حسين جلّود يخوض معركة قضائية ضد شركة "بي بي" البريطانية بسبب وفاة ابنه بالسرطان.. انفوبلس تسرد قصته "المؤلمة"
أب لسبعة أطفال ومُثقل بالديون
حسين جلّود يخوض معركة قضائية ضد شركة "بي بي" البريطانية بسبب وفاة ابنه بالسرطان.. انفوبلس تسرد قصته "المؤلمة"
انفوبلس/ تقرير
يخوض المواطن العراقي "حسين جلّود" الذي فقد ابنه بعد صراع مع سرطان الدم والساكن في محافظة البصرة، معركة قضائية ضد شركة "بي بي" البريطانية؛ لاعتقاده بأن مرضه سببه حرق الغاز في أكبر حقل نفط في العراق. ويسلط تقرير شبكة "انفوبلس"، الضوء على قصة جلود المثقل بالديون.
و"بي بي" من أكبر وأقدم شركات النفط العاملة في العراق، ومن أكبر منتجي الخام في العام، وتعمل فيه منذ عشرينيات القرن الماضي. وتعمل في حقل الرميلة بشراكة مع مجموعات أخرى بينها شركة نفط البصرة المملوكة للدولة.
ويطلب المواطن "جلود" المثقل بالديون، أن تدفع له الشركة التي تُعرف باسم "بريتش بتروليوم"، تعويضاً يغطي مصاريف علاج نجله، بما يشمل علاجه الكيميائي وعملية زرع نخاع العظم، ثم تكلفة جنازة علي الذي توفي في أبريل/ نيسان 2023 عن 21 عاماً.
ويقول جلود (55 عاماً) من منزله المتواضع قرب حقل الرميلة في محافظة البصرة بجنوب العراق لوسائل إعلام دولية، "علي لا يُعوّض بمال ولا أكثر من مال، لكن ما أطلبه هو حقي". ويضيف، إن تحركه ضد شركة النفط البريطانية العملاقة "ليس من أجل علي فقط، وإنما أيضاً من أجل الفقراء والمصابين والذين توفَّوا في المنطقة".
وفي 22 أبريل/ نيسان الماضي 2024، أرسل جلود خطاباً إلى الشركة يشرح ادعاءه، لكن حال عدم التوصل لاتفاق أو عدم حصوله على رد يرضيه، فإن المرحلة الثانية ستتضمن إجراءات أمام المحكمة، وفق شركة المحاماة Hausfeld & CO التي تمثل الوالد المكلوم.
وفي عام 2022، وثّقت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تحقيق حول ارتفاع خطر الإصابات بالسرطان قرب حقول النفط العراقية، حياة علي جلود الشغوف بكرة القدم، الذي شُخصت إصابته بالمرض في 2016.
ويروي والده، إنه خلال لقائه الطبيب، سأله الأخير أين تقطن العائلة. وعند إجابته أنه قرب حقل نفط ومحارق غاز، ردّ "هذا هو سبب إصابة علي بالسرطان".
*انبعاثات "مسرطنة"
لم ترد شركة "بي بي" على طلب وسائل الإعلام الدولية التعليق، لكنها قالت في بيانات رداً على "بي بي سي" إنها لم تكن يوماً الجهة المشغّلة لحقل الرميلة، بل تقاضت الرسوم على شكل مخصصات من النفط الخام لقاء خدمات تقنية تقدمها.
وأعربت عن "قلق شديد" تجاه ما ورد في تقرير "بي بي سي"، مشددة على أنها "تعمل مع شركاء في الرميلة". وأشارت لانخفاض بنسبة 65% في حرق الغاز خلال السنوات السبع الماضية، وأن العمل مستمر لتحقيق خفض إضافي.
وحذرت منظمة "غرينبيس - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في بيان الشهر الماضي حول قضية جلود، أن حرق الغاز ينتج "عدداً كبيراً من الملوّثات المرتبطة بالسرطان، بما في ذلك البنزين".
وفي كل مرة يفتح فيها جلود باب منزله، أول ما يراه هو مشاعل حرق الغاز والدخان الأسود الكثيف، مؤكداً أن رؤيته يومياً لما يحمّله مسؤولية رحيل ابنه يولّد في نفسه "شعوراً حزيناً".
أمام منزله، يلعب أطفال كرة القدم أو يركبون دراجاتهم الهوائية، غير مدركين للخطر المحدق بهم في الهواء، وفقاً للوسائل.
وإحراق الغاز هو التخلص من الغاز الطبيعي المصاحب لاستخراج النفط، ويُعد مصدراً أساسياً لتلوث الهواء عبر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان الخام والكربون الأسود، بحسب تقارير دولية رصدتها شبكة "انفوبلس".
*أب لسبعة أبناء
واضطر جلود، وهو أب لسبعة أبناء، إلى بيع مصوغات ذهبية وأثاث منزلي، والحصول على قرض مصرفي، إضافة إلى الاقتراض من أصدقاء، لتغطية علاج علي ثم جنازته. ويقول إنه على غرار آخرين يعيشون قرب حقل النفط، لكن إمكاناتهم المادية لا تسمح لهم بالانتقال إلى مكان آخر.
ونقلت شركة المحاماة الممثلة لجلود أنه وفقاً للقانون العراقي، يُمنع أن تكون مصافي النفط على مسافة ما دون عشرة كيلومترات من منطقة سكنية. لكن "الأدلة" تشير في حقل الرميلة إلى أن حرق الغاز يتم على بعد خمسة كيلومترات فقط من المجمعات السكنية.
ويقول جلود، "نعيش هنا رغم الصعوبة والخوف من هذا المرض"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن كُثُراً في المنطقة أُصيبوا بالسرطان نتيجة حرق الغاز. ويتابع، "الهدف من هذه الدعوى (ضد بي بي) ليس فقط علي، وإنما التقليل من الغاز المحترق، وتأمين مستلزمات طبية للمرضى مجاناً، ومساعدة الفقراء غير القادرين على الانتقال إلى مكان آخر".
ويعتبر حقل الرميلة الذي يمتد على مساحة 1800 كيلومتر مربع في منطقة البصرة جنوبي العراق، وتديره شركة أجنبية، أسوأ حقل نفطي من ناحية معدلات الانبعاثات الناتجة عن غاز الشعلة، المسبب الرئيسي لإصابات سرطان الدم.
يتكون مجمع الرميلة من 4 محطات لإنتاج الغاز ومحطة لتسييل الغاز الطبيعي، وكلها على مقربة من بعضها البعض، وتنشر انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في الهواء، وهذا يفسر على الأرجح سبب رؤية أعمدة ثاني أكسيد النيتروجين القادمة من شمال الرميلة، وهي تتحرك مئات الكيلومترات لتجتاح مدينة البصرة.
وبحسب "بي بي سي"، فإنه يُعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي يبدأ فيها أحد الأفراد إجراءات قانونية ضد شركة نفط كبرى بسبب ممارسات حرق الغاز.
تتحفظ الحكومة العراقية عادة على الحجم الفعلي لإصابات السرطان الناتجة عن استنشاق غاز الشعلة، لكن وثيقة مسربة من وزارة الصحة كشفت أن معدل الإصابة بالسرطان أعلى بـ3 مرات في البصرة، جنوب العراق، مما هو وارد في السجلات الرسمية.
في عام 2022 بلغ إجمالي ما تم حرقه 139 مليار متر مكعب حول العالم، وفقاً لبيانات البنك الدولي، التي أكدت أن العراق يُعد ثاني أكثر دولة بعد روسيا تحرق الغاز المصاحب عالمياً، وقد بلغ مجمل ما تم إحراقه في عام 2022 نحو 18 مليار متر مكعب.
وانضم العراق عام 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول 2030. في المقابل تؤكد الحكومة العراقية سعيها إلى وقف حرق الغاز المصاحب واستغلاله لتشغيل محطات الطاقة، مما يقلل اعتمادها على الغاز المستورد من إيران والضروري لإنتاج الكهرباء.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في مايو (أيار) الجاري أنه يسعى إلى إنهاء حرق الغاز المصاحب خلال ثلاث إلى خمس سنوات لـ"إيقاف الآثار البيئية المدمرة لهذه العملية".
وتقدم وزارة النفط العراقية الدعم لقطاع الصحة في البلاد ومن بينها محافظة البصرة المعروفة بإنتاج النفط. وأعلنت وزارة الصحة في فبراير (شباط) الماضي، عن إجراءات لمكافحة السرطان بينها اتفاق مع شركة نفط البصرة لبناء مركز للأورام.
وبحسب أطباء تحدثوا لـ"انفوبلس"، فإن ارتفاع أعداد الوفيات المستمر في البصرة والعراق عموماً، يمثل حالة مأساوية ولكنها متوقعة، خصوصاً مع هذه الزيادة الخطيرة في أعداد الوفيات، والتي نأمل أن تختفي هذه الشركات النفطية في المستقبل وتقييد عمليات الحرق للغاز، وتتوقف عمليات الانبعاثات الغازية من الآبار النفطية، وأن تستخدم الوسائل الحديثة في عمليات الحرق، واستغلال الغاز المصاحب بدلاً من إحراقه.
يشار الى أن الحكومة العراقية أعلنت بصورة رسمية عن وجود صلة بين التلوث الناتج عن الاحتراق وبين الامراض السرطانية المنتشرة في العراق، وبزيادة لافتة وخطيرة تنذر بوجود أزمة حقيقية في انتشار الأمراض السرطانية في البلاد.
وتوصلت دراسة وبائية حديثة، إلى أن معدلات الإصابة بالسرطان في البصرة، ارتفعت بنسبة 30% منذ عام 2005. في حين توصلت دراسة أخرى، إلى أن النساء اللاتي يعشنَ بالقرب من مشاعل الغاز كُنَّ أكثر عرضة للولادة المبكرة بنسبة 50%.
وعلى غرار معاناة السكان في جنوب العراق، يعاني سكان العديد من المناطق في محافظة نينوى شمال البلاد، من المشكلة ذاتها، ويقول شاهد عيان من سكان المنطقة: إن الدخان الأسود المحمل بمختلف الغازات السامة، الذي تصدره مصفاة "القيارة" على الضفة الغربية لنهر دجلة، يغطي سماء المدينة لساعات طويلة.
وتبعد ناحية القيارة نحو 50 كيلومترا إلى الجنوب من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، وتضم مصفاة نفط قديمة أُنشئت في خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب حقلين نفطيين "القيارة والنجمة".
كما تلحظ تقارير بيئية، وجود زيادة كبيرة في عدد منشآت حرق الغاز في شمال العراق. وهو الأمر الذي رفع نسبة حجم تلوث الهواء في هذه المناطق بشكل كبير.