ضوضاء بغداد تُنسي المواطنين "المنبه" وتيقظهم على انغام الـ"مي أرو"
انفوبلس/..
"غاز .. غاز"، "ماي ارو"، "عتيك للبيع"، هذه العبارات هي ما يوقظ العراقيين في العاصمة صباح كل يوم، إذ أصبح ما يعرف بالتلوث الصوتي أو الضوضاء في بغداد سمة من سمات مناطقها.
أصبح التلوث الصوتي بمثابة منبّه صباحي لسكان العاصمة بغداد
وعلى الرغم من وجود القوانين التي تحد من التلوث الصوتي؛ إلا أن تطبيقها قريب إلى الأحلام بالنسبة للمواطنين.
وأصبحت بغداد خلال الأعوام القليلة الماضية، تتصدر المراكز الدولية المختصة بتصنيف المدن الأسوأ في العالم من نواحي معيشية عدّة، إذ حافظت العاصمة على المراكز المتقدمة بين الدول الخمس الأولى خلال آخر تصنيفات.
منبّه صباحي
يشكو بغداديون من سماع الضجيج الذي يوقظهم على فزع حتى في أيام العطل الرسمية، حيث يقول محمد سلام، من سكنة منطقة الشعب (شمالي العاصمة)، إن "أصوات البائعين أصبحت تشكل إزعاجًا حقيقيًا للمنطقة، إذ يمر يوميًا عشرات الأشخاص وبشكل مستمر ودائمًا ما يكررون المرور مما يجبر المواطنين والأطفال خصوصًا على الاستيقاظ من النوم".
ويستغرب سلام، من عدم السيطرة على هذه الظاهرة التي أصبحت تنتشر يوم بعد آخر، رغم وجود القوانين الضرورية للحد منها".
كما يتحدث سيف الدليمي، من سكنة شارع فلسطين (شرقي العاصمة) قائلًا، إن "الضوضاء لا يقتصر على أصوات البائعين، وإنما يصل إلى أصحاب السيارات والدراجات التي تمتلك أصواتًا مزعجة".
وبشأن الضوضاء التي تصدر عن السيارات، فقد حاسب قانون المرور رقم 80 لسنة 2019، بغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار كل من يستخدم جهاز التنبيه الهوائي أو متعدد النغمات أو المشابه لأصوات الحيوانات أو وضع مكبرات الصوت أو الصفّارات التي تزعج مستخدمي الطريق.
ووفقًا لحديث الدليمي، فأن الأجهزة الأمنية والجهات الأخرى مطالبة بتنفيذ حملات حقيقية لمحاسبة مثيري الضوضاء ووضع الحلول المناسبة التي تعمل على عدم قطع أرزاقهم.
رؤية قانونية
الخبير القانوني، علي التميمي، يتحدث عن هذه الظاهرة بالقول إن "هناك قانونًا عراقيًا تحت مسمى (قانون السيطرة على الضوضاء رقم 41 لعام 2015)، يعاقب بالغرامة المالية التي تصل إلى مليون دينار عراقي لكل من يحدث الضوضاء في الأماكن العامة".
يمنع القانون إصدار أصوات مزعجة أو ضوضاء، لكن لا يتم العمل به في العراق
ويشير التميمي، إلى أن "القانون شمل جميع مثيري الضوضاء (معامل الحدادة والنجارة، مكبرات الصوت، الأجهزة الصوتية)"، مبينًا أن "هذا القانون جاري العمل وفق مواده لكن لا يوجد أي تطبيق حقيقي على أرض الواقع".
"القانون منع أي معامل تحدث ضوضاء بالعمل في المناطق السكنية"، والكلام للخبير القانوني، الذي يؤكد أن "التلوث الصوتي الآن يجتاح العاصمة بغداد دون أي رقابة أو محاسبة".
وبحسب التميمي، فأن هناك العديد من الأجهزة الأمنية لا تعلم بوجود هذا القانون ما يصعب عليهم محاسبة مثيري الضوضاء خصوصًا السيارات والدرجات التي تصدر أصواتًا مزعجة، لافتًا إلى أن "تطبيق هذا القانون سيعود بعائدات مالية كبيرة للدولة كون أن هذه الظاهرة هي المسيطرة على الواقع".
وحظر القانون أعلاه على المواطنين القيام بما يأتي:
أولًا: إطلاق أصوات المنبهات من المركبات كافة أو غيرها إلا في الحالات التي يتطلب فيها تدارك وقوع حادث والتي يسمح بها القانون مثل سيارات الطوارئ.
ثانيًا: تشغيل وسائل البث في الأماكن العامة والخاصة التي تؤدي إلى إزعاج الآخرين.
ثالثًا: تشغيل مكبرات الصوت بأنواعها داخل الأماكن العامة إلا بإجازة من الجهات المعنية.
رابعًا: تشغيل مكبرات الصوت بأنواعها خارج الأماكن العامة.
خامسًا: استمرار عمل النشاطات الحرفية التي ينجم عنها ضوضاء في غير المناطق الصناعية بعد الساعة (التاسعة مساءً ولغاية الساعة السابعة صباحاً).
سادسًا: إنشاء الحرف والورش كالحدادة والنجارة داخل المناطق السكنية إلا في أبنية وعمارات خدمية وحرفية خاصة بها.
سابعًا: إنشاء معامل النجارة والحدادة ومعامل تصليح السيارات وأي نشاط يحدث ضوضاء في غير المناطق الصناعية يؤثر على مستخدمي المكان وفقا للمعايير المعتمدة في وزارة البيئة.
ثامنًا: تشغيل مكبر الصوت أو جهاز مشابه في المناطق السكنية لغرض بث دعاية باستخدام مسجل أو راديو أو تلفزيون أو آلة موسيقية في ساعات محددة يوميًا.
تاسعًا: وقوف سيارات الحمل والباصات الكبيرة أو إنشاء مرائب لمبيتها أو وقوفها في الأزقة ويعتمد التصنيف المنصوص عليه في أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة)رقم (86 لسنة 2004 من قانون المرور) والتعليمات الصادرة بموجبه معيارًا لهذا الغرض.
سلبيات وإيجابيات
تتحدث الباحثة الاجتماعية شهرزاد العبدلي، بالقول إن "البغداديين بدأوا بالاعتياد على سماع أصوات البائعين منذ الصباح الباكر وأصبحوا يعتبرون التلوث الصوتي جزءًا من حياتهم اليومية".
الباحثة الاجتماعية تضيف، أن "العراقيين بصورة عامة يعتمدون بشكل كبير على الخدمات التي قدمها هؤلاء البائعين"، مشيرة إلى أن "المناطق الشعبية في بغداد هي من تتصدر الأكثر انتشارًا لهذه الظاهرة بحكم الطابع الشعبي الذي يطفوا عليها".
وبحسب العبدلي، فأن الفائدة المقدمة لهؤلاء البائعة تتجاوز الأضرار السلبية التي تحدثها الأصوات الناتجة عنهم، أما بشأن الأصوات الأخرى التي تنتج عن السيارات أو مكبرات الصوت التي تستخدم للإعلان عن شيء معين قد تكون مزعجة بالنسبة للعديد من المواطنين.
وينص قانون السيطرة على الضوضاء أيضًا، على أنه "يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسين ألف دينار ولا تزيد مليون دينار، كل من خالف أحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه".
وتشكو المدارس في العاصمة بغداد هي أيضًا من أصوات الضوضاء الصادرة عن الباعة المتجولين الذين يضعون مكبرات الصوت بشكل عشوائي أو من أصحاب السيارات، كون هذه الأصوات تنتقل إلى الصفوف الدراسية وتؤثر بشكل كبير على الدروس اليومية.