الشهيد فاضل العمشاني.. أحد وجوه خط الولاية البارزين والذي أخفاه النظام السابق.. ماذا تعرف عن شهيد الغدير؟
انفوبلس تستذكر سيرته بالتفصيل
الشهيد فاضل العمشاني.. أحد وجوه خط الولاية البارزين والذي أخفاه النظام السابق.. ماذا تعرف عن شهيد الغدير؟
انفوبلس/..
تنشر شبكة انفوبلس تقريراً مفصلاً عن الشهيد فاضل زيدان العمشاني، الذي استُشهد في عام 1999 على يد جلاوزة نظام البعث القمعي، بعد أن انتابهم الخوف من شخصية هذا الشيخ الشجاع فما كان أمامهم إلا التوجه نحو سجنه وإعدامه.
*مَن هو؟
الشيخ الشهيد فاضل زيدان العمشاني والمفكر والأستاذ وأحد بذور المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله ومن أساتذتها. وُلد الشيخ العمشاني عام 1963 ونشأ وترعرع ودرس في مدينة الصدر شرقي بغداد. تخرج من معهد التمريض في العاصمة ثم قرر دراسة العلوم الحوزوية في النجف الشرف وتشرّف بدخوله المبارك لها عام 1992.
عاش الشيخ العمشاني في الوسط الحوزوي المجتمعي حياةً مؤثرة في محيطه الاجتماعي واقتُدي بسموِّ أخلاقه واحتكوا به مثلما أحسن التقاط العلم والسلوك من أساتذته، وكانت حركته مستمرة ودؤوبة في بغداد وخصوصاً مدينة الصدر لإيصال الأفكار الدينية للشباب في المساجد والحسينيات ومنها جامع الأمراء في قطاع 40 سوق مريدي وجامع سيد الرسل في قطاع 32.
في التاسع من شعبان عام 1997 قام جلاوزة البعث الظالم الكافر في النجف الشرف باعتقال الشيخ العمشاني، وعندها نظر الشيخ الى مرقد أمير المؤمنين "عليه السلام" وسلم وودعه في تلك اللحظات بعد الانتهاء من درسه في الحوزة في شارع الرسول "ص"، وطلب لحظة من الجلاوزة أن يسلم على الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام" وكأنه يعلم أنها النظرة الأخيرة لملاقاة الحبيب.
استخدم المحققون في زنازين وأقبية دائرة الأمن أقصى أنواع التعذيب من الناحيتين الجسدية والنفسية، الأمر الذي لم ينَل من صلابتهِ حيث كان يُقيم صلاة الجماعة داخل المعتقل.
*حُكِم الإعدام والسبب..
في محاكمة صورية حكمت محكمة أمن الثورة الظالمة عام 1999 على الشيخ العمشاني بالإعدام شنقاً حتى الموت بتهمة قيادة الدعوة لتقليد آية الله الإمام الخامنئي دام ظله وهذا ما نطق به قاضي المحكمة.
نُفذ حكم الإعدام في يوم الاثنين الخامس من نيسان عام 1999 وسُلمت الجثة لذويه يوم الجمعة التاسع من نيسان ليُدفن الى جوار أمير المؤمنين عليه السلم في مقبرة وادي السلام.
كان يُلقي على مُريديه محاضرات ودروس من نهج البلاغة فيما كان متأثراً بشكل شديد وملحوظ بأفكار ورؤى السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس الله نفسه.
*مؤلفات
للشيخ العمشاني العديد من المؤلفات، منها؛ كتاب مسائل في الإمامة، وكتاب الاستخارة بين السائل والمجيب، ومحاضرات علم القرآن الكريم، وكُتيّب صغير عن السجود، ومجموعة أخرى من الكتب التي لم تكتمل، من بينها، كتاب نهج التُّقى، وكتاب دروس في ولاية الفقيه.
*روايات
يروي أحد السجّانين للشيخ العمشاني أن تنفيذ حكم الإعدام كان من المقرر يوم الأربعاء من أسبوع إعدامه لكن قُدم إلى يوم الاثنين وهو يوم الغدير الأغر وهو ما طلبهُ الشيخ من ربّه قبل أن يُزَجُّ في السجن حتى أن يكون موته في يوم الغدير.
يقول السيد جاسم الجزائري، عن الشيخ العمشاني، "في زمن عَزَّ فيه الرجال كنتَ قامةً شامخة تأبى الانحناء في زمن انهيار القيم والمُثل، كنت مثالاً للكرامة والكرم في زمن أجدبت فيه الأرض من الدُّعاة، كنت صوتاً هادراً هادياً شجاعاً".
ويروي أحد رفاق الشيخ العمشاني في السجن، أنه "كان أحد الجلادين البعثيين يدعى أبو درع، اتصف هذا الخبيث بالأسلوب المستحقر للمجاهدين وتعذيبه بلا رحمة له، ولا يحترم أحد لكنه عندما يقدم الى الشيخ لا يناديه إلا شيخنا او شيخ فاضل، وفي إحدى المرات قدم ونادى شيخ، شيخ، شيخنا.. لم يُجِب الشيخ إلا بعد دقائق. قال له، أين كنت؟ منذ وقت وأنا أنادي. رد الشيخ، في بيت الخلاء لا يجوز الكلام. قال الجلاد، لكن أنا أبو درع؟ قال، حتى وإن كان الأكبر منك فلن أُجيب".
ويقول رفيق دربه الشيخ قاسم السوداني، إن أهم ما كان يُميّز جهاد الشيخ فاضل العمشاني مضافاً الى شجاعته الفائقة ووعيه العالي وإخلاصه الشديد، هو الوضوح والصدق مع مَن كان معه، فلم يكن يقبل الضبابية وعدم الوضوح فضلاً عن المواربة والتدليس حتى كان جهاده مصداقا للآية المباركة "على بصيرة أنا ومن اتبعني".
وقال أحد قيادات كتائب حزب الله مفتخراً: إن التأسّي بالإمام علي "عليه السلام" في ظاهره ليس مستحيلا بل قد تحقق جزء من جانب المعاملة مع النـــاس منه في الشيخ فاضل، فأنتج ذلك الرجل الذي كان يحرص على إخلاص نيّته في ما يفعل.
*التشييع
يقول أحد المشاركين في تشييعه: "تشرفت مع إخوة أَعِزَّةٍ بالمشاركة في تشييعه وتوديعه وكنتُ شاهداً على الحضور الحوزوي لزملائه وأساتذته ومحبيه في تشييعٍ مهيب يتقدمه مثل السيد المرجع السيستاني "دام ظله " سماحة السيد حسين الكربلائي الذي صلى عليه. ونقل بعض الفضلاء أن السيد المرجع قال في حق الشهيد الشيخ (سقط عَلَمٌ من أعلم النجف)".
*موقف
يقول الشيخ مسلم الدراجي، "أذكر جيدا ذلك اللقاء الأول الذي جمعني بك أيها الشيخ المعلم الشهيد. عندما رأيتك حافي القدمين وأنت تطبخ الطعام للمعزّين ليلةَ العاشر من المحرم بعدما لطمتَ صدرك بقوة في مجلس العزاء، حينها تخيلتُ أنك شخصا عاديا أو أقل مرتبة من الطلبة الذين كانوا حاضرين في المجلس، وازداد ذلك التصور عندي عندما رأيتك تُجلُّهم وتحترمهم وتلين جانبك لمن يتكلم معك منهم، لكني صُدِمتُ عندما علمتُ أنك أستاذهم في العلوم الدينية في حوزة النجف الأشرف".
وأضاف، "من أين جئتَ بهذا الخلق الرفيع؟ وكيف وصلت إلى هذه المرتبة من التواضع والتفاني في خدمة الآخرين؟ تفرقنا صباحاً بنهاية المجلس وظلت تلك الصورة عالقة في ذهني ومخيلتي، ولذَّةُ اللقاء تُبهجني رغم أنني لم أتكلم معك إلا كلمات قليلة، حتى مَنَّ اللهُ تعالى علينا بلقاء آخر معك وهذه المرة لقاء من نوع آخر لقاء درس في علوم القرآنـ وفيه تعرفتُ على سجاياك الفاضلة وشمائلك الكريمة حيث العلم وحسن البيان وروعة المنطق وعظم الأخلاق وبساطتك التي لا يستطيع أحد أن يتقمَّصَها إلا أن يكون صادقا مثلك في السر والعلن".
وتابع: "من أين أتيت بكل هذه الصفات؟ وكيف يمكن لشخص أن يجمع كل الفضائل في شخصيته وبأعلى درجاتها؟ من أين تعلمت كل هذا الذوبان في الإسلام؟ بحيث أصبح همك الوحيد هو تبليغ أحكام الدين للناس رغم الظروف المأساوية التي كانت تُحيط بك؟ كيف تأقلمت مع تلك الظروف بحيث إنك تُعطي وقت عائلتك لتدريس الشباب في بغداد يومي الخميس والجمعة على الرغم من أنك تسافر الى النجف بقية أيام الأسبوع؟ كيف وفّقت بين شظف العيش والزهد بالمال؟ أنا لا أنسى ذلك الموقف الرهيب عندما دخلت عليك في النجف الأشرف ورأيت ثوبك المثقوب ونظرت إلى جانبك ظرفاً فيه مبلغ كبير من المال تحمله لفقراء الحوزة وفقراء بغداد دون أن تأخذ منه شيئا لتشتري ثوبا جديدا!".
وأكمل: "كيف أنسى سعيك الحثيث في قضاء حوائج الناس عندما تطرق أبواب المكاتب في النجف لتبيع ماء وجهك لتحفظ ماء وجوه المحتاجين؟ وما زاد ذلك السعي وجهك إلا إكراما وعزّة، أيها الغريب عن هذا العالم من أين أتيت؟ كيف تسلّطتَ على قلوبِ هذه المئات من الشباب؟ كيف استطعت أن تحوّل مجتمعا بائسا إلى مجتمع رساليّ مُفعم بالقوة والإصرار على التعلم والعمل؟! كيف وكيف وكيف ولا ينقطع الكيف والسؤال يبقى قائما وبلا إجابه أيها المعلم، من أي كوكب أتيت؟".
وأردف بالقول: "لقد ازدادت حيرتي فيك عندما اقتربتُ منك أكثر عندما جمعنا العمل في مشروع ولاية الفقيه حيث كنا نلتقي في بيتك البسيط في النجف الاشرف كل ليلة جمعة مع شهيدنا السعيد علي الفريجي، لمستُ عن قرب في تلك الفترة أنك بهذا الإخلاص وبهذا الذوبان في الإسلام لن تبقى كثيرا في هذه الأرض فأنت لست من سكانها لأنك لا تشبههم فصفاتك غير صفاتهم وهمومك تختلف عن همومهم ومع كل لقاء أسبوعي يتجدد عندي هذا الشعور وأنني أجلس بين رجُلَين من أهل الآخرة، عندما كنت أسمع منك بعض الكلمات بخصوص التضحية في سبيل الله كنتُ أحسُّ بتأثيرها يخترق أعماقي لتجعلني أردد نفس السؤال يا أبا إسراء من أي كوكب أتيت؟ وظلت حيرتي تكبر وكنت أظن أنني المتحير الوحيد فيك وفي صفاتك الكريمة لكني وجدت أن كل من كان حولك حائرون مثلي ويسألون أنفسهم من أين لك كل هذا وكيف استطعت أن تطوي هذه المراحل في تهذيب النفس بهذا العمر القصير؟ ومن أي كوكب أتيت؟!".
وأتمَّ الشيخ الدراجي: "ظلَّ سؤالي بلا إجابة إلى أن تمَّ اعتقالُك من قِبَلِ الحاكم الجائر وأنا أُراقب أخبارك من بعيد، حينها كنتُ قد سافرتُ خارج الوطن وبدأت تراودني فكرة رحيلك عن الدنيا شهيداً لأنه من المؤسف أن لا تنالَ الشهادة في سبيل الله مع كل هذه المجاهدات والتضحيات والخصال الحميدة، ولكنك وسَّعتَ حيرتي أكثر في مشهد شهادتك عندما طلبت من أهلك أن يدفعوا المال للسجّانين لينفذوا حكم إعدامك في يوم الغدير لتوقِّع على الولاء بالدم لا بالحبر، وبالفعل لا بالقول فكان لك ما أردتَ ونِلْتَ ما طلبتَ. فهنيئاً لك ما بلغت، ولكنك ياشيخي المعلم لم تُجِبْني، من أي كوكبٍ أتيت؟!".