"الماركات" العالمية المزيفة في العراق.. انتهاكات قانونية واستثمارات سياسية
انفوبلس/..
مع الاستقرار الأمني النسبي الذي شهدته البلاد عقب هزيمة تنظيم "داعش" الارهابي وانخفاض مستوى العمليات الإرهابية، بدأت الأنشطة التجارية تجد طريقها ببطء إلى الازدهار في المدن الرئيسة خلال السنوات القليلة الماضية، متمثلةً بزيادةٍ ملحوظةٍ في عدد المولات والمطاعم والكافيهات والوكالات العالمية والمحلية في مختلف المجالات، وانتشار للبراندات المزيفة في العراق.
انتشرت ظاهرة تزييف علامات تجارية تابعة لشركات عالمية في العراق
فبموازاة الازدهار التجاري النسبي، نشأت ظاهرة العلامات التجارية المزيفة في العراق، ولا سيما الخاصة بالشركات العالمية، وبدأت بالطفو إلى السطح مستغلةً ضعف الرقابة الحكومية على النشاط الاقتصادي إضافةً إلى إهمال مؤسسات الدولة المعنية بإنفاذ التشريعات الخاصة، بحسب قانونيين.
ومارس أصحاب هذه العلامات المزيفة خداعًا على بعض المتبضعين، مستغلين ضعف الدراية بهذا الجانب.
"ستاربكس".. 4 فروع مزيفة في بغداد فقط
خلال العامين الماضيين، شهدت العاصمة بغداد افتتاح أربعة فروع لوكالة "ستاربكس" العالمية، كان آخرها بداية العام الحالي والذي أُعلن عن افتتاحه بحفلٍ كبيرٍ وبحضور الكثير من الفنانين المعروفين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي. لكن، تبين لاحقًا أن الفرع مزيف ولم يحصل على إجازة رسمية من الوكالة الرسمية الأم، بعد أن أُثير الجدل حوله إثر مقطع مصور نشره سائح أجنبي كشف فيه حقيقة تزييف الفرع.
"وجود مثل هذه الفروع في بغداد، وإن كانت مزيفة، يمثل لمسة لطيفة على أجواء المدينة، فمحاولة محاكاة البيئات التي تخلقها الوكالات العالمية أمر مفيد بالنسبة لمن يريد العمل أو الدراسة"، يقول حارث مثنى، ويضيف: "كشخص يعمل (On Line) في مجال البرمجة، أستفيد كثيرًا من هذه البيئات لأنها توفر مساحة جيدة للعمل إضافة، إلى توفير الخدمات اللازمة".
ويستدرك حارث، وهو خريج كلية هندسة الحاسبات في جامعة بغداد، في حديثه بالقول: "الأمر السلبي في هذه الفروع المزيفة هو كونها مؤشرًا على ضعف الرقابة الحكومية وعدم حرص الجهات المعنية على حماية المراطن العراقي من عمليات الخداع التجاري".
نفي "ستاربكس" وجود فروع لها في العراق رغم 4 إعلانات عن افتتاح فرع في بغداد
من جانبها، نفت وكالة "ستاربكس" العالمية وجود أية فروع تابعة لها داخل العراق، وفي معرض ردٍ على سؤال وجه لها عبر الموقع الرسمي الأُم للوكالة وموقع الشركة في الشرق الأوسط، أكدت الوكالة أن "الفروع الموجودة في الشرق الأوسط هي الكويت، السعودية، الإمارات، قطر، عُمان، البحرين، لبنان، الأردن، مصر، المغرب".
يشير حارث مثنى، إلى بعض الفروق بين الفروع الأصلية والمزيفة بحسب تجربته الشخصية: "زرت ستاربكس في أكثر من مناسبة خلال سفري إلى مصر ولبنان، هناك فارق كبير في إدارة العمل، فالفروع الأصلية كانت احترافية جدًا، على عكس ما لاحظته في الفروع المزيفة"، مستدركًا: "لكن الطريف في الأمر أنني لاحظت أن جودة المشروبات كانت أفضل وبنكهات ألذ في الفروع المزيفة، وهذه مفارقة مضحكة".
"أديداس".. الفروع المزيفة تضلل الرسمية
لم تقتصر ظاهرة البراندات التجارية المزيفة للشركات العالمية على بغداد وحدها، حيث أُفتتحت عدة فروع لشركة "أديداس" للتجهيزات الرياضية في عدد من المدن الرئيسة في العراق كالبصرة وأربيل ودهوك.
ورغم أن خارطة توزيع الفروع الرسمية في موقع الشركة الرئيس لا تُظهر أيّة فروع سوى ستة نقاط بيع موزعة على عدد من المولات التجارية في العاصمة بغداد، إلّا أن كثيرين وقعوا ضحية الخداع الذي تمارسه الفروع غير الرسمية.
وقع الكثيرون ضحية خداع تمارسه محال تجارية تدعي أنها فروع من وكالة أديداس
مصطفى فيصل، وهو لاعب كرة قدم في أحد أندية الدرجة الثالثة للدوري العراقي، يقول: "تعرضتُ للغش في إحدى نقاط بيع الفرع المزيف في أربيل خلال سفري مع فريق النادي إلى إقليم كردستان، حيث قام موظف المبيعات بإقناعي وتضليلي بأن فروع أديداس الرسمية في كردستان فقط، أما الموجودة خارج مدن الإقليم فهي مزيفة".
ويضيف مصطفى فيصل : "اكتشفت بعد عودتي إلى بغداد أن الفرع الذي اشتريت منه التجهيزات الرياضية مزيف بعد أن تصفحت الموقع الرسمي".
ويواصل: "اكتشفت أيضًا أن التجهيزات التي اشتريها ليست أصلية وأنها تقليد من الدرجة الثانية رغم شرائها بنفس السعر المعروض في الموقع الرسمي للشركة".
في العام 2019 أعلنت شركة اديداس العالمية عن افتتاح أحد فروعها في بغداد برعاية ومشاركة نادي القوة الجوية حيث أعقبت الشركة افتتاح فرعها الأول بافتتاح عدد من الفروع الأخرى في العاصمة.
يتحدث مصطفى فيصل عن تجارب مشابهة لتجربته، ويقول: "واجهت أحد الفرق الشعبية لكرة القدم عملية خداع كبيرة حيث تم تجهيز الفريق من نقطة بيع لفرع مزيف لشركة أديداس في محافظة دهوك وبعد أن اكتشفوا حقيقة الفرع لم يستطيعوا استرجاع أموالهم لأن الجهات المسؤولة لم تتفاعل مع الموضوع بجدية".
اقتصاديات سياسية وضعف في إنفاذ القوانين
ليست "ستاربكس" و"أديداس" حالات منفردة لـ"البراندات" التجارية المزيفة في العراق، بل يتجاوز الأمر إلى عدد كبير من الشركات العالمية وفي مختلف المجالات كـ "ماكدونالدز" و "آبل" و "زارا" وغيرها، لتُشكّل ظاهرة مستشرية في الواقع العراقي.
تتواجد فروع مزيفة تحمل عناوين لماكدونالدز وشركة آبل في العراق
حسام رعد، محامٍ يعمل في مجال تسجيل الشركات، يحدد عاملين ساعدا في انتشار ظاهرة البراندات التجارية المزيفة في العراق، ويقول: "رغم احتواء المدونة القانونية على الكثير من التشريعات التي تحمي المواطنين والشركات من ظاهرة الغش والتزييف، كقانون حماية الملكية الشخصية، إضافةً إلى القوانين الجنائية والمدنية، إلّا أنها شبه مهملة من قبل مؤسسات الدولة، وهذا ما فسح المجال لأصحاب رؤوس الأموال للاستثمار من دون مراعاة المعايير التي تفرضها الدولة".
وفضلًا عن ضعف إنفاذ التشريعات الخاصة بالمجال الاقتصادي، يحدد حسام رعد، عاملًا آخر: "بحكم عملي في تسجيل الشركات، اكتشفت أن الكثير من هذه الوكالات المزيفة هي استثمارات تابعة لجهات نافذة في البلد، وبعضها جزء من اقتصاديات الأحزاب السياسية، ما يعني صعوبة ملاحقة هذه الجهات قانونيًا من قبل المتضررين".
ويُعتبر تزييف العلامات التجارية أو تقليدها فعلًا مُجرمًا وفقًا للقوانين العراقية النافذة والتي يعالجها بشكل واضح قانون حماية الملكية الفكرية رقم 3 لسنة 1971، إلا أن ضعف الاهتمام بهذا الجانب من قبل السلطات فسح المجال لانتشار هذه الظاهرة، بحسب قانونيين.
أمّا عن سبب عدم ملاحقة هذه الجهات من قبل الشركات العالمية أو المواطنين المتضررين، يقول حسام رعد: "من الناحية النظرية يمكن لأي شركة أو مواطن أن يقيم دعوى قضائية وكسبها بكل سهولة إذا ما أقام الأدلة أمام المحاكم الجنائية استنادًا للمادة 456 من قانون العقوبات العراقي الخاصة بالنصب والاحتيال أو أمام المحاكم المدنية لإقامة دعوى التعرض للغش والغبن الشديد".
ويضيف: "صادفت أكثر من حالة تجنب فيها محامون عراقيون التوكل عن شركات عالمية خوفًا من جهات نافذة، فبعض المحامين تعرضوا لتهديدات مباشرة واضطروا لترك الترافع عن هذه الدعاوى".
وتنص المادة 456 من قانون العقوبات العراقي 111 لعام 1969 على عقوبة الحبس لجرائم النصب والاحتيال، حيث تنص الفقرة "باء" على تجريم اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة من شأنها خداع الطرف المتضرر.