الحكومة العراقية تسمح بنقل "السكراب" بين المحافظات.. ماذا تعرف عن الثروة المعدنية "المُهمَلة"؟ وكيف تتم سرقتها؟
انفوبلس/ تقرير
في خطوة وصفها المختصون بـ"الخطيرة"، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، توجيهاً الى الجهات الأمنية، بإيقاف العمل بجميع التعاميم والضوابط الصادرة سابقًا، الخاصة بتقييد نقل مخلفات الحديد (السكراب) والسماح بنقل هذه المواد بدون أي قيود بين المحافظات وداخل المحافظة الواحدة والإقليم، مما أثار موجة من القلق من عودة التهريب لهذه الثروة المعدنية في العراق.
السوداني يقرر السماح بنقل مخلفات الحديد "السكراب" بين المحافظات وداخل المحافظة الواحدة والإقليم
وذكر المكتب الإعلامي للسوداني، في بيان ورد لـ "انفوبلس"، أن "رئيس الوزراء، ترأس الجلسة الاعتيادية التاسعة لمجلس الوزراء الثلاثاء 27 شباط/ فبراير، وقد جرى خلالها بحث الأوضاع العامة في البلاد، ومناقشة العديد من الملفات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية، فضلًا عن التداول في الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها".
وبحسب البيان، أصدر مجلس الوزراء، توجيهات لوزارتي الداخلية والدفاع وجهاز الأمن الوطني وقيادة عمليات بغداد بإيقاف العمل بجميع التعاميم والضوابط الصادرة سابقًا، الخاصة بتقييد نقل مخلفات الحديد (السكراب) والسماح بنقل هذه المواد بدون أي قيود بين المحافظات وداخل المحافظة الواحدة والإقليم".
ويعد ملف تهريب حديد (السكراب)، من الملفات الشائكة التي لم تفرض الحكومات العراقية المتعاقبة السيطرة على تهريبه محليا وخارجيا، كما أثار قرار مجلس الوزراء بحرية تنقل السكراب المخاوف والقلق من عودة التهريب لهذه الثروة المعدنية.
وقدّرت مصادر أمنية رفيعة المستوى لـ"انفوبلس"، أن مئات الآلاف من أطنان السكراب جرى تهريبها منذ عام 2003، حيث إن مقابر خردة السيارات والحديد او ما يسمى بـ"السكراب"، تنتشر في العديد من المحافظات، وهذه المقابر من المفترض أن يتم تسليمها الى مصانع اعادة التدوير، لكنها تعرضت للتهريب.
يذكر أنه وفي عام 2013 وافق مجلس الوزراء على بيع الحديد السكراب او الخردة المتواجدة في دوائر الدولة ومخلفات الحرب وآليات الجيش والشرطة الخارجة عن الخدمة الى القطاع الخاص.
*سكراب العراق.. منجم للمال وثروة مغيَّبة لصالح المهرِّبين
رغم أنه يمثل منجماً من المال للعراق، لكنه لا زال في طيِّ الإهمال والنهب.. السكراب ملف من الملفات الشائكة التي لم تفرض الحكومات العراقية المتعاقبة السيطرة عليه، رغم الرقابة المستمرة للمنافذ الحدودية وحتى تلك التي بين المحافظات، إلا أن بعض الجهات التي تسيطر على التهريب لديها طرقها الخاصة التي تتبعها في سبيل إيصاله إلى خارج البلاد.
لا يشذّ عن الأمر الأحياء الصناعية التي تحتوي على المئات من أكوام السكراب التي تظلّ لسنين طويلة من دون أن يتم استثمارها عن طريقة إعادة تدويرها أو التخلص منها، وإذا كانت مكابس السكراب تمثّل الحل الأمثل على طريق إعادة تدوير المعادن والحديد فإن أغلب المدن العراقية تفتقد إلى هذه المكابس بحسب مهندس البيئة كريم الفتلاوي.
وتعمل هذه المكابس على تقليل حجوم أكوام الحديد لكي يسهل خزنها وإعادة تصنيعها ونقلها من مكان إلى آخر. كما تسبب استيراد آلاف السيارات المستعملة والمنتهية الأعمار، إضافة إلى تراكم الكثير من سكراب الأسلحة والمعدات العسكرية في تحويل العراق إلى مخزن كبير لسكراب الحديد والمعادن.
ملف تهريب السكراب لم تسيطر عليه الحكومات العراقية قاطبة، كون من يسيطر عليه جهات نافذة ولديها ارتباطات مع مسؤولين متنفذين، فوفق مصادر مطلعة هنالك مئات الآلاف من أطنان السكراب جرى تهريبها منذ عام 2003 ولغاية الآن، كما أن عمليات التهريب مستمرة.
وتضيف المصادر، أن "أغلب السكراب يتم تهريبه إلى إقليم كردستان ومنه إلى دول متعددة تتصدرها تركيا وعبر منافذ غير رسمية حيث تنتشر مقابر خردة السيارات أو ما يسمى بـ"سكراب الحديد"، في العديد من المحافظات العراقية وفي مقدمتها مناطق الاسكندرية والمحمودية ونينوى، وهذه المقابر من المفترض أن يتم تسليمها إلى مصانع إعادة التدوير، لكن يتم تهريبها إلى الخارج.
كما في الحي الصناعي في مدينة بابل، يمكن رصد عشرات السيارات المركونة على جوانب الطرق الفرعية. ويقول سكان المدينة، إن هذه السيارات متروكة منذ فترة طويلة جدا بعدما انتفت الحاجة إليها لكنها تُترك في العراء من دون أن يكلّف أصحابها أنفسهم عناء نقلها إلى مقابر السكراب.
ويضيفون، إن كل معمل في الحي الصناعي يمتلك الكثير من قطع الغيار والهياكل المعدنية التي لا يحتاجها لكنه يرفض نقلها إلى المكان المخصص.
ويمتلك أبو عصام (كورة) لصهر المعادن داخل الحي الصناعي، لكنه يؤكد أن الكثير من المعادن النظيفة تجد طريقها إلى خارج العراق بينما يبقى السكراب الرديء والملوّث داخل العراق، ويضيف: بعض طرق الاستفادة من السكراب هو جمعها عبر باعة متجولين يجوبون الشوارع والأحياء ويطلق عليهم اسم (عتّاك) حيث يجمعون الكثير من المعادن الثمينة، لكن هذه المعادن تجد طريقها إلى خارج العراق في الكثير من الأحيان.
وفي الكثير من مناطق التصنيع العسكري جنوبي بغداد تنتشر الكثير من مقابر السكراب، منذ سنين، من دون إشارات لوجود خطة لتجميعها والاستفادة منها. وفي منطقة المحمودية أكوام من السيارات المنتهية الأعمار والأماكن المستهلكة والأسيجة.
وبدت هذه الخردة المعنية وكأنها امتزجت مع الطبيعة الصحراوية للمنطقة، حيث علاها الصدأ والأتربة لكن تاجر الخردة بسّام هيثم يقول، إن تسخير المعادن الخردة في العراق سيشكل موردا مهما للميزانية، ويسهم في تنظيف البيئة من بقايا معدات الحروب والسيارات المستهلكة.
وشهد العراق بعد عام 2003 في أعقاب سقوط نظام صدام تهريب آلاف قطع الخردة باهظة الثمن، والمقابل ذلك استورد التجار الآلاف من السيارات وقطع غيارها ليتحول العراق إلى مقبرة لسكراب العالم.
وبحسب المهندس محمد الربيعي الذي عمل في التصنيع العسكري لنحو عقد قبل عام 2003، فإن الكثير من الآليات والمكائن والعُدد سُرِقت من المعامل، حيث وُجِد قسم منه طريقه إلى خارج العراق، أما القسم الآخر فقد اختفى بين البيوت ومعامل التصنيع.
*شراء العتيق وأهميته
مع ارتفاع اسعار الصرف، وشحّة فرص العمل والركود الحاصل في حركة السوق المحلية، تزايد الإقبال على شراء (السكراب والخردة) من المعادن، حيث يقول الخبير الاقتصادي نوفل أكرم، إن "هناك فكرة سائدة في أن مَن يعمل بشراء العتيق من الأجهزة والأشياء التي تحوي على المعادن، يعيش بالضرورة ظروفا معيشية سيئة، وهذا غير صحيح".
أن الكثير من الذين امتهنوا شراء العتيق أصبحوا اليوم تجاراً، بسبب أهمية السكراب، إذ يتم إعادة تدويره وبيعه كمادة خام تدخل في البناء والتصنيع وغير ذلك، ولطالما كانت مخلفات هذه المعادن مصدراً للكثير من المشكلات الأمنية والاقتصادية، إذ إن البعض ممن يدرك قيمتها المادية يلجأ إلى سرقة كل شيء يقع عليه نظره، لبيعه إلى ورش صهر الحديد، حسب أكرم.
ويقول: إن "الأمر هذا لا يتوقف على الأشخاص الذين يسرقون المعادن من المنازل، بل على مستوى دولي يشارك فيه تجار وسماسرة لتجميع السكراب وخاصة السيارات التي تتعرض للتلف، وتهريبها إلى خارج البلاد".
*تهريب السكراب
تضبط القوات الأمنية بين الفَينة والأخرى، العديد من العمليات المُعدَّة لتهريب السكراب، ومنها ما تم إحباطه عام 2021، عندما تم ضبط 12 شاحنة محمّلة بالسكراب من موقع وزارة الصناعة والمعادن- شركة ديالى العامة للصناعات الكهربائية- مُعدَّة للتهريب إلى أربيل في شمال العراق.
ووفق تصريح أمني، كانت حجّة المهرِّبين "الاستفادة من السكراب في خطوط الشركة العامة للصناعات الفولاذية الإنتاجية" بينما غايتهم تهريب الخردة إلى محافظة أربيل بشكل غير قانوني.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، إن "مخلّفات الحديد ومعادن أخرى كثيرة كالنحاس والألمنيوم والبراص من بقايا الأجهزة والمعدات والآليات، وتُقدّر بمئات آلاف الأطنان ضمن دوائر الدولة والقطاع الخاص وفي ساحات وأطراف المدن العراقية وهي عبارة عن ثروة مُهمَلة لم تضَع الحكومة العراقية آليات بيعها أو إعادة تدويرها، لذا لجأ كثير من الأشخاص للاستحواذ عليها وبدأت عملية تهريبها إلى خارج البلاد وخاصة تركيا عن طريق إقليم كردستان، علما أن القانون العراقي يمنع خروج الحديد بكل أنواعه وأشكاله خارج البلاد".
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن "موضوع تهريب السكراب أصبح ينفذ بشكل علني، حيث نشاهد الشاحنات محملة، وهي تذهب عبر كركوك نحو الإقليم".
ويضيف المشهداني، أن "عمليات تهريب النفط كانت تجري عبر تصاريح مزورة، وتذهب بالحديد والسكراب إلى ديالى وكركوك، فإنه سيصادف ما لا يقل عن 100 شاحنة تأتي من محافظات مختلفة الإقليم”، لافتا إلى أن "بعض السكراب كان يستخرج من منشآت حكومية".
ويتهم الخبير الاقتصادي "جهات سياسية وأمنية متنفذة بتوفير الحماية لهذه العمليات، وإلا فكيف يتم عبور هذه الشاحنات إذا لم تتم هذه عبر نداءات وتغطية من مافيات"، مؤكدا أن "السكراب المهرب يذهب إلى الإقليم، لتواجد معملين لحديد التسليح، فالحديد الخام ينصهر كله، وتتم إعادة صبه هو والرصاص والألمنيوم، وهو من المعادن النافذة مثل النفط التي تنعدم مواده الاًولية في كل مكان، وعليه تتم إعادة تصنيعها مرة أخرى".
ويلفت المشهداني، إلى أن "إقامة معمل من هذا النوع في الإقليم، ليس منطقيا من الناحية الاقتصادية، لأن معامل الحديد يجب أن تكون قريبة من البحر لغرض تصديرها، إلا أنهم أغلقوا معمل الصلب في البصرة وافتتحوا معملا في الإقليم".
وينوه المشهداني، أن "مردود الحديد السكراب كبير جدا، إذ يصل طن الحديد السكراب من 25 دولارا إلى 100 دولار وبعد تصنيعه يباع تقريبا بسعر 800 دولار".
*لجنة سكراب الحديد
يؤكد الهماشي، أنه "لا يوجد أي مادة قانونية تسمح بتصدير الحديد، ولكن عام ٢٠١٣ وافق مجلس الوزراء على بيع الحديد السكراب أو الخردة المتواجد في دوائر الدولة و مخلفات الحرب وآليات الجيش والشرطة الخارجة عن الخدمة إلى القطاع الخاص، وشكلت وزارة الصناعة والمعادن لجنة سُمِّيت "لجنة سكراب الحديد" على أساس بيع الحديد وفق قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم ٣٢ لعام ١٩٨٦ أو تحويله إلى مصانع الحديد والصلب في البصرة أو شركة نصر العامة للصناعات أو مصانع القطاع الخاص الفولاذية، ولكن الكميات كانت كبيرة والشركتين متوقفتين عن العمل، لذا استحوذ القطاع الخاص على كميات كبيرة من السكراب وهرّبها بطريقة غير قانونية، مستغلا فساد مؤسسات الدولة العراقية، بل وصل الحال بيع مكائن مازالت صالحة للعمل على أنها سكراب وهُرِّبت إلى الخارج".
وبيّن، أن "الحال وصل إلى إضافة كميات من الألمنيوم والنحاس والنيكل ومعادن أخرى مع سكراب الحديد وبيعها كلها على أنها حديد، وهكذا في ظل فساد مؤسسات الدولة يتم التهريب والسرقة بتحايل على القانون".
*تدوير الخردة
ويشدد مختصون، على ضرورة أن يتوفر في العراق مكابس سكراب حديثة للصُّلب والمعادن إضافة إلى مصاهر تُعيد تدوير النفايات المعدنية، حيث يرى الباحث الاقتصادي ميثم جريان أن هناك حاجة ملحّة لتوسيع منح التجار رُخَص تسمح لحامليها بتصدير الخردة التي لا يمكن تدويرها في العراق.
ويؤكد الباحث، حاجة العراق شديدة إلى تدوير الخردة بدلا من الاعتماد على استيرادها بأسعار غالية من الخارج لافتقادها إلى معدن الصلب حيث يمكن تحويل هذه الخردة بعد إعادة تدويرها إلى احتياطي جيد من الصلب.
وفي الكثير من مقابر الخردة المنتشرة جنوبي بغداد والناصرية والبصرة تزدحم الساحات بالشاحنات المدمَّرة والطائرات والدبابات والسيارات والمكائن والعُدد. ويتذكر فيصل جبار الذي عمل مع القوات الأميركية في العراق أن من أهم (تلال) الخردة هي تلك الموجودة في معسكر أناكوندا والتي تم شراؤها من قبل شركة كويتية.
ويقول خبير بيئي أيضاً انه يجب أن تنظم في كل محافظة لجان متخصصة لرفع (السكراب) وأنقاض المعادن من مدن العراق لاسيما تلك المنتشرة بين المناطق السكنية والزراعية والصناعية. لكن الخبير يحذر من أن بعض السكراب ملوَّث ويتوجب الفحص قبل اتخاذ أي إجراء بشأنه، وفي حالة تلوثه فإن أفضل طريقة للتخلص منه هو الطمر.