بعد كثرة الدعاوى الكيدية.. هل يمنح القانون العراقي تعويضاً نتيجة التوقيف الباطل؟
انفوبلس/..
يعد التعويض وسيلة القضاء العلاجية لإزالة الضرر الناشئ عن الاعتداء على الحق في الخصوصية أو التخفيف منه فهو جزاء عام عن الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للأشخاص، ومجدداً تعددت صور الاعتداء على حق الخصوصية، إذ يشكل ذلك جانبا يتعذر معالجة آثاره بالتعويض النقدي مهما كان كبيراً، خاصة إذا تعلق الاعتداء بعنصر من عناصر الاعتبارات الأدبية كالشرف أو الكرامة الإنسانية، لذا نجد أن التعويض العيني له جدواه وفعاليته في اغلب الأحيان، ومن هنا تبدو أهميته في جبر الضرر للمضرور أو التخفيف عنه.
والقانون المدني العراقي، ورغم اعتماده في تنظيم أحكام المسؤولية الناجمة عن الأعمال غير المشروعة على أحكام الفقه الإسلامي، لكنه تضمن بعض الأحكام المقررة لحق التعويض للأشخاص الذين تربطهم علاقات أسرية أو مالية بالمتهم، حيث قرر في المواد (202-205) منه على حق التعويض للمتضرر الأصلي الذي وقع عليه الاعتداء وكذلك للأشخاص الذين يلحق بهم ضرر مادي أو أدبي نتيجة اعتقال ذويهم، وهذا ما نص عليه المشرع في المادة 204 من القانون المدني العراقي على ذلك بقولها (( كل تعد يصيب الغير بأي ضرر ... يستوجب التعويض)) إما المسؤولية العقدية فقد نصت عليها المادة 169/2 مدني عراقي (( ويكون التعويض عن كل التزام ينشأ عن العقد...)).
ويقول القاضي عدنان زيدان العنبكي عضو الهيئة الاستئنافية في محكمة استئناف الرصافة: "لقد قدم القانون ضمانات موضوعية لحماية الأشخاص من التوقيف الباطل لما له من مردود سيئ بالنسبة للموقوف وعائلته حيث يعوض الشخص لجبر الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي أصابته من جراء هذا التوقيف، فالتوقيف هو إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى الجزائية يصدر من قبل الجهة المختصة بالتحقيق وينصبّ على تقييد حرية المتهم ضماناً لحسن سير إجراءات التحقيق".
وأفاد العنبكي انه "يتم توقيف المتهم إذا كان متهماً بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات أو بالسجن المؤقت أو المؤبد فالقاضي له أن يأمر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً في كل مرة أو يقرر إطلاق سراحه بتعهد مقرون بكفالة وهذه المادة جوازية للقاضي فإذا أراد توقيف المتهم وقفه أو العكس ويجب توقيف المتهم المقبوض عليه إذا كان متهما بجريمة معاقب عليها بالإعدام وقد نصت المادة 37 / أولا /أ , ب من الدستور لسنة 2005 على " إن حرية الإنسان وكرامته مصانة ولا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي وبالتالي فلا يجوز القبض أو توقيف المتهم إلا بعد صدور قرار من الجهة المختصة باستثناء توقيف المتهم...".
ولفت العنبكي إلى أن "المشرع حدد الحد الأقصى المقرر لتوقيف المتهم حسب القانون من حيث أن لا يزيد مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الأقصى للعقوبة ولا يزيد بأية حال على ستة أشهر إذا اقتضى الحال تمديد التوقيف أكثر من ستة أشهر فعلى القاضي عرض الأمر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على أن لا تتجاوز ربع الحد الأقصى للعقوبة".
وتابع العنبكي إن "التوقيف يشكل وسيلة لفرض قيود على حرية شخص ما في التنقل على نحو حر وذلك لفترة وجيزة ومحددة ويشكل الاعتقال وسيلة استثنائية للحد من حرية التنقل ويحضر استخدامه لغرض المعاقبة ويحضر توقيف شخص ما لغرض الردع أو التخويف أو المعاقبة ويجوز الاعتقال من الجنود والشرطة وفق صلاحيات الاعتقال لشخص ارتكب أو هو على وشك ارتكاب جريمة أو مخالفة للتعليمات".
وتقول القاضي زينب صبيح كاظم قاضي أول محكمة بداءة الرصافة "لقد حرص المشرع العراقي على تشريع القوانين الخاصة بالتعويض عن الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تنتج نتيجة التوقيف الباطل للمتهم في حالة ثبوت براءته من التهمة الموجه إليه، كون التوقيف من الموضوعات المهمة التي لها علاقة وثيقة بحقوق وحريات الإنسان وهو يعد من اخطر إجراءات التحقيق وأكثرها مساسا بحرية الفرد الشخصية التي تعتبر من الحقوق الطبيعية للإنسان التي يحق له بموجبها الانتقال من مكان إلى آخر".
وأضافت كاظم "لقد أكدت الإعلانات والاتفاقيات الدولية ودساتير الدول على ضرورة عدم المساس بحرية الفرد الشخصية إلا في الحالات التي يجيزها القانون والتوقيف هو إجراء ماس بالحرية شرع لمصلحة التحقيق بأمر يصدر من القاضي المختص في جرائم معينة تسلب بمقتضاه حرية المتهم بإيداعه السجن لمدة معينة متى توافرت الدلائل الكافية، وحرية الفرد هي أثمن ما في الوجود ويتجلى الإحساس بها بشكل واضح عندما يتم تقييدها فهي تتعلق بكيان الفرد وبصميم كرامته وهي مصير قيمته كانسان وان المساس بها لا تبرره إلا مصلحة عليا هي مصلحة المجتمع وعليه يتم قياس مدى تطور المجتمعات على أساس حفاظها على حقوق وحريات أفرادها وبالضمانات التي تمنحها للأفراد بموجب قوانين وان الدستور العراقي في المادة 15 منه أشار وأكد على إن لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقا للقانون وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة".
وأشارت كاظم لقد أكدت المادة 37 من الدستور إن "حرية الإنسان وكرامته مصونة ولا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي وقد تم إعطاء الحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقا للقانون بخصوص التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ولم يذكر حق التعويض في حال التوقيف الباطل".
وعرجت كاظم على إن "المشرع العراقي لم يشرع قانونا خاصا بالتعويض عن الأضرار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تنتج نتيجة التوقيف الباطل للمتهم حالة ثبوت براءته من التهمة حيث يلاحظ خلو الدستور العراقي على نص يبيح التعويض كذلك لا توجد قوانين شرعت تنص على التعويض عن التوقيف الباطل في حال ثبوت براءة المتهم، إلا أن المشرع في إقليم كردستان العراق من بين المعترفين بحق المتضرر من التوقيف غير القانوني في الحصول على تعويض وذلك بإصداره القانون رقم (15) لسنة 2010 الخاص بتعويض الموقفين والمحكومين عند البراءة والإفراج والذي حدد في المادة (2) من القانون على شروط المطالبة بالتعويض والتي نصت (كل من تم حجزه أو توقيفه تعسفياً أو تجاوزت مدة موقوفيته في الحد القانوني دون سند قانوني ثم صدر قرار برفض الشكوى والإفراج عنه وغلق الدعوى أو الحكم ببراءته له حق المطالبة بالتعويض المادي والمعنوي عن الأضرار التي لحقت به جراء الحجز والتوقيف والحكم)".
وتابعت كاظم إن الحالات التي يجيز فيها القانون العراقي المساس بحرية الشخص سواء عن طريق إصدار أمر القبض بحقه وحجزه أو اعتقاله أو نفيه وتم الإشارة إليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية حيث نصت عليه المادة (98) من قانون أصول المحاكمات الجزائية "لكل قاض أن يأمر بالقبض على أي شخص ارتكب جريمة في حضوره"، حيث يحضر المتهم بإصدار أمر القبض إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالحبس مدة تزيد على سنة إلا إذا استصوب القاضي إحضاره بورقة تكليف بالحضور غير انه لا يجوز إصدار ورقة تكليف بالحضور إذا كانت الجريمة معاقباً عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد إما بقية الجرائم فان أمر التوقيف فيها جوازي ، وان المشرع العراقي لم يستثن الجرائم التي يكون مرتكبها حدثا، وهذا ما نصت عليه المادة (99) من قانون أصول المحاكمات الجزائية".
وترى كاظم إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة له فيها كافة الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع وقد أكد على ذلك الدستور العراقي المادة (19) / خامساَ المتهم بريء حتى تثبت أدانته في محاكمة قانونية عادلة وان هذا المبدأ يبقى قائما وان اعترف المتهم حيث لا يبنى الاتهام على قول دون دليل وان المتهم لا يكلف بإثبات براءته أيضا وبالتالي تبقى صفة الاتهام حتى إجراء محاكمته وفق القانون ويحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية ولا عبرة بأي اعتراف انتزع بالإكراه أو التهديد أو التعذيب وفي هذه الحالة يحق للمتهم المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي أصابه وفقا للقانون وان اعترف المتهم".