واشنطن تفشل بالتحشيد ضد أنصار الله.. التحالف البحري الأمريكي لحماية الكيان الإسرائيلي ينهار بعد انسحاب وتقليص مشاركة عدة دول عالمية وإقليمية
انفوبلس..
سجلت الولايات المتحدة الأمريكية فشلاً جديداً في سجلها بعد طوفان الأقصى حيث لم تتمكن من إكمال خطوة روّجت لها بقوة، وهي تشكيل "تحالف بحري" في البحر الأحمر، ظاهره لحماية السفن، وباطنه لحماية الكيان الإسرائيلي من الحصار الاقتصادي المفروض عليه من قبل اليمن بسبب عدوانه على غزة.
وقبل أيام، خرجت الولايات المتحدة لتعلن عن تدشين تحالف بحري لحماية الملاحة والسفن التجارية في البحر الأحمر، فيما انضمت عشر دول في بادئ الأمر إلى التحالف، وسط غياب عربي بارز.
ومنذ منتصف الشهر الماضي، تشن جماعة أنصار الله في اليمن هجمات صاروخية وبمسيّرات في مسعى لاستهداف السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب. وقال المسؤول الحوثي محمد البخيتي على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، إنه "حتى لو نجحت أمريكا في حشد العالم كله فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقف إلا بتوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لسكانها المحاصرين مهما كلفنا ذلك من تضحيات".
وعلى وقع هذه الهجمات، قررت العديد من كبريات الشركات الابتعاد عن المضيق والإبحار صوب "رأس الرجاء الصالح" حول قارة أفريقيا لتفادي المرور عبر البحر الأحمر.
وجرى إطلاق اسم "حارس الازدهار" على التحالف البحري الذي أعلنت الولايات المتحدة تدشينه قبل أيام مع دعوة انخراط الدول الأعضاء كافة الـ 38 في تحالف ما يُعرف بـ "قوة المهام المشتركة " المنوط بها مكافحة أعمال التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وأعلنت تسع دول الانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار" بقيادة الولايات المتحدة هي البحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل والمملكة المتحدة، لكن مدريد أثارت الجدل بعد أن نفت انضمامها إلى التحالف، فيما أعربت فرنسا عن قلقها إزاء تأثير انضمامها على العمليات الأخرى.
وقالت الحكومة الإيطالية، إن السفن التابعة للشركات الإيطالية سوف تظل تحت القيادة الإيطالية، بيد أن النقطة التي أثارت الكثير من الجدل تمثلت في غياب عربي بارز عن الانضمام إلى التحالف، إذ كانت البحرين الدول العربية الوحيدة التي انضمت إليه.
الجدير بالذكر أن البحرين هي مقر الأسطول الأمريكي الخامس الذي يرتكز نشاطه في المنطقة الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، مروراً بالمحيط الهندي وبحر العرب.
وعلى الرغم من كون مصر هي الخاسر الاقتصادي الأكبر من تغيير طريق سير السفن التجارية حيث تمثل قناة السويس مصدر دخل قومي هام لمصر؛ إذ تدرّ إيرادات تبلغ عشرة مليارات دولار في العام، إلا أن القاهرة لم تقرر الانضمام إلى التحالف البحري الجديد، فيما عزا الخبراء ذلك إلى قرب مصر من الصراع وحساسية هذه القضية في العالم العربي بشكل عام.
يُذكر أن القوات البحرية المصرية تولّت قيادة "قوة المهام المشتركة – 153" أواخر العام الماضي حيث أكدت في حينه أن القوة تعد "أحد أهم الآليات المشتركة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي ومجابهة التهديدات بأنماطها كافة"، وسوف تعمل قوات "حارس الازدهار" تحت لواء قيادة "قوة المهام المشتركة – 153".
أما السعودية فقد انضمت إلى تحالف "قوة المهام المشتركة – 153"، لكنها مؤخراً شرعت في محادثات سلام مع الحوثيين وتقارب مع إيران، الداعم الأكبر لجماعة الحوثي.
ويقول خبراء، إن الرياض لم تنضم إلى التحالف البحري الجديد بسبب قلقها أن تلقى الخطوة بظلالها على مستوى التقارب مع الحوثيين والإيرانيين في الوقت الراهن، فضلاً عن مخاوف من أن يقدم الحوثي على استهداف مستودعات النفط السعودية مرة أخرى في تكرار لما حدث عام 2019.
وكان الحوثيون قد هددوا بمهاجمة السفن السعودية والإماراتية في حالة انضمام الرياض وأبو ظبي إلى التحالف البحري الجديد.
وفيما يتعلق بالإمارات، يرى الخبراء أن أبو ظبي تعد العاصمة العربية الراغبة في تبني موقف أكثر تشدداً ضد الحوثيين من كل النواحي رغم عدم انضمامها إلى التحالف البحري بقيادة واشنطن.
وفي مقال نشرته بلومبيرغ، قال الأدميرال المتقاعد بالبحرية الأمريكية، جيمس ستافريديس، إن الإمارات والسعودية "لديهما وجهات نظر مختلفة حول كيفية التعامل مع أزمة الحوثيين، حيث تدعو الإمارات إلى عمل عسكري قوي ضد الحوثيين، في حين تريد الرياض نهجا أكثر اعتدالاً". وأضاف، "يتعين على (الدول الأخرى) إقناع الجانبين السعودي والإماراتي بتنحية خلافاتهما جانباً".
ونقلت صحيفة "لوريان لو جور" عن إليونورا أرديماني، الباحثة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، قولها إن الإمارات أَلمحَت في مايو/ أيار الماضي إلى رغبتها في الانسحاب من القوة العسكرية المشتركة المتعددة الجنسيات، رغم عدم ترجمة ذلك على أرض الواقع.
وأوضح أرديماني، أن الإمارات "غير راضية عن التعاطي الأمني الأمريكي في الشرق الأوسط والذي وصفته بالضعيف في السنوات الأخيرة، ومازالت الإمارات تؤيد الرد الصارم الذي يهدف إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين وتقليل تهديدهم للملاحة لأن أبو ظبي على النقيض من الرياض لم تنخرط في مفاوضات ثنائية (مع الحوثيين)". وأضافت الباحثة، أن الخوف من شن الحوثيين هجمات على حقول النفط الإماراتية قد يكون مبعث قلق آخر.
وقال محللون، إن القاسم المشترك في رفض الدول الثلاث - مصر والسعودية والإمارات - للانضمام إلى التحالف البحري الجديد يكمن في قلقها من أن يُنظر إليها على أنها تدافع ضمنياً عن إسرائيل، خاصة وأن استطلاعات الرأي تظهر أن القضية الفلسطينية مازالت محورية لدى شعوب المنطقة.
وفي تعليقه، قالت كاميل لونز، الباحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الولايات المتحدة "شجّعت في السنوات القليلة الماضية التعاون بين إسرائيل ودول الخليج من أجل مكافحة النفوذ الإيراني، لكن الحرب الدائرة في غزة تعني أن هذا الشكل من التعاون الأمني في البحر الأحمر من غير المرجح حدوثه في أي وقت قريب". وأضافت، "دول الخليج مثل السعودية غير مستعدة الآن للمضي قدماً في التطبيع الإسرائيلي".
واللافت في قضية التحالف البحري الجديد أن هناك تسع دول أخرى أعلنت الانضمام، لكنها لم تكشف ذلك علناً حتى الآن، بحسب مصادر أمريكية.
ورداً على سؤال عن عدم مشاركة السعودية والإمارات في التحالف، قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض "أترك كل دولة عضو، سواء أرادت الإقرار بذلك أم لا، أن تتحدث هي عن نفسها". وقال كيربي لاحقاً، دون إشارة مباشرة إلى أي من البلدين، "هناك بعض الدول وافقت على المشاركة وعلى أن تكون جزءاً من هذا لكن... لها أن تحدد رغبتها في مدى علنية ذلك".
وبحسب المحللين، فإن السعودية لا يمكن أن تنسى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجّهت لها انتقادات لاذعة وللتحالف العربي بشأن حرب اليمن، وأوقفت دعمها لها، وعلّقت بيع أسلحة وذخائر لجيشها، كما رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، لكن اليوم ومن أجل إسرائيل، تطلب منها المشاركة في حرب جديدة في اليمن.
فالأوضاع بين السعودية والحوثيين في حالة تهدئة، خاصة بعد الوساطة الصينية الناجحة بين الرياض وطهران، حليفة الحوثيين.
ولا ترغب السعودية في تصعيد الوضع بالانضمام إلى تحالف عسكري جديد ضد الحوثيين، يعيدها إلى حرب استنزاف جديدة تربك توجهها الجديد.
فالانضمام إلى التحالف البحري بقيادة واشنطن، من شأنه أن يشعل الحرب مجدداً، ويجعل السعودية في وجه العاصفة، وهدفاً لصواريخ ومسيرات الحوثيين، بينما تسعى الرياض للتركيز على بناء اقتصاد لا يعتمد على مداخيل النفط، وفق رؤية 2030، وتوفير أجواء مستقرة في المنطقة، خاصة بعد فوزها بشرف تنظيم “إكسبو 2030″، وتنظيم كأس العالم 2034.
وهو ما أشار إليه محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، في تصريح صحافي، عندما قال: “إذا ما التزمت السعودية والإمارات بعدم المشاركة العلنية وحتى غير العلنية، فإن خفض التصعيد سيستمر فيما بيننا وبينهم، لكن إذا ما قاموا وشاركوا في الحرب على اليمن فإننا سنستهدف كل ناقلات النفط في المنطقة”.
أما الإمارات وفقاً للمحللين، والتي تعتبر ضلعا رئيسياً في التحالف العربي، عانت هي الأخرى من تعليق إدارة بايدن، صفقات سلاح مهمة معها، وعلى رأسها صفقة طائرات “إف 35” الحربية، بسبب حرب اليمن، ما يجعلها تتريث في قبول الانضمام إلى تحالف “حامي الازدهار”.
لكن قناة “كان” الإسرائيلية، زعمت أن الإمارات أكدت أنها تدرس مسألة انضمامها إلى التحالف البحري في البحر الأحمر، “إذا أقرّت واشنطن توجيه ضربة مهمة جدا ضد الحوثيين”، ولم يصدر رد على الفور من أبو ظبي.
إذ سبق وأن أعلنت الإمارات في ربيع 2023 انسحابها من “القوات البحرية المشتركة”، والتي كانت تضم 38 دولة بقيادة الولايات المتحدة، ومهمتها حماية الملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر من القرصنة والإرهاب.
لم توضح الإمارات حينها سبب الانسحاب، لكن صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت في تقرير لها نقلا عن مصادر أمريكية وخليجية، أن الإمارات كانت “محبطة” من عدم رد الولايات المتحدة على احتجاز إيران ناقلتي نفط في خليج عمان.
إلا أن هذا التقرير أثار حفيظة أبوظبي، التي انتقدت ما اعتبرته بـ”توصيفات خاطئة”.
بينما التحالف الجديد، سيلعب دورا دفاعيا، أي إنه سيكتفي بإسقاط مسيرات الحوثي وصواريخه البالستية التي تستهدف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، أو تلك التي تستهدف مدينة إيلات على ساحل البحر الأحمر.
ولن يقوم التحالف بأي عمليات هجومية على العاصمة صنعاء والمدن والموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، على الأقل في المرحلة الأولى، فالولايات المتحدة لا تريد التورط في “حرب فيتنام” جديدة.