الصحافة العراقية تحتفل بعيدها الوطني الـ155 وانفوبلس تستعرض واقعها بالأرقام: مراتب "مخزية" وتهميش مستمر
انفوبلس/ تقرير
على الرغم من عدم وجود أجواء احتفال من قبل الصحفيين أو العاملين بالمجال الإعلامي، فإن الجهات السياسية والحكومية قدموا التهاني للأسرة الصحفية العراقية بمناسبة عيدها الوطني الـ155، وتقرير شبكة "انفوبلس"، سيسلط الضوء على واقع الصحافة في العراق الذي يحتل المرتبة الأولى كأخطر البلدان في العمل الصحفي.
ذكرى تأسيس جريدة الزوراء عام 1869 تُعد مناسبة سنوية للاحتفال بعيد الصحافة العراقية لكونها أول جريدة صدرت في العراق.
احتفت الصحافة العراقية، اليوم السبت 15 حزيران/يونيو 2024، بالذكرى الـ155 على تأسيسها، وسط دعوات سياسية وحكومية للجهات المعنية بحماية الصحفيين العاملين في العراق وضمان حقوقهم المسلوبة، وتذكّر الصحفيون الذين اغتيلوا أو قُتلوا خلال السنوات السابقة على يد جهات مختلفة.
*تقديم التهاني
واستقبلت نقابة الصحفيين العراقيين برئاسة مؤيد اللامي، اليوم السبت، المهنئين بعيد الصحافة، في المقابل، قدم زعماء وسياسيون، التهاني للصحفيين العراقيين بمناسبة احتفالهم بالذكرى (155) لعيد الصحافة العراقية.
وبارك رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، للصحفيين العراقيين احتفالهم بالذكرى (155) لعيد الصحافة العراقية. وقال في تدوينة له على منصة (x) تابعتها شبكة "انفوبلس": "نبارك للصحفيين العراقيين احتفالهم بالذكرى (155) لعيد الصحافة العراقية، ونؤكد دعمنا لدورَ الصحافة والإعلام الأساسي في استكمال المنهج الديمقراطي والدستوري، وخدمة حقّ العراقيين في المعرفة العادلة".
وأضاف: "كما نستذكر، بالتقدير والإجلال، شهداء الصحافة، وما قدموه من تضحيات، خدَمتِ الحقيقة، ودافعت عن العراق، كلّ عام وصحافتنا بخير وعلى المسار المهنيّ الصحيح".
كما دعا وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي، اليوم السبت 15 حزيران/يونيو 2024، المؤسسات الإعلامية إلى تسجيل صحفييها ضمن قانون الضمان الاجتماعي، مؤكدا ان تسجيل الصحفيين يوفر لهم الحماية الاجتماعية اللازمة، ويضمن حقوقهم ورفاهيتهم، بما يعزز من قدرتهم على أداء مهامهم بكل أمان واستقرار. وحث جميع المؤسسات على الالتزام بهذا الواجب الوطني والإنساني، وتوفير بيئة عمل آمنة ومستدامة للعاملين في مجال الصحافة، تكريماً لجهودهم وتضحياتهم في نقل الحقائق والدفاع عن حرية التعبير.
في المقابل، امتعض الصحفيون العراقيون، من التهاني والتبريكات والوعود التي جاءت بالذكرى (155) لعيد الصحافة العراقية، وذلك بسبب تكرار الوعود دون تحقيق على أرض الواقع.
وصدرت جريدة الزوراء العراقية، كأول جريدة تصدر في بغداد على يد مؤسسها الوالي مدحت باشا في 15 حزيران 1869م، وجلب لها مطبعة من باريس، وصدرت الزوراء ومنذ عددها الأول باللغتين العربية والتركية وبالحجم المتوسط، بثماني صفحات، ثم بأربع صفحات، حتى عام 1908 م، واستمرت الزوراء بالظهور دون توقف طوال 48 عاما.
*العراق بالمرتبة الـ169 عالميًا بحرية الصحافة والأول بالصحفيين القتلى
وفي هذا العام، يحتفل العراق بعيد الصحافة بتراجع مؤشره بحرية الصحافة لعام 2024، حيث جاء العراق بالمرتبة 169 من أصل 180 دولة بحرية الصحافة والمرتبة 12 عربيا وبعدد نقاط بلغ 25.48، متراجعا عن مرتبته في عام 2023 حيث كان في المرتبة 167 عالميًا بعدد نقاط يبلغ 32.94 نقطة.
وعلى مستوى البلدان الخطيرة على عمل الصحافة، يأتي العراق بالمرتبة الأولى عالمًيا كأخطر البلدان على عمل الصحافة، وذلك بتصدر العراق العالم بعدد الصحفيين المقتولين خلال الـ30 عاما الماضية، حيث يبلغ عدد الصحفيين العراقيين المقتولين أكثر من 400 صحفي وهو العدد الأكبر في بلد واحد على مستوى العالم.
ويؤكد هذه الأرقام رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، الذي أكد أن العراق يحتل المرتبة الاولى في العالم بعدد قتلى الصحافة الذي بلغ 470 قتيلاً، كاشفاً تسجيل مئات الانتهاكات وثقت ضد الصحفيين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تنوعت بين الطرد التعسفي والملاحقة القضائية والترهيب ومنع التصوير وتكسير المعدات وغيرها.
*إنهاء خدمات دون مقدمات
يقول الصحفي العراقي مصطفى سلمان (اسم مستعار)، إنه خطأ غير مقصود أو ربما فُهم على أنه خطأ في أحد عناوين الأخبار أنهى مسيرته العملية قبل أن يستأنف عمله بمكان جديد.
وبحسب سلمان، فإن القصة بدأت عندما نشر خبراً خلال ساعات عمله صباحاً، ثم تفاجأ بتوبيخ من مدير الأخبار مساءً في "كروب" على تطبيق الواتساب خاص بعمل الوكالة الإخبارية التي يعمل فيها، وطلب تعديل عنوان الخبر الذي أثار الجدل داخل المؤسسة الإعلامية.
"لكن لم تمر سوى خمس دقائق حتى طالب المدير بإيقاف الخبر ومحرره عن العمل، وبعدها بلحظات أزال المحرر من مجموعات الواتساب الخاصة بعمل الوكالة الأخبارية"، يروي سلمان، ويقول إن "مدير الاخبار أنهى خدماتي بدون مقدمات، متحججاً بأن الخبر دفع جماعة سياسية الى تهديد المؤسسة مما اضطر الأخيرة الى تنزيل اعتذار هو الأول من نوعه!".
وليس سلمان وحده من عانى اضطهاداً داخل مؤسسته الإعلامية، إذ يشبهه في التجربة، الصحفي عباس كريم الذي صُدم في أواخر العام 2021 بإنهاء خدماته هو ومن معه في الموقع الإخباري الإلكتروني التابع إلى إحدى القنوات الفضائية العراقية.
ويوضح كريم، إن "مدير الموقع الإلكتروني أبلغنا حينها بإنهاء خدمات جميع من يعمل في الموقع الإلكتروني والبالغ عددهم 8 أشخاص في الفترين الصباحية والمسائية وما بعدهما (الخفر)، وأن القرار جاء من المدير العام حصراً بعد سوء فهم حصل تجاه خبر، لم يقتنع به المدير العام ولم يحاسب من عمله بل قرر قراره المزاجي بتسريح الكادر وتبديله بكادر جديد".
"جميع من أُنهي خدماتهم لديهم التزامات مالية وعائلية، وجاء القرار بمثابة صدمة لهم"، يذكر الصحفي كريم ويضيف، أن "حوالي نصف الصحفيين العراقيين يعملون بأكثر من مؤسسة إعلامية لحوالي 12 ساعة احيانا، ليغطي عملهم الثاني على الأول في حال تعرضهم للتسريح من إحدى المؤسستين".
وبحسب قانون العمل العراقي المادة 67، فإنه لا يجوز أن تزيد ساعات العمل عن الثماني ساعات في اليوم والـثماني وأربعين ساعة في الأسبوع، مع مراعاة استثناءات عديدة يفصلها القانون، كما يفرض القانون استراحة أثناء ساعات العمل ما بين نصف الساعة أو ساعة وفقاً للمادة 68 (1)، أما إذا تجاوزت ساعات العمل الوقت المحدد قانونياً، فللعامل أجر إضافي.
انتهاكات كثيرة مشابه لما جرى مع سلمان وكريم حصلت مع صحفيين عراقيين داخل مؤسساتهم، فمنهم مصحح لغوي قدمت له ورقة انهاء خدماته نهاية شهر نيسان 2022 بإحدى الصحف العراقية المعروفة، وكذلك مخرج نشرة أخبار تأخر في البث فكان أنهاء الخدمات مصيره في إحدى القنوات الفضائية العراقية المعروفة في تموز 2023، بالإضافة إلى إغلاق موقع إخباري الكتروني في كانون الثاني 2024 بحجة أنه لم يحقق المرجو منه "سياسيا"، فضلا عن تأخير أجور عدد من المحررين في وكالة إخبارية يديرها متحدث باسم وزارة حكومية، اضطرهم إلى ترك العمل فيها.
رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية هادي جلو مرعي، يرى أن غياب الضمان للصحفيين في المؤسسات الاعلامية التي يعملون فيها ليس وليد اللحظة، وإنما هو موضوع متجذر في الاعلام العراقي بعد العام 2003.
"الكثير من العاملين في المؤسسات الاعلامية بمختلف صنوفهم، اشتكوا مراراً من التهميش والإقصاء وحرمانهم من مستحقاتهم لشهور طويلة، بالإضافة الى تحميلهم فوق طاقتهم، من خلال تكليف الشخص الواحد بعمل من المفترض أن ينجزه اثنين"، يقول مرعي.
ويضيف، أن غياب العقود فاقم أزمة العمل في المؤسسات الاعلامية، وجعل من السهولة الاستغناء عن الموظف"، مؤكدا أن "العقود في المؤسسات الاعلامية مهمة جداً، بشرط أن تكون حقيقة وليست هامشية ويجب ان تكون مصدقة قانونياً".
ويلفت مرعي الى، أن "بعض المؤسسات الاعلامية تسّلم الموظفين رواتبهم بعد شهرين او ثلاثة من الموعد المحدد وبشكل متقطع، وهذه ظاهرة تدل على أن تلك المؤسسات غير مهتمة بالصحفيين، ويعتقدون بأن الصحفيين غير قادرين على الضغط لضمان حقوقهم فيتم التغاضي والتساهل بسبب غياب الردع".
إلى ذلك، يلفت القانوني ساطع عمار إلى، أن ثمة خلل كبير في بنية العمل الصحفي في العراق، ويضيف إنه "يمكننا ان نسحب ذلك إلى سائر حقول العمل بشكل عام إلا وهي عدم تطبيق ضمانات وحقوق العامل التي نص عليها بشكل واضح وصريح قانون العمل رقم 37 لسنة 2015".
ويشير إلى، أن "ذلك القانون شبه معطل في المؤسسات الاعلامية اذ يُفترض ان كل عامل في هذه المؤسسات يوجد عقد عمل ينظم العلاقة بينه وبين مؤسسة العمل فيما يتعلق بالحد الادنى من الأجور وساعات العمل وتحديد آليات إنهاء العقد وطرق التحكيم والمحاكمة بينهما".
"ذلك غير موجود في الكثير من المؤسسات الإعلامية، والصحفي مُجبر ان يعمل بدون هذه الضمانات بسبب الحاجة إلى العمل"، وفق عمار الذي يؤكد أن "نقابة الصحفيين العراقيين وباقي الفعاليات النقابية والمنظمات معنية بمراقبة هذه الشروط والضمانات وتطبيقها".
*الحماية القانونية للصحفيين
ويكشف الخبير القانوني علي التميمي، اليوم السبت 15 حزيران/يونيو 2024، تفاصيل مواد قانون حقوق الصحفيين رقم 21 لسنة 2011، فيما يبين انه لا يجوز مساءلة الصحفي أو إلقاء القبض عليه الا بقرار قضائي.
ويقول التميمي في حديث لشبكة "انفوبلس"، انه في المادة 8 من قانون حقوق الصحفيين جاء انه لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من آراء أو معلومات صحفية أو الاضرار به بسببها"، لافتا الى ان من يعتدي على الصحفي كمن يعتدي على الموظف أثناء الواجب وفق المادة 229 من قانون العقوبات تصل إلى الحبس 3 سنوات كما قالت المادة 9 من هذا القانون.
ويتابع، ان لا يجوز مساءلة الصحفي أو إلقاء القبض عليه الا بقرار قضائي وأوجبت المادة 10 من القانون أعلاه اشعار نقابة الصحفيين والجهة التي يعمل بها الصحفي عن أي شكوى مرتبطة بعمله ويجوز لنقيب الصحفيين أو رئيس المؤسسة التي يعمل بها الصحفي حضور الاستجواب تحقيقا ومحاكمة، مشيرا الى أن الدستور ضمن حرية التعبير عن الرأي في مادة 38 منه وكذلك الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق العهد الدولي في المواد 19 و21 على التوالي.