احصائيات مقلقة تهدد بكارثة.. أزمة جديدة في شط العرب والمياه غير صالحة للاستخدام
انفوبلس/..
هناك في أقصى جنوب العراق، تمر البصرة بأزمة في المياه، حيث تعيش المحافظة على مياه شط العرب بنسبة كبيرة جدًا، وتعتبره المورد الرئيسي لها، لكنّ مختصين بدأوا يستشعرون الخطر خلال السنوات القليلة الماضية بفقدان الرئة المائية للمحافظة بعد اكتساح الملوحة للمياه التي تتجه نحو القضاء على حياة الكائنات فيه، ومن المعروف أنّ شط العرب، أو ما يسمى بـ"دجلة العوراء"، يتكوّن من التقاء نهري دجلة والفرات، حيث يلتقي نهر دجلة مع المجرى الأعلى للفرات بمدينة القرنة، فيما يلتقي دجلة والفرات الأسفل في قضاء كرمة علي.
65% من شط العرب في البصرة أصبح مالحًا وما تبقى منه غير صالح للاستخدام البشري والحيواني
ووفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، فيجب ألا تزيد نسبة الملوحة في مياه الشرب 500 درجة من مقياس TDS، في حين تتعدّى الملوحة في البصرة أضعاف هذا الرقم، بحسب المراقبين والمختصين.
كارثة قادمة
علاء البدران، وهو متخصّص بشؤون المياه في محافظة البصرة، يقول إنّ "ظاهرة المد الملحي تتكرّر في كل عام نتيجة لقلة التصاريف المائية الواردة إلى شط العرب، وتذبذبها بسبب التجاوزات على حصة المحافظة من قبل مزارعي ميسان، فضلًا عن تجاوزات الشركات النفطية التي تستخدم كميات كبيرة من المياه لأغراض الحقن".
حاليًا، سجلت معدلات الملوحة في شط العرب أرقامًا كبيرة حيث أن اللسان الملحي تعدى منطقة الهارثة ويتجه شمالًا بسبب ضعف الإطلاقات، بحسب البدران.
وبحسب الخبير المائي، فإنّ قراءات التراكيز الملحية لهذا الأسبوع في الهارثة بلغت حوالي 4500 على مقياس tds، وهي أرقام كبيرة؛ إذ أنّ المعدل المسموح به هو أقل من 1000.
وتقع مدينة الهارثة شمال شرق محافظة البصرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، يحدها من الشمال قضاء القرنة وجنوبًا مركز محافظة البصرة، وهي تبعد عن البحر 130 كم.
ويقول البدران، إنّ "65% من مجرى الشط أصبح مالحًا، والمتبقي منه تأثر بالأملاح البحرية القاتلة للحياة النباتية وغير صالح للاستخدام البشري".
وفي شمال المحافظة يستخدم البصريون، مياه ملوحتها 2000 على مقياس tds، لأغراض الغسل والزراعة، وفقًا للخبير المائي، الذي قال أيضًا إنّ "الأملاح بلغت أكثر من 28000 على مقياس tds، وهي مقاربة لملوحة مياه البحر والتي تبلغ 30000".
وطرح البدران حلولًا للحد من ظاهرة الملوحة التي اجتاحت المياه العراقية، مؤكدًا أهمية "إنشاء السد على شط العرب، وإنشاء محطات تحلية بحرية صغيرة، فضلًا عن إنشاء محطة الفاو الحرارية التي تنتج كهرباء وماء بالتحلية بطريقة MED".
أرقام وإحصائيات رسمية
وأصبح ملف ملوحة شط العرب حديث الشارع البصري كونه يصب في صميم الحياة في المحافظة، إذ يقول زهير جواد مدير ماء البصرة، إنّ "هناك العديد من الأسباب وراء ارتفاع الأملاح في شط العرب أبرزها تراجع الإطلاقات من ناظم قلعة صالح في محافظة ميسان؛ وكذلك غلق جريان نهر الكارون من الجانب الإيراني".
وأضاف جواد، خلال حديثه أنّ "تراجع الإطلاقات المائية أسفر عن دخول المد الملحي من الخليج العربي إلى شط العرب".
وينبع نهر الكارون، الذي أغلقت إيران جريانه عن العراق في تموز/يوليو من العام الماضي، من منطقة زردكوه الموجودة في جبال زاغروس وهي سلسلة جبلية تمتد من غرب إيران إلى شرق العراق ويتدفق نهر الكارون، حتى يصب في شط العرب.
لا تختلف نسبة الملوحة عن النسبة التي سجلها شط العرب في العام 2018
ويشير مدير ماء البصرة إلى أنّ "الجهات المعنية وضعت حلولًا سريعة جاري العمل عليها، وتتمثل باستخدام المراشنة في أبي الخصيب من محطة تحلية محيلة ومشروع العباس والقناة الإروائية، واستخدام ماء القناة الإروائية لمناطق سيحان والفاو؛ وكذلك استخدام المراشنة لمركز المدينة من ماء مشروع العباس، فضلًا عن تشغيل المشروع الياباني بنسبة تقارب 60% من طاقته".
وتحدّث المسؤول الحكومي، عن نسب الملوحة، حيث أكد أنّ "الارتفاع وصل إلى نسبة تتراوح بين الثلث إلى النصف من الأرقام الأعلى التي سجلها العراق خلال العام 2018".
وفي مطلع العام الجاري، حذّرت الأمم المتحدة من انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات في العراق بنسبة قد تصل إلى 73%، فيما دعت إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه والخروج من أزمة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الأشهر الماضية.
تحذير من استخدام المياه
وتشير النتائج إلى أنّ مستوى الملوحة في شط العرب قد ارتفعت في العام الجاري مقارنة مع أزمة 2018، بحسب الخبير البيئي شكري الحسن.
الحسن يوضح أنّ "وزارة الموارد المائية لا تستطيع زيادة الإطلاقات باتجاه شط العرب أكثر من ذلك لأن الخزين المائي الأستراتيجي في وضع حرج جدًا"، داعيًا المواطنين إلى عدم "استخدام مياه الشط للأغراض البشرية كافة، كما أن استخدامه لسقي الحيوانات أو النباتات قد يسبب اعتلالات ومشكلات فسيولوجية شتى".
ويقول الحسن إنّ "هناك تغيرًا في لون المياه وانتشار ما يشبه (الأشرطة البنية اللون) في وسط مجرى النهر، التي قد تكون نوعًا من الطحالب الحمراء، لكن لم يتسن تأكيدها مختبريًا".
وختم الحسن حديثه بالقول "لوحظ في الأيام الأخيرة من الشهر الماضي، انخفاض واضح في منسوب النهر، مما قد يشير إلى تراجع كمية تصريف الماء العذب جراء التجاوزات العديدة والتبخر العالي، وشح مصدر التغذية بحد ذاته".
ويعاني العراق على مدار السنوات القليلة الماضية من أزمة جفاف حاد ضربت جميع المحافظات جراء تراجع الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات من قبل تركيا، وإغلاق العديد من المجاري النهرية الصغيرة المغذية للأنهر في العراق من قبل إيران.
حذر مختصون من استخدام مياه شط العرب في هذه الفترة
أزمة المياه دفعت الحكومة الحالية، وعلى رأسها وزارة الموارد المائية لتشكيل لجان رسمية للتباحث مع تركيا وإيران حول التقاسم المائي، لكن هذه الخطوات لم تف بالغرض، ولم تجبر الطرق الدبلوماسية على زيادة الإطلاقات المائية تجاه العراق.