التربية تفجر جدلاً واسعاً بعد منع موظفيها من الانتقادات.. لجنة البرلمان تتبرأ وتحذيرات من "ديكتاتورية" الوزارة
انفوبلس/..
في قرار وصفه خبراء قانونيون "مخالفاً للدستور"، وجهت وزارة التربية إعماماً لمديرياتها في العراق يلزم طواقمها ومنتسبيها، بعد انتقاد أي شخصية سياسية، الأمر الذي لاقى استهجاناً واسعاً في الشارع العراقي.
وبحسب وثائق مسربة، خاطبت مديريات تربية بابل وكربلاء، منتسبيها، في تعميم صادر استنادا إلى كتاب سابق لوزارة التربية وبناءً على هامش من الوزير، بالتوقيع على تعهد خطي “يقضي بعد النشر على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تهجُّم وانتقاد للشخصيات السياسية كونها ظاهرة غير أخلاقية (…) وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الموظف المخالف عند قيامه بالنشر”.
*رفض
يقول عضو جمعية الدفاع عن الحريات علي عبد الزهرة، “يبدو أن مَن عمّم هذا التعهد، يحنُّ إلى عهد الدكتاتورية، ولا يفهم معنى الديمقراطية بعد، بل حتى لا يعرف مهام موظفي الدولة والعلاقة بينهم”.
ويضيف، إن “الموظف في القطاع العام لديه مهام وواجبات يؤديها حسب عنوانه الوظيفي وخلال ساعات الدوام الرسمي ويتقاضى مقابل ذلك أجراً يسمى مُرتباً، وخارج هذه المهام والساعات هو مواطن كامل الأهلية له حقوق المواطن وعليه واجباته، ومن حقوقه بل وواجباته أن ينتقد ويقوّم ما يراه من اعوجاج سياسي أو إداري كونه من خوّل المسؤولين بأداء مهامهم وفق العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم”.
ويشير إلى، أن “هذا الإعمام والتعهد يخرق القانون والدستور، ويتعارض مع المادة 38 من الدستور الدائم، التي ضمنت حق حرية التعبير عن الرأي لكل العراقيين من دون استثناء”. لافتا إلى، أنه “في حال التهجم أو التشهير والتسقيط، فثمة قوانين مَسَنَّة مسبقاً تعالج هذا الأمر باللجوء إلى القضاء من قبل المتضرر، ولا دخل لمديرية التربية أو أي دائرة حكومية أخرى بهذا التخصص”.
ويشدد على “ضرورة أن يتدخل رئيس الوزراء بشكل مباشر، وتوجيه وزير التربية الذي عمم هذا الكتاب المهدد للديمقراطية، بإلغاء هذا الأمر، قبل أن تقوم منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان برفع دعوى قضائية وهو ما سيشوّه صورة الحكومة الحالية”.
ويشهد ملف الحريات انتكاسة في الآونة الأخيرة، فبعد أيام على قرار المحكمة الاتحادية القاضي بحجب التطبيقات التي تتضمن الإخلال بالآداب، صوبت وزارة الاتصالات نحو هذا الملف مجددا، من خلال تقديمها طلبا لحجب تطبيق التيك توك، ما أثار انتقادات واسعة من ناشطين وحقوقيين رأوا في الخطوة تقييدا ومساساً بالحريات العامة وحرية التعبير.
وفي أعقاب ذلك، قام مجلس النواب بتعديل المادة 226 من قانون العقوبات العراقي 1969، ما أدخل موضوع الحريات العامة في غابة من الغموض والتساؤلات، إذ رأى قانونيون أن هذا التعديل أضرَّ بالحريات أكثر، بحسب تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”.
*خارج السياقات القانونية
من جهته، يصف الخبير القانوني عدنان الشريفي، الإعمام الأخير في مديريات التربية بأنه، “خارج عن كل السياقات الدستورية والقانونية والاختصاص الوظيفي لمديرية التربية، فالمنتسب مطالب بتطبيق قانون موظفي الدولة وقانون الخدمة العامة، إذ إنه ملزم بعدم إذاعة وإفشاء أسرار دائرته، كما أنه ملزم بعدم التكلم بالنيابة عن دائرته أو وزارته ما لم يكن مخولاً بالتصريح”.
لكن الشريفي يشير إلى أن “الموظف بعد انتهاء الدوام الرسمي هو حُر بممارسة كافة حقوقه الدستورية والقانونية كأن يخرج في تظاهرة أو ينتقد في حدود القانون شخصيات سياسية أو ظاهرة معينة”، مؤكدا أن “هذا الإعمام مخالف للقانون، وإذا تعرض أحد الموظفين إلى عقوبة بسبب مخالفته، فيقينا أن لجوءه للمحكمة الإدارية سيمنحه إلغاء العقوبة وإنصافه”.
غير أن متحدث وزارة التربية كريم السيد يرد على الجانب الآخر، أن “الوزارة تمنع ظهور الكوادر التربوية والإدلاء بتصريحات خارج حدود عملهم والحديث عن وظائف لا تتعلق بهم منعاً للحرج الإعلامي”.
ويضيف السيد، أن “الوزارة تفصل بين ما يتعلق بالحريات المدنية التي كفلها الدستور وممارسة الفرد لحقه في التعبير وبين التدخل في أشياء أخرى”، لافتا إلى أن “الوزارة إذا ما وجدت هناك تضاربا يؤدي إلى الإخلال بالواجبات الوظيفية فهذا غير مسموح”.
*لجنة التربية تتبرأ
من جهتها، أكدت لجنة التربية في مجلس النواب العراقي، عدم علمها باتخاذ مثل هذا القرار.
وقالت اللجنة، إن "اغلب قرارات وزارة التربية تتخذ بالمناقشة مع لجنة التربية النيابية، لكن هذا القرار لم تتم مناقشتنا به".
وحاول البرلمان تمرير قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، لكنه واجه اعتراضات عديدة، إذ وصف مدافعون عن حرية التعبير القانون بـ”البوليسي”، فيما دافعت لجنة الثقافة النيابية عن القانون.
وكان “مركز الخليج لحقوق الإنسان” قد أصدر تقريرا في آذار مارس الماضي، وثق فيه عمليات اعتقال واغتيال وقمع للعديد من الناشطين في عموم محافظات البلاد.