بمناسبة قرب افتتاحه أمام المواطنين.. تعرّف بالتفصيل على واقع مطار بغداد والشركات المهيمنة عليه والمشكلات التي يواجهها قطاع الطيران العراقي
انفوبلس..
بالتزامن مع قرب افتتاح مطار بغداد أمام المواطنين بشكل جزئي لأول مرة منذ عقدين، تفتح شبكة "انفوبلس" ملف الشركات الوطنية والخاصة والأجنبية العاملة في مطار العاصمة، وتسلط الضوء على ما تحتويه من خروقات وأبعاد سياسية وأمنية، كما تعرض ما حققته الدولة من إنجازات في هذا الملف الشائك منذ عقود.
فتح جزئي
يوم أمس الثلاثاء، أعلنت الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية التابعة لوزارة النقل، فتح مطار بغداد الدولي أمام المواطنين، بشكل جزئي، اعتباراً من يوم الخميس المقبل.
وقال بيان للمكتب الإعلامي للوزارة، إن "الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية ستباشر فتح المطار، لمدة ست ساعات يومياً، من الساعة 10:00 صباحاً وحتى الساعة 4:00 عصراً، اعتباراً من يوم الخميس الموافق 27 حزيران 2024".
وأضاف البيان، إنه "سيكون هناك ممر خاص للسيارات التي لا تحمل حقائب، حيث يمكنها الخضوع لعملية التفتيش مباشرة دون الحاجة إلى الفحص بالأشعة السينية، أما السيارات التي تحمل حقائب السفر، فستتم عملية تفتيشها باستخدام جهاز الفحص بالأشعة السينية".
ونوه البيان، بأنه "لن يُسمح لعجلات الأجرة أو الحمل بالدخول الى المطار، عدا سيارات الخصوصي".
وأكد مدير عام الشركة عباس البيضاني، "إنجاز كافة الاستعدادات الإدارية والتدابير الامنية بالتنسيق مع الجهات الساندة، لفتح مطار بغداد الدولي أمام المواطنين، استنادا لتوجيهات دولة رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، مشيرا الى أنه سيكون للمسافر حرية اصطحاب او مرافقة أي شخص الى المطار".
وقال البيضاني، إنّ "صالات المطار ستكون مجهزة بكافة الخدمات التي يحتاجها المسافرون والمواطنون، بما يضمن راحتهم ورفاهيتهم".
وعدَّ المدير العام هذا الإنجاز بأنه يعكس التزام حكومة الخدمات برئاسة محمد شياع السوداني بتطوير قطاع النقل في البلاد، وحرص الوزارة ممثلة بوزير النقل على تقديم أفضل الخدمات للمواطنين والمسافرين.
ونوّه البيضاني بأن إدارة الشركة قررت عدم السماح بمبيت أية سيارة في مرآب المطار، اعتبارا من يوم الاربعاء الموافق 26 حزيران 2024.
يذكر أن المرحلة الأولى من إجراءات السماح لدخول المواطنين إلى مطار بغداد الدولي، اقتصرت على دخول المغادرين بعجلاتهم الخاصة إلى داخل المطار والسفر. أما المرحلة الثانية فستكون للمغادرين ولمن يريد أن يستقبل مسافراً في مطار بغداد الدولي.
دراسة لتطوير المطار
في الثامن من الشهر الجاري، أعلنت وزارة النقل، وجود 3 خيارات في الدراسة التي قدمتها مؤسسة التمويل الدولية IFC، بشأن مطار بغداد الدولي.
وذكرت الوزارة، في بيان أن "مؤسسة التمويل IFC قدمت كراساً (استثماريا)، يتضمن مقترحاً بتطوير وتأهيل مطار بغداد الدولي وعرضه كفرصة استثمارية أمام الشركات العالمية المتخصصة".
وأضافت، إن "المؤسسة اقترحت، خلال الاجتماع، ثلاثة خيارات: الأول، تأهيل المطار الحالي، والثاني بناء مطار جديد، والثالث اشتمل على دمج الخيارين الأول والثاني، وهو ما ذهبت الحكومة باتجاهه".
وأكدت، أنه "يجرى التخطيط لإحالة مشروع المطار إلى الاستثمار نهاية العام الجاري"، مبيناً أن "مؤسسة IFC ستساعد الحكومة العراقية في اختيار أفضل الشركات العالمية لتنفيذ المشروع".
وأشارت إلى أن "الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية شريكة في عملية تأهيل البنى التحتية الخاصة بالمطار".
وبينت، أن "الجدوى الفنية والاقتصادية لتأهيل المطار، تستهدف استيعاب الزيادة السنوية بعدد المسافرين التي يشهدها المطار، والتي بلغت في الآونة الأخيرة 15.7% حيث وصل عدد المسافرين 3.4 ملايين مسافر في العام 2024، ومن المؤمل أن تزداد هذه النسبة لأعلى مستوى في السنوات القادمة والتي ستسهم بدورها في رفع الحظر الأوروبي عن الطيران العراقي".
وكشف البيان، عن "مخططات (lFC) والتي تتضمن بناء صالة مسافرين جديدة تستوعب الزيادة المتوقعة في حركة النقل الجوي لغاية عام 2036، لتصبح الطاقة الاستيعابية لمطار بغداد الدولي 8.5 إلى 9 ملايين مسافر سنويا".
الشركات العاملة في مطار بغداد
توجد في مطار بغداد الدولي 5 شركات عاملة في مجالات مختلفة مثل نقل المسافرين والأمن والمراقبة الجوية والمناولة الأرضية، وهي كل من: (شركة الخطوط الجوية العراقية (وطنية)، وشركة خطوط أور الجوية (خاصة)، وشركة البرهان للطيران (خاصة)، وشركة بزنس أنتل الكندية العاملة بمجال الأمن، والشركة العامة لخدمات الملاحة الجوية (وطنية) وغير ذلك.
وهنالك العديد من الشركات المحلية والأجنبية التي عملت في المطار لكنها متوقفة حالياً كشركة فلاي بغداد، والتي تعرضت لعقوبات أمريكية حالت دون استمرار عملها، وشركة مينزيس البريطانية التي أنهت عملها في عام 2022 بشكل مفاجئ.
وتتصارع الشركات والجهات التي تقف خلفها فيما بينها للحصول على فرص الاستثمار في المطار، فضلا عن وجود صراع بين وزارة النقل وسلطة الطيران المدني حول الإدارة، الأمر الذي يجعل المطار الأهم والأكبر في العراق في حالة مستمرة من الإرباك كما يُعد مكاناً مفضلاً للفاسدين وعقودهم وتعاملاتهم مع جهات إقليمية وأجنبية مشبوهة.
بزنس أنتل
في مطلع العام الجاري، كشف تحقيق استقصائي لمشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظّمة (OCCRP) فضح القدرات الحقيقية للشركة الكندية "بزنس إنتل" التي تم تعيينها لتأمين مطار بغداد الدولي، ما أجبر السلطات الأمنية العراقية على نشر عناصر من قواتها الخاصة "فرقة التدخل السريع" لتعزيز الطوق الخارجي لمطار بغداد الدولي والمناطق الاستراتيجية المحيطة به.
وذكر التحقيق، أن شركة "بزنس إنتل" لم تدفع رواتب الموظفين منذ خمسة أشهر على الأقل، ويبدو أنها مَدينة لما يقرب من مائة موظف مجتمعين بأكثر من نصف مليون دولار.
ويقول إنوسنت أودار، 37 عاماً، متعاقد أمني أوغندي وخبير كلاب بوليسية، إنه طُرد من العراق في أواخر أيلول/ سبتمبر بعدما اشتكى هو وخمسة من زملائه للشرطة بسبب ظروف عملهم، وحاولوا إخبارها بأن أكبر مطار في البلاد يواجه خطراً.
وتعاقدت الحكومة العراقية في العام الماضي مع الشركة الكندية "بزنس إنتل" Biznis Intel لتأمين مطار بغداد الدولي، الذي يتعامل مع أكثر من مليوني مسافر سنوياً.
ومنذ ذلك الحين، كما يقول أودار وأكثر من عشرة آخرين، لم تدفع الشركة رواتب الموظفين منذ خمسة أشهر على الأقل، ويبدو أنها مَدينة لما يقرب من مائة موظف مجتمعين بأكثر من نصف مليون دولار، وفقاً لمحضر داخلي للشركة سُرِّب إلى OCCRP.
وقال الموظفون للشرطة العراقية في رسالة تعود إلى 11 أيلول الماضي، إن "عدم دفع رواتب الموظفين يُعد خرقاً أمنياً"، إذ أصبحوا "ضعفاء ومحبطين"، ولم يعودوا قادرين على التركيز في العمل. ولفتوا الى أن تحركاتهم كانت مراقَبة من الشركة، التي يُزعم أن لديها "اتصالات في كل مكان".
وفي الأسبوع التالي، زعم أودار أن ضابطاً مناوباً في "بيزنيس إنتيل" رافقه من المطار، وأعاده إلى أوغندا من دون دفع ثلاثة أشهر من مستحقاته (راتبه).
ويواصل مشروع تتّبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود OCCRP مع أكثر من 12 موظفاً سابقاً وحالياً في "بيزنيس إنتيل"، بعضهم لا يزال في بغداد. قالوا لـ OCCRP (طلب عدم كشف هوية المتعاقدين ممن لا يزالون في العراق أو الذين يشعرون بالتهديد) إن الأزمة التي تمر بها الشركة أثرت بشكل كبير على معيشتهم وتشكل تهديداً لأمن المطار. كما أشاروا الى أن الكثير من الموظفين ليست لديهم تأشيرات إقامة، ويشعرون بأنهم محاصرون وغير قادرين على دعم عائلاتهم مالياً. وأضافوا، أن أكثر من نصف الموظفين غادروا، ما ترك الكثير من المناصب الحيوية شاغرة.
آندي هيغينز، خبير طيران بريطاني عمل في "بيزنيس إنتيل" لأكثر من ستة أشهر، أكد أنه و"بمجرد أن تتوقف عن دفع رواتب موظفيك، فإنهم يصبحون عرضة للرشوة والضغوطات، الأمر بسيط للغاية. هذه تهديدات مباشرة للطيران".
يزعم الموظفون أن المواطن الأفغاني حفيظ أوكي، الرئيس التنفيذي للشركة، قام بـ"ترهيبهم ومضايقتهم وتوجيه تُهم كاذبة ضد موظف"، ما أدى إلى سجنه لفترة وجيزة.
بينما زعم الموظفون الباقون أن الشركة بدأت بتقليص حصتهم من الطعام والمياه. وأخبر ثلاثة موظفين OCCRP أنهم وزملاؤهم يواجهون خطر فقدان مساكنهم بسبب عدم دفع رواتبهم في الوقت المناسب، وأضافوا: "نحن نعمل من دون أي ملاءة مالية لتغطية عملنا. الجميع تحت ضغط كبير وعددنا أقل من الحد الأدنى المطلوب".
وعلى رغم هذه "الشبهات"، حصلت "بيزنيس إنتيل" في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر على إذن لتجديد عقدها لمدة ستة أشهر أخرى لمواصلة تأمين أمن مطار بغداد الدولي وسلامته. ويذكر أن المطار يخدم ما لا يقل عن ست شركات طيران بما في ذلك طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والخطوط الجوية التركية والملكية الأردنية.
وحصلت "بيزنيس إنتيل" على عقد الحماية الأمنية للمطار في تشرين الأول 2022، بعدما أقصت سلطة الطيران المدني العراقية (ICAA) شركة الأمن البريطانية G4S. وكانت خطوة مثيرة للجدل – إذ تُعد G4S واحدة من أكبر شركات الأمن في العالم وحرست المطار لمدة 12 عاماً.
وقت التعاقد معها كانت "بيزنيس إنتيل" مسجلة في أونتاريو، وفقاً لسجلات شركات الأعمال الكندية. وأدرجت مواقع أخرى، الشركة، كمنشأة سياحية أو شركة إلكترونيات. واتهم برلماني عراقي الشركة بأن لديها موظفين فقط، وليست لديها خبرة معروفة في أمن الطيران عندما فازت بعقد توفير الأمن والحماية لمطار بغداد. وشملت أعمال أوكي السابقة بيع أغطية الأسرّة للفنادق وإدارة منظمة غير حكومية لصناعة الأطراف الصناعية في قندهار في تسعينيات القرن العشرين، وفقا للتحقيق الذي اطلعت عليه شبكة "انفوبلس".
في أغسطس/ آب الماضي، طلبت النائبة عالية نصيف، من هيئة النزاهة العراقية التحقيق في عقد "بيزنيس إنتيل"، قائلةً إن الأخيرة لم تقدم اعتماداً لأصولها الرأسمالية أو خبرتها أو عملها الأمني السابق. وقالت نصيف، إن "بيزنيس إنتيل" لم يكن لديها ترخيص أمني خاص في الوقت الذي فازت فيه بالعقد، وهو ادعاء تكرر في تقارير إعلامية لاحقة. يبدو أن بيزنيس إنتيل حصلت على ترخيص أمني بحلول تشرين الأول 2023 وليس قبل ذلك، وفقاً لصورة الترخيص التي حصلت عليها OCCRP.
أحد مديري "بيزنيس إنتيل" قال إن ما لا يقل عن ست حرائق اندلعت في المطار العام الماضي، بما في ذلك حريق دمر وثائق وجزءاً من صالة المطار. وأشار أولئك الذين عملوا مع وحدة الكلاب البوليسية في الشركة، بمن فيهم أودار، الى أنها الشركة ليس لديها ما يكفي من الكلاب لاكتشاف المتفجرات، وأن الكلاب المتوافرة كبيرة في السن ومريضة.
وقال خبير الأمن الهندي، إن الطائرات كانت تُزود بالوقود من دون إشراف كافٍ أثناء وجود الركاب على متنها، ومن دون اتباع إجراءات السلامة الدولية. وأكد رولاندو هارو، وهو خبير أمني بيروفي يعمل مدرباً أرضياً في المطار، إنه راجع أمن المطار بناءً على طلب الإدارة، وكتب تقريراً في بداية العام. وقال للصحافيين: "يمكنك الدخول إلى داخل المطار، إلى وسط المطار، من دون أي تفتيش أمني. هناك ثلاث أو أربع ثغرات كبيرة".
الموظفون الحاليون والسابقون، لفتوا الى أنهم عندما أثاروا مشاكل واسعة النطاق مع أوكي، لم يتعامل معها بجدية. وغالباً ما كان يصبح عدوانياً، ويقوم بكيل الإهانات لمن يواجهه. وأضاف الموظفون، أنه كان يطلق تعليقات عنصرية متكررة ضد الموظفين الأفارقة أمام الكثير من الشهود، ويُهين الموظفين من وراء ظهورهم.
وفي أيار الماضي، حدثت ضجة كبيرة تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي خاصة بمطار بغداد، حيث ظهرت إلى الملأ مشاكل وفساد متعلق بالشركة الأمنية الكندية المسؤولة عن أمن المطار "بزنس إنتل" ومديرها المفوّض فراس العزاوي الذي هرب بعد سرقته 12 مليون دولار في وقت أنهت الشركة الكندية تعاقدها معه واتهمت الجانب العراقي بإبقائه رغم علمه بفساده.
إبعاد سلطة الطيران المدني
في الثاني عشر من شباط الماضي، أعلن وزير النقل رزاق السعداوي، تسلم الوزارة إدارة المطارات من سلطة الطيران المدني رسميا بموجب قرار مجلس الوزراء.
وذكر بيان للوزارة، أن "السعداوي، ترأس اليوم اجتماعا موسعا في مطار بغداد الدولي، بحضور عدد من المسؤولين في الوزارة وسلطة الطيران المدني، لتسلم إدارة المطارات بصورة رسمية ومباشرة عمل الوزارة فيها، بدءا من يوم غد الثلاثاء".
وأشار البيان الى أن وزير النقل "أصدر خلال الاجتماع عددا من التوصيات التي شددت على ضرورة تنسيق العمل المشترك بين سلطة الطيران وشركة إدارة المطارات، وبذل أقصى الجهود، لتقديم أفضل الخدمات للمسافرين".
وأضاف، أن "الاجتماع ناقش الملفات الاجرائية والقانونية التي تم الانتهاء منها، حيث سيجري تنسيب عدد من موظفي المطارات للعمل ضمن كوادر (شركة إدارة المطارات والملاحة الجوية) حتى يتم استكمال إجراءات نقلهم على ملاك الشركة.
وأكد وزير النقل، وفقا للبيان "سيكون لنا تواجد ميداني في المطارات للإشراف على تنظيم وتخطيط وعمل المطارات بالشكل الذي يخدم المسافرين، وبما يليق بتلك المؤسسة التي تمثل أحد الأوجه الحضارية للدولة".
وأِشار البيان الى، أن "لجنة الأمر الديواني بالرقم (23611) لسنة 2023، التي ترأسها وكيل الوزارة للشؤون الإدارية، وعضوية مدير عام سلطة الطيران المدني، ومدير عام دائرة الموازنة في وزارة المالية، ومدير عام هيئة المستشارين، ومدير عام الدائرة القانونية في وزارة النقل، ومدير عام شركة الملاحة الجوية، عملت على إنجاز متطلبات قرار مجلس الوزراء (23689) لسنة 2023، ومعالجة المعوقات التي تواجه عملية فصل إدارة المطارات عن سلطة الطيران المدني وربطها بوزارة النقل/ الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية".
وأضاف، أن اللجنة "حاولت أن تضع الحلول الممكنة لتمكين الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية من إدارة وأداء مهامها الجديدة بشكل صحيح".
وأشار البيان الى، أن اللجنة أصدرت عدة توصيات جرت المصادقة عليها من قبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، والتي اشتملت على أمور مهمة تخص الأصول والمباني والموظفين وغيرها من التوصيات التي تضمنها البيان التأسيسي للشركة الجديدة (شركة إدارة المطارات والملاحة الجوية) التي ستباشر علمها بعد عشرة أيام من نشر البيان في جريدة الوقائع العراقية".
وكان مجلس الوزراء قد قرر في الجلسة الاعتيادية التي عقدها بتاريخ 28 من شهر تشرين الثاني الماضي، فصل إدارة المطارات العراقية عن سلطة الطيران المدني العراقي وربطها بوزارة النقل/ شركة العامة لخدمات الملاحة الجوية، ويُعاد تسمية الشركة لتصبح (الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية)، استنادًا إلى أحكام المادة (47/ ثانيًا).
مشكلات الطيران في العراق
تُعد الخطوط الجوية العراقية واحدة من أهم وأقدم شركات الطيران العاملة في الشرق الأوسط والعالم، إذ إنها أُسست عام 1945 لتطلق أولى رحلاتها الجوية مع مطلع 1946، تحديداً في الـ28 من يناير (كانون الثاني).
منذ نهاية القرن الماضي، يواجه الناقل الوطني العراقي الذي يقوم برحلات داخلية، فضلاً عن رحلات إلى الدول العربية والإقليمية بشكل يومي، تحديات كبيرة، إذ يعاني ضعف القدرات المالية والمادية والافتقار إلى الخبرات الفنية والإمكانات للنهوض بقطاع النقل لمستوى يرقى إلى تحقيق المتطلبات الدولية، بحسب متخصصين في الشأن العراقي.
وفي أيار من العام الماضي، دعت هيئة النزاهة العراقية إلى "إعادة النظر في جميع العقود التي أبرمتها الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية في مجال الخدمات الأرضية مع عدد من شركات الشحن والوقود والإعاشة"، مبينة أن الشركة غارقة في الديون، في حين أن هناك حاجة لـ170 مليون دولار لإصلاح 18 طائرة متوقفة من أصل 35 طائرة تابعة لها مع خسائر تتجاوز 36 مليون دولار لتعاقدها مع شركة "منزيز" البريطانية.
دائرة الوقاية في الهيئة أفادت ضمن تقرير أعدّته عن الزيارات التي أجراها فريقها الميداني لمقر الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية واللقاء بمديرها العام، نشرته هيئة النزاهة الأربعاء في الـ24 من مايو (أيار) 2023، بـ"إبرام الشركة ثلاثة عقود تشغيل مشترك ليست ذات جدوى مع شركات أجنبية ومحلية".
وأوضحت الدائرة، أنه "منحت الشركة الأولى حق بيع السلع والبضائع على متن طائراتها، فيما تم التعاقد مع الشركة الثانية لتقديم خدمات الشحن الجوي لتشغيل رحلات القطاعين العام والخاص بنسبة أرباح 74 في المئة لمصلحة الشركة ناهزت 2 مليار و200 مليون دينار (1681162.78 دولار أميركي)، ونسبة 26 في المئة للخطوط الجوية بلغت ما يقارب 750 مليون دينار (573123.68 دولار).
ولفتت إلى أن "الشركة الثانية نفذت نشاط شحن جوي لجلب خمس شحنات أدوية فقط لوزارة الصحة خلال فترة انتشار وباء كورونا". أما العقد الثالث، فكان مع شركة تركية لـ"توفير خدمات الطيران الخاص والإسعاف الجوي لشخصيات الـVIP".
وزاد التقرير، أن العقد الذي أبرمته الخطوط الجوية مع شركة "منزيز" البريطانية للقيام بالعمليات اللازمة لتقديم الخدمات الأرضية إلى مطاري بغداد والموصل "كبّد شركة الخطوط الجويـة خسائر بلغت 36.556.976 دولار، فضلاً عن منح الامتياز الحصري لتقديم الخدمات الأرضية لمدة 10 أعوام للشركة وفق قانوني الشركات والاستثمار بنسبة 30 في المئة للخطوط الجوية، و70 في المئة للشركة البريطانيـة".
وأوضح، أن "التعاقد أخذ وقتاً طويلاً، مما أدى إلى حرمان الخطوط من فرصة التعاقد مع شركات أخرى، كما أن الشركة تأخرت عن دفع مبلغ 6.5 مليون يورو إلى الخطوط الجوية تمثل قيمة عقد بيع المعدات الأرضية التي تم شراؤها لمؤتمر القمة العربية عام 2012".
تعدد مناشئ الطائرات
تقرير دائرة الوقاية في هيئة النزاهة حثَّ على "مراعاة الدراسة المُعَدَّة من اتحاد النقل الجوي الدولي (أياتا) بخصوص تقليل طُرُز طائرات شركة الخطوط الجوية، للنهوض بواقع حالها وإمكان إدارتها بشكل أسهل بعيداً من التشتت عند التعاقد لصيانتها، والاستفادة من طواقمها".
في هذا السياق، لفت التقرير إلى أن تعدد المناشئ والأحجام والطرز التي تصل إلى سبعة أنواع، أدى إلى "حصول مشكلات في إدارتها وصيانتها وأن عدم اعتمادها كناقل وطني وحيد فسح المجال لدخول شركات منافسة"، مشيراً إلى "توقف 18 من أصل 35 طائرة بسبب سوء الإدارة والتخطيط".
واقترح التقرير قيام الخطوط الجوية بـ"وضع استراتيجية عمل واضحة للنهوض بواقعها اقتصادياً وفنياً والعمل على تحسين جودة الخدمات المقدمة ومعالجة المخالفات المؤشرة على أدائها وإعادة النظر بهيكليتها والحد من الترهل الوظيفي لتتمكن من منافسة الشركات العالمية".
كما شدد على أن "سياسة الشركة الحالية بعيدة من تحقيق هذا الهدف وأن مستوى الخدمة المقدمة لا يتناسب مع عدد موظفيها الكبير البالغ 4149 موظفاً الذي يتجاوز الحاجة الفعلية بأكثر من الضعف بحسب تقييم ’أياتا‘ وأن إيراداتها المالية بالكاد تسد رواتب موظفيها بعدما كانت تحقق أرباحاً كبيرة".
التقرير رصد ديوناً وقروضاً كبيرة في ذمة الشركة، إذ تبلغ الديون المترتبة لمصلحة القطاع العام أكثر من 128 مليون دولار إضافة إلى حوالى 196 مليار دينار عراقي، منـوهاً إلى أنها "تحملت فوائد كبيرة عن القروض التي حصلت عليها من مصرفي الرافدين والرشيد منذ عام 2012 وحتى الآن".
وتابعت هيئة النزاهة في تقريرها أن "فوائد القروض التي سددتها الشركة تجاوزت 56.142 مليون دولار والمتبقي منها أكثر من 67 مليون دولار، فيما بلغت الديون لمصلحتها أكثر من 18.5 مليون دولار إضافة إلى حوالى 4 مليارات دينار عراقي بذمة عدد من دوائر الدولة من عام 2004 ولغاية الـ31 من مارس (آذار) 2023، مشيراً إلى "وجود عدد من العقارات غير المستغلة العائدة لها التي من الممكن الاستفادة منها في زيادة مواردها".
التقرير أكد ضرورة "الالتزام بصيانة الطائرات وفق الجداول الزمنية المحددة لكل طائرة لتجنب توقفها ولجوء القسم الفني إلى اعتماد طريقة ’المناقلة‘ لقطع غيار بعض الطائرات العاطلة لصيانة طائرات أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى اندثارها، إضافة إلى التعاقد مع الشركة المصنعة مباشرة لصيانة الطائرات وتوفير الأدوات الاحتياطية من دون الحاجة إلى شركات وسيطة".
طائرات متوقفة عن العمل
وتابع، أن "معظم الطائرات متوقفة عن العمل بسبب عطل محركاتها، فيما توقفت معظم طائرات ’بوينغ -737‘ لعدم إجراء الصيانة الدورية في الوقت المناسب وتركها إلى أن وصلت ساعات تشغيل محركاتها إلى مستوى يفوق المستوى الطبيعي، مما أدى إلى تضرر محركاتها بشكل كبير وتعطل منظومة الهبوط في بعض الطائرات، وتبلغ كلفة صيانتها مليون دولار للطائرة الواحدة ويصل مجموع المبالغ اللازمة لتصليح الأعطال إلى 170 مليون دولار".
كما اقترح التقرير "تفعيل التشغيل المشترك عبر دخول الشركة العامة للخطوط الجوية في تعاقدات مجدية لتحقيق المنفعة، بدلاً من منح عقود الخدمات الأرضية والإعاشة والوقود والشحن التي كانت تقدمها سابقاً إلى شركات مقابل نسبة (30 في المئة) إلى الخطوط الجوية، وتوجه الشركة إلى العمل في مجال الشحن الجوي من خلال شراء طائرات مخصصة لهذا الغرض، لعدم امتلاكها أية طائرة شحن".
وأشار إلى "توقف مشروع توسيع دائرة الشحن الجوي وجعلها قرية شحن بسبب ضعف أداء الشركة المنفذة وعدم تنفيذ الالتزامات التعاقدية، مطالباً بالانضمام إلى المنظمات العالمية واعتماد أسعار النشرات العالمية دورياً لتحديد أسعار الوقود وصيانة الطائرات، والتزام جميع مفاصلها دليل السلامة الخاص بعد رصد استمرار مخالفات معايير السلامة والجودة في بعض الأقسام على جميع الصعد بما يسهم في رفع الحظر الأوروبي عنها، إضافة إلى تحديث نظام الحجز الآلي لتلافي التلاعب وضمان السيطرة على الحجوزات كافة التي تتم عبر الوكلاء في الداخل والخارج، والتعاقد مع الشركات المعتمدة للتزود بالوقود في المطارات الخارجية من دون اللجوء إلى شركات وسيطة".
تأخير المواعيد
وشدد التقرير على أهمية "التزام مواعيد الطيران المحددة بعد تسجيل تأخير في مواعيد الرحلات من دون وجود مسوغات منطقية، وصدور جداول الرحلات من القسم التجاري في وقت متأخر وقيام شعبة التأمين والمفقودات بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتذليل إجراءات التعويض والابتعاد عن الروتين لتوقف تعويض الحقائب المتضررة والمفقودة منذ عام 2020 الذي يؤثر سلباً في سمعة الشركة"، مشيراً إلى "ارتفاع كلفة وجبات الطعام المقدمة إلى المسافرين والطواقم".
الخبير في الشأن الاقتصادي بسام العراقي لفت إلى أن شركات النقل الجوي تعتبر العمود الفقري لصناعة السفر والسياحة وتنمية التجارة الداخلية والخارجية، كما أنها تمثل مصدراً مهماً للإيرادات المالية بسبب تزايد الطلب والدور الفاعل لنقل المسافرين والبضائع من مكان إلى آخر بسرعة وأمان.
وأضاف "تقود أنشطة النقل الجوي الشركة العامة للخطوط الجوية العراقية، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة منذ عام 1990 وما بعده بحيث تعاني ضعف القدرات المالية والمادية والافتقار إلى الخبرات الفنية والإمكانات للنهوض بقطاع النقل لمستوى يرقى إلى تحقيق المتطلبات الدولية ويسهم في رفع ركيزة النمو الاقتصادي، فوجود قطاع نقل فاعل هو متطلب أساسي لضمان التطور الاقتصادي، خصوصاً أن مستوى تطور الدول يقاس بتطور قطاع النقل فيها".
ورأى العراقي أن هذه التحديات التي تواجه الخطوط الوطنية انعكست في ضعف الأداء التشغيلي وعدم تحقيقها الأرباح المالية المتوقعة من هذا النشاط المهم، ومن أجل النهوض بهذه الشركة العريقة يتطلب ذلك تحسين كفاءة أدائها ليتوافق مع المعايير الدولية والسعي إلى بناء تحالفات مع الشركات العالمية في مجال النقل الجوي واتباع أساليب علمية حديثة لمواكبة التطورات العالمية في مجال نقل المسافرين جواً واعتماد الأساليب التقنية الحديثة في عرض خدماتها للمسافرين.