وساطة عمانية لإعادة الاتفاق النووي بين إيران وأمريكا تقلق "إسرائيل".. ما الجديد في ذلك؟
انفوبلس/ تقرير
ينظر صانع القرار في طهران إلى سلطنة عمان بأنها "الوسيط الموثوق والمحايد" لمساعيها في تقريب وجهات النظر وتبادل الرسائل السرّية بين إيران والولايات المتحدة لإحياء المفاوضات النووية التي توقفت منذ أكثر من عام على خلفية تبادل الاتهامات بين طهران وواشنطن حول عملية إحياء الاتفاق المُبرم عام 2015.
وكانت سلطنة عمان قد لعبت دور الوسيط بين طهران وواشنطن في الفترة السابقة للتوقيع على الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني عام 2015.
الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مطلع أيار/ مايو 2018، أصبح بحكم "الميت" رغم محاولات إدارة جو بايدن تفعيله، فيما اتخذت طهران خطوات وصفها الغرب بـ"التصعيدية" في رفع نسبة تخصيب اليورانيوم وإزالة بعض كاميرات المراقبة من بعض المنشآت النووية بالإضافة إلى الحد من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
*تحركات دبلوماسية واسعة
وقامت عمان بتحركات دبلوماسية واسعة النطاق فيما يتعلق بإيران في الأسابيع الأخيرة، وفي يوم الأحد الماضي وصل سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد إلى طهران في زيارة رسمية استمرت يومين التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين بينهم المرشد آية الله السيد علي الخامنئي، فيما كشفت تقارير لوسائل إعلام إيرانية محسوبة على الإصلاحيين وحتى المحافظين عن رسالة أمريكية إلى طهران بشأن استئناف المفاوضات النووية في فيينا.
طهران تريد من المفاوضات رفع العقوبات المفروضة عليها والوصول إلى الأموال المجمّدة بالخارج فضلاً عن رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة، فيما ترفض الأخيرة المطلب الأخيرة وتضع شروطاً على الأموال المحجوبة وهو ما عرقل الاتفاق.
وفي سياق متصل، كشف وزير الخارجية الإيراني، الثلاثاء الماضي، في حديث لصحيفة "فيغارو" الفرنسية، أن "العقوبات ضد إيران ليست دائمة. في إطار القوانين الدولية، لدينا دائمًا إمكانيات ومرافق تحت تصرفنا".
وأضاف، "لقد أجرينا مفاوضات طويلة في فيينا وكنا على وشك التوصل إلى اتفاق، لكن الجانب الآخر كانت لديه مطالب كثيرة أعاقت تقدّم المفاوضات، وطريق الدبلوماسية والمفاوضات مستمرة. وهناك دائماً رسائل شفهية ومحادثات بيننا وبين الأمريكيين عبر وسطاء في المنطقة وحتى أوروبيين".
*رسائل ما قبل زيارة سلطان عمان
وقبل أن تحطّ طائرة سلطان عمان في مطار مهر آباد بطهران، تبادلت إيران مع بلجيكا اثنين من السجناء في خطوة عدّها مراقبون أنها ضمن جهود مسقط لاستئناف المفاوضات النووية بين إيران والقوى الدولية.
فيما كشفت صحيفة "إيكونوميك دايلي" الكوريّة الجنوبية، عن مشاورات بين مسؤولين كوريين وأمريكيين حول الإفراج عن 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمّدة في البنوك الكورية الجنوبية.
فيما قال مصدر إيراني مطلع لوکالة "مهر" الإيرانية، إنه خلال المفاوضات الفنية الأخيرة بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم حل موضوع أحد المواقع المزعومة المعروف باسم موقع آباده.
المصدر الإيراني ذكر أن "هذا ثاني ملف يُغلق عن الأماكن المزعومة من الوكالة الدولية"، منوهاً إنه "تم حل ادعاء الوكالة الدولية الخاص بقضية اكتشاف جزيئات يورانيوم مخصّبة بنسبة 83.7٪ بعد أن قدّمت إيران توضيحات تقنية حول الموضوع".
وما عزّز الخطوة الإيرانية التي تحدثت عنها وكالة مهر المقرّبة من المحافظين، أكد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، عن إحراز تقدُّم مع إيران في بعض القضايا.
وقال غروسي، "سأنشر تقريري الدوري عن وضع البرنامج النووي الإيراني قريباً.. ونحن نعمل على عدة قضايا مع إيران ونحرز تقدُّماً في بعضها وفي البعض الآخر لا".
*زيارة سرّية لمسؤول أمريكي
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام أمريكية عن رحلة وصفتها بـ"الهادئة" لمسؤول أمريكي إلى مسقط أمس الأربعاء للتحقق من إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.
موقع "أكسيوس" يتحدث عن زيارة سرّية لمسؤول أميركي إلى مسقط للعمل على وساطة عمانية جديدة في الملف النووي الإيراني، تقوم على تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية مقابل تجميد طهران برنامجها عند حدود معيّنة.
وقد قام كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن للشرق الأوسط "بريت ماكغورك" برحلة سرّية إلى سلطنة عُمان في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء محادثات مع المسؤولين العمانيين بشأن التواصل الدبلوماسي المحتمل مع إيران فيما يتعلّق ببرنامجها النووي، وفقًا لما ذكره خمسة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وأوروبيين.
بدورها أعلنت إدارة بايدن أنها قلقة للغاية بشأن التقدّم في البرنامج النووي الإيراني، وخطر أن يؤدي ذلك إلى تصعيد عسكري إقليمي.
وكان موقع "أكسيوس" قد أفاد في نيسان/ أبريل بأنً الإدارة الأميركية ناقشت مع شركائها الأوروبيين والإسرائيليين اقتراحاً محتملاً لاتفاق مؤقت مع إيران يتضمّن تخفيف بعض العقوبات مقابل تجميد طهران لأجزاء من برنامجها النووي.
وأكد أربعة مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أنّ ماكغورك سافر إلى مسقط في 8 أيار/ مايو، بعد رحلة إلى السعودية مع مستشار الأمن القومي جايك سوليفان وزيارة لإسرائيل لاطلاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على المحادثات الأميركية في الرياض.
زيارة مسقط لم يتم الإعلان عنها من قبل الولايات المتحدة أو عمان. وقال المسؤولون إنّ القضية الرئيسية التي تمّت مناقشتها كانت دفعة دبلوماسية جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني بوساطة عمانية.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع Axios، مستخدماً المصطلحات الدبلوماسية للمفاوضات التي تتم من خلال طرف ثالث متفق عليه من دون لقاء وجهاً لوجه: "العُمانيون يُجرون محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران".
كما زعم ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار أنّ البيت الأبيض يستكشف من خلال الحكومة العُمانية ما إذا كان الإيرانيون منفتحين على اتخاذ خطوات من شأنها وضع بعض القيود على برنامجهم النووي وتهدئة الوضع الإقليمي، وماذا يريدون في المقابل.
وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين الكبار لموقع أكسيوس: "الأميركيون يريدون استراحة"، وردّ متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض على مزاعم المسؤولين الإسرائيليين بالتالي: "لا توجد مناقشة أميركية لاتفاق مؤقت، ولا مناقشة لتخفيف العقوبات أو إغلاق قضايا الضمانات".
وعلّق دبلوماسي أوروبي رفيع: "الولايات المتحدة تعمل مع العُمانيين في الشأن الإيراني"، بينما رفض المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التعليق على الدبلوماسية الإقليمية "التي تشكّل إيران أحد جوانبها".
*إسرائيل قلقة
وقال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين لموقع أكسيوس، إن الحكومة الإسرائيلية قلقة بشأن دفع إدارة بايدن المحتمل لأجل الوصول إلى خيار "التجميد من أجل التجميد"، أي اتفاق مؤقت مع إيران.
ومن المتوقع أن يناقش وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي هذه المخاوف خلال زيارتهما للبيت الأبيض، كما أفاد موقع أكسيوس سابقًا.
أمريكا: سنواصل السعي إلى الدبلوماسية مع إيران
بدوره، قال المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، نحن نركّز بشكل كبير على منع إيران من اتخاذ قرار تخصيب اليورانيوم على مستوى الأسلحة، مبيناً، "إذا قررت إيران امتلاك سلاح نووي، فستحصل على اليورانيوم المخصّب الذي تحتاجه في فترة قصيرة من الزمن".
وبحسب تقييم المخابرات الأمريكية، فإن إيران ليس لديها قرار بالحصول على قنبلة نووية في هذا الوقت، بحسب روبرت مالي. موضحاً، أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، وسنستمر في اتباع الدبلوماسية لأننا نعتقد أنها الطريقة الأكثر قابلية للتحقق والدائمة لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.
*انفراجة في المفاوضات النووية قريباً
من جانبها، علقت جريدة عُمان في تقرير لها، عن اختتام السلطان هيثم بن طارق زيارته الرسمية لإيران الأحد الماضي، "وكما كان متوقّعاً فإن الزيارة التي وُصِفت على نطاق واسع "بالتاريخية" حققت نجاحاً كبيراً في جميع مساراتها وبشكل خاص المسار السياسي، ومن بين تلك المسارات الناجحة ما أُعلن مباشرة حول موضوع عودة العلاقات بين مصر وإيران، حيث رحّبت الأخيرة بعودة علاقاتها مع مصر بعد عقود من الفتور تخلّلتها فترات قطيعة كاملة، هذا خبر مهم للمنطقة نظرا للمكانة التي تحتلها مصر في قلب العالم العربي".
وأضافت، "أمّا النجاح الآخر المنتظر أن يُكشف عنه خلال المرحلة القادمة فيتعلّق بالملف النووي الإيراني الذي تعثّرت مفاوضاته كثيراً، رغم أن الظروف العالمية تدفع باتجاه إنجازه في أسرع وقت ممكن. وأمام ذلك فإن المرحلة القادمة تتطلب الكثير من المرونة سواء من قبل إيران أو من قبل المجتمع الدولي وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية".
*فرصة أخيرة
من جانبه، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية المتخصص بالملف النووي الإيراني محسن جليلوند الإشارات الإيجابية في ملف طهران النووي نتيجة لزيارة سلطان عُمان الأخيرة إلى الجمهورية، مؤكدا أن حضور كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني جميع لقاءات ضيف البلاد يدل على ما يحمله الأخير في جعبته بشأن الملف النووي.
وقال الأكاديمي الإيراني، إن بلاده أيقنت منذ الخريف الماضي بأن حل مشكلاتها المستعصية ممكن عبر المرونة في سياستها الخارجية، مما أدى إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية، والعمل جارٍ على تعزيز علاقاتها مع دول الجوار، كما أنها ترسل إشارات إيجابية بشأن ملفها النووي قوبلت بتفاعل إيجابي غربي.
ووصف جليلوند الوساطة العُمانية في الملف النووي بأنها قد تكون "فرصة طهران الأخيرة" لاستثمار الوقت ومنع إعلان وفاة الاتفاق النووي، موضحا أن الحظر التسليحي على إيران سينتهي حتى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل وفقا للاتفاق النووي، وأن طهران لا ترغب بتفويت هذه الفرصة.
وختم حديثه، بأنه رغم الخلافات الكبيرة مع العواصم الغربية بشأن برنامج إيران الصاروخي وملف السجناء "والادعاءات" بشأن الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا، فإن الجانبين الإيراني والأميركي يسعيان لحلحة القضايا العالقة بالملف النووي أولا بسبب حساسية المرحلة الراهنة، ولأن طهران تعمل على حلحلة ملفاتها الشائكة عبر سياسة المصالحة.