الإنفاق يعادل 10 أضعاف موازنة الشباب والرياضة.. تحليل رقمي لإحصائيات الصحة بشأن التدخين في العراق
انفوبلس/ تقرير
تشير وزارة الصحة العراقية وفقاً لآخر إحصائية كشفت عنها، إلى أن التدخين في العراق يقتل شخصاً كل 10 دقائق والإنفاق يصل إلى 6 مليارات دينار عراقي يومياً، مُشددة على ضرورة محاربة الظاهرة وتحجيمها في ظل دخول أنواع سجائر وتبغ إلى البلاد غير خاضعة للرقابة والفحوصات المخبرية بشكل صحيح، وهو ما يؤثر في الصحة العامة، فما صحة هذه الأرقام وماذا عن قرار البرلمان العراقي في عام 2012؟
ورغم التحذيرات المستمرة لوزارة الصحة العراقية والجهات المختصة، إلا أن الظاهرة تتزايد في البلاد، ونسبة المدخنين بين الشباب تتصاعد بشكل كبير دون قدرة على وضع حد لها.
التدخين في العراق يقتل شخصاً كل 10 دقائق
قال معاون مدير برنامج مكافحة التبغ، في الوزارة، وسيم كيلان في لقاء متلفز تابعته شبكة انفوبلس: "من المرجح تسجيل حالة وفاة كل 10 دقائق بسبب التدخين في العراق"، مضيفا: "20 بالمائة من العراقيين الذين بلغوا سن الـ 18عاماً أو أكثر يدخنون التبغ بأنواعه المختلفة، فيما يعاني 40-50 بالمائة من العراقيين من التدخين السلبي بسبب تعرضهم غير المباشر لدخان التبغ".
وبين كيلان، إن "الغالبية العظمى من المدخنين هم من الرجال"، موضحا: "يؤثر التدخين المبكر في نمو الدماغ، حيث توجد اليوم سجائر إلكترونية على شكل مبراة أقلام تنتشر في المدارس"، مؤكداً بقوله: "شخّصنا وجود مواد سامة وأخرى مخدرة في السجائر العادية والإلكترونية والمعسّل، كما أن السجائر الإلكترونية تحتوي على 127 مادة سامة بينها الرصاص".
وأشار إلى أن "الإنفاق على التدخين يصل إلى 6 مليارات دينار عراقي يومياً"، مؤكداً "وجود صعوبات تعترض تطبيق قانون مكافحة التبغ"، وأن "هناك مساعي لإعداد مشروع قانون جديد في البرلمان للحماية من أضرار التبغ، فيه آليات واضحة للتطبيق".
وكان البرلمان العراقي قد أقر في عام 2012 قانوناً يمنع التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية، وتضمن عقوبات وغرامات تفرض على المخالفين، إلا أن القانون لم يجد طريقه إلى التنفيذ حتى الآن.
وانطلاقًا من الأرقام، فإن إنفاق 6 مليارات دينار يوميا على شراء وحرق السجائر في العراق، هذا يعني أكثر من 2.1 تريليون دينار سنويًا، وهو مبلغ يفوق موازنة وزارة الزراعة البالغة 1.9 تريليون سنويًا، كما أنه أكثر من 10 أضعاف موازنة وزارة الشباب والرياضة البالغة أقل من 200 مليار دينار.
أما فيما يتعلق بالوفيات، فإن وفاة شخص كل 10 دقائق بسبب السجائر، يعني وفاة أكثر من 50 ألف عراقي سنويًا بسبب السجائر، في حين يبلغ عدد المتوفين في العراق سنويا قرابة 240 ألف شخص لمختلف الاسباب، ما يعني أن 20% من الوفيات السنوية في العراق تأتي بسبب السجائر.
من جهته، قلّل عضو نقابة الأطباء العراقيين، حسن السلماني، من أهمية إعداد قوانين جديدة لمنع التدخين وتحجيمه، في ظل التهاون بعدم تطبيق القوانين المنجزة والمقرة أساساً، وقال، "لا جدوى من أي قانون جديد إن لم يكن هناك تطبيق حقيقي للقوانين المقرة أساساً. مرّ أكثر من 12 عاماً على إقرار البرلمان قانون منع التدخين بالأماكن العامة، ولم يُطبَّق حتى الآن، وهذا أمر غير مقبول".
وأكد، أن "الحكومة، وتحديداً وزارة الصحة، مسؤولة عن تنفيذ القانون ومتابعته وعدم إهماله، إذ إنه يوفر حلولاً لتحجيم الظاهرة وتأثيراتها الصحية الخطيرة في المجتمع"، مشدداً على "ضرورة وضع خطة زمنية لتطبيق القانون ومحاسبة المخالفين، عند ذاك ستكون هناك نتائج إيجابية للحد من تفشي التدخين".
وتواجه وزارة الصحة العراقية انتقادات "واسعة" لعدم قدرتها الفعلية على تطبيق القانون، خصوصاً في داخل المؤسسات والنوادي والاستراحات ووسائل النقل في عموم البلاد، وهو ما سبّب أمراضاً كثيرة.
الباحث المجتمعي، ماجد العلي، قال إن "جهات منتفعة تمنع تطبيق قانون منع التدخين"، مبيناً أن "هناك جهات متنفذة تتاجر بالتبغ بأنواعه وتحقق أرباحاً كبيرة من ذلك، وهي لا تريد منع التدخين، لأن أي خطوة بهذا الاتجاه تؤثر بتجارتها". وحمّل الحكومة "مسؤولية تطبيق القانون وفرضه على الجميع حفاظاً على الصحة المجتمعية".
يشار إلى أن إحصائيات غير رسمية تؤكد أن نحو 40 في المائة من العراقيين هم من المدخنين، وأنّ نحو 20 في المائة من تلاميذ المدارس مدخنون كذلك، وأشارت تقديرات سابقة لوزارة الصحة العراقية، إلى وفاة شخص واحد كلّ عشرين دقيقة لأسباب تتعلق بالتدخين.
وتزخر الأسواق العراقية بعشرات الأنواع من السجائر التي تدخل البلاد بشتى أنواع الطرق الرسمية وغير الرسمية، وتباع في العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات، ويشير العديد من المراقبين إلى أن غالبية هذه السجائر غير خاضعة للفحص والسيطرة النوعية للتأكد من جودتها ودول المنشأ ومدى مطابقتها لشروط السلامية الصحية.
في هذا الإطار، بيّن الطبيب الاستشاري في مستشفى اليرموك التعليمي في العاصمة بغداد علي الزيدي، إنّ "السجائر التي تدخل إلى البلاد، من بينها السجائر الإلكترونية، لا تخضع لفحص الجودة، الأمر الذي يجعل مخاطرها كبيرة، خصوصاً أنّها بمعظمها تُصنَّع من قبل شركات غير موثوق بها".
وتابع الزيدي، أنّ "السجائر تؤدّي إلى ارتفاع نسب أمراض الصدر والجهاز التنفسي والشرايين، وأنّ كثيرين من المرضى في العراق هم من الشبّان الذين أدمنوا التدخين في سنّ مبكرة"، مضيفا أنّ "ثمّة ضرورة ملحّة في العراق لتطبيق قانون حظر التدخين في الأماكن العامة، وبخلاف ذلك، من غير الممكن السيطرة على انتشار التدخين وتأثيراته الصحية الخطرة".
بينما رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الانسان فاضل الغراوي، فقد قال إن "80 % من التبوغ والسجائر لا تخضع للفحص كونها تدخل عن طريق التهريب التي تعتبر تجارة رائجة في العراق". وطالب الغراوي "الحكومة والبرلمان بإجراء تعديلات على قانون رقم 19 لسنة 2012 من خلال فرض ضرائب جديدة على منتجات التبغ ومنع الترويج والإعلان عنه كما طالب بحظر التدخين في الأماكن العامة".
في سياق متصل، يرى متخصصون في الشأن المجتمعي في العراق ضرورة تنظيم حملات توعية عن مخاطر التدخين بالتوازي مع العمل على إصدار التشريعات القانونية لتحجيم انتشاره.
وكشف الباحث والأكاديمي المجتمعي غانم الغراوي، إنّ "الحكومة مسؤولة عن تفشّي التدخين ومخاطره. نحتاج إلى عمل تشريعي وآخر تنفيذي من خلال تشريع القوانين التي تحدّ من التدخين وتطبيقه، وإلى حملات توعية مجتمعية تعرّف الناس بمخاطره الكبيرة".
وبيّن الغراوي أنّه "لا بدّ من أن يكون ثمّة سعي من قبل وزارة الصحة، بالتنسيق مع الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، إلى تنظيم ندوات ومؤتمرات وإلى إصدار منشورات توزّع في المؤسسات العامة"، مشدّداً على أنّ "حملات التوعية لا تقلّ أهمية عن التشريعات القانونية، وهذه من مسؤوليات الحكومة، تحديداً وزارة الصحة".
وبحسب بيانات إحصائية لموقع ستاتيستا، فإن العراق جاء في المرتبة 71 عالميًا، من بين الدول الأكثر استهلاكا للسجائر خلال العام الماضي 2023.
ويُعد اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الموافق في 31 مايو/ أيار من كلّ عام، فرصة لإبراز المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ والدعوة إلى وضع سياسات فعالة للحد من استهلاكه.
ويُعَدّ تعاطي التبغ أهم سبب منفرد للوفيات التي يمكن تفاديها على الصعيد العالمي، علماً بأنه يؤدي حالياً إلى إزهاق روح واحد من كل عشرة بالغين في شتى أنحاء العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ويكمن الهدف النهائي لليوم العالمي للامتناع عن التدخين في المساهمة في حماية الأجيال الحالية والمقبلة من هذه العواقب الصحية المدمرة، بل وأيضاً من المصائب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية لتعاطي التبغ والتعرض لدخانه.