أعلى بـ70% من الرسمية ووعود بالمحاسبة.. انفوبلس تتتبع تعامل أصحاب المولدات مع المواطنين بشأن التسعيرة
انفوبلس/ تقرير
تعود أزمة المولدات الأهلية المنتشرة في الأحياء السكنية الى الواجهة مع ارتفاع درجات الحرارة في العراق لمستويات قياسية، حيث وصل سعر الأمبير الواحد الى قرابة 20 ألف دينار في بعض المناطق، ما يزيد من عبء المواطنين الذين يعانون بالفعل من الظروف الاقتصادية الصعبة، ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على قضية اختلاف التسعيرة بين منطقة وأخرى وكأن مناطق بغداد "كل ولاية" لها قانونها الخاص.
يشكو مواطنون في العاصمة بغداد، "جشع" أصحاب المولدات الأهلية نتيجة فرض أسعار معينة عليهم تخضع لرغبة صاحب المولدة فقط من دون رقابة حكومية أو محاسبة أو اعتقال.
*قانون المولدات "متغير جغرافيًا"
تصدر محافظة بغداد التسعيرة الشهرية بناءً على معطيات تقيس متوسط ساعات التشغيل اليومي وكذلك مراعاة سعر الوقود الذي تبيعه للمولدات بسعر مدعوم وبواقع 200 دينار للتر الواحد وبحصة تبلغ 40 لترا لكل KV، إلا أن بعض أصحاب المولدات يضعون هامشًا يتراوح بين ألفين إلى 8 آلاف دينار او أكثر فوق التسعيرة الرسمية.
في نقاش بين مجموعة أشخاص اطلعت عليه شبكة "انفوبلس"، تفاجأ أحد سكان مناطق الكرخ بـ"انزعاج" بعض سكان الرصافة بأن التسعيرة هذا الشهر تبلغ 12 او 15 ألف دينار عراقي، ليبدو الذهول حاضرًا على وجه ساكن الكرخ، الذي قال إن التسعيرة هذا الشهر هي 20 ألف دينار.
وبمزيد من النقاش وبينما وضعت محافظة بغداد التسعيرة هذا الشهر للتشغيل الذهبي 12 ألف دينار، اتضح أن هناك التزاما واضحا بالتسعيرة في مناطق الرصافة من بغداد خصوصا مع وجود محاسبات مستمرة من قبل القوات الأمنية هناك، إلا أنه في جانب الكرخ تبدو القوات الأمنية "غير مهتمة" تمامًا مع ما يحدث وعن حجم التسعيرة التي بلغت أكبر من المقرر بنسبة حوالي 70%.
ويبدو أن الأمر لا يقتصر فقط على أصحاب المولدات، بل حتى على صعيد الدوائر الحكومية الرسمية المحلية، فبينما أقرَّ مجلس محافظة بغداد تسعيرة 12 ألف دينار للأمبير الذهبي، حددت مديرية ناحية الرشيد لمناطق جنوب وجنوب غرب بغداد التسعيرة بـ16 ألف دينار للأمبير الذهبي، ما يعني أنها أضافت 4 آلاف دينار فوق التسعيرة الرسمية للمحافظة بغداد.
فضلا عن ذلك، أضاف أصحاب المولدات بدورهم 4 آلاف دينار إضافية أيضا على الامبير وتم تحديد الامبير بـ20 ألف دينار عراقي للتشغيل الذهبي، في سلسلة من الإضافات السعرية التي تعكس مدى "عدم وجود توجه واحد" أو قرار يسري على كل المحافظة، أي إن توجيهات وقرارات مجلس محافظة بغداد "تتغير جغرافيًا".
يشار الى أن مجلس بغداد صوت مؤخراً، على تسعيرة جديدة لأمبير المولدات الاهلية لشهري تموز وآب، حيث ذكر المجلس في بيان أنه "تم التصويت على إلزام أصحاب المولدات الاهلية في العاصمة بالتسعيرات التالية لشهري تموز وآب"، مشيرا الى أن "التسعيرة الجديدة ستكون 8 آلاف دينار للخط العادي، و12 ألف دينار للخط الذهبي".
ورغم تحديد مجلس بغداد، سعر الأمبير لأصحاب المولدات (العادي 8 آلاف والذهبي 12 ألف)، إلا أن بعض أصحاب تلك المولدات عمد إلى رفع سعر الأمبير بحجج عديدة أبرزها ارتفاع سعر الوقود وقلة ساعات التجهيز، وفي خطوة حكومية للحد من جشع أصحابها، تكشف لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة بغداد، عن تشكيل لجنة "خماسية" تتابع أصحاب المولدات في بغداد، مبينا أن هناك عقوبات صارمة بحق المولدات المخالفة للتسعيرة تصل لرفع المولدة ونصب غيرها.
وعلى مر السنين، تم تخصيص مليارات الدولارات لتحسين البنية التحتية الكهربائية، ولكن النتائج كانت غالبًا دون المستوى المطلوب، حيث يعتبر الفساد في قطاع الكهرباء جزءًا من مشكلة أوسع تتعلق بالفساد في العراق بشكل عام، حيث يؤثر على جميع جوانب الحياة ويعيق التنمية المستدامة.
إذ يقول رئيس اللجنة صفاء المشهداني، إن "مجلس المحافظة صوت على تسعيرة الامبير لشهرين متتالين حيث يبلغ سعر الامبير للتشغيل العادي 8 آلاف دينار والتشغيل الذهبي 12 ألف دينار"، مشيرا الى ان "هذه التسعيرة رسمية ولشهري تموز وآب".
ويضيف، إن "هناك لجنة تشكلت من قبل الوحدات الإدارية ولجنة النفط والغاز واللجنة القانونية والنزاهة والأمن الوطني، مهمتها مراقبة ومتابعة مدى التزام أصحاب المولدات"، مشيرا إلى ان "المولدات المخالفة تعاقب بغرامة مليونين وإيقاف حصة الغاز ويصل الامر الى رفع المولدة ونصب مولدة جديدة مع أخذ تعهد لمدة 5 سنوات من صاحب المولدة بالالتزام بالقرارات".
ويشير المشهداني، إلى أنه "تم اعتقال 25 مخالفا في بغداد وتم إيقاف حصتهم من الكاز مع فرض غرامة عليهم".
وكان عضو المجلس علي الازيرجاوي، أكد في 23 حزيران/يونيو الماضي، أن عدد المولدات الكهربائية بالعاصمة يتراوح من 6 الى 10 الاف مولدة حكومية واهلية واغلبها غير ملتزمة بالتسعيرة الحكومية التي يحددها مجلس المحافظة"، متوعدا بـ"عقوبات بحق المخالفين".
أما عضو مجلس محافظة بغداد مثنى ثائر العزاوي، يؤكد اليوم الخميس، إنَّ المجلس استحصل موافقة رئيس الوزراء على زيادة عدد اللترات إلى 40 لتراً لكل "كي في" وتخفيض سعر الكاز إلى 250 ديناراً للتر الواحد بدلاً من 400 دينار، منوهاً بأنَّ أسعار التشغيل تكون 8 آلاف دينار للعادي و12 ألف دينار للذهبي وفق حسابات فنية.
ويلفت إلى أنَّ المجلس فتح الباب للمولدات التي لا تمتلك حصة وقودية بتقديم طلب من صاحبها إلى الوحدة الإدارية ويرفع إلى لجنة النفط والغاز فيه والتي بدورها تفاتح هيئة المشتقات النفطية التابعة لوزارة النفط لتجهيزه بالحصة في مدة لا تتجاوز 3ـ 4 أيام، منبهاً على أنَّ غالبية أصحاب المولدات يمتنعون عن اتخاذ هذا الإجراء لكي لا تتحكم بهم الحكومة المحلية أو الجهات المختصة، ويفرض السعر الذي يراه مناسباً على المواطن.
ويؤكد العزاوي أنَّ رئيس المجلس وعدداً من الأعضاء زاروا رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، لطرح موضوع العقوبات التي تقع على أصحاب المولدات المخالفين، بعد أن بيّن القضاة أنه لا توجد مادة قانونية تنص على معاقبتهم.
وبحسب مواطنين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، انه مع دخول العراق ذروة فصل الصيف من كل عام، يقرأ العراقيون عناوين أخبار عن قائمة تسعيرات لأمبير المولدات الأهلية، تصدرها الحكومة، لكنّها تبقى عناوين فحسب، فتطبيقها يحتاج إلى تجاوز مشكلات عدة، أبرزها "حصص الوقود" التي تمنحها الحكومة إلى أصحاب المولدات، و"تزمت" بعضهم في تسعيرات، يركلون من خلالها قرارات الحكومة، ليبعدوها عن طريقهم.
وشهد جنوب ووسط العراق احتجاجات متزايدة بسبب أزمة انقطاع الكهرباء، في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع كبير في درجات الحرارة، والتي تجاوزت 51 درجة مئوية في 10 مدن، وسط موجة حر تضرب معظم دول العالم، حيث جاءت هذه الاحتجاجات لتزيد من التوترات السياسية في البلاد والانتقادات التي تواجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في التعامل مع الأزمة.
واحتل العراق، المرتبة الخامسة عربيا والـ50 عالميا من أصل 211 دولة مدرجة في الجدول كأكبر مستهلكي للكهرباء في العالم حسب مجلة CEO WORLD الأمريكية.
ويستورد العراق في فصل الصيف 70 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني في اليوم لتغذية محطات توليد الكهرباء في البلاد، ويولّد نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء بهذه الإمدادات، ويعني هذا التدفق، إلى جانب عمليات الشراء المباشرة للكهرباء من إيران، أن طهران تلبي 40 في المائة من احتياجات العراق من الكهرباء بتكلفة 4 مليارات دولار سنوياً.
وتخصص الأسر العراقية مجتمعة ميزانية سنوية تتراوح بين 6 إلى 10 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير يستفيد منه أصحاب المولدات الخاصة بشكل مباشر. وهذا الإنفاق المالي يتساوى مع كامل ميزانية الدول التي تعتمد فقط على نفقات الكهرباء في العراق، بحسب الاحصائيات التي اطلعت عليها شبكة "انفوبلس".
وفي هذا السياق، يكشف فراس سليم، مدير شرطة البيئة في العراق، أن البلاد تستضيف حاليًا عددًا مذهلاً من المولدات يبلغ 49 ألفًا، فيما يشير الى إن العدد الإجمالي للمستفيدين يبلغ 6,700,665 مشتركاً، حيث وصلت الأمبيرات المخصصة إلى 25,875,722 أمبير خلال شهر واحد.
وتكافح الحكومة العراقية لمعالجة أزمة الكهرباء، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة عندما ترتفع درجات الحرارة إلى ما يزيد عن نصف نقطة الغليان. وتستمر معضلة الكهرباء كمسألة معقدة، تشكلت من خلال سنوات من التحديات المتراكمة والأعباء الموروثة من الإدارات السابقة.
*أضرار المولدات المحلية
في حين تلعب المولدات الخاصة دورا حاسما في تلبية احتياجات المواطنين من الكهرباء، إلا أنها ليست معفاة من القضايا الضارة بالبيئة، بالإضافة الى الصراعات المستمرة بين أصحاب المولدات والسكان.
علي جابر، مدير إدارة مراقبة جودة الهواء بوزارة البيئة، يقول إن "النقص في إمدادات الكهرباء الوطنية يتم تعويضه بواسطة المولدات الخاصة، وهذه المولدات تصدر منها انبعاثات تنتشر في مناطق أوسع داخل المدينة، بالإضافة الى تداعيات بيئية متنوعة، تشمل التلوث الضوضائي، وتصريف الزيوت المستعملة في شبكة الصرف الصحي، والإهدار في استهلاك المياه الصالحة للشرب لتبريد مولدات الكهرباء خلال فصل الصيف".
وبحسب جابر، أدى ذلك لزيادة معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي في العراق، حيث يوضح إن "استنشاق الهواء الملوث يشكل خطراً على صحة الإنسان على المدى القصير والمتوسط والطويل، وان الارتفاع الملحوظ في معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي هو نتيجة مباشرة للتلوث".
"إن معالجة الملوثات والتخفيف من آثارها يمثل تحديًا معقدًا يتطلب موارد وجهودًا متضافرة ودراسات متعمقة"، بحسب جابر.
والتلوث الضوضائي، يدل على وجود أصوات غير مرغوب فيها في المناطق المحيطة، وتعريض الأفراد لضعف السمع والصداع والإجهاد، مما يؤثر بالتالي على الإنتاجية العامة ونوعية الحياة. كما دراسات محددة إلى أن الضوضاء تؤثر على القدرة الإدراكية للفرد، مما يسبب الإجهاد العقلي وعدم القدرة على الفهم والتعلم.
في ظل أزمة المياه العالمية المستمرة، فإن الاستخدام الكبير وإهدار المياه العذبة من قبل المولدات الخاصة يشكل مخاطر ملحوظة على البيئة والمجتمع، في وقت يصنف برنامج الأمم المتحدة للبيئة العراق في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تأثرا بتغير المناخ والجفاف على مستوى العالم.
وبعد تحليل إحصائي لـ 15 مولداً من مناطق مختلفة في بغداد، قام فريق شبكة "انفوبلس"، بحساب البصمة المائية للمولدات الخاصة في العراق وحجم المياه المهدرة لتبريدها كما هو موضح أدناه:
ويستخدم كل مولد، خاصة خلال فصل الصيف، ما لا يقل عن 2000 لتر أو 2 متر مكعب من المياه يوميًا. ومع وجود ما مجموعه 49 ألف مولد كهربائي خاص عامل في العراق، فإن هذا الاستهلاك الجماعي يصل إلى 98 مليون لتر يوميا، أي ما يعادل 98 ألف متر مكعب.
وعلى مدار شهر، تستهلك هذه المولدات مجتمعة كمية مذهلة تبلغ 2,940,000,000 لتر، أو 2,940,000 متر مكعب من المياه، ولوضع هذا في الاعتبار، يمكن أن تتجمع هذه الكمية لتشكل بحيرة كبيرة!.
وعلى الرغم من تخصيص مليارات الدولارات لقطاع الكهرباء، لا تزال المولدات الخاصة تهيمن على مشهد الطاقة، مما يشكل تحديات بيئية كبيرة.