدنيين الذين سقطوا ضحايا عملياتها العسكرية".
وأضاف، إن "هناك العديد من الهجمات التي تشنها القوات الأمريكية في مدن عراقية، منها هجوم بطائرة مسيرة أمريكية مطلع عام 2020 قرب مطار بغداد الدولي، استُشهد فيها قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورة الإيراني وأبو مهدي المهندس، وهذه الضربة الجوية التي راح ضحيتها سليماني والمهندس هي انتهاك صريح للسيادة العراقية".
وقالت عائدة عبد الكريم، مهندسة (50 عاما)، إن "أكثر من مليون عراقي ما بين امرأة ورجل وطفل ذهبوا ضحايا بسبب الاحتلال الأمريكي الذي جاء لتدمير العراق، والقصف العشوائي الذي قامت به هذه القوات أدى إلى تدمير الكثير من المنازل ودمار كبير في المعامل وبالبنى التحتية وقد أعاد الاحتلال العراق أكثر من 100 سنة الى الوراء".
وأشارت إلى أن أمريكا استخدمت اليورانيوم المنضب والأسلحة الفتاكة بشكل كثيف وخصوصا في مدن جنوب العراق. وقالت، إن "ابن عمي عمره 18 عاما وهو طالب متفوق وكان يحلم بالذهاب إلى الجامعة، إلا أنه أُصيب بالسرطان ما اضطر الأطباء الى بتر ساقه ومن ثم ساءت حالته ما أدى إلى وفاته، وهناك الكثيرون مثله من الأطفال والشباب أُصيبوا بالسرطان بسبب استخدام أمريكا لليورانيوم، كما ظهر الكثير من الأمراض التي ليس لها علاج".
ووفقا للإحصائيات الرسمية العراقية، قُتل أكثر من 100 ألف مدني في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003، ومع ذلك فإن العدد الفعلي للمدنيين الذين قُتلوا بسبب الأعمال العسكرية غير معروف ولكنه في الغالب أعلى من ذلك بكثير.
كما خلفت الحرب حوالي خمسة ملايين يتيم من الأطفال في العراق أي حوالي 5% من إجمالي الأيتام في العالم، وفقا للمفوضية العراقية العليا لحقوق الإنسان.
كما أكد تقرير لموقع "كومون دريم" الأمريكي، أنه في الوقت الذي دفع فيه العراق مليارات الدولارات كتعويضات لغزو الكويت عام 1990، فإن الولايات المتحدة لم تدفع فلساً واحدا كتعويض عن كل الدمار الذي تسببت به في العراق.
وأضاف، أن "غزو إدارة بوش للعراق عام 2003 قد انتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي مثلما فعل غزو صدام للكويت، فقد كانت حربا عدوانية دون أدنى شرعية في القانون الدولي، وعلى الرغم من رفض مجلس الأمن إعطاء الإذن بالحرب على العراق، ضرب الرئيس الأمريكي جورج بوش كل القوانين الدولية عرض الحائط ودخل الحرب دون أي مبرر قانوني".
وبدأ غزو العراق في مارس 2003 وكانت بريطانيا جزءًا من القوة الغازية بقيادة الولايات المتحدة. ثم وقف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى جانب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، الذي قررت إدارته خوض الحرب معتقدة أن صدام حسين كان بحوزته ما يسمى بأسلحة الدمار الشامل.
وبلغ عدد المدنيين العراقيين الذين قتلوا في السنوات التي شاركت فيها القوات المسلحة البريطانية في النزاع، من 2003 إلى 2009، أكثر من 110 آلاف عراقي، بحسب تقرير للشركة الألمانية "ستاتيستا" المختصة في الاحصائيات الدولية.
وبين التقرير ان "حكومة بريطانيا أنفقت ما يقرب من 249.74 مليار جنيه إسترليني على الجيش خلال العمليات في العراق من عام 2001 حتى عام 2010".
فهل يستطيع العراق مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية عن غزوها إياه؟
عن هذا الموضوع، يقول المختص في القانون الدولي علي التميمي، "الغزو الأمريكي للعراق لم يستند إلى الشرعية الدولية، إذ لم تكن هناك قرارات من مجلس الأمن تسمح بهذا الاحتلال، الذي بُنيَ على أمر باطل تمثل بوجود أسلحة الدمار الشامل، التي لم يتم العثور عليها، وبالتالي فإن ما بُني على باطل فهو باطل، وما يؤكد ذلك تقرير (تشيلكوت) البريطاني الذي أدانَ توني بلير بسبب اتباعه للولايات المتحدة بعملية الغزو، ولذلك يستطيع العراق التحرك دوليا والمطالبة بالتعويضات المادية، كما يمكن للعراق الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية لغرض محاكمة أمثال جورج بوش وتوني بلير كمجرمي حرب".
وأضاف التميمي، "قُدرت الأضرار التي تسبب بها الغزو الأمريكي للعراق بـ 25 تريليون دولار، ويمكن للعراق أن يطالب الأمم المتحدة بتشكيل محكمة خاصة، إذ مع أن الولايات المتحدة تسيطر على الأمم المتحدة، إلا أن إثارة الرأي العام العالمي عبر الدعاوى الدولية والمطالبات بالتعويضات يمكن أن تحقق بعض النتائج، لكن يبدو أن ما يُعيق العراق التحرك نحو مثل هذا الموضوع هو الخلافات السياسية وعدم وحدة القرار فيه، فالعراق يستطيع مقاضاة حتى الدول المتورطة في الإرهاب أو التي ساعدت على دخول الإرهاب اليه، إلا أن الموضوع ما زال يُثار إعلاميا فقط، ونأمل من الحكومة القادمة الانضمام إلى اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية من أجل المطالبة بحقوق العراق".