تعويضات الانبار.. شبهات فساد تطال متنفذين وانفوبلس تكشف اسرار خطيرة وأرقام "فكلية"
انفوبلس: تقرير
في ايلول تدخل مدن محافظة الانبار عامها السادس على التحرير، ومازال الغالبية من ساكنيها ينتظرون التعويضات التي سمعوا عنها الكثير وشاهدوا بوادرها وخيراتها لدى المسؤولين والمتنفذين، الذين تصدرت أسماؤهم القوائم الاولى لمبالغ التعويضات المستحقة.
ولا تزال مشاهد الخراب والدمار تشوه المظهر العام لمدن محافظة الانبار وتحبط امال العودة لعدد كبير من العائلات، التي تتطلع الى إجراءات جدية تسهم في عودتهم الى ديارهم المتضررة، نتيجة العمليات العسكرية والارهابية.
وتشير الاحصائيات الرسمية الى ان نسبة الضرر الذي تعرضت له مدن محافظة الانبار تصل الى 85%، اذ قدرت الحكومة المحلية وفق الكشوفات الاولية ان مبالغ تعويض الاضرار تبلغ 40 مليار دولار، وان عدد الوحدات السكنية المتضررة يصل الى أكثر من (250) ألف وحدة سكنية، توزعت النسب الأكبر منها بين مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار، ومدن الفلوجة والرطبة وهيت.
*أرقام فكلية
يقول محافظ الأنبار علي فرحان الدليمي في العام الماضي إن "المحافظة أصابها الدمار بنسبة تقرب من 85% وان الحكومة الاتحادية خصصت للمحافظة 105 مليارات دينار ضمن الموازنة"، مؤكداً، أن "ملف التعويضات يحتاج من سنوات لتغطية أكبر عدد، شرط أن الدولة تعطي المحافظة 150 مليار دينار سنوياً".
بينما في عام 2018 يبين عضو مجلس محافظة الانبار فهد الراشد، ان "الانبار تصدرت باقي المحافظات بالتعويضات التي بلغت 50 مليار دينار في حين ان محافظة نينوى صرفت 3 مليارات دينار في حين ان صلاح الدين صرفت 5 مليارات دينار لهذا الملف".
وفي العام الماضي أيضا يقول فهد الراشد الذي أصبح مستشار محافظ الانبار لشؤون الضمان الاجتماعي، إن "ملف التعويضات أحرجنا كثيراً لكن وبعد عناء طويل تمكنا من تخطي عقبات كبيرة فيه، حيث استطعنا أن نحصل على 93 مليار دينار عراقي لتعويضات الدور المهدمة".
*مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق
وكشف السفير الكويتي لدى العراق سالم الزمانان في وقت سابق ان "الكويت بمؤتمر المانحين بعام 2018 كانت لها مساهمات من خلال منحة 100 مليون دولار، والتي خصصت للمحافظات المنكوبة من بينها محافظة الأنبار".
بلغت تعهدات الدول المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق إلى 30 مليار دولار في اليوم الثالث والختامي. وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات تقدم للعراق من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب.
*قانون مجحف وجهات متنفذة
قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والاخطاء العسكرية والعمليات الارهابية رقم (٥٧) لعام ٢٠١٥، ينص على منح المتضررين نصف القيمة المقدرة للتعويض، الامر الذي تسبب في عزوف الكثيرين عن تقديم معاملاتهم، لان المبالغ التي سيحصلون عليها لن تسعفهم في إعادة بناء منازلهم التي تهدمت بالكامل.
المواطنون يصفون القانون بالمجحف وغير المنصف، الا انهم يصارعون لاستحصال هذه التخصيصات ضمن الية وصفت بالمعقدة، نتيجة ارتباطها بلجان متعددة بين محافظة الانبار والعاصمة بغداد، تسمح بوجود سماسرة يساهمون في ترويج تلك المعاملات لقاء مبالغ مادية، قد تصل الى المناصفة في المبلغ المخصص.
ماجد علي أحد السكان المحليين في مدينة الفلوجة، نجح في انجاز معاملته بعد ان تمكن من عقد صفقة مع أحد المتنفذين.
علي أكد انه لا يمكن لأي معاملة ان تسير بشكل اصولي مالم يكن هناك نوعان من الدعم لها، فأما ان تمتلك وساطة حزبية او شخصية متنفذه او أنك تدفع مبالغ تصل الى خمسة ملايين دينار عراقي، عندها ستكون معاملتك ضمن خط سير آمن، لتتمكن في نهاية هذا المطاف من الحصول على 20% فقط من المبلغ المخصص لك".
عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي خصصتها لجان التعويضات لنشر اخبار طلبات التعويض الخاصة بممتلكات المواطنين، يتابع عبد الرحمن علاوي بشكل منتظم ويومي منشورات هذه اللجان منذ مدة عله يلمح اسمه.
علاوي تحدث قائلا "ايقنت انني ألهث خلف سراب ولا ارجو منه فائدة الا انني مُصر ان احصل على حقوقي بنزاهة وشفافية، على امل ان تتغير الية العمل في هذه اللجان بما يخدم المتضررين الحقيقين، بعيدا عن المحسوبية والفساد".
الآلية المعقدة التي تسببت في انتعاش الفساد وضياع الحقوق دفعت الكثير من العائلات الى الاستغناء عن هذه المبالغ، لأنها لا يمكن ان تعيد بناء الاضرار التي لحقت بالممتلكات كونها تقديرات غير منطقية، فضلا عن "عدم وجود الية جادة في التعامل مع هذا الملف" يقول سعد الفهداوي.
ويضيف "غالبية المعاملات التي تصادق عليها اللجان الخاصة بالتعويضات في محافظة الانبار وتخرج بأختام رئاسة محكمة استئناف الانبار الاتحادية، ستذهب الى بغداد دون رجعة الا من كان لهم نفوذ وسطوة حزبية، ولهذا اقتصر المسافة ولا اريد الدخول في مساومة على حقوقي".
وحتى الآن لم يتم تعويض أكثر من 2 بالمائة من المستحقين، وهم في الغالب من شرائح الأنبار المحسوبة على الساسة أو أقرباء المسؤولين وأعضاء في مجلس المحافظة وقادة عشائر، وفق ما يقول سكان.
*معاناة المتضررين
وفي وقت سابق، يقول المهندس احمد هادي مدير مكتب تعويضات الفلوجة ان "أسباب تأخير صرف مستحقات المواطنين من التعويضات، يعود الى ان لجنة التعويضات المركزية تحت إدارة قاض واحد، وهو ما يعيق إنجاز هذا الكم الهائل من المعاملات في وقت قصير".
ويضيف "أكثر من 25% من المواطنين المستحقين لمبالغ التعويضات لم يروجوا معاملاتهم بسبب حالة اليأس التي يعيشها أهالي المحافظة، والتي انعكست سلباً على المظهر العمراني للمدينة وحالة الاستقرار التي ننشدها".
إبراهيم العوسج قائم مقام الرمادي، يرى ان "تأخر صرف التعويضات سبب رئيسي في عدم عودة الكثير من أهالي المحافظة، بسبب هدم دورهم وعدم قدرتهم عل اعادة بنائها".
ويقول محمد صلاح (29 سنة)، وهو من سكنة قضاء الرمادي مركز محافظة الانبار، " سنوات ونحن على أمل أن تصرف مستحقاتنا لنتمكن من تأهيل منازلنا التي دمرت ابان الحرب، وليس بإمكاننا تأجير منزل آخر لنحتمي به من الأمطار".
وأضاف، بينما كان الاستياء يعلو وجهه، في حديثه، أن "الاموال الطائلة التي صرفت من أجل تأهيل شوارع غرقت في أول موجة أمطار شهدتها مدن الانبار، لو صرفت لنا كتعويض على ما أصابنا، لكان خير من هذه المشاريع".
وقالت سعاد رسمي وهي من سكنة قضاء الفلوجة شرقي الانبار، "توفي زوجي أثناء القصف على المدينة، ودمر منزلي أيضا، ولم احصل على اي تعويض، لا تعويضات الشهداء والجرحى، ولا تعويضات الدور المهدمة، وها أنا اسكن مع ايتامي الثلاثة في غرفة مهترئة بمنزل مدمر، ونصبر على أمل إطلاق التعويضات".
وابدى عدد من المواطنين تحفظهم على اسلوب عمل لجان التعويضات في المناطق المحررة واساليب الابتزاز التي يتعاملون بها مع المواطنين، في حين أكد مسؤولين ان التعويضات التي وزرعت على مواطني الانبار بلغت 50 مليار دينار.
ويبين المواطن جاسم الشمري، ان تلك اللجان لديها سماسرة ووسطاء في جميع الاقضية والنواحي في عموم المناطق المحررة وهم من يقوموا بالاتفاق مع المواطنين الذين تضررت املاكهم بسبب العمليات الارهابية والعسكرية، مؤكداً ان هؤلاء الوسطاء يطالبون المواطنين بدفع 10 بالمئة من مبلغ التعويض تدفع مقدماً مقابل تسهيل اجراءات المعاملة".
وتأسس صندوق إعادة إعمار المناطق المحررة وفقًا للمادة (28) من قانون الموازنة لعام 2015، ليكون جهازًا ينسق بين المنظمات الدولية والوزارات العراقية في عمليات إعادة الإعمار، إلا أنه لم يتمكن إلى الآن من تحقيق أي خطوة إيجابية، بل اعتبر حلقة زائدة تشوبها المحاصصة، وفقًا لمراقبين.