الجيوش الإلكترونية لوزير التجارة تخدع السلامي.. وثائق مزورة وصلته عبر مشتكين تسببت في سجنه
طريقة جديدة لإيقاف الرقابة
الجيوش الإلكترونية لوزير التجارة تخدع السلامي.. وثائق مزورة وصلته عبر مشتكين تسببت في سجنه
انفوبلس/..
رغم تنازل وزارة التجارة عن الدعوى التي كسبتها ضد عضو مجلس النواب هادي السلامي، إلا أن المزيد من التفاصيل بدأت تتكشف عن كواليس هذه القضية وكيف خدع الوزير أثير الغريري النائب السلامي وأوقعته في مطب قضائي، في محاولة مبتكرة لإيقاف العمل الرقابي، خاصة وأن التجارة تحوم حولها شبهات فساد.
*ناقل وليس متبني
يقول عضو مجلس النواب، محمد البلداوي، إن "القضية التي حُكم عليها النائب هادي السلامي هي المادة 331".
وتنص المادة (331) من قانون العقوبات العراقيِّ رقم 111 لسنة 1969، على ما يلي: "يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين: كل موظف أو مكلف بخدمة عامة ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته او امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد او بقصد منفعة شخص على حساب آخر او على حساب الدولة". وتعتبر هذه الجريمة وفقا لتوصيف قانون العقوبات من جرائم الجنح التي حددتها المادة (26) من القانون بقولها: "الجنحة هي الجريمة المعاقب عليها بإحدى العقوبتين التاليتين:
١ – الحبس الشديد او البسيط أكثر من ثلاثة أشهر الى خمس سنوات.
٢ – الغرامة".
وبحسب البلداوي، فإن "السلامي لم يتخذ إجراءً تعسفياً او اتهاماً جزافاً بحق الوزير أو الوزارة أو الحكومة أو الجهة التي قدمت هذه الشكوى بل كان مستنداً إلى تقارير ومحررات وأشر مصدرها لدى المحكمة وهي موجودة لديهم اليوم".
وأضاف، "المفترض كان أن نتتبع مصدر التزوير في هذه المستندات والمحررات لأنه كان ناقلاً وليس محرراً لها".
وبين، أن "ما فعله السلامي هو مفاتحة الجهات ذات العلاقة من هيئة النزاهة والادعاء العام ومجلس الوزراء وعرض عليها هذه المستندات التي تشير لوجود حالة من الفساد لتتبعها".
لكن بحسب مصادر مطلعة، فإن "النائب السلامي وقع في المطب، وكان من كاد له هذه الخدعة هي الجيوش الالكترونية التابعة لوزير التجارة أثير الغريري؛ كون السلامي كان دائم الكشف عن ملفات الفساد خاصة التي تتعلق بوزارة التجارة".
*السجن
وفي صباح اليوم الخامس من شهر آذار الجاري، أعلن عضو مجلس النواب العراقي مصطفى سند، أن السلطة القضائية في البلاد حكمت على زميله هادي السلامي بالسجن لمدة 6 أشهر لإدانته بالتشهير بما يتعلق في السلة الغذائية.
وكتب سند في منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إنه "للأسف الآن تم الحكم على النائب هادي السلامي بالسجن لمدة 6 أشهر مع التنفيذ، بسبب دعوى تشهير تخص السلة الغذائية".
بعد ذلك، أظهرت وثيقة وردت لشبكة انفوبلس، إصدار محكمة جنح الكرخ، حكماً بحق النائب "هادي حسن مريهج" بالحبس البسيط 6 أشهر، وغرامة مالية مليون دينار، وفي حال لم يسدد الغرامة يُحبس 6 أشهر أخرى، وفق المادة 331 من قانون العقوبات.
وتضمن الحكم أيضا، الاحتفاظ للدائرة المتضررة، بحق المطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية، استنادا لأحكام المادة 19 الأصولية بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية.
وأشار قرار المحكمة، الى أن الحكم صدر استنادا لأحكام المادة 182/أ الأصولية، حكما حضوريا قابلا للتمييز.
*سبب الحكم
وعن سبب الحكم الصادر بحق السلامي، ادَّعت وزارة التجارة أن سبب الحكم هو أن "النائب استخدم محررا مزورا بهدف التشهير والإساءة الى سمعة الوزارة ورموزها وتظليل الرأي العام من خلال تقديم تلك المحررات المزورة لجهات حكومية بالإضافة الى تداولها من خلال وسائل الإعلام".
وبحسب وثائق متداولة، فإن السلامي خاطب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 10 أيلول 2023، وطالبه بسحب يد وزير التجارة أثير داوود سلمان، بسبب وجود مخالفات ارتكبها الوزير عندما كان مدير الشركة العامة لتصنيع الحبوب، وقام السلامي بإرفاق تقرير لديوان الرقابة المالية يتضمن توصية بمعاقبة وسحب يد أثير داوود سلمان يعود لعام 2022 عندما كان مدير عام الشركة العامة لصناعة الحبوب.
لكن وزارة التجارة، وبعد 4 أيام، أي في 14 أيلول 2023، خاطبت ديوان الرقابة المالية، للتأكد من حقيقة صدور تقرير من الديوان بحق وزير التجارة عندما كان مدير الشركة العامة لتصنيع الحبوب في 2022 لينفي الديوان إصداره هكذا كتاب ويرد على الوزارة بأنه "مزور".
*البرلمان ينقض قرار الحكم
بعدها، توالت ردود الفعل بعد ذلك، وأصدرت رئاسة البرلمان بيانا نقضت فيه الحكم الصادر بحق السلامي، كما أصدر مجموعة من النواب بيانات وتدوينات غاضبة، كون الحكم صدر بحق نائب يتمتع بحصانة تمنع تنفيذ هكذا ممارسات بحقه.
وفي أول رد فعل له، طالب مجلس النواب، نقض قرار الحبس بحق عضو المجلس هادي السلامي؛ لعدم رفع الحصانة عنه.
وقال المجلس في وثيقة موجهة إلى رئيس محكمة استئناف بغداد/ الكرخ بصفتها التمييزية، إنه "أصدرت محكمة جنح الكرخ المختصة بقضايا النزاهة قرارها المرقم (٥٢ / ج / ۲۰۲٤) بتاريخ ٢٠٢٤/٣/٥ بإدانة عضو مجلس النواب للدورة الانتخابية الحالية هادي حسن مريهج بالحبس البسيط والغرامة وفق أحكام المادة (۳۳۱) من قانون العقوبات رقم (۱۱۱) لسنة ۱۹۹۹ المعدل، وإن هذا القرار قد صدر دون أن يسبقه طلب رفع الحصانة عن النائب عملاً بأحكام المادة (٦٣ / ثانياً أو (ب) من الدستور والمادة (ثالثاً) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم ۱۳ لسنة ۲۰۱۸ التي لا تُجيز إلقاء القبض على النائب خلال مدة الفصل التشريعي من غير إذن المجلس".
وأضاف، "فيكون الحكم بإدانة النائب بعقوبة سالبة للحرية مرهوناً من باب أولى بضرورة طلب رفع الحصانة عنه قبل إصداره وإن عدم مراعاة ذلك يتعارض مع صريح النصوص المذكورة".
وطالب المجلس "نقض القرار وإعادته الى المحكمة المختصة للسير بما توجبه التشريعات النافذة في هذا المقام".
*دعوة لجلسة طارئة
بعد قرار الحكم، طالب رئيس كتلة الصادقون النيابية حبيبي الحلاوي، بعقد جلسة طارئة في البرلمان لمناقشة أسباب حبس النائب هادي السلامي.
وقال الحلاوي في تدوينة على موقع “أكس”، إن “صوت الحق وإنصاف المظلومين له ضريبة ولا بد أن تُدفع فاليوم أصبحنا على خبر بالحكم على النائب هادي السلامي بالسجن 6 أشهر بدعوى طالب بها النائب بحقوق الشعب العراقي وتقديم أجود وأفضل الخدمة".
وأضاف: “نطالب الجهات المعنية إعادة النظر بالقرارات التي صدرت إكراماً للسيرة المهنية والحسنة التي سار عليها النائب السلامي فرج الله عنه والبرلمان الموقر بعقد جلسة طارئة”.
و قال النائب عن كتلة الصادقون حسن سالم، إن عضو مجلس النواب هو منتخب عن الشعب وصوتهم داخل قبة البرلمان وأمام المؤسسات التنفيذية.
وذكر سالم في تدوينة على تويتر، "النائب هادي السلامي له موقف وطني مدافع عن مصالح الشعب وله إنجازات رقابية وتشريعية لذلك نعبّر عن تضامننا الكبير معه وسنتابع مع الجهات الرسمية المعنية حيثيات القرار وايضاً مع وزارة التجارة كون القضية ليست شخصية وإنما مصلحة وطن وشتّان بين اثنين بين من يدافع عن الشعب ويُسجن وبين مَن يسرق قوت الشعب ويُحكم مع وقف التنفيذ".
من جانبه، طالب رئيس كتلة حقوق النيابية سعود الساعدي، بإطلاق سراح النائب هادي السلامي.
وقال الساعدي في تدوينة على منصة "أكس" ما نصها، "في الوقت الذي نحترم فيه قرارات القضاء العراقي، ودور مجلس القضاء في تكريس سمو الدستور وسيادة القانون غير أننا نطالب باسم الشعب وانطلاقا من الدور التمثيلي الممنوح لمجلس النواب وأعضائه بإطلاق سراح النائب هادي السلامي الذي يتمتع بالحصانة النيابية وفقا لأحكام المادة (63/ثانيا/ب) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي تنص (ب- لا يجوز إلقاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي إلا إذا كان متهما بجناية وبموافقة الأعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه)".
وتابع، "كما نطالب كلاً من مجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى بالتحقيق في أسباب الأخطاء الفاحشة بشأن عدم الطلب من مجلس النواب رفع الحصانة عن النائب قبل إصدار الحكم وإيداع النائب في السجن لاسيما وأن الجريمة تُعد جنحة وفقا لقانون العقوبات العراقي. كما نطالب بمحاسبة من تسببوا بهذا الانتهاك والخرق لنصوص الدستور والقوانين النافذة بما يحفظ للقضاء هيبته واستقلاله وبما يحافظ على سمعة السلطة التشريعية الممثلة للشعب العراقي بكل أطيافه".
*الحصانة النيابية
أما رئيس حركة حقوق النائب حسين مؤنس، فقال، نطالب رئيس مجلس القضاء الأعلى بتطبيق الحصانة النيابية، وفق ( المادة 63 / ثانياً ) من الدستور، وإطلاق سراح النائب هادي السلامي.
كما دعا مؤنس، "رئيس مجلس الوزراء بإلزام الوزراء عدم تعطيل الدور الرقابي للنواب تحت يافطة (المصالح العامة)، مؤكدا ضرورة تضامن جميع أعضاء مجلس النواب لاستجواب وزير التجارة، والعمل على سحب الثقة عنه جراء فشله في ضبط أسعار المواد الغذائية قبل الشهر الكريم، وعلى خلفية استهدافه الممنهج للنواب".
في حين قال عضو اللجنة القانونية النيابية محمد عنوز، إن محكمة تحقيق الكرخ أصدرت حكماً بحق النائب هادي السلامي دون الحديث عن حصانته أو إعطاء وقت لمجلس النواب بأن يتخذ قراراً بهذه القضية.
وأضاف عنوز، إن "قرار المحكمة الاتحادية السابق في عام 2021 حصر قضية الحصانة في موضوع واحد وهو الجناية غير المشهودة، أما بالنسبة للجناية المشهودة والجنحة والمخالفة فقد اعتبرها لا تخضع للحصانة وهذا يؤشر تضييقاً على حرية التعبير".
*قانونية الحبس في ظل الحصانة
وبشأن قانونية حبس السلامي 6 أشهر في ظل تمتعه بحصانة نيابية، أوضح مجلس القضاء الأعلى بالقول، إن الحصانة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب تقتصر في حال اتهامه بجريمة من نوع الجناية لكن جرائم الجنح والمخالفات لا تتطلب رفع الحصانة.
بدورهم، قال قانونيون إن قضايا الجنح لا تحتاج إلى تصويت أعضاء مجلس النواب لرفع الحصانة عن أحدهم، مؤكدين إن السلامي سيفقد عضويته في البرلمان إذا اكتسب الحكم الصادر بحقه الدرجة القطعية.
*التجارة تتنازل
وبعد هذا الجدل الكبير، أعلنت وزارة التجارة، في وقت متأخر من أمس الأربعاء، عن تنازلها عن الشكوى القضائية ضد النائب هادي السلامي.
وذكرت الوزارة في كتاب، أنها قدمت طلباً إلى محكمة جنح الكرخ المختصة بقضايا النزاهة، أنه "حرصاً من هذه الوزارة على هيبة السلطة التشريعية وللحفاظ على العلاقة المتميزة مع مجلس النواب الموقر وبما يضمن استمراريتها بشكل يحقق أفضل الخدمات لشعبنا الكريم فإن هذه الوزارة لا تطلب الشكوى بحق المومأ إليه".