واشنطن "مستنفرة" بعد مقتل جنودها بهجوم "البرج 22".. لماذا الرئيس الامريكي بايدن في مأزق من العيار الثقيل؟
انفوبلس/ تقرير
الهجوم الذي أسفر عن مقتل 3 وإصابة أكثر من 30 من قوات الجيش الأمريكي في الأردن بواسطة طيران مسيّر، وضع الرئيس الامريكي جو بايدن في "مأزق" من العيار الثقيل بسبب توقيته الحساس والأضرار الكبيرة التي لحقت بالجنود، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على الخيارات الامريكية المطروحة للرد وطبيعته وتوقيته.
ووضع الهجوم الذي تم بوساطة مسيرة استهدفت قوات أمريكية متمركزة في شمال شرق الأردن قبالة الحدود السورية، الرئيس الأمريكي وإدارته في لحظة فارقة: فهل يرد بعنف ويخاطر باتساع نطاق الحرب الإسرائيلية على غزة؟ وهو السيناريو الكارثي الذي تقول إدارته، منذ البداية، إنها حريصة على تجنبه، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
بمجرد الإعلان عن الهجوم، الأحد 28 يناير/ كانون الثاني، دقَّت طبول الحرب عاليةً في المعسكر الجمهوري الأمريكي، وانهالت الاتهامات على بايدن بالضعف، وطالب المشرّعون الجمهوريون بأن يكون الرد الأمريكي قاسياً ومباشراً، حيث كتب السيناتور ليندسي غراهام على موقع إكس: "اضرب إيران الآن. اضربها بقوة!".
"العالم بأسره يشاهد الآن مترقباً إشارات على أن الرئيس مستعد أخيراً لممارسة القوة وإجبار إيران على تغيير سلوكها"، بحسب ما قاله ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ للصحيفة الأمريكية.
السيناتور تيم كوتون، جمهوري أيضاً، اتهم بايدن بالتسبب في مقتل الجنود الأمريكيين: "لقد ترك قواتنا بمثابة البطة العرجاء، وتسبب هذا في مقتل 3 منهم وإصابة العشرات. للأسف كنت قد توقعت حدوث ذلك منذ أشهر. إن الرد الوحيد على هذه الهجمات لابد أن يكون ضربة مدمرة ضد للجماعات التابعة لإيران، داخل إيران نفسها وفي أنحاء الشرق الأوسط. أي شيء أقل من ذلك سيثبت أن بايدن جبان لا يستحق أن يكون قائداً أعلى للقوات الأمريكية".
لماذا إيران؟ يرى الجمهوريون أن بايدن يُبدي ضعفاً في تعامله مع طهران، مستشهدين بجهوده لإعادة إحياء الاتفاق النووي الذي كان سلفه الجمهوري دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018، وبالصفقة التي عقدتها إدارة بايدن مع النظام الإيراني لتبادل السجناء وحصول إيران على 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة.
وخلال الأشهر الماضية، تعرضت القوات الأمريكية المحتلة في المنطقة إلى أكثر من 150 هجوماً شنتها المقاومة الإسلامية في العراق، لكن هجوم الأردن هو الأول الذي ينتج عنه مقتل قوات أمريكية، وهو ما يعتبره البعض داخل أروقة السياسة الأمريكية تصعيداً يستدعي رداً أكثر عنفاً مما قامت به القوات الأمريكية حتى اليوم.
*خيارات الرد المطروحة
الآن وقد سقط قتلى أمريكيون، يبدو أن قواعد اللعبة قد تتغير. إذ قال مسؤولون أمريكيون لنيويورك تايمز إن مقتل قوات أمريكية سيتطلب مستوى مختلفاً من الرد، مضيفين أن هناك إجماعاً على هذا الأمر بين مستشاري الرئيس، خلال الاتصالات عبر الفيديوكونفرانس يوم الأحد 28 يناير/ كانون الثاني. لكن الأمر الذي يبقى غير محسوم هو ما إذا كان بايدن سيأمر بتوجيه ضربات داخل إيران نفسها، كما يريد الجمهوريون أم لا.
برايان كاتوليس، المسؤول السابق في إدارة بيل كلينتون والمحلل في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، قال لنيويورك تايمز: "السؤال المطروح أمام بايدن الآن هو ما إذا كان يريد مواصلة رد الفعل على الأحداث في المنطقة أم أنه يريد إرسال رسالة أكبر يسعى من خلالها أن يستعيد نوعاً من الردع لم يتمكن من إرسائه في المنطقة خلال الأشهر الماضية؟".
"أنا واثق أنهم الآن يبحثون عن نوع من الرد الذهبي على ما حدث"، بحسب كاتوليس، قاصداً بهذا أن يكون الرد "ليس ساحقاً" لدرجة تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة مع إيران، و"ليس ناعماً" للدرجة التي تطيل أمد الصراع، ولكنه رد "مناسب" تماماً.
لكن تظل طبيعة هذا الرد "المناسب تماماً" الذي يبحث عنه بايدن وكبار مستشاريه مراوغة إلى حد بعيد، في ظل الموقف المعقد لما يجري، وربما يفسر هذا إحجام بايدن نفسه عن إعطاء أية مؤشرات على ما يفكر فيه عندما تعهد بالرد على مقتل الجنود الثلاثة. "لا يكن لديكم شك، سوف نجعل المسؤولين عن هذا الهجوم يدفعون الثمن في الوقت الذي نختاره وبالطريقة التي نختارها"، بحسب برايان كاتوليس.
كما توقعت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن ترد إدارة بايدن على الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية في سوريا بضرب أهداف تابعة لطهران خارج الأراضي الإيرانية. وقالت الخبيرة السياسية سانام فاكيل من مؤسسة "كاثام هاوس" البريطانية للأبحاث لـ"واشنطن بوست": إن "واشنطن سترد على الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية في سوريا، بتوجيه (ضربات جراحية) لأهداف وأصول تابعة لإيران خارج الأراضي الإيرانية".
قال مسؤولون لشبكة CNN إن رد الولايات المتحدة على الهجوم بطائرة بدون طيار في الأردن، والذي أسفر عن مقتل وجرح أفراد من الجيش الأمريكي الأحد، من المرجح أن يكون أقوى من الضربات الانتقامية الأمريكية السابقة في العراق وسوريا.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه إدارة بايدن الآن هو كيفية الرد على غارة الطائرات بدون طيار دون إثارة حرب إقليمية لا تستطيع مجاراتها.
وكشفت وكالة "بلومبرغ"، عن مصادر لها،، أن الولايات المتحدة تدرس خيارات مختلفة للرد على هجوم على قاعدتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك إمكانية تنفيذ عملية سرية ضد إيران.
وذكرت الوكالة، أن "الهجوم الذي أودى بحياة 3 جنود أمريكيين، سيثير ردا أكثر حسما من جانب واشنطن، والذي سيتجاوز في حجمه ما قامت به منذ بداية الصراع في قطاع غزة".
وأشارت إلى، أن "عملية سرية ستضرب فيها الولايات المتحدة مواقع ومنشآت في إيران وفي الوقت نفسه، لن تعلن واشنطن مشاركتها في هذه الضربة"، مبينةً أن "واشنطن قد تهاجم كذلك وتستهدف مسؤولين إيرانيين بشكل مباشر".
وبغض النظر عن ماهية الرد الأمريكي، سيتعين على الرئيس جو بايدن أن يتخذ "أحد أهم القرارات" خلال فترة ولايته، بحسب الوكالة.
ورغم تفاوض واشنطن مع الحكومة العراقية بشأن انسحاب قواتها المحتلة من العراق، قالت الصحيفة، إن "المقاومة" تظهر استعدادها لمواصلة حملتها ضد الأمريكيين بل وحتى تصعيدها.
على مدار الأشهر الماضية، كررت إدارة بايدن أنها لا تعتقد أن إيران تريد حرباً مباشرة مع أمريكا، ولم تغير إدارة بايدن هذا الاعتقاد بصورة علنية بعد الهجوم القاتل، لكن في الوقت نفسه، تقول الإدارة إن إيران توظف الجماعات التي تدعمها من أجل مواصلة الضغط على واشنطن وتل أبيب ما دام "الكيان الصهيوني" تواصل عدوانها على غزة.
الرسالة نفسها أكد عليها مسؤول أمريكي رفيع المستوى، بعد هجوم الأردن، حيث قال لنيويورك تايمز شريطة عدم الإفصاح عن هويته، إن الولايات المتحدة لا تعتقد أن إيران تسعى لحرب أوسع من خلال هذا الهجوم. لكن المسؤول نفسه أضاف أن محللي الاستخبارات العسكرية لا يزالون في طور جمع وتحليل المعلومات المتاحة لتحديد ما إذا كانت إيران قد أصدرت أوامرها بتنفيذ هجمات أكثر عدوانية أم أن هذا القرار اتخذته إحدى المجموعات المسلحة من تلقاء نفسها.
*مأزق بايدن يزداد عمقاً
الرد على هذه النقطة الأخيرة جاء مباشرةً من طهران وعلى لسان المتحدث باسم خارجيتها، ناصر كنعاني، الذي قال، الإثنين 29 يناير/ كانون الثاني، إن بلاده تعتبر الادعاءات بتورطها في هجوم الأردن "لا أساس لها من الصحة".
كما قال كنعاني، إن استمرار الضربات الأمريكية على سوريا والعراق، وكذلك الحرب على غزة، لن يؤديا إلا إلى مفاقمة عدم الاستقرار في المنطقة، مضيفاً أن "جماعات المقاومة" لا تتلقى أوامر من إيران.
وأصدرت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بياناً يؤكد أنه "ليس لإيران أي صلة أو علاقة بالهجوم على القاعدة الأمريكية"، وأضافت: "ثمة صراع بين القوات الأمريكية وفصائل المقاومة في المنطقة والتي ترد بهجمات انتقامية".
وليس ببعيد عن هذه الحسابات كلها، فبايدن في خضم معركة انتخابية حامية للفوز بفترة رئاسية ثانية، على الأرجح سيواجه فيها سلفه وخصمه اللدود دونالد ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فترامب هو المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب.
وانتهز ترامب هجوم الأردن ليشنَّ هجومه الخاص على خصمه بايدن: "لم يكن هذا الهجوم ليقع أبداً لو كنتُ أنا الرئيس، مستحيل!"، هكذا علّق ترامب على منصته تروث سوشيال.
الحرب الإسرائيلية العدوانية على غزة هي واحدة من القضايا المهمة في العام الانتخابي المشتعل في الولايات المتحدة. وقد تم إخبار بايدن بهجوم الأردن بينما كان في إحدى جولاته الانتخابية في ساوث كارولاينا، حيث ستُقام خلال أيام الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار مرشح الحزب، رغم أن بايدن لا يواجه منافسة حقيقية.
في السياق، أعلنت "المقاومة الإسلامية العراقية"، في بيان عبر تليغرام أن مقاتليها "هاجموا بواسطة طائرات مسيّرة، 4 قواعد للأعداء، 3 منها في سوريا، وهي قاعدة الشدادي، وقاعدة الركبان، وقاعدة التنف، والرابعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وهي منشأة زفولون البحرية". وتعلن المقاومة، أنها تهاجم بشكل متكرر القواعد التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، وقوات التحالف "رداً على الهجمات في غزة".
تقع قاعدة "البرج 22" في مكان استراتيجي مهم بالأردن في أقصى الشمال الشرقي، عند التقاء حدود المملكة مع سوريا والعراق وتسهّل القاعدة إمكانية الوصول إلى العراق وسوريا. وكانت مهمة القاعدة الاستراتيجية جمع المعلومات الاستخبارية والتدريب.
وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن طائرة أمريكية دون طيار تسببت بـ"حالة لبس" لدى القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة على الحدود الأردنية السورية، حيث تعرضت لضربة مميتة نفذتها المقاومة الإسلامية في العراق.
وخلص المسؤولون الأمريكيون، بحسب الصحيفة، إلى أن "المسيّرة التي ضربت القاعدة، تزامن هجومها مع مسيّرة أمريكية عائدة أيضًا إلى القاعدة، الأمر أدى إلى بعض الارتباك حول ما إذا كانت الطائرة القادمة صديقة أم معادية".
وكان الكيان الصهيوني قد شنَّ منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية، يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة، تبعه اجتياح برّي، تسبب في ارتقاء أكثر من 26 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من المدنيين، من نساء وأطفال، كما دمرت البنية التحتية للقطاع بشكل كامل.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حماس على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر 7 أكتوبر/ تشرين الأول، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني".