تحليل رقمي لأعداد المولدات والمشتركين في العراق.. لماذا يتهرب أصحابها من الوقود الحكومية؟
انفوبلس/ تقرير
منذ بداية شهر تموز/ يوليو 2024 الجاري، نُفذ قرار مجلس الوزراء بتجهيز أصحاب المولدات الأهلية بـ40 لتراً من (الكاز) لكل K.V بمبلغ 200 دينار للتر الواحد بدلاً من 400 دينار، لكن لا يزال يشكو المواطنون من "جشعهم" نتيجة فرض أسعار معينة عليهم تخضع لرغبة صاحب المولدة فقط من دون رقابة حكومية أو محاسبة أو اعتقال، فكم يبلغ عدد المولدات في العراق والمشتركين؟ ولماذا يتهرب أصحابها من حصة الوقود الحكومية؟
يعتمد العراقيون في كل عام مع بدء فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، بشكل كبير على المولدات الأهلية التي تتسبب بتداعيات "خطيرة" على صحة السكان، على الرغم من الوعود المستمرة التي تطلقها وزارة الكهرباء، بتحسين الطاقة وزيادات ساعات التجهيز.
*تخفيض سعر وزيادة حصة الوقود لأصحاب المولدات في بغداد
قال عضو مجلس محافظة بغداد، لصحيفة "الصباح"، في 16 يوليو/ تموز 2024، "رفعنا في المجلس كتابا رسميا يتضمن طلبا إلى محافظة بغداد والأمانة العامة لمجلس الوزراء، لجعل سعر لتر مادة (الكاز) لأصحاب المولدات بمبلغ 250 دينارا بدلا من 400 دينار، ومن المؤمل أن تكون هناك زيادة بنسبة (الكاز) المخصصة لكل (KV) لتبلغ 40 لترا بدلا من 25 لترا".
لكن بحسب مراجعة في القرارات الحكومية التي صدرت مؤخراً تبين أن التصريح "مضلل"، حيث إن قرار تخفيض أسعار لتر الكَاز (زيت الغاز) لأصحاب المولدات الأهلية، ورفع حصتهم من الوقود لكل KV (كيلو فولت)، اتخذه مجلس الوزراء أساسًا منذ 24 حزيران/ يونيو 2024 أي قبل أكثر من 20 يومًا.
مراقبون تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، إن إعلان معلومات أو بيانات متعلقة بالشأن العام بشكل غير دقيق أو بالتلاعب في سياقها بهدف الإثارة لتضليل الجمهور، يؤثر بشكل سلبي على وعي الجمهور وقدرته على محاسبة السلطة، ويؤثر بشكل سلبي على اختياراته.
وفي 24 يونيو/ حزيران 2024، قرر مجلس الوزراء تجهيز أصحاب المولدات الأهلية بـ40 لتراً من (الكاز) لكل K.V بمبلغ 200 دينار للتر الواحد، على أن ينفذ القرار بدءاً من 1 يوليو 2024 حتى 31 أغسطس 2024. كما في 25 يونيو/ حزيران، نشرت وزارة النفط قرار مجلس الوزراء بتجهيز أصحاب المولدات الأهلية بـ40 لتراً من الكاز لكل K.V بمبلغ 200 دينار للتر الواحد، بصفتها الجهة المعنية بتوفير الوقود لهذه المولدات.
*لماذا يتهرب أصحابها من حصة الوقود الحكومية
وبحسب مسؤول حكومي تحدث لشبكة "انفوبلس"، فإن سبب تهرب أصحاب المولدات في العراق من حصة الوقود الحكومية، هو عدم الالتزام بالتسعيرة التي يحددها مجلس المحافظة كل شهر، حيث يريدون فرض أسعار معينة على المواطنين المشتركين تصل في أغلب الأحيان الى أكثر من 20 ألف دينار للأمبير الواحد، خصوصا في مناطق العاصمة بغداد.
ويضيف المسؤول، إنه في حال تسلموا الوقود من الجهات الحكومية، فسوف تجبرهم على الالتزام بالتسعيرة المحددة، مشيرا الى أنه بحالة احتجاج الأهالي على الأسعار المرتفعة فإن أصحاب المولدات سيقولون نحن لم نستلم الوقود من الحكومة، وبالتالي فإن الأسعار التي يريدونها ستبقى كما هي.
ويتفق عضو مجلس محافظة بغداد مثنى ثائر العزاوي مع حديث المسؤول، حيث يقول إنَّ المجلس فتح الباب للمولدات التي لا تمتلك حصة وقودية بتقديم طلب من صاحبها إلى الوحدة الإدارية ويرفع إلى لجنة النفط والغاز فيه والتي بدورها تفاتح هيئة المشتقات النفطية التابعة لوزارة النفط لتجهيزه بالحصة في مدة لا تتجاوز 3ـ 4 أيام، منبهاً على أنَّ غالبية أصحاب المولدات يمتنعون عن اتخاذ هذا الإجراء لكي لا تتحكم بهم الحكومة المحلية أو الجهات المختصة، ويفرض السعر الذي يراه مناسباً على المواطن.
وبحسب مواطنين تحدثوا لشبكة "انفوبلس"، فإنه مع دخول العراق ذروة فصل الصيف من كل عام، يقرأ العراقيون عناوين أخبار عن قائمة تسعيرات لأمبير المولدات الأهلية، تصدرها الحكومة، لكنّها تبقى عناوين فحسب، فتطبيقها يحتاج إلى تجاوز مشكلات عدة، أبرزها "حصص الوقود" التي تمنحها الحكومة إلى أصحاب المولدات، و"تزمُّت" بعضهم في التسعيرات، يركلون من خلالها قرارات الحكومة، ليبعدوها عن طريقهم.
أما مسؤول الإعلام في الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية، أحد تشكيلات وزارة النفط، رافد صادق، فيؤكد لشبكة "انفوبلس"، ان أصحاب المولدات يلجؤون الى معامل الأسفلت للحصول على "الكاز الثقيل" الذي يغنيهم عن حصة الوقود الحكومية، من أجل التحكم في التسعيرة التي يريدونها وكذلك تجنب قضايا أخرى مالية وضريبية.
*كم يبلغ عدد المولدات في العراق والمشتركين؟
يكشف مدير شرطة البيئة في العراق فراس سليم، أن البلاد تستضيف حاليًا عددًا مذهلاً من المولدات يبلغ 49 ألفًا، فيما يشير الى أن العدد الإجمالي للمستفيدين يبلغ 6,700,665 مشتركاً، حيث وصلت الأمبيرات المخصصة إلى 25,875,722 أمبير خلال شهر واحد.
أما عضو مجلس محافظة بغداد علي الازيرجاوي، أكد في 23 حزيران/يونيو الماضي، أن عدد المولدات الكهربائية بالعاصمة يتراوح من 6 الى 10 الاف مولدة حكومية واهلية واغلبها غير ملتزمة بالتسعيرة الحكومية التي يحددها مجلس المحافظة"، متوعدا بـ"عقوبات بحق المخالفين".
وبحسب مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، وأُعلنت نتائجه في آذار مارس 2023، فإن العدد الإجمالي للمولدات الأهلية في عموم البلاد بلغ 48533 مولدة، وأن "إجمالي الايرادات المتحققة بلغت (3,479) مليار دينار عراقي شهريا (ما يعادل 2.300 مليون دولار امريكي) توزعت داخل فترة الذروة بمقدار (2,105) مليار دينار (1,385 مليون دولار) أما خارج فترة الذروة كانت بمقدار (1,374) مليار دينار (900 ألف دولار).
وهنالك من يشكك في هذه الأرقام معتقداً بأن إيرادات المولدات تتجاوز ذلك، ولا سيما أن سكان العراق باتوا يتخطون حاجز الأربعين مليون نسمة، وكل الوحدات السكنية والمشاريع الصغيرة من متاجر وورش ومطاعم وغيرها تعتمد على المولدات.
ومع وجود 6 ملايين و700 ألف مشترك في خطوط المولدات الأهلية، بحسب الارقام الرسمية، فإن دفع كل مشترك منهم شهريا لمبلغ 30 ألف دينار فقط- وهو الرقم الأدنى لأي اشتراك- يعني تجاوز المبالغ المدفوعة للمولدات الـ 200 مليار دينار شهرياً.
وفي كل الأحوال تظل إحصائيات نفقات المواطنين المسجلة على الكهرباء، مؤشراً على أن الحصة الأكبر من ايرادات بيع الكهرباء في العراق تذهب الى المولدات الأهلية بدلاً من وزارة الكهرباء. إذ يبلغ سعر الأمبير الواحد من مولدات الكهرباء الأهلية المدعوم وقودها من الدولة 10 ألف دينار (7,60 دولار) للاشتراك العادي (لساعات محدودة في اليوم) و15-25 ألف دينار (11,45 إلى 19,08 دولار) لما يسمى بالأمبير الذهبي (يتمتع مشتركوه بتيار كهربائي متواصل لمدة 24 ساعة).
وفي احصائيات خرى اطلعت عليها شبكة "انفوبلس"، فإن الأسر العراقية مجتمعة تخصص ميزانية سنوية تتراوح بين 6 إلى 10 مليارات دولار، وهو مبلغ كبير يستفيد منه أصحاب المولدات الخاصة بشكل مباشر. وهذا الإنفاق المالي يتساوى مع كامل ميزانية الدول التي تعتمد فقط على نفقات الكهرباء في العراق.
وفي تصريح صحفي لوكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان، أدلى به في 2023، أشار الى ان الجباية الحكومية لأجور الكهرباء، لا توفر سوى 6% مما تنفقه الدولة سنوياً على الطاقة الكهربائية، مبرراً عدم امتلاك وزارة الكهرباء لعائدات تمكنها من تحسين خدمة الطاقة.
ويقول الناشط المدني معتز ماجد، إن أعداد المولدات الأهلية أكبر بكثير من الرقم الذي تقدره الجهات الرسمية "ربما يشمل هذا الرقم (49 ألفا) المولدات المسجلة والتي تأخذ حصص وقود شهرية من دائرة المشتقات النفطية". ويتابع: "لكن في الحقيقة فان كل مشروع صناعي أو زراعي أو متعلق بالثروة الحيوانية، حتى لو كان صغيرا، مزود بمولدة كهرباء ولا يمكنه الاستغناء عنها".
ويضرب ماجد مثالاً على ذلك، بالقول ان "حقول تربية فروج اللحم، مخازن التجميد والتبريد، معامل العلف، مفاقس البيض، مجازر الدجاج، المعامل الأخرى الإنتاجية، محطات المياه، وغيرها"، كلها تمتلك المولدات الكهربائية الخاصة بها. لذلك يرجح أن تصل أعدادها الى 100 ألف مولدة، فضلاً عن مولدات الكهرباء الصغيرة العاملة بالبنزين، التي يقول بأنها منتشرة بنحو كبير، وتسهم جميعها بالتلوث البيئي، فضلا عن ما يفرضه تشغيلها من تكاليف مالية.
يشار الى أن مجلس بغداد صوت مؤخراً، على تسعيرة جديدة لأمبير المولدات الاهلية لشهري تموز وآب، حيث ذكر المجلس في بيان أنه "تم التصويت على إلزام أصحاب المولدات الاهلية في العاصمة بالتسعيرات التالية لشهري تموز وآب"، مشيرا الى أن "التسعيرة الجديدة ستكون 8 آلاف دينار للخط العادي، و12 ألف دينار للخط الذهبي".
واحتل العراق، المرتبة الخامسة عربيا والـ50 عالميا من أصل 211 دولة مدرجة في الجدول كأكبر مستهلكي للكهرباء في العالم حسب مجلة CEO WORLD الأمريكية.
*أضرار المولدات المحلية
في حين تلعب المولدات الخاصة دورا حاسما في تلبية احتياجات المواطنين من الكهرباء، إلا أنها ليست معفاة من القضايا الضارة بالبيئة، بالإضافة الى الصراعات المستمرة بين أصحاب المولدات والسكان.
علي جابر، مدير إدارة مراقبة جودة الهواء بوزارة البيئة، يقول إن "النقص في إمدادات الكهرباء الوطنية يتم تعويضه بواسطة المولدات الخاصة، وهذه المولدات تصدر منها انبعاثات تنتشر في مناطق أوسع داخل المدينة، بالإضافة الى تداعيات بيئية متنوعة، تشمل التلوث الضوضائي، وتصريف الزيوت المستعملة في شبكة الصرف الصحي، والإهدار في استهلاك المياه الصالحة للشرب لتبريد مولدات الكهرباء خلال فصل الصيف".
وبحسب جابر، أدى ذلك لزيادة معدلات الإصابة بالسرطان وأمراض الجهاز التنفسي في العراق، حيث يوضح إن "استنشاق الهواء الملوث يشكل خطراً على صحة الإنسان على المدى القصير والمتوسط والطويل، وان الارتفاع الملحوظ في معدلات الإصابة بالسرطان والأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي هو نتيجة مباشرة للتلوث".
"إن معالجة الملوثات والتخفيف من آثارها يمثل تحديًا معقدًا يتطلب موارد وجهودًا متضافرة ودراسات متعمقة"، بحسب جابر.
والتلوث الضوضائي، يدل على وجود أصوات غير مرغوب فيها في المناطق المحيطة، وتعريض الأفراد لضعف السمع والصداع والإجهاد، مما يؤثر بالتالي على الإنتاجية العامة ونوعية الحياة. كما دراسات محددة إلى أن الضوضاء تؤثر على القدرة الإدراكية للفرد، مما يسبب الإجهاد العقلي وعدم القدرة على الفهم والتعلم.
في ظل أزمة المياه العالمية المستمرة، فإن الاستخدام الكبير وإهدار المياه العذبة من قبل المولدات الخاصة يشكل مخاطر ملحوظة على البيئة والمجتمع، في وقت يصنف برنامج الأمم المتحدة للبيئة العراق في المرتبة الخامسة بين الدول الأكثر تأثرا بتغير المناخ والجفاف على مستوى العالم.
وبعد تحليل إحصائي لـ 15 مولداً من مناطق مختلفة في بغداد، قام فريق شبكة "انفوبلس"، بحساب البصمة المائية للمولدات الخاصة في العراق وحجم المياه المهدرة لتبريدها كما هو موضح أدناه:
ويستخدم كل مولد، خاصة خلال فصل الصيف، ما لا يقل عن 2000 لتر أو 2 متر مكعب من المياه يوميًا. ومع وجود ما مجموعه 49 ألف مولد كهربائي خاص عامل في العراق، فإن هذا الاستهلاك الجماعي يصل إلى 98 مليون لتر يوميا، أي ما يعادل 98 ألف متر مكعب.
وعلى مدار شهر، تستهلك هذه المولدات مجتمعة كمية مذهلة تبلغ 2,940,000,000 لتر، أو 2,940,000 متر مكعب من المياه، ولوضع هذا في الاعتبار، يمكن أن تتجمع هذه الكمية لتشكل بحيرة كبيرة!.
وعلى الرغم من تخصيص مليارات الدولارات لقطاع الكهرباء، لا تزال المولدات الخاصة تهيمن على مشهد الطاقة، مما يشكل تحديات بيئية كبيرة.
وتكافح الحكومة العراقية لمعالجة أزمة الكهرباء، خاصة خلال أشهر الصيف الحارة عندما ترتفع درجات الحرارة إلى ما يزيد عن نصف نقطة الغليان. وتستمر معضلة الكهرباء كمسألة معقدة، تشكلت من خلال سنوات من التحديات المتراكمة والأعباء الموروثة من الإدارات السابقة.